مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 6

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 6/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الصلاة

فصل في الأذان و الإقامة

اشارة

(فصل في الأذان و الإقامة)

فصل في أحكامهما

اشارة

لا إشكال في تأكد رجحانهما في الفرائض اليومية، أداء و قضاء،

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطاهرين.

(فصل في الأذان و الإقامة) الأذان شعار الأمة الإسلامية و الشريعة المقدسة الختمية، يقام هذا الشعار العظيم- الداعي إلى التوحيد و خلع الأنداد- في كلّ يوم و ليلة مرات، و ينادى في الجوامع و المجامع بأعلى الأصوات إلى الرسالة الحقة الإلهية و أفضل العبادات و الطاعات، و يكون نحوا من إتمام الحجة على العباد إلى يوم التناد.

و المعروف بين العامة أنّ الأذان أخذه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من رؤيا عبد اللّه بن زيد في منامه (1)، و نقل ذلك بالنسبة إلى رؤيا أبيّ بن كعب أيضا (2)، و هذه القصة علي أي تقدير باطلة من جهات:

الأولى: إجماع الإمامية على خلافها.

الثانية: النص الدال بأنّ الأذان شرّع في ليلة الإسراء، فأذّن جبرئيل لصلوات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هناك (3).

الثالثة: مقام النبوة- لا سيما خاتم الأنبياء- يجلّ من أن يأخذ حكما إلهيا عام البلوى في أمته برؤيا شخص من أمته، و الظاهر بل المعلوم أنّ أصل القصة افتعلت بعد وقوع التغيير في فصول الأذان خوفا من تهييج أذهان سواد الناس بأنّ هذا

ص: 5


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
2- كما في موثق ابن أذينة راجع الوافي ج: 5 صفحة: 13. و راجع سنن ابن ماجه باب الأذان.
3- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الأذان و الإقامة.

جماعة و فرادى، حضرا و سفرا، للرجال و النساء (1). و ذهب بعض العلماء إلى وجوبهما (2)، و خصه بعضهم بصلاة المغرب و الصبح (3)، و بعضهم بصلاة الجماعة (4) و جعلهما شرطا في صحتها، و بعضهم جعلهما شرطا في حصول ثواب الجماعة (5). و الأقوى

______________________________

التغيير إنّما وقع في نوم رجل لا في الوحي السماوي الذي نزل به جبرئيل عليه السلام ففي صحيح ابن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لما أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حضرت الصلاة أذّن جبريل و أقام الصلاة، فقال عليه السلام: يا محمّد تقدم، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تقدم يا جبرئيل، فقال له: إنّا لا نتقدم على الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم» (1).

(1) بإجماع المسلمين، بل ضرورة الدّين، و إطلاق المستفيضة الآتية.

(2) إن كان مراده (قدّس سرّه) وجوبهما مطلقا، فلم يظهر قائل به.

نعم، حكي عن الشيخين و ابن البراج و ابن حمزة (قدس سرهم) القول بوجوبهما في صلاة الجماعة. و عن أبي الصلاح (قدس سره) أنّهما يشترطان فيها فيكون المراد بالوجوب الوجوب في الجملة لا مطلقا.

(3) نسب ذلك إلى السيد و ابن عقيل (قدس سرهما)، لما يأتي في القسم الثاني من الأخبار مع المناقشة فيها.

(4) كما في الغنية و الكافي و المصباح، و عن جمع: الاختصاص بالرجال في الجماعة و نسب ذلك إلى الأكثر، و لعلّ المراد بإطلاق الآخرين ذلك أيضا إذ لم يعهد جماعة للنساء. ثمَّ إنّ إطلاق وجوبهما للجماعة يحتمل التعبدية و الشرطية، و لم تظهر الأخيرة إلا من أبي الصلاح، و مقتضى الأصل عدم كلّ منهما إلا بدليل معتبر و هو مفقود، كما يأتي.

(5) نسب ذلك إلى الشيخ رحمه اللّه و يمكن أن يكون هذا مراد الجميع و إن قصرت عباراتهم عن إفادته، كما هو شأن عبارات القدماء، فلا نزاع في البين.

ص: 6


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.

استحباب الأذان مطلقا (6)، و الأحوط عدم ترك الإقامة

______________________________

(6) البحث في وجوبهما تارة من حيث الأصل العملي، و أخرى من حيث الدليل اللبي، و ثالثة من حيث الاعتبارات المأنوسة، و رابعة من حيث الأخبار التي هي العمدة.

أما الأول: فقد استقر المذهب على أنّ المرجع في الشك في الوجوب هو البراءة بلا فرق بين الوجوب النفسي و الغيري، إذ الأخير من موارد الأقلّ و الأكثر الذي حقق في محلّه أنّ المرجع فيها البراءة، و الأول من الشك في أصل التكليف الذي اتفق النص و الفتوى فيه إلى الرجوع إلى البراءة العقلية و النقلية.

و أما الثاني: فالظاهر أنّه لا وجه للإجماع في مثل هذه المسألة التي كثر الخلاف فيها، و المقطوع به أنّ الفتاوى إنّما حصلت من الأخبار التي بأيدينا لا أن يكون قد وصل إلى المتقدمين ما لم يصل إلينا فلا وجه للإجماع أصلا.

و أما الثالثة: فلا ريب في أنّه لو كانا أو أحدهما واجبا لاشتهر في هذا الأمر العام البلوى في كلّ يوم و ليلة مرات عديدة عند جميع المسلمين، كاشتهار الطهارة و القبلة و وجوب الفاتحة في الصلاة، إذ لا يتصوّر وجه لخفائه و إخفائه حتّى تصل النوبة إلى اجتهادات الفقهاء، و ليس ذلك مما تتوفر الدسائس في خفائها و إخفائها.

و أما الأخيرة و هي أقسام:

الأول: ما هو ظاهر في عدم وجوب الأذان و الإقامة مطلقا، و هي أخبار كثيرة، جملة منها مشتملة على هذا المضمون: «إذا أذنت و أقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة، و إذا أقمت صلّى خلفك صف من الملائكة».

كصحاح الحلبي (1) و محمد بن مسلم (2)، و غيرهما. و في بعضها:

«من أذن و أقام صلّى خلفه صفّان من الملائكة، و إن أقام بغير أذان صلّى عن

ص: 7


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 2.

.....

______________________________

يمينه واحد و عن شماله واحد، ثمَّ قال: اغتنم الصفين».

كما في خبر العباس بن هلال (1). و ظهور مثل هذه التعبيرات في الاستحباب مما لا ينكر، إذ لو كانا واجبين- نفسا أو شرطا- لأشار عليه السلام إلى العقاب على المخالفة أو بطلان الصلاة معها، مع انه عليه السلام لم يشر إلى شي ء منها و قال: «اغتنم الصفين» إشارة إلى درك الفضيلة فقط.

و يمكن أن تكون هذه الأخبار حاكمة على جميع أخبار الباب لكونها مشتملة على الحكمة فقط في تشريعهما، ففي خبر زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتّى دخل في الصلاة، قال عليه السلام: فليمض في صلاته، فإنّما الأذان سنة» (2).

و المتبادر منه السنة بمعنى الندب لا ما ثبت تشريعه بغير القرآن إلا مع القرينة و هي مفقودة.

الثاني: ما يظهر منها الوجوب مطلقا كموثق عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا بد للمريض أن يؤذن و يقيم إذا أراد الصلاة و لو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلم به. سئل فإن كان شديد الوجع؟ قال عليه السلام: لا بد من أن يؤذن و يقيم، لأنّه لا صلاة إلا بأذان و إقامة» (3).

و في موثقة الآخر عنه عليه السلام: «إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن و أقم، و افصل بين الأذان و الإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح»(4).

و يظهر من بعض الأخبار الوجوب في الجملة أيضا، كقول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق سماعة: «لا تصلّ الغداة و المغرب إلا بأذان و إقامة، و رخص في سائر الصلوات بالإقامة و الأذان أفضل» (5).

ص: 8


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.

.....

______________________________

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتح الليل بأذان و إقامة، و تفتتح النهار بأذان و إقامة، و يجزيك في سائر الصلوات بغير أذان»(1).

و في صحيح صفوان بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا بد في الفجر و المغرب من أذان و إقامة في الحضر و السفر- الحديث-» (2).

(و فيه): أنّها معارضة بما دل على الترخيص في ترك الأذان مطلقا أو في الجملة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل هل يجزيه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال عليه السلام: نعم، لا بأس به» (3).

و صحيح ابن سنان عنه عليه السلام أيضا: «يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» (4).

و صحيح الحلبي عنه عليه السلام أيضا عن أبيه عليه السلام: «أنّه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة و لم يؤذن»(5).

و يظهر منه استمراره عليه السلام على ذلك، و ظاهر الصحيح الأول عدم الفرق بين المنفرد و الجامع إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في عدم وجوب الأذان و الترخيص في تركه، و الجمع بين هذه الأخبار و بين ما يظهر منها الوجوب مطلقا أو في بعض الصلوات كالمغرب و الصبح و الجماعة هو الحمل على الفضيلة و لها مراتب متفاوتة، فيكون الفضل بالنسبة إلى المغرب و الغداة و الجماعة أشد بالنسبة إلى غيرها من الصلوات، مع أنّ اشتمال موثق عمار على المندوب من الفصل بين الأذان و الإقامة يوهن استفادة الوجوب عنه، و بعد هذا الجمع العرفي المقبول بالنسبة إلى الأذان لا وجه لاستفادة وجوب الإقامة أيضا، لأنّ قوله عليه السلام في موثق سماعه: «لا صلاة إلا بأذان و إقامة» (6)، و قوله عليه السلام: «لا تصلّ

ص: 9


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3 و 4 و 6.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3 و 4 و 6.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3 و 4 و 6.
6- الوسائل باب: 35 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

.....

______________________________

الغداة و المغرب إلا بأذان و إقامة» (1).

لا يبقى ظهور في وجوب الأذان و الإقامة أو حرمة تركهما في المغرب و الغداة بعد ملاحظة غيرهما من الأخبار، لأنّ الأمر في مثل هذه التعبيرات يدور بين حملها على نفي الكمال بالنسبة إليهما، أو نفي الكمال بالنسبة إلى الأذان و نفي الحقيقة بالنسبة إلى الإقامة، أو نفي الحقيقة بالنسبة إليهما فلا وجه لاستفادة الوجوب مطلقا، لتعدد الاحتمالات، بل المتعيّن هو الاحتمال الأول، لما تقدم من الأخبار في القسم الأول.

فظهر من ذلك بطلان القول بوجوبهما حتّى للمغرب و الغداة، مع أنّه قد عبّر فيهما بلفظ «لا ينبغي» كما يأتي في خبر أبي بصير.

القسم الثالث من الأخبار: المستفيضة الدالة على أنّ الإقامة أقلّ المجزي، كقوله عليه السلام: «و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان» (2) و قريب منها غيرها من الروايات إليه.

فتدل على وجوب الإقامة في جميع الفرائض.

(و فيه): أنّ المراد بها الاجتزاء في الخروج عن عهدة التكليف الشرعي واجبا كان أو مندوبا، و يستعمل هذا التعبير في المندوبات كثيرا، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «أقلّ ما يجزيك من الدعاء بعد الفريضة أن تقول- الحديث-» (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يجزيك من الاضطجاع بعد ركعتي الفجر القيام- الحديث-»(4).

و في خبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يا إسحاق إنّ القليل من

ص: 10


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
2- تقدم آنفا مصدره ص: 9.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب التعقيب حديث: 1.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب التعقيب حديث: 2.

.....

______________________________

الغالبة يجزي» (1).

إلى غير ذلك من الأخبار، فليس لأحد أن يتمسك بهذه الأخبار على عدم إجزاء الصلاة بترك الإقامة. نعم، لا تجزي بالنسبة إلى مرتبة من الفضيلة لا بالنسبة إلى سقوط الأمر و التكليف.

القسم الرابع: الأخبار الدالة على نفي الأذان و الإقامة للنساء (2)، و تدل بالمفهوم على ثبوتهما للرجال.

(و فيه): أنّ النفي أعم من عدم الوجوب و عدم تأكد الرجحان بعد العلم بعدم إرادة نفي المشروعية و المتيقن هو الثاني، مع أنّه من مفهوم اللقب، فلا تدل هذه الأخبار إلا على تأكيد الرجحان للرجال، كما ورد في نفي الجماعة و التشييع و نحوهما للنساء.

الخامس: ما تدل على مراعاة شرائط الصلاة في الإقامة- من الطهارة و القبلة و غيرهما(3) مما يأتي.

(و فيه): أنّه لا ينافي أصل الاستحباب، كما في الصلوات المندوبة و التعقيب و نحوهما.

السادس: ما تدل على قطع الصلاة لتدارك الإقامة (4).

(و فيه): أنّ كشفها عن الأهمية مسلّمة، و أما الوجوب فلا، و يأتي إن شاء اللّه تعالى في فصل عدم جواز قطع الفريضة، جواز قطعها لبعض الأمور الجائزة فراجع، فليكن المقام منها أيضا.

السابع: ما دل على أنّ الإقامة من الصلاة، كخبر أبي هارون المكفوف قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا

ص: 11


1- الوسائل باب: 96 من أبواب آداب الحمام حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الأذان و الإقامة.
3- الوسائل باب: 9 و باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة.

.....

______________________________

تتكلّم و لا تومئ بيدك» (1).

و في خبر يونس عليه السلام أيضا: «إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنّك في الصلاة» (2). و نحوهما غيرهما.

(و فيه): أنّه لا إشكال في أنّ مثل هذه الأخبار يكشف عن كمال الاهتمام بالإقامة، و لكن بعد ملاحظتها مع ما مر من الأخبار لا ظهور لها في الوجوب، و ليس طريق الاستنباط أن يقصر النظر على خبر واحد و يغمض عن سائر ما ورد من أنّ الصلاة أولها التكبيرة و آخرها التسليمة، و ظهوره بل نصوصيته في خروج الإقامة عن الصلاة مما لا ينكر.

و خلاصة القول: إنّ استفادة الأهمية خصوصا للإقامة، و خصوصا للمغرب و الصبح و الجماعة مما لا ينكر. و أما الوجوب فلا يستفاد من الأدلة بالنسبة إلى شي ء منها، فهو بلا دليل، بل و كذا الاحتياط الوجوبي، فالمقام نظير ما ورد في قراءة القرآن و الدعاء و التعقيب و نحوها من الترغيبات الأكيدة، فراجع و تأمل.

و استدل لوجوبهما للجماعة بخبر أبي بصير عن أحدهما عليه السلام:

«سألته أ يجزي أذان واحد؟ قال عليه السلام: إن صلّيت جماعة لم يجز إلا أذان و إقامة و إن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك يجزئك إقامة إلا الفجر و المغرب، فإنّه ينبغي أن تؤذن فيهما و تقيم، من أجل أنّه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات» (3).

(و فيه) أولا: إنّ الإجزاء إنّما هو بالنسبة إلى التكليف الشرعي، سواء كان واجبا أم مندوبا، كما تقدم.

و ثانيا: أنّه معارض بصحيح ابن رئاب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت: تحضر الصلاة و نحن مجتمعون في مكان واحد أ تجزينا إقامة

ص: 12


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

للرجال (7) في غير موارد السقوط (8) و غير حال الاستعجال و السفر و ضيق الوقت (9)، و هما مختصان بالفرائض اليومية (10).

______________________________

بغير أذان؟ قال عليه السلام: نعم»(1).

و عنه عليه السلام في خبر الحسن بن زياد: «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة» (2).

و تشهد لعدم الوجوب مطلقا صحيحة حماد (3) و حريز (4) الواردتان لبيان أجزاء الصلاة و شرائطها و كيفياتها، و لم يذكرا فيهما مع اشتمالهما على جملة من المندوبات. فالأقوى استحبابهما مطلقا و عدم وجوبهما كذلك، و إن كان الاحتياط في الإقامة ينبغي مراعاته.

(7) خروجا عن خلاف من أوجبها إما مطلقا أو على خصوص الرجال و قد عرفت المناقشة فيه، فيما تقدم.

(8) تأتي موارد السقوط في [مسألة 1 و 3] و يأتي ما يتعلق بالاستعجال و السفر عند قوله بعد أسطر: «و يجوز للمسافر و المستعجل الإتيان بواحد من كلّ فصل».

(9) لأهمية درك الوقت بالنسبة إليهما، سواء قيل بالوجوب أم لا. نعم بناء على الأول يجب الإتيان بما أمكن، لقاعدة الميسور، و على الثاني يستحب بناء على جريان القاعدة في المندوبات أيضا، و يأتي ما ينفع المقام آنفا إن شاء اللّه تعالى.

(10) للأصل، و إجماع المسلمين، و ظواهر الأدلة التي تقدم بعضها.

و أما قوله عليه السلام في موثق عمار: «لا صلاة إلا بأذان و إقامة» (5).

فمحمول على الفرائض بقرينة غيره.

ص: 13


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 10 و 8.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 10 و 8.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1 و 5.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1 و 5.
5- الوسائل باب: 35 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

و أما في سائر الصلوات الواجبة فيقال: (الصلاة) ثلاث مرات (11). نعم، يستحب الأذان في الاذن اليمنى من المولود و الإقامة في أذنه اليسرى يوم تولده، أو قبل أن تسقط سرته (12). و كذا يستحب

______________________________

(11) لخبر إسماعيل الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت له:

أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟ قال عليه السلام: ليس فيهما أذان و لا إقامة، و لكن ينادي: الصلاة ثلاث مرات»(1).

و يمكن الأخذ بإطلاق الجواب بعد حمل صلاة العيدين في كلام السائل على المثال، فيجري الحكم في جميع الصلوات المطلوب فيها الاجتماع، كما يشهد له قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «ليس يوم الفطر و لا يوم الأضحى أذان و لا إقامة، أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا- الحديث-» (2).

فيستفاد منه أنّ المناط كلّ ما هو يشهد بالإعلام. هذا و لكن الأولى الإتيان بها في غير العيدين رجاء.

(12) لجملة من الأخبار كمرسل الفقيه قال عليه السلام: «المولود إذا ولد يؤذن في أذنه اليمنى و يقام في اليسرى» (3).

و في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، و ليقم في أذنه اليسرى فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم» (4).

و أما كونه يوم ولادته فلما روي عن الرضا عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أذّن في أذن الحسين عليه السلام بالصلاة يوم ولد» (5).

و أما الأخير فلخبر أبي يحيى الرازي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أذن

ص: 14


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة العيد حديث: 1 و 5.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة العيد حديث: 1 و 5.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 1.
5- الوسائل باب: 36 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 1 و 2.

الأذان في الفلوات عند الوحشة من الغول و سحرة الجن (13)، و كذا يستحب الأذان في أذن من ترك اللحم أربعين يوما (14)، و كذا كلّ من ساء خلقه. و الأولى أن يكون في أذنه اليمنى (15)، و كذا الدابة إذا ساء خلقها (16).

______________________________

في أذنه اليمنى، و أقم في اليسرى تفعل ذلك قبل أن تقطع سرته» (1).

و الجمع بينهما بالتخيير في فعل ذلك من حين ولادته إلى حين قطع سرته.

(13) لخبر الجعفي عن محمد بن عليّ عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا تغوّلت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة» (2).

و نحوه غيره. و الغول واحد الغيلان «و هي جنس من الجنّ و الشياطين، كانت العرب تزعم أنّ الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغوّل تغولا: أي تتلوّن تلونا في صور شتّى، و تغولهم أي تضلّهم عن الطريق و تهلكهم» كما في النهاية الأثيرية، و على هذا يمكن أن يكون سحرة الجن تفسيرا للغول.

(14) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح هشام بن سالم: «اللحم ينبت اللحم و من تركه أربعين يوما ساء خلقه، و من ساء خلقه فأذنوا في أذنه» (3).

و نحوه غيره. و يستفاد منه استحبابه بالنسبة إلى كلّ من ساء خلقه، و لو كان حيوانا، و كان سببه غير ترك اللحم.

(15) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر الواسطي: «فمن تركه- أي اللحم- أربعين يوما ساء خلقه، و من ساء خلقه فأذنوا في أذنه اليمنى» (4).

(16) لما تقدم، و لخصوص خبر أبي حفص: «من لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه فإذا ساء خلق أحدكم من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنه الأذان كلّه» (5).

ص: 15


1- الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1 و 8 و 7.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1 و 8 و 7.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1 و 8 و 7.

ثمَّ إنّ الأذان قسمان: أذان الإعلام، و أذان الصّلاة (17).

______________________________

(17) البحث في هذا الفرع من جهات:

الأولى: هل أنّ الأذان على قسمين: إعلامي و صلاتي، أو إنّه قسم واحد و هو الصلاتي فقط يؤتى به للإعلام أيضا؟ قولان.

مقتضى النصوص المستفيضة، بل المتواترة ثبوت تشريعه للصلاة، كما اعترف به في الجواهر، و ظاهر جملة من النصوص بل صريحها تشريعة للإعلام أيضا- بل عن جمع أنّه الأصل في تشريعه- مثل صحيح ابن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة» (1).

و في خبر سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام: «من أذن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة و لا ذنب له» (2).

و في خبر سعد بن طريف عنه عليه السلام أيضا: «من أذن عشر سنين محتسبا يغفر اللّه له مدّ بصره و صوته في السماء، و يصدّقه كلّ رطب و يابس سمعه، و له من كلّ من يصلّي معه في مسجده سهم، و له من كلّ من يصلّي بصوته حسنة» (3).

و في خبر بلال مؤذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من أذّن أربعين عاما محتسبا بعثه اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و له عمل أربعين صدّيقا عملا مبرورا متقبّلا» (4).

و في خبر محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المؤذن يغفر له مدّ صوته، و يشهد له كلّ شي ء سمعه» (5) و نحوها غيرها. و لو شك في تعدد

ص: 16


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 13 و 11.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 13 و 11.

.....

______________________________

الجعل و عدمه فلا ريب أنّ مقتضى الأصل عدمه. و هل المجعول الأولى حينئذ أذان الإعلام أو أذان الصلاة؟ يأتي التعرض له.

الثانية: في أنّ الأذان الإعلامي مستحب نفسي لكلّ أحد أو كفائي؟ ذهب بعض إلى الأول، لظاهر الإطلاقات، قال في الجواهر:

«و ظاهر الأدلة كونه مستحبا نفسيا، كما هو الأصل لا كفائيا. نعم، قد يشكل تكراره من شخص واحد في مكان واحد».

و لكن عن جمع الأخير، أما (أولا): فللأصل بعد حصول الإعلام بفعل واحد.

(و ثانيا): فلظاهر قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر زكريا: «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر: مؤذن أذن احتسابا، و إمام أمّ قوما و هم به راضون، و مملوك يطيع اللّه و يطيع مواليه» (1).

و لم يقل أحد بكون الإمامة مستحبة استحبابا نفسيا لكلّ أحد.

(و ثالثا): لما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ثلاثة لو تعلم أمتي ما فيها لضربت عليها بالسهام: الأذان، و الغدوّ إلى الجمعة، و الصف الأول» (2).

لأنّه لو كان مستحبا نفسيا لم يكن وجه لضرب السهام فيه.

(و رابعا): فلأنّ مؤذن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان معينا من أول تشريع الأذان إلى حين رحلته صلّى اللّه عليه و آله.

(و خامسا): فلفرض الفقهاء التشاح في الأذان و تقديم الأرجح، فمع الاستحباب النفسي له وجه للتشاح.

(و سادسا): فلما يأتي من استحباب استماعه و حكايته، و مع الاستحباب النفسي لا وجه لهما.

(و سابعا): فلعدم معهودية اجتماع مكلفي بلد أو قرينة على الأذان في

ص: 17


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.

.....

______________________________

عصر من الأعصار، بل ربما يستنكره المتشرعة، و هذه الوجوه و إن أمكنت المناقشة في بعضها إلا أنّ جميعها يكفي في الاطمئنان بالحكم.

الثالثة: هل يعتبر في الأذان الإعلامي جميع ما يعتبر في الأذان الصلاتي مما يأتي ذكره؟ قد يقال بالأول، لإطلاق ما دل على الاعتبار. و نوقش فيه: بأنّ المنصرف منه إنّما هو الأذان الصلاتي، و حينئذ فمقتضى الأصل عدم الاعتبار إلا إذا دل دليل بالخصوص على اعتباره فيه. و عن العلامة الطباطبائي قدس اللّه سره عدم اعتبار الاتصال بالصلاة في الإعلامي، و لا نية القربة بل و لا ترك الأجرة- على الإشكال- و لا اللحن، و التغيير في احتمال، و أنّه لا يجوز أن يؤخر عن أول الوقت بخلاف الصلاتي، و استجود ذلك كلّه في الجواهر.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الأصل في الأذان إنّما هو الأذان الصلاتي، كما هو ظاهر خبر المعراج(1) و صحيح منصور بن حازم (2)، و الإعلامي إنّما هو الصلاتي بحسب أصل التشريع يؤتى به لغرض الإعلام، و اختلاف الغرض لا يوجب الاختلاف في حقيقة الأذان فيعتبر في الإعلامي أيضا جميع ما يعتبر في الصلاتي إلا ما خرج بالدليل.

ثمَّ إنّه يترتب على الإعلام بدخول الوقت إعلامات أخرى لا بد من الالتفات إليها أيضا:

منها: الإعلام بتدارك الذنوب التي صدرت منه بالإقبال إلى الصلاة و فيها، كما يدل عليه خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك بين يدي اللّه (الناس): أيّها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفؤوها بصلاتكم» (3).

و منها: الإعلام بمضيّ مقدار من العمر و لا بد من اغتنام ما بقي منه.

و منها: الإعلام بعدم الحرص على الدنيا و التوجه إلى الآخرة، و لأجل ذلك

ص: 18


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الأذان و الإقامة.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الأذان و الإقامة.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 7.

و يشترط في أذان الصّلاة- كالإقامة- قصد القربة (18)، بخلاف أذان الإعلام فإنّه لا يعتبر فيه (19).

و يعتبر أن يكون أول الوقت (20)، و أما أذان الصلاة فمتصل بها و إن كان في آخر الوقت (21).

______________________________

كلّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يحشر المؤذنون من أمتي مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين» (1).

(18) لظهور الإجماع، و ارتكاز المتشرعة بأنّ الصلاة بمقدماتها، كالوضوء و الأذان و الإقامة، و لواحقها، كالتعقيب مما يعتبر فيها القربة، و يكفي الإضافة إلى الصلاة في قصد قربيتها، و لا يحتاج إلى أزيد من ذلك، للأصل.

(19) للأصل و ظهور الإطلاق، و لأنّ العلّة في تشريعه الإعلام بدخول الوقت و هو يحصل بلا قصد القربة، بل مع قصد الرياء أيضا. و ما عن جميع في تعليل اعتبار الذكورة فيه: من أنّ النهي عنه للنساء يوجب الفساد مبنيّ منهم على أنّه متحد مع الأذان الصلاتي و اعتبار القربة فيه. و هذا أول الدعوى، كما لا يخفى، و لكن يأتي في الفصل الثاني أنّ عبادية التكبيرات و الشهادات ذاتية عرفية، كعبادية الأذكار و القرآن و الدعاء، فيكفي قصد ذاتها و لو لم يقصد القربة، فيكون قصد الرياء مانعا لا أن يكون قصد القربة شرطا، و عليه لا ثمرة للنزاع إلا فيما إذا قصد الرياء فيصح الإعلامي حينئذ دون الصلاتي.

(20) لأنّه لا معنى لكونه إعلاما بدخول الوقت إلا كونه في أوله.

(21) لأنّه من الأذكار التي يؤتى بها تهيئة للدخول في الصلاة كجملة من الدعوات التي يدعي بها قبيل تكبيرة الإحرام، مع أنّ مفهوم أذان الصلاة عرفا كونه تابعا لها في أنه وقت أتى بها، و يجوز اجتماع عنوان الإعلامي و الصلاتي في أذان واحد.

ص: 19


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 22.

و فصول الأذان ثمانية عشر (22): اللّه أكبر. أربع مرات، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، و حيّ على الصّلاة، و حيّ على الفلاح، و حيّ على خير العمل، و اللّه أكبر، و لا إله إلّا اللّه، كلّ واحد مرتان.

و فصول الإقامة سبعة عشر (23): اللّه أكبر في أولها مرتان،

______________________________

(22) على المشهور، و المجمع عليه عندهم و قد استقر عليه المذهب، بل لا يبعد أنّ يعدّ من ضرورياته، و تشهد له جملة من النصوص كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يا زرارة تفتح الأذان بأربع تكبيرات و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين» (1).

و خبر العلل (2)، و الحضرمي (3)، و في صحيحتي صفوان و معاوية بن وهب: «الأذان مثنى مثنى»(4).

و مقتضى القاعدة الأخذ بهما و حمل غيرهما على الفضل و الفضيلة كما هو الشائع المتعارف في الفقه، و يصح القول بالتخيير أيضا بعد وجدان الأدلة لشرائط الحجية و يكون حينئذ من التخيير بين الأقلّ و الأكثر و لا محذور فيه، و لكن الشهرة و السيرة و الإجماع تمنع عن ذلك مع إمكان حمل بعضها على صورة العذر.

(23) للإجماع، و السيرة خلفا عن سلف، و قول أبي جعفر عليه السلام في خبر الجعفي: «و الإقامة سبعة عشر حرفا» (5).

الظاهر في ذلك، و لكن في صحيح ابن وهب: «الأذان مثنى مثنى و الإقامة واحدة واحدة»(6).

ص: 20


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2 و 13 و 9.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2 و 13 و 9.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2 و 13 و 9.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4 و 7.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 21 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

و يزيد- بعد حيّ على خير العمل- قد قامت الصّلاة- مرتين و ينقص من لا إله إلّا اللّه في آخرها مرة. و يستحب الصلاة على محمد و آله عند ذكر اسمه (24). و أما الشهادة لعليّ عليه السلام بالولاية و إمرة المؤمنين فليست جزءا منهما (25).

______________________________

و في صحيح ابن سنان: «الإقامة مرّة مرّة إلا قول اللّه أكبر اللّه أكبر فإنّه مرتان»(1).

و في صحيح زرارة و الفضيل (2): «إنّها كالأذان إلا في زيادة قد قامت الصلاة مع تثنية التكبير في أولهما و التهليل في آخرهما».

و في خبر الحضرمي (3): إنّهما كالأذان في تربيع التكبير في الأول و تثنيته في الآخر».

إلى غير ذلك من الأخبار، و مقتضى القاعدة فيها أيضا الأخذ بالأقلّ و هو مفاد صحيح ابن وهب و حمل غيره على مراتب الفضل و الفضيلة، أو القول بالتخيير كما تقدم، و لكن يمنع عنه ظهور الإجماع، و تحقق السيرة على الخلاف، مع إمكان حمل بعضها على التقية، أو المسافر، أو التعجيل.

(24) نصّا، و إجماعا، و ضرورة من المذهب، بل الدّين قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» (4).

(25) لعدم التعرض لها في النصوص الواردة في كيفية الأذان و الإقامة و لكن الظاهر أنّه لوجود المانع لا لعدم المقتضي، و يكفي في أصل الرجحان جملة من الأخبار:

منها: خبر الاحتجاج: «إذا قال أحدكم لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه

ص: 21


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 8.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

.....

______________________________

صلّى اللّه عليه و آله فليقل: عليّ أمير المؤمنين» (1).

و منها: الخبر المروي في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّا أول أهل بيت نوّه اللّه بأسمائنا إنّه لما خلق السماوات و الأرض أمر مناديا فنادى أشهد أن لا إله إلّا اللّه- ثلاثا- أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه- ثلاثا- أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقا ثلاثا» (2).

و منها: قوله عليه السلام: «و إن قال في أول وضوئه بسم اللّه الرحمن الرحيم طهرت أعضاؤه و إن قال في آخر وضوئه أو غسله من الجنابة: سبحانك اللهمّ- إلى أن قال- و أشهد أنّ محمّدا عبدك و رسولك و أشهد أنّ عليّا وليك و خليفتك بعد نبيك، و أنّ أولياءه خلفاؤك و أوصياؤه تحاتت عنه ذنوبه» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار- التي يقف عليها المتتبع- الواردة في الموارد المتفرقة التي يستفاد من مجموعها تلازم تشريع الشهادات الثلاث، مع استظهار جمع من الأساطين- كالشهيد و الشيخ و العلامة- رجحانه في الأذان، و هذا المقدار يكفي بعد التسامح في أدلة السنن و هم يتسامحون في الحكم بالاستحباب- في جملة من الموارد- بأقلّ قليل من ذلك كما لا يخفى، و قد صارت الشهادة بالولاية في الأذان و الإقامة من شعار الإمامية خلفا عن سلف من العلماء، و طريق الاحتياط الإتيان بها رجاء.

و حيث إنّ الشهادة بالولاية من فروع الخلافة النبوية فلا بأس بالإشارة إلى معنى الخلافة، و كيفية جعلها، و بيان من ينبغي أن يجعل له. فنقول:

أجمعت الأنبياء و المرسلون عليهم السلام و جميع المليين من الأديان السماوية على أنّ النبوة منصب إلهيّ يمنحه تعالى لمن يشاء و يمنعه عمن يريد، و تدل عليه الأدلة الأربعة كما فصّلت في الكتب الكلامية من الفريقين، و هذا من الأمور النظامية الاجتماعية في كلّ عصر و زمان، إذ السفير لا بد و أن يكون تحت

ص: 22


1- الاحتجاج صفحة: 78.
2- أصول الكافي كتاب الحجة باب مولد النبي حديث: 8. ج: 1 صفحة 439.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 21.

.....

______________________________

نظر الملك حدوثا و بقاء، فالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله سفير اللّه تعالى إلى خلقه فلا بد و أن يكون مربوطا بعالم الغيب، و أن يكون له على ذلك الارتباط دلالة و علامة و هي تسمّى بالمعجزة، فهي و سام و شارة إلهية يمنحها اللّه تعالى لسفرائه الخاصين به بحسب مراتبهم. هذا إجمال ما لا بد و أن يفصّل في غير المقام.

و أما الخلافة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فالشقوق المتصوّرة فيها خمسة.

الأول: أن يكون التقمص بها فوضى بين البشر بحيث كلّ من تغلب على الأمر بأيّ نحو كان، و على أيّ صفة فيه فهو خليفة اللّه في أرضه و له الوصاية عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الولاية على الأمة، فتكون خلافة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فوضوية بشتّى أنحائها و أسبابها المختلفة من الجلية و الخفية من أنحاء المكر و الحيلة و الشيطنة و نحو ذلك. و هذا القسم باطل بإجماع جميع الشرائع الإلهية بل جميع العقلاء بالنسبة إلى الديانات السماوية، و يحكم ببطلانه كلّ ذي فطرة سليمة.

الثاني: أن تكون باختيار الخلق فقط، بأن يجتمع جمع و يتفقوا على شخص و ينصبوه خليفة على المسلمين بلا إضافة إلى اللّه تعالى و لا جعل و تعيين منه عزّ و جلّ. نعم، يكون مورد رضائه و قضائه و قدره و إرادته جل جلاله. و هذا باطل من وجوه:

(أولا): خلافة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إبقاء لشريعته بحدودها و قيودها و حفظ للوحي السماوي النازل لتأسيس نظام بشري دينا و دنيا و آخرة، بل جميع النشآت التي تمر عليه. و لا ريب عند كلّ عاقل أنّ الاهتمام بالبقاء و الإبقاء لا بد و أن يكون أهم من أصل الحدوث فيما هو مبنيّ على الدوام إلى يوم القيامة خصوصا في مثل هذا الأمر الذي له الزعامة الكبرى- التي تسفك لأجلها الدماء و تستباح الأنفس و الأعراض و الأموال، و العيان يغني عن البيان- فكيف يعقل أن يدع اللّه عزّ و جلّ هذا الأمر العظيم إلى الخلق مع تشتت آرائهم و أهوائهم و أغراضهم، لا سيّما مع سبقهم بالجاهلية الجهلاء.

(و ثانيا): إنّه من المعلوم أنّ ربنا العليم الحكيم الذي لم يدع شيئا من الأحكام الجزئية إلا و أوحاه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ألهمه حتّى أرش

ص: 23

.....

______________________________

الخدش، كما في الخطبة النبوية، و خطرات القلوب، فقال تعالى إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ (1). و مع ذلك كيف يتوهم أن يهمل هذا الأمر الذي هو من أهم أمور الدين و الشريعة.

(و ثالثا): إنّ الإيكال إلى اختيار الخلق إلقاء للشقاق و النفاق و الاختلاف بينهم حدوثا و بقاء، كما هو معلوم لكلّ أحد في مثل هذا الموضوع، و الحكيم تعالى أجلّ من ذلك. و يأتي بعد هذا ما يظهر منه بطلان هذا الوجه أيضا.

الثالث: أن يكون بتعيين اللّه تعالى و تعيين الخلق، بأن يكون كلّ واحد منهم جزءا العلة، فلا يكفي تعيين اللّه تعالى فقط و لا تعيين الخلق كذلك، فإذا اجتمعا بالنسبة إلى شخص يكون خليفة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و هذا الوجه باطل أيضا إذ أيّ نقض في إرادة اللّه تعالى و تعيينه مع علمه الأزلي بخصوصيات الأمور و بداياتها و عواقبها حتّى تحتاج إلى تتميمها بإرادة الخلق المنبعثة عن الأغراض النفسانية الجسمانية، و أي خصوصية في هذا الحكم العظيم المهم الشرعي أن يتخصص بهذه الخصوصية دون سائر الأحكام الإلهية.

الرابع: أن يكون باختيار الخلق فقط من دون رضاء اللّه تعالى و إن شمله رضاؤه و علمه الأزلي، كما في المعاصي الصادرة عن الخلق فإنّها ليست برضاء اللّه و إن كانت بقضائه و علمه و قدره بنحو الاقتضاء لا العلية حتّى يلزم الجبر فيبطل العقاب، و لا ريب في بطلان هذا الوجه أيضا، لأنّ مقام خلافة أنبياء اللّه خصوصا النبوة الختمية لا بد و أن يكون برضاء اللّه تعالى، مضافا، إلى أنّه مع قدرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على التنصيص و التعيين لا يصح الإيكال إلى تعيين الأمة، فإنّه نقص في النبوة و هي كاملة من جميع الجهات قال تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ- الآية- (2).

و لا معنى للإكمال إلا العناية بتعيين الخليفة، لانطواء جميع جهات الكمال و الإكمال فيه إن كان من اللّه تعالى.

ص: 24


1- سورة آل عمران: 29.
2- سورة المائدة: 3.

.....

______________________________

إن قيل: بأنّ أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله منزهون عن كلّ مغمز و ريب، و قد قال صلّى اللّه عليه و آله: «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (1).

مع أنّه قد تحقق الإجماع على تعيين الخليفة و أنّه قال صلّى اللّه عليه و آله:

«لا تجتمع أمتي على الضلالة» (2) فيرجع التعيين إلى التعيين الإلهي المستند إلى الوحي لا الخلقي المنبعث عن الأغراض النفسانية.

يقال: بأنّ أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ما يستفاد من الكتاب و السنة على أقسام:

فمنهم: من يكون صحابيا ظاهرا من دون المتابعة الاعتقادية و العملية.

و منهم: من يكون صحابيا قولا و اعتقادا بلا عمل منه.

و منهم: من يكون تابعا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله بكلّ معنى الكلمة اعتقادا و قولا و عملا بل و حتّى الخطرات القلبية بحيث لم يكن مائز بينهما إلا النبوة. و مثل هذا الصحابي فوق مرتبة العدالة و الوثاقة و عليه فإن كان المراد بحديث:

«أصحابي كالنجوم» القسم الأخير فهو حق لا ريب فيه و إن كان المراد به باقي الأقسام ففيه نظر و كلام من جهات شتّى لا يسعها المقام. و لم تثبت أصالة العدالة في أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الصحابة، و لم يدل على هذا الأصل دليل من عقل أو نقل، كما أنّه لم يثبت الإجماع المزبور كما تعرضوا له في الكتب الكلامية بل أجمع محققو علماء الفريقين على عدم تحقق هذا الإجماع (3).

الخامس: أن يكون. بتعيين اللّه تعالى مباشرة بواسطة نبيه صلّى اللّه عليه و آله كما في جميع الأحكام الإلهية الموحى بها إلى رسوله صلّى اللّه عليه و آله من الواجبات و المحرّمات و الآداب و نحوها. و هذا هو المتعيّن، و لا ريب فيه من أحد

ص: 25


1- الآمدي: الموافقات ج: 4 ص: 77.
2- سنن ابن ماجه ج: 2 باب: 8 من كتاب الفتن ص: 1303 حديث: 3950.
3- العقد الفريد ج: 2 ص 249: و تاريخ الطبري ج: 3 ص: 199، و سيرة ابن هشام ج: 4 ص 339.

.....

______________________________

بعد فرض كون الخلافة من الأحكام الإلهية، و قد عيّن اللّه تعالى الوصيّ بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في نصوص كثيرة صادرة منه صلّى اللّه عليه و آله من الطرفين في عليّ عليه السلام و كتب إخواننا العامة مشتملة عليها، كحديث المنزلة (1)، و حديث الولاية (2)، و حديث الطير(3) و الثقلين(4) إلى غير ذلك مما لا تحصى من كثرتها.

هذا ما يتعلق بأصل ثبوت الخلافة إجمالا و تفصيله يطلب من غير المقام.

و أما طريق إثباتها فمنحصر بالتنصيص على ما مرّ، و لا بد و أن يكون الخليفة مجمع الفضائل و العلوم على ما هو المفصّل في الكتب العلمية. و هو منحصر في عليّ عليه السلام لاستجماعه لجميع الشروط المعتبرة في الخلافة بإجماع الصحابة مع أنّهم قد ذكروا لغيره عليه السلام من الخلفاء مطاعن تكلفوا في الجواب عنها علي ما هو المذكور عندهم، و لم يشر إلى عليّ عليه السلام بمغمز و لا نقيصة، فلا ريب في أنّه لا بد و أن يكون أول الخلفاء و في صدرهم لأنّ ترجيح المرجوح على الراجح من القبائح العقلية غير محتاج إثباته إلى دليل، مضافا إلى ما أثبتوه في الكتب العلمية من أصالة عدم الحجية و الاعتبار إلا مع وجود النص الصحيح عليها و هو موجود بالنسبة إلى عليّ عليه السلام باتفاق الأمة و اختلافهم في غيره.

فما الذي أوجب تأخيره عليه السلام- عما جعل له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- إلى المرتبة الأخيرة من الخلفاء، هل هو لأجل تقصير من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في هذا الأمر العظيم، أو لقصور في عليّ عليه السلام، أو لتقصير منه، أو لتقصير من الصحابة فيه؟!.

ص: 26


1- راجع صحيح البخاري ج: 5 صفحة: 24، و تاريخ الخلفاء للسيوطي صفحة 168 و مسند أحمد بن حنبل ج: 1 صفحة: 174.
2- صحيح الترمذي ج: 2 صفحة 298، و في تاريخ الخلفاء للسيوطي صفحة 169 عن أبي أيوب الأنصاري.
3- كنز العمال ج: 6 صفحة: 406. تاريخ بغداد ج: 3 صفحة 171.
4- صحيح الترمذي ج: 2 صفحة 308، و الصواعق صفحة 75.

.....

______________________________

و الأول باطل لكثرة ما في كتب المسلمين بأجمعهم مما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في فضل عليّ عليه السلام، كحديث: «إنّه مع الحق و الحق معه»(1)

و حديث: «إنّه من النبي كهارون من موسى» (2).

و حديث: «من كنت مولاه فعلي مولاه» (3).

إلى غير ذلك مما لا يحصى و قد ضبط و ذكر في الكتب المعتبرة بأسانيد معتمدة.

و الثاني باطل أيضا إذ لم يتوهم قصور منه عليه السلام، إلا ما قيل: من أنّ في الصحابة من هو أكبر منه سنا، و أنّه لا علم له عليه السلام بالسياسة. و لا وجه لكلّ منهما، لقول اللّه عزّ و جلّ في حق يحيى و عيسى عليهما السلام وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (4) و لتأمير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أسامة على الجيش مع أنّ فيهم من هو أكبر منه سنا. و السياسة إما أن تكون من أنحاء المكر و الحيل، و إبطال الحق و إحقاق الباطل و تلبيس الأمر على الناس، و يجلّ مقام خلافة أنبياء اللّه لا سيّما خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك. و إما تدبيرات حسنة إلهية أوحاها اللّه تعالى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليدبّر خلقه دينا و دنيا و آخرة، و عليّ عليه السلام ربّي في حجر هذا القسم من السياسة منذ كفله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و رباه في حجره و لو لا ذلك لم يقل صلّى اللّه عليه و آله: «عليّ باب علمي و مبيّن لأمتي ما أرسلت به بعدي، حبه إيمان، و بغضه نفاق، و النظر إليه رأفة» (5).

ص: 27


1- تاريخ بغداد ج: 14 صفحة 321.
2- تفسير الرازي ج: 12 صفحة: 49.
3- صحيح البخاري ج: 5 صفحة 24، و في الصواعق صفحة 106 جاء أبو بكر و علي عليه السلام يزوران قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد وفاته بستة أيام قال عليّ عليه السلام لأبي بكر: تقدم، فقال أبو بكر ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: عليّ منّي بمنزلتي من ربّي. و كذا في الرياض النضرة ج: 2 صفحة: 163.
4- سورة مريم: 12.
5- كنز العمال ج: 6 صفحة 156 و في الصواعق المحرقة لابن حجر أيضا.

و لا بأس بالتكرير في: «حيّ على الصّلاة» أو: «حيّ على

______________________________

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى»(1).

و هل يعقل من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يجعل من ليس له علم بتدبير الأمة في دينهم و دنياهم بمنزلة نفسه و مبينا لأمته؟!!.

و الثالث باطل كذلك و يدل على بطلانه خطبه الشريفة في نهج البلاغة و لقد طعن معاوية عليه في أنّه: «كان يحمل فاطمة عليها السلام على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة فكانوا يقولون: يا بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل و لو أنّ زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول عليّ عليه السلام: أ فكنت أدع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في بيته و لم أدفنه و أخرج أنازع الناس بسلطانه» (2). فيتعيّن القسم الرابع.

ثمَّ إنّ الاعتقاد بتأخير عليّ عليه السلام عن مقامه أ يحتمل فيه عقاب أخروي أم لا؟! و الثاني مخالف للنصوص الكثيرة الواردة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في كتب المسلمين، فيتعيّن الأول، و هو واجب دفعه بحكم العقل، فيجب- على جميع المسلمين- و على رأسهم علماؤهم- أن يتفكروا و يتأملوا و يتفحصوا و يجعلوا نفوسهم أمام اللّه تعالى في رفع الاختلاف بينهم بما يصح لهم الاعتذار أمام اللّه يوم القيامة حيث لا ينفعهم الجحود و لا المغالطة و لا الجدال وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (3).

ص: 28


1- تاريخ الخلفاء للسيوطي صفحة 168 و تقدم بعض المصادر الأخرى في صفحة 25- 26.
2- الإمامة و السياسة ج: 1.
3- سورة النحل: 93- 94.

الفلاح» للمبالغة في اجتماع الناس (26)، و لكن الزائد ليس جزءا من الأذان (27). و يجوز للمرأة الاجتزاء عن الأذان (28) بالتكبير

______________________________

(26) نصّا، و إجماعا، ففي موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أنّ مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» (1).

و عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «إن شئت زدت على التثويب حيّ على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم» (2). و يقتضيه الأصل أيضا إذ لا مانع في البين إلا احتمال الإخلال بالموالاة و هو ممنوع إذا كان من نوع الفصول و مع الشك، فالمرجع أصالة بقاء الهيئة الاتصالية و عدم فوت الموالاة العرفية المعتبرة و الظاهر عدم اختصاص التكرار بفصل دون فصل، للأصل و إنّما ذكر ما في الموثق من باب المثال. نعم، في تكرار حيّ على الصلاة، و حيّ على الفلاح نوع ترغيب و تحريض بالنسبة إلى الاجتماع و حضور الصلاة، فيكون تكراره أولى من هذه الجهة مع أنّه إشعار بتعظيم الصلاة و تقديمها على سائر المشاغل الأخروية فضلا عن الدنيوية.

(27) للأصل، و الإجماع، و السيرة، و ظاهر ما تقدم من الموثق.

(28) يدل على مشروعية الأذان للمرأة، مضافا- إلى الإجماع و قاعدة الاشتراك- صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤذن للصلاة، فقال: حسن إن فعلت، و إن لم تفعل أجزأها أن تكبّر و أن تشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه» (3).

ص: 29


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

و الشهادتين (29)، بل بالشهادتين (30). و عن الإقامة بالتكبير و شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله (31).

______________________________

و يمكن حمل الأذان على المثال، فيشمل الإقامة أيضا بقرينة مرسل الفقيه عنه عليه السلام أيضا: «ليس على المرأة أذان و لا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة، و تكفيها الشهادتان، و لكن إذا أذنت و أقامت فهو أفضل» (1).

و مثله غيره، فيحمل ما دل على أنّه لا أذان و لا إقامة عليها على نفي تأكد الاستحباب كصحيح ابن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة أ عليها أذان و إقامة؟ فقال: لا»(2) و نحوه غيره.

(29) لما تقدم في صحيح ابن سنان.

(30) لما مر في مرسل الفقيه، و مقتضى إطلاق صحيح ابن سنان كفاية تكبيرة واحدة (3).

(31) لقول الصادق عليه السلام في الصحيح: «إقامة المرأة أن تكبر و تشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله» (4).

و مقتضى إطلاق ما تقدم في مرسل الفقيه جواز الاكتفاء بالشهادتين فقط في الإقامة أيضا.

فروع- (الأول): يصح اكتفاؤها بالتكبير و الشهادتين سواء سمعت أذان الغير أم لا، لإطلاق ما تقدم من صحيح ابن سنان، و أما ما تقدم من مرسل الفقيه يمكن أن يكونا حكمين مستقلّين الأول: أنّه ليس على المرأة أذان إذا سمعت أذان القبيلة كما يأتي. و الثاني: جواز اكتفائها بالتكبير و الشهادة، مع أنّه على فرض

ص: 30


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 6.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

و يجوز للمسافر (32) و المستعجل (33) الإتيان بواحد من كلّ فصل

______________________________

التقييد يمكن الحمل على بعض مراتب الفضل.

(الثاني): لا فرق في جواز اكتفائها بالتكبيرة و الشهادتين بينما إذا كانت مستعجلة أم لا، و ما إذا كانت مسافرة أم لا، كانت مشغولة بمندوب آخر أهمّ، أم لا، كلّ ذلك لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

(الثالث): يمكن أن يكون الاكتفاء بالشهادتين من باب أقلّ المجزي، فيجزيها الإتيان بالشهادة بالتوحيد مرّتين، و بالرسالة مرّة واحدة أو بالعكس، أو الإتيان بكلّ منهما مرّتين.

(32) لما عن أبي جعفر عليه السلام في خبر العجلي: «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة، الأذان واحدا واحدا و الإقامة واحدة» (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر الرازي: «يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر» (2).

فيكون هذا الخبر قرينة على أنّ المراد بقول أبي جعفر عليه السلام في خبر العجلي: «و الإقامة واحدة» يعني أنّ الإقامة أيضا تصير واحدة واحدة.

(33) لصحيح الحذاء قال: «رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبر واحدة واحدة في الأذان، فقلت له: لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال: لا بأس به إذا كنت مستعجلا» (3).

و يمكن أن يكون ذكر توحيد التكبير من باب المثال لتوحيد جميع الفصول، و ذكر الأذان من باب المثال للإقامة أيضا كما يظهر ذلك من جمع الأصحاب، و مقتضى إطلاق الاستعجال شموله لما إذا كان لأجل المشاغل الأخروية أو الدنيوية المباحة فضلا عن الراجحة كقضاء حاجة المؤمن و خدمة العيال، أو مطالعة الفقه و الحديث.

ص: 31


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

منهما كما يجوز ترك الأذان (34) و الاكتفاء بالإقامة (35)، بل الاكتفاء بالأذان فقط (36).

______________________________

(34) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر عبد الرّحمن: «يجزي في السفر إقامة بغير أذان» (1).

و الظاهر أنّ السفر من باب المثال، فيشمل الاستعجال أيضا بقرينة غيره كما تقدم.

(35) لأنّ الأذان و الإقامة ليسا مرتبطين كلّ واحد منهما بالآخر و ليس أحدهما شرطا لصحة الآخر، للأصل، و الإجماع فليسا كركعات الصلاة بل يكون لكلّ منهما طلب مستقل لا ينافي ثبوته ترك امتثال طلب الآخر.

(36) لما مر من عدم اشتراط كلّ منهما بالآخر سواء كانا واجبين أم مندوبين، أم مختلفين، بل شرطية أحدهما لكمال الآخر أيضا مشكلة. نعم، كلّ واحد منهما من شروط كمال الصلاة، و يظهر من الجواهر أنّ صحة الاكتفاء بالأذان فقط مفروغ عنه عند الفقهاء.

فروع- (الأول): الظاهر أنّ ذكر الاستعجال من باب المثال لمطلق العذر، و لذا عبّر به بعض الفقهاء.

(الثاني): الأولى الاكتفاء عند المزاحمة مع الأهمّ كتعلم الأحكام و نحوه مثلا بأحدهما.

(الثالث): لو دار الأمر بين الإتيان بكلّ منهما و الاكتفاء بفصل واحد و بين الإتيان بالإقامة تامة، الأفضل تقديم الأخير، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لأن أقيم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن أؤذن و أقيم واحدا واحدا» (2).

(الرابع): لا ارتباط بين تقصير الأذان و تقصير الإقامة، للأصل فيصح

ص: 32


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

و يكره الترجيع (37) على نحو لا يكون غناء، و إلا

______________________________

التقصير في أحدهما دون الآخر.

(الخامس): الاكتفاء بالواحدة من كلّ فصل من باب الرخصة فيجوز الإتيان في بعض الفصول بالمرّتين.

(السادس): لا فرق فيما تقدم من الاكتفاء بين صلاة الانفراد و الجماعة، للإطلاق.

(السابع): الظاهر أنّه لا تقصير في أذان الإعلام، للأصل بعد عدم دليل عليه.

(الثامن): يشمل التقصير في الإقامة في موارد الجمع التي يسقط فيها الأذان كما يأتي، لظهور الإطلاق الشامل لها أيضا.

(التاسع): لو نذر الإتيان بالأذان و الإقامة لكلّ صلاة، فإن كان نذره على ما هو المرخص فيه في الشريعة، فالظاهر صحة التقصير في مورد السفر و الاستعجال، و إن كان النذر بعنوان الإتيان بهما مقيدا بالفصول الخاصة لا يصح التقصير.

(العاشر): في موارد التخيير بين القصر و الإتمام لو اختار التمام، الظاهر جواز التقصير للأذان و الإقامة، لأنّ التشبيه بتقصير الصلاة من باب الحكمة لا العلة التامة المنحصرة.

(الحادي عشر): في الموارد التي يجب التمام على المسافر- كناوي الإقامة عشرا و كالعاصي بسفره- الظاهر جواز التقصير فيهما، لبعض الإطلاقات، و لما مر من أنّ التنظير من باب الحكمة لا العلة.

(37) اختلفوا في مفهومه، مع أنّه لم يرد هذا اللفظ في نص معتبر. نعم، في الرضوي: «ليس في فصول الأذان ترجيع و لا ترديد» (1).

ص: 33


1- مستدرك الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

.....

______________________________

و في خبر النرسي الآتي، فعن البحار: احتمال أنّ المراد به ترجيع الصوت، و عن المبسوط: إنّه تكرار التكبير و الشهادتين في أول الأذان، و عن الذكرى: إنّه تكرار الفصل زيادة على الموظف. و يمكن إرجاعه إلى قول الشيخ رحمه اللّه، و عن جمع من أهل اللغة: إنّه تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفائهما.

و الظاهر أنّ النزاع بينهم صغروي لاتفاق الكلّ على التكرار في الجملة. و إنّما الاختلاف في أنّه تكرار في الصوت، أو في الفصل، أو في الجهر و الإخفات، و لم يأت كلّ منهم بوجه معتبر لدعواه، و يمكن الاستدلال على كراهة الكلّ بعد المسامحة فيها بإطلاق ما تقدم من الرضوي، فإنّه شامل لجميع ما يتصوّر من معنى الترجيع و الترديد، و بإطلاق معقد إجماع المنتهى بعد كون الخلاف في الخصوصية لا كراهة مطلق التكرار، إذ يمكن أن يكون ذلك من تأكد الكراهة، و يمكن الاستدلال عليها بمفهوم قوله عليه السلام: «لم يكن به بأس» (1) فيما تقدم من خبر أبي بصير، فإنّ التكرار إذا كان لغرض اجتماع القوم لم يكن به بأس، و إن لم يكن لهذا الغرض ففيه بأس و هو يكفي في الكراهة. ثمَّ إنّه إن صح في الكراهة الاستناد إلى فتوى الفقيه من باب التسامح تكون الفتوى مدركا لها أيضا. هذا كلّه إذا لم يكن بعنوان التشريع و إلا فهو حرام.

ثمَّ إنّه قد ورد في خبر النرسي قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من السنة الترجيع في أذان الفجر و أذان العشاء الآخرة، أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بلالا أن يرجع في أذان الغداة و أذان العشاء إذا فرغ أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه عاد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه حتّى يعيد الشهادتين ثمَّ يمضي في أذانه» (2).

و لو لا قصور سنده لكان دليلا لمعنى الترجيع و مقيدا لإطلاق الكراهة بغير الغداة و العشاء.

ص: 34


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

فيحرم (38)، و تكرار الشهادتين جهرا بعد قولهما سرّا أو جهرا (39) بل لا يبعد كراهة مطلق تكرار واحد من الفصول إلا للإعلام (40).

______________________________

(38) لما يأتي في المكاسب المحرّمة من حرمة الغناء مطلقا بالأدلة الثلاثة بل الأربعة و أنّه في الشعائر الدينية أشد حرمة من غيرها.

(39) لما عن جمع من أهل اللغة تفسير الترجيع بذلك.

(40) لما تقدم من مفهوم خبر أبي بصير، و الظاهر ارتفاع الكراهة لو كان في البين غرض صحيح شرعي في الترجيع بأيّ معنى كان، بل قد يستحب إن انطبق عليه عنوان راجح شرعي غالب على مرجوحيته، و يمكن انقسام حكمه بأقسام الأحكام الخمسة التكليفية بحسب العناوين المنطبقة.

تنبيهات الأول: في بعض حكم جعل الأذان، كما ورد في صحيح ابن شاذان عن الرضا عليه السلام: «أنّه قال: إنّما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة:

منها: أن يكون تذكيرا للناسي، و تنبيها للغافل، و تعريفا لمن جهل الوقت و اشتغل عنه، و يكون المؤذن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق، و مرغبا فيها، مقرّا له بالتوحيد، مجاهرا بالإيمان، معلنا بالإسلام، مؤذنا لمن ينساها.

و إنّما يقال له مؤذن لأنّه يؤذن بالصلاة.

و إنّما بدئ فيه بالتكبير و ختم بالتهليل لأنّ اللّه عزّ و جلّ أراد أن يكون الابتداء بذكره و اسمه، و اسم اللّه في التكبير في أول الحرف و في التهليل في آخره.

و إنّما جعل مثنى مثنى، ليكون تكرارا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه في الثاني، و لأنّ الصلاة ركعتان ركعتان، فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى.

و جعل التكبير في أول الأذان أربعا لأنّ أول الأذان إنّما يبدو غفلة و ليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان.

و جعل بعد التكبير الشهادتان لأنّ أول الإيمان هو التوحيد و الإقرار باللّه تعالى

ص: 35

.....

______________________________

بالوحدانية، و الثاني الإقرار لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالرسالة و أنّ طاعتهما و معرفتهما مقرونتان، و لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادة، فجعل شهادتين كما جعل في سائر الحقوق شاهدان فإذا أقرّ العبد للّه عزّ و جلّ بالوحدانية و أقرّ للرسول صلّى اللّه عليه و آله بالرسالة فقد أقرّ بجملة الإيمان، لأنّ أصل الإيمان إنّما هو باللّه و برسوله.

و إنّما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة و إنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان و دعاء إلى الفلاح و إلى خير العمل و جعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه» (1).

الثاني: في معنى فصول الأذان و الإقامة و فيه أمور:

أحدها: يتصوّر في أفعل التفضيل- في جملة اللّه أكبر- وجوه: لأنّ حذف المتعلق يفيد العموم:

منها: اللّه أكبر من أن تصل العقول إلى كنه ذاته، لأنّ اكتناه المتناهي من كلّ جهة للغير المتناهي المطلق محال.

و منها: اللّه أكبر من أن يوصف، لأنّ توصيفه تعالى كما هو حقه غير ممكن للمخلوق.

و منها: اللّه أكبر من أن يوصف بصفات الأجسام و الجسمانيات، لأنّ ذاته المقدسة فوق جميع مخلوقاته.

و منها: اللّه أكبر من أن يتقرب إليه بالعبادات المقرونة بموانع القبول التي هي كثيرة و لا بد من رفعها مهما أمكن، و لكن الجواد الكريم ينظر في الهداية إلى قدر المهدي لا إلى عظمة نفسه و المرجو منه تعالى ذلك، بل هو أولى بذلك الخلق الكريم.

و منها: اللّه أكبر من أن تطلق أسماؤه و صفاته المقدسة على غيره تعالى بالمعنى الذي يطلق عليه.

ص: 36


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 14.

.....

______________________________

و منها: اللّه أكبر من أن يعبد غيره على ما يعبد به. و يمكن أن تتصوّر وجوه اخرى و الكلّ صحيح، و بعضها منصوص(1).

ثانيها: معنى الشهادات، أما الشهادة بالتوحيد: فهو إنّي أعلم أنّه لا معبود إلا اللّه عزّ و جلّ و كلّ معبود دونه باطل، و أقرّ بلساني كما في قلبي، و هكذا معنى الشهادة بالرسالة، فتكون اعترافا برسالته صلّى اللّه عليه و آله في كلّ ما أتى به منه تعالى.

ثالثها: معنى حيّ على الفلاح، و حيّ على خير العمل: توصيف للصلاة، و عبارة أخرى منها، و في صحيح ابن أبي عمير: «أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن حيّ على خير العمل لم تركت من الأذان؟ قال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة قلت: أريدهما جميعا، فقال: أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة و أما الباطنة فإنّ خير العمل الولاية، فأراد من أمر بترك حيّ على خير العمل من الأذان أن لا يقع حث عليها و دعاء إليها» (2).

الثالث: التثويب ليس من الأذان و الإقامة، للأصل، و النص و الإجماع، ففي صحيح ابن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التثويب الذي يكون بين الأذان و الإقامة فقال: ما نعرفه» (3).

فمن أتى به بقصد المشروعية أثم. و ما يظهر منه أنّه من السنة، كقوله عليه السلام: «النداء و التثويب في الإقامة من السنة» (4).

محمول على التقية، و أما مجرد قول ذلك من دون قصد التشريع فمقتضى الأصل جوازه، و عليه يحمل صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«كان أبي ينادي في بيته الصلاة خير من النوم، و لو رددت ذلك لم يكن به بأس» (5).

و يمكن حمله على التقية أيضا.

ص: 37


1- راجع الوسائل باب: 33 من أبواب الذكر.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 16.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
مسألة 1: يسقط الأذان في موارد
اشارة

(مسألة 1): يسقط الأذان في موارد:

أحدها: أذان عصر يوم الجمعة

أحدها: أذان عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة (41)،

______________________________

ثمَّ إنّه قد فسّر التثويب تارة: بهذه الجملة و نسب إلى المشهور بين أهل اللغة. و أخرى: بقول حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح مرّتين بين الأذان و الإقامة، و قد يفسّر بتكرار الشهادتين و تقدم حكمه.

(41) استدل عليه تارة: بما عن حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (1).

و فيه: أنّه قاصر سندا، و مجمل دلالة، لاحتمال الأذان الثالث لأذان العصر، أو ما ابتدع في زمن عثمان و معاوية.

و أخرى: بالإجماعات المنقولة. و فيه: أنّ الإشكال في اعتبارها مشهور خصوصا مع ذهاب جمع إلى الخلاف.

و ثالثة: بسيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الأصحاب و التابعين على عدم الإتيان به. و فيه: أنّه لم يثبت من سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و على فرض ثبوته، فهو فعل مجمل لا ينفي أصل الاستحباب.

و رابعة: بصحيح الرهط عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين» (2).

و فيه: أنّه لم يذكر الجمعة فيه أصلا. نعم، لو استفيد منه قاعدة كلية و هي: «سقوط الاستحباب الأذان للصلاة الثانية في موارد جمعها مع الأولى» تكون الجمعة من مصاديقها، فالعمدة إثبات تلك القاعدة.

و قد استدل عليها تارة: بإجماع الخلاف. و أخرى: بما في كاشف اللثام:

ص: 38


1- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1 و 5.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 11.

.....

______________________________

«يسقط الأذان بين كلّ صلاتين جمع بينهما كما قطع به الشيخ، و الجماعة، لأنّه المأثور عنهم عليهم السلام. و هذا هو العمدة، لأنّ قطع جمع من الأعاظم مع دعوى الإجماع مما يوجب الاطمئنان خصوصا بعد كون السقوط رخصة، لابتنائها على السهولة حينئذ.

و ثالثة: بأنّ خصوصية الجمع في الموارد المنصوصة متحققة قطعا، و إنّما الشك في اعتبار خصوصية أخرى، و مقتضى الأصل عدمها، فيكون الجمع فقط علة تامة للسقوط.

و رابعة: بأنّ المنساق من الروايات و الكلمات أنّ المناط في سقوط الأذان هو الجمع فقط من دون دخل لخصوصية صلاة خاصة قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان و إقامتين» (1).

و المنساق منه أنّ خصوصية الظهرية و العصرية و المغربية و العشائية من باب المثال و الاتفاق لا التقييد بهما.

هذا و لكن فيه: أنّ التمسك بفعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله لا وجه له، لأنّه مجمل كما يأتي. نعم، قال المحقق في المعتبر: «يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان و إقامتين قاله الثلاثة و أتباعهم، لأنّ الجمعة يجمع فيها بين الصلاتين» و التعليل ظاهر، بل نص في أنّ المناط في السقوط هو الجمع مطلقا لا خصوصية يوم الجمعة.

و خامسة: بما ورد في سقوط الأذان في عصر عرفة، و عشاء مزدلفة (2)، و بالنسبة إلى المسلوس (3)، و إتيان قضاء صلوات في دور واحد (4)، إذ المنسبق

ص: 39


1- الوسائل باب: 32 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 2.

أو الظهر (42). و أما مع التفريق فلا يسقط (43).

______________________________

إلى الأذهان أنّ مناط السقوط فيها إنّما هو الجمع لا شي ء آخر.

و بالجملة: يحصل الاطمئنان و العلم العادي لمن تأمل في الأدلة و الكلمات بأنّ المناط في سقوط الأذان إنّما هو الجمع أينما تحقق من غير فرق بين الموارد المذكورة في الأخبار و غيرها. و احتمال أنّ المراد بالأذان الذي يسقط هو خصوص أذان الإعلام، لا وجه له ظاهرا، لأنّ ذكر الصلاة و الجمع بينهما و ذكر الإقامة يشهد بأنّ المراد إنّما هو أذان الصلاة كما لا يخفى، فيكفي ذلك كلّه في الشك في شمول إطلاق دليل استحباب الأذان لمورد الجمع، فلا يصح التمسك به من جهة الشك في الموضوع، و كذا استصحاب الاستحباب.

ثمَّ إنّ الجمع تارة: يكون مندوبا. و أخرى: يكون واجبا، و لا ريب في شمول الأدلة لهما، و هل تشمل الجمع المباح، أو المرجوح أيضا؟، مقتضى إطلاق ما تقدم في صحيح ابن سنان، و إطلاق ما ورد في قضاء الفوائت- كما تقدم- من الاكتفاء بأذان واحد في دور واحد، و مقتضى التعليل المذكور في كلمات الفقهاء الشمول أيضا، فيستفاد من الجميع أنّ الجمع موجب لاحتساب أذان واحد للصلاتين أو الصلوات المتعددة كما في قضاء الفوائت في دور واحد و كما في صلاة الجماعة حيث إنّ الإمام و المأموم و إن كثروا يكتفون بأذان واحد و إقامة واحدة.

(42) هذا مبنيّ على ثبوت قاعدة سقوط استحباب الأذان مع مطلق الجمع، فمن قال بها يلزمه القول بالسقوط هنا و من لم يقل بها لا دليل عليه في المقام.

إن قيل: ما تقدم من الأخبار الدالة على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين نص في المقام و لا يتوقف على ثبوت تلك القاعدة. يقال: إنّ الفعل مجمل، فإنّهم عليهم السلام كثيرا ما يتركون المستحبات لمصالح، فليكن المقام من ذلك.

(43) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق. و أما التمسك بخبر زريق

ص: 40

الثاني: أذان عصر يوم عرفة

الثاني: أذان عصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر (44) لا مع التفريق (45).

الثالث: أذان العشاء في ليلة المزدلفة

الثالث: أذان العشاء في ليلة المزدلفة (46) مع الجمع أيضا لا

______________________________

الدال على الإتيان بالأذان مع الفعل (1) فهو ضعيف سندا، و مشتمل على جواز أذان الزوال قبل الظهر و هو خلاف الضرورة، فراجع الرواية، و مع وجود الإطلاق، و الاتفاق لا نحتاج إلى هذا الخبر الضعيف.

(44) للنص، و الإجماع، قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان: «السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر، ثمَّ يصلّي ثمَّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة» (2).

و في مرسل الصدوق (3): «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بعرفة بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين».

(45) لأنّ ظاهر المرسل و المنساق من الصحيح الأول هو صورة الجمع فمقتضى الأصل، و الإطلاقات بقاء الاستحباب مع التفريق.

(46) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح منصور بن حازم قال:

«سألته عن صلاة المغرب و العشاء بجمع، فقال: بأذان واحد و إقامتين لا تصلّ بينهما شيئا هكذا صلّى اللّه عليه و آله» (4)، و عنه عليه السلام أيضا: «لا تصلّ المغرب حتّى تأتي جمعا فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين» (5).

ص: 41


1- الوسائل باب: 13 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب المواقيت حديث: 1.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 1 و 3.

مع التفريق (47).

______________________________

و تقدم ما يشهد له أيضا، و يمكن أن يستشهد لسقوط الأذان في عصري عرفة و عشائي مزدلفة، بما دل على سقوطه في السفر و حال الاستعجال أيضا(1).

(47) للأصل، و الإطلاق، و ظهور النص، و الاتفاق.

فروع- (الأول): مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان الجمع بين الصلاتين في أول الوقت، أو وسطه أو آخره.

(الثاني): بناء على سقوط الأذان حتّى في الجمع المباح مطلقا لا فرق في الجمع بين الظهرين في يوم عرفة بين أن يكون ذلك في عرفات أو غيرها، بل و لا فرق بين أن يكون في يوم عرفة أو غيرها، كما لا فرق حينئذ في الجمع بين العشاءين بين أن يكون في المزدلفة أو غيرها، و لا بين أن يكون ليلة المزدلفة أو غيرها.

و أما بناء على اختصاص السقوط بمورد رجحان الجمع، فهل يختص السقوط بخصوص مكان عرفات أو يعم يوم عرفة في أيّ مكان جمع فيه بين الصلاتين؟ الظاهر من مرسل الصدوق (2) هو الأول، و ظاهر الصحيح المتقدم و إن كان هو الأخير إلا أنّه بقرينة المرسل و ذكر المزدلفة في مقابل يوم عرفة محمول على الأول أيضا.

(الثالث): بناء على اختصاص السقوط بمورد الرجحان فالسقوط يختص بخصوص مكان المزدلفة و لا يعم سائر الأمكنة، لذكر الجمع و المزدلفة بالخصوص في الأدلة.

(الرابع): بناء على الاختصاص هل يختص الحكم بخصوص الحاج أو يشمل كلّ من كان في عرفة أو مزدلفة؟ المنساق إلى الذهن هو الأول و إن كان الجمود على الإطلاق يقتضي الثاني.

ص: 42


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الأذان و الإقامة.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2 و 3.
«الرابع»: العصر و العشاء للمستحاضة

«الرابع»: العصر و العشاء للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر و المغرب (48).

«الخامس»: المسلوس و نحوه في بعض الأحوال التي يجمع بين الصلاتين

«الخامس»: المسلوس و نحوه في بعض الأحوال التي يجمع بين الصلاتين. كما إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين بوضوء واحد (49).

و يتحقق التفريق بطول الزمان بين الصلاتين (50) لا بمجرد قراءة تسبيح

______________________________

(الخامس): لا فرق فيما ذكر بين الجماعة و الفرادى، للإطلاق.

(48) لم يرد نص خاص في سقوط الأذان للمستحاضة التي تجمع بين الصلاتين، و إنّما شملت النصوص على أنّها تجمع بين الصلاتين «1»، فإن ثبت كلية سقوط الأذان مع كلّ جمع تكون من أفرادها و إلا فلا دليل على السقوط فيها بالخصوص، و منه يعلم أنّ ما في الجواهر من قوله: «كذا الترك في نصوص المسلوس و المستحاضة» إذ لم نقف فيها على نص، فكيف بالنصوص؟! إلا أن يراد النصوص الواردة في المسلوس بإلقاء خصوصية المورد، للقطع بعدم الفرق خصوصا مع اشتمال بعضها على الدم، فعن أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح حريز: «إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثمَّ علقه عليه، و أدخل ذكره فيه ثمَّ صلّى يجمع بين صلاتين الظهر و العصر، يؤخر الظهر و يعجل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان و إقامتين و يفعل ذلك في الصبح» «2»، فإنّ الظاهر، بل المقطوع به عدم خصوصية للرجل في هذه الجهة، فلو كانت المرأة هكذا تجري عليها هذه الأحكام أيضا.

(49) للإجماع، و النص الذي تقدم آنفا.

(50) للإجماع، و لا إشكال فيه من أحد، و إطلاق كلماتهم يشمل ما لو

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 2 و 14 و غيرهما.

(2) الوسائل باب: 19 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.

ص: 43

الزهراء، و التعقيب و الفصل القليل (51) بل لا يحصل بمجرد فعل النافلة (52) مع عدم طول الفصل، و الأقوى أنّ السقوط في الموارد

______________________________

وقع كلّ واحد من الصلاتين في أول وقتها الفضلي، أو الأولى في أول وقتها الفضلي، و الثانية في آخر وقتها الإجزائي. و أما لو وقعت الأولى في آخر وقتها الفضلي، و الثانية في أول وقتها الفضلي أيضا، فهو من الجمع كما ورد في المسلوس، و المستحاضة و لا فرق فيه بين أن يكون فارغا بين الصلاتين أو مشتغلا بعبادة أو غيرها.

(51) لأنّ تسبيح الزهراء عليها السلام و التعقيب اليسير، و الفصل القليل تلازم غالبا عند المتشرعة للتخلل بين الصلاتين و لو فرض كون كلّ ذلك مانعا عن الجمع لم يتحقق الجمع أصلا عندهم إلا في الاتصال الحقيقي الدقي، و الأحكام مطلقا ليست مبنية على الدقيات و مع الشك، فالأصل عدم عروض مانع الجمع العرفي، و يمكن أن يقال: إنّ التخلل بما هو من توابع الأولى أو مقدمات الثانية ليس منافيا للجمع عند المتشرعة إذ ليس المراد به الجمع الدقي العقلي قطعا، بل الجمع العرفي على ما هو المتعارف بين الناس في صلاتهم و هم يحكمون بالجمع مع تخلل مثل هذه الأمور أيضا. و التفريق من الأمور التشكيكية القابلة للشدة و الضعف، فبعض مراتبها مانعة عن الجمع، و مع الشك في مانعية بعضها الآخر تجري أصالة عدم حدوث المنع.

(52) البحث في حصول التفريق بالنافلة تارة: من حيث الأصل.

و أخرى: من حيث الاعتبار. و ثالثة: من حيث كلمات الأصحاب. و رابعة:

من حيث الأخبار.

أما الأول: فمقتضى الأصل اللفظي- أي الإطلاقات- عدم سقوط الأذان مع تحقق النافلة، و مقتضى الأصل العملي بقاء موضوع الجمع و عدم حصول التفريق مع الشك فيه بإتيان النافلة نظير أصالة بقاء الهيئة الاتصالية مع الشك في مانعية شي ء، و لكن مع جريان الأصل اللفظي لا يبقى موضوع للأصل العملي كما

ص: 44

.....

______________________________

ثبت في محلّه. إلا أن يقال: بعدم جريان الأدلة اللفظية في المقام للشك في الموضوع، لأنّ فعل النافلة حيث إنّها من متممات الفريضة- كما في جملة من الأخبار:

منها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: يا أبا محمد إنّ العبد يرفع له ثلث صلاته و نصفها، و ثلاثة أرباعها و أقلّ و أكثر على قدر سهوه فيها، لكنّه يتم له من النوافل قال: فقال له أبو بصير: ما أرى النوافل ينبغي أن تترك على حالة، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام أجل لا» (1).

و المراد بالسهو: الغفلة و التفات القلب إلى غير الصلاة كما هو عام البلوى للغالب- فلا ينافي الجمع، و من حيث إنّها تعد شيئا مستقلا عرفا يكون منافيا، فالشك من هذه الجهة يوجب الشك في جريانها، فالمرجع- حينئذ الأصول العملية- و الأدلة الخاصة لسقوط الإطلاقات عن الاعتبار من جهة الشبهة الموضوعية.

أما الثاني، فيمكن أن يقال: إنّ إتيان ما هو من التوابع لإحدى الصلاتين و من متمماتها ليس منافيا للجمع، و لكنّه مشكل فيما له نحو استقلال في الجملة كالنافلة التي قد شرع لها القضاء و نحوه مما ينافي التبعية المحضة. نعم، يصح ذلك في مثل قضاء الأجزاء المنسية و صلاة الاحتياط و التعقيب و تجديد الطهارة و نحو ذلك فيما هو غالب الابتلاء للصلاة، مع أنّه لم يظهر خلاف من أحد في عدم مانعية هذه الأمور عن صدق الجمع. هذا و قد تقدم أنّه يصدق التفريق بين الصلاتين بتخلّل النافلة عند المتشرعة و عدم صدقه مع تخلّل مثل التعقيب، بل الظاهر عدم الخلاف فيه.

أما الثالث: فصريح كلمات جماعة منهم ابن إدريس- أنّ الجمع حيث لا تكون النافلة في البين و مع الإتيان بها لا جمع، و ظاهر آخرين ذلك أيضا.

أما الرابع: ففي موثق محمد بن الحسن عليه السلام قال: سمعته يقول:

ص: 45


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض و النوافل حديث: 4.

المذكورة رخصة لا عزيمة (53)، و إن كان الأحوط

______________________________

«إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوع بينهما» (1).

و مثله موثقة الآخر (2) و هذه الموثقة من حيث الاشتمال على الإثبات و النفي صريحة في المطلوب، فلا بد من حمل غيرها على بعض المحامل كصحيح أبان قال: «صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة، فلما انصرف أقام الصلاة، فصلّى العشاء الآخرة لم يركع بينهما، ثمَّ صلّيت معه بعد ذلك بسنة، فصلّى المغرب ثمَّ قام فتنفل بأربع ركعات، ثمَّ قام فصلّى العشاء الآخرة» (3).

و صدره موافق لموثق ابن الحكيم، و يمكن أن يحمل ذيله على أنّ ترك الأذان كان لأجل الاستعجال، أو لأجل السفر، أو لجهة أخرى، فلا ينافي ثبوته من جهة عدم تحقق الجمع و مثله غيره. مما يظهر منه ترك الأذان مع أنّ الإتيان بالنافلة له مراتب متفاوتة يمكن أن يحمل موثق ابن الحكيم على بعض المراتب، و ما يدل على خلافه على بعض المراتب الأخرى. و منه يظهر ما في جزم الماتن.

بعدم حصول التفريق بالنافلة مع أنّه رحمه اللّه أشكل فيه في [مسألة 7] من (فصل أوقات اليومية و نوافلها).

(53) ليعلم أولا أنّ الاحتمالات في الأذان في موارد الجمع ثلاثة:

الأول: الحرمة الذاتية، فلا يصح الإتيان به بعنوان الرجاء أيضا.

الثاني: الحرمة التشريعية المعبّر عنها بالعزيمة، فلا يصح الإتيان به بقصد الأمر و يصح الإتيان به رجاء.

الثالث: أقلية الثواب بالإضافة المعبّر عنها بالرخصة كما في العبادات المكروهة، فيصح الإتيان به بقصد الأمر أيضا. و الاحتمال الأول مقطوع بفساده، و إنّما الكلام في الأخيرين. و البحث فيه تارة: بحسب الأصل،

ص: 46


1- الوسائل باب: 33 من أبواب المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب المواقيت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب المواقيت حديث: 1.

.....

______________________________

و أخرى: بحسب الأخبار، و ثالثة: بحسب الاعتبار، و رابعة: بحسب كلمات الأصحاب.

أما الأول: فيكفي في نفي العزيمة أنّها كلفة زائدة منفية بالأصل عند الشك في تحققها، فمطلق المرجوحية في الجملة معلومة، و الزائد عليها مشكوك يرجع فيه إلى الأصل، مع أنّه بوجود أصالة الإطلاق و العموم لا تصل النوبة إلى الأصل العملي كما هو معلوم، إلا أن يقال بسقوط الإطلاقات عن الاعتبار من جهة الشبهة الموضوعية.

أما الثاني: فغاية ما يمكن أن يقال: إنّ الأخبار الدالة على سقوط الأذان في الموارد المذكورة (1) مخصصة لما دل على تشريع الأذان و حينئذ فلا تشريع في مورد التخصيص، فيكون الترك عزيمة و الإتيان بقصد الأمر تشريعا لا محالة، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّه لا عموم و لا إطلاق في أدلة التشريع حتّى تشمل الجمع حيث لا يجمع بين الصلاتين في الصدر الأول بل كانوا يأتون بها متفرقة، فتنزل الأدلة عليها أيضا. و فيه: أنّ أصل التخصيص في الجملة مسلّم، و أما كونه بالنسبة إلى أصل التشريع، أو بالنسبة إلى تأكد الرجحان، أو تقديم الأرجح، أو جهة أخرى فهو أول الكلام، و مقتضى بناء الفقهاء على حمل القيد في المندوبات على تعدد المطلوب، و أنّ المورد من المندوبات القابلة للمسامحة هو كون التخصيص بالنسبة إلى تأكد الرجحان لا أصل التشريع. و دعوى: أنّه لا إطلاق و لا عموم للأدلة. مجازفة، لأنّ غلبة الوقوع في الخارج متفرقة من دون الجمع لا يضر بالإطلاق و العموم كما ثبت في محلّه.

أما الثالث: فلا ريب في أنّ حرمة التكبير و الشهادة بالوحدانية و الرسالة و الحيعلات التي ليست إلا الترغيب إلى الصلاة بعيدة عن الأذهان مطلقا.

أما الأخير: فعن جمع من الفقهاء التعبير بالحرمة، و عن جمع التعبير بالكراهة، و عن بعض التعبير بالإباحة، و عن جمع التعبير بالسقوط و مع ذلك لا يصح دعوى الإجماع على الحرمة، بل و لا على الكراهة أيضا لعدم اتفاق كلمتهم

ص: 47


1- تقدم في صفحة: 38- 43.

الترك (54)، خصوصا في الثلاثة الأولى (55).

______________________________

على شي ء واحد حتّى يكون مجمعا عليه، مع أنّه من المعلوم أنّ التعبيرات اجتهادية و لا اعتبار بمثل هذه الإجماعات حتّى و لو تمَّ. نعم، يمكن أن يقال: إنّ مطلق المرجوحية في الجملة مسلّمة عندهم، و لكنه أيضا مشكل، لأنّ تعبير جمع بالسقوط أعمّ من المرجوحية قطعا، فلا وجه لدعوى الإجماع على المرجوحية المطلقة أيضا.

إن قلت: مقتضى أصالة عدم المشروعية- و سيرة السلف على الترك- الحرمة.

قلت: لا مجرى لأصالة عدم المشروعية مع وجود الأصل اللفظي و العملي، و السيرة مجملة لا تدل على أزيد من السقوط في الجملة.

إن قلت: نعم، لو لا التعبير في الأول، و التعبير في يوم عرفة: (السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر ثمَّ يصلّي ثمَّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان) (1).

فيستفاد منها أنّ الأذان خلاف السنة و خلافها بدعة و البدعة ظاهرة في الحرمة، و مخالفة السنة محرمة.

قلت: أما الأول فتقدم قصور سنده و دلالته، فراجع. و أما الأخير فلا ريب في أنّ مخالفة السنة أعمّ من الحرمة.

فتلخص: أنّه ليس في البين ما يصح الاعتماد عليه لكون السقوط بنحو العزيمة، و يشهد لعدم العزيمة ما يأتي في المسألة التالية، فإنّ الظاهر أنّ جميع موارد السقوط تفرغ عن لسان واحد. هذا كلّه مع قطع النظر عن الجهات الخارجية كالتحفظ على عدم تخلّل الحدث في المسلوس و نحوه و إلا فقد يحرم لتلك الجهة.

(54) ظهر وجه الاحتياط مما مر.

(55) لورود النص (2)، و القول بالحرمة في الأول منها.

ص: 48


1- تقدم في صفحة: 41.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.
مسألة 2: لا يتأكد الأذان لمن أراد إتيان فوائت في دور واحد

(مسألة 2): لا يتأكد الأذان (56) لمن أراد إتيان فوائت في دور واحد لما عدا الصلاة الأولى، فله أن يؤذن للأولى منها، و يأتي بالبواقي بالإقامة وحدها لكل صلاة.

______________________________

(56) لجملة من النصوص، و ظهور الإجماع قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهنّ فأذن لها و أقم ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة» (1). و مثله صحيح ابن مسلم (2) و مكاتبة ابن عيسى (3).

ثمَّ إنّ ظاهر المتن بقاء أصل الاستحباب. نعم، لا يتأكد كما في سائر الموارد، و لا موضوع للبحث عن الرخصة و العزيمة حينئذ فيه، كما لا موضوع لهما على ما عن المحقق في الشرائع حيث يظهر منه أنّ الأفضل الإتيان بالأذان و الإقامة لكلّ صلاة و دونه في الفضل الاكتفاء بأذان واحد، و عن بعض التعبير بالسقوط، و عن آخر التعبير بتبعية القضاء للأداء و يتحقق البحث عنهما حينئذ، و لكن الأدلة اللفظية قاصرة عن إثبات العزيمة و كذا الدليل اللبّي، لاختلاف تعبيرات الفقهاء، و مقتضى سهولة الشريعة و بنائها على التخفيف ما ذكره في الشرائع و تبعه الماتن رحمه اللّه.

فروع- (الأول): لو أذن و أقام لصلاة ثمَّ أعادها احتياطا وجوبا، فمقتضى الإطلاقات و العمومات استحبابهما للمعادة أيضا، بل و كذا في الاحتياط الاستحبابي بناء على أنّ ما دل على أنّ الأذان و الإقامة بدعة للنافلة لا يشمل الفرائض، المعادة، و قد سأل الساباطي أبا عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟ قال عليه السلام: نعم»(4). و إطلاقه يشمل الإعادة المندوبة و الواجبة.

ص: 49


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 3 و 4.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 1 و 2.
مسألة 3: يسقط الأذان و الإقامة في موارد
اشارة

(مسألة 3): يسقط الأذان و الإقامة في موارد:

أحدها: الداخل في الجماعة التي أذّنوا لها و أقاموا

أحدها: الداخل في الجماعة التي أذّنوا لها و أقاموا و إن لم يسمعهما، و لم يكن حاضرا حينهما، أو كان مسبوقا (57)، بل مشروعية

______________________________

(الثاني): لو جمع بين أدائه و قضائه، فمقتضى الإطلاقات ثبوت الأذان للثانية أيضا إلا إذا قلنا بسقوطه في مطلق موارد الجمع و لو مثل هذا النحو من الجمع كما لا يبعد.

(الثالث): لا فرق في القضاء بين أن يكون للنفس أو للغير بالتبرع أو الاستئجار، لظهور الإطلاق.

(الرابع): لو شرط في الاستئجار إتيان الأذان لكلّ صلاة يصح الشرط، إلا على القول بأنّ السقوط عزيمة.

(الخامس): الظاهر أنّه يجوز للمسافر، و المستعجل الاقتصار على فصل واحد من كلّ منهما في القضاء أيضا كما مر في الأداء، لإطلاق ما دل (1) على أنّه يجوز لهما الاقتصار.

(57) للسيرة القطعية قديما و حديثا، و لجملة من النصوص:

منها: مفهوم قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «أذن خلف من قرأت خلفه» (2).

و منها: قوله عليه السلام في خبر ابن شريح: «و من أدرك الإمام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة» (3).

ص: 50


1- تقدم في صفحة: 21- 32.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

الإتيان بهما في هذه الصورة لا تخلو عن إشكال (58).

______________________________

و ظهوره في سقوط الأذان و الإقامة فيمن أدرك الجماعة مما لا ينكر، و كذا غيره مما يأتي.

(58) لاستنكار المتشرعة ذلك، و ظهور قول أبي عبد اللّه عليه السلام فيما تقدم: «ليس عليه أذان و لا إقامة» في عدم التشريع، مع أنّ صلاة الجماعة صلاة واحدة و إن تعدد المأمومون و المفروض أنّه قد أذّن و أقيم لتلك الصلاة الواحدة، فيكون التكرار تشريعا محرّما. و يمكن المناقشة في الكلّ إذ الاستنكار منشأه الأخبار. و قوله عليه السلام: «ليس عليه أذان و لا إقامة» أعمّ من عدم التشريع قطعا و يصح أن يراد به نفي تأكيد الاستحباب، و الأخير استحسان محض، و يمكن أن يكون عدم تعرض جمع من الفقهاء له إنّما هو لأجل وضوحه لا لجهة أخرى.

فروع- (الأول): الأذان و الإقامة المأتي بهما للجماعة تارة: يسمعهما الإمام و بعض المأمومين، و أخرى: يسمعهما الإمام فقط، لعدم حضور أحد من المأمومين بعد، و ثالثة: بالعكس، و مقتضى صدق الأذان و الإقامة للجماعة اجتزاء الجميع و السقوط عمن حضر الجماعة، و يشهد للإطلاق خبر حفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة أ يقوم القوم على أرجلهم أو يجلسون حتّى يجي ء إمامهم؟ قال: لا بل يقومون على أرجلهم، فإن جاء إمامهم و إلا فيؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم» (1).

و هو ظاهر، بل صريح في عدم لزوم سماع الإمام الأذان و الإقامة، و يشهد لعدم لزوم سماع أحد من المأمومين لهما ما يأتي من خبر أبي مريم في الثالث من موارد السقوط.

(الثاني): لو أذن و أقام ليصلّي منفردا ثمَّ بدا له ليجعل الصلاة جماعة إماما أو مأموما، فمقتضى الأصل عدم إجزائهما للجماعة، و قد روى عمار عن

ص: 51


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
الثاني: الداخل في المسجد للصلاة منفردا أو جماعة، و قد أقيمت الجماعة
اشارة

الثاني: الداخل في المسجد للصلاة منفردا أو جماعة، و قد أقيمت الجماعة حال اشتغالهم (59) و لم يدخل معهم، أو بعد فراغهم مع

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سئل عن الرجل يؤذن و يقيم ليصلّي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال عليه السلام: لا، و لكن يؤذن و يقيم» (1).

(الثالث): لا فرق في أذان الجماعة و إقامتها المترتب عليها الأثر بين كون المؤذن و المقيم واحدا أو متعددا، إماما كان أو مأموما، أو شخصا خارجا عنهما.

(الرابع): لو أذن أحد لجماعة مع عدم حضور الإمام و لا بعض المأمومين و لا السماع من أحدهما يشكل الاكتفاء به للجماعة، نعم، لو كان المؤذن هو الإمام أو أحد من المأمومين أو شخص آخر مع سماع أحدهما يصح الاكتفاء.

(59) إجماعا و نصوصا كثيرة:

منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت له: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذن و يقيم؟ قال عليه السلام: إن كان دخل و لم يتفرّق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرق الصف أذن و أقام»(2).

و منها: خبر أبي عليّ: «كنا جلوسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه رجل فقال له: جعلت فداك صلّيت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشد المنع. فقلت:

فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال عليه السلام: يقومون في ناحية المسجد و لا يبدو بهم إمام» (3).

ص: 52


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 65 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

.....

______________________________

و منها: خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقول: «إذا دخل رجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذن و لا يقيمنّ، و لا يتطوع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه»(1).

و هذا التأكيد إنّما هو لحصول مرتبة من الاستتباع للجماعة لأجل درك بعض مراتب فضلها.

و منها: ما عن زيد بن عليّ عليه السلام: «دخل رجلان المسجد و قد صلّى الناس، فقال لهما علي عليه السلام: إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه و لا يؤذن و لا يقيم» (2).

و منها: ما عن كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أدركت الجماعة و قد انصرف القوم و وجدت الإمام مكانه و أهل المسجد قبل أن يتفرقوا أجزأك أذانهم و إقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك، و إذا وافيتهم و قد انصرفوا من صلاتهم و هم جلوس أجزأك إقامة بغير أذان، و إن وجدتهم و قد تفرقوا و خرج بعضهم من المسجد فأذن و أقم لنفسك» (3).

و منها: خبر أبي بصير: «سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم.

فقال عليه السلام: «ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان»(4).

و شمول مثل هذه النصوص لسقوط الأذان و الإقامة لحالة الاشتغال بصلاة الجماعة يكون بالأولى، كما لا يخفى.

و أشكل على هذه الأخبار تارة: بقصور سندها. و فيه: أنّ استفاضتها و اعتماد الفقهاء عليها يكشف عن اعتبارها.

ص: 53


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

.....

______________________________

و أخرى: بمعارضتها بموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال عليه السلام: عليه أن يؤذن و يقيم و يفتتح الصلاة» (1).

و ما في خبر معاوية بن شريح: «و من أدركه- أي الإمام- و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة» (2). و فيه: أنّ عمل الطائفة بالأخبار الأولى و كثرة عددها و عدم رادّ لها يرجحها على هذين الخبرين عند التعارض إن لم يمكن الجمع العرفي، و مع إمكانه يحملان على الترخيص.

ثمَّ إنّ التفريق تارة دقيّ و عقليّ، فيصدق مع ذهاب واحد من مائة مثلا.

و أخرى عرفيّ بمعنى بقاء أثر الجماعة عرفا، و له مراتب متفاوتة، فيصدق بقاء أثر الجماعة ببقاء خمسة من مائة، و مع الشك فالمرجع عموم ما دل على استحباب الأذان و الإقامة، لأنّ الخاص مجمل منفصل مردّد بين الأقلّ و الأكثر و لا يسري إجماله إلى العام حينئذ، كما ثبت في محلّه، و مع جريانه لا وجه للتمسك بالأصل.

فروع- (الأول): الظاهر من عدم التفرق ما إذا كان بقاء الصفوف لأجل اشتغالهم بالتعقيب. و أما إذا كان لأجل أمر آخر غيره- كالاشتغال بأمور الدنيا، أو كان جلوسهم و عدم تفرقهم في المسجد لأجل برودته أو دفئه- فيشكل السقوط و إن كان الجمود على الإطلاق يقتضيه.

(الثاني): إن كان عدم التفريق لا للتعقيب، بل لأجل أمر راجح ديني، كتعليم الأحكام و القرآن، و قراءة تعزية سيد الشهداء عليه السلام و استماع الموعظة. فمقتضى الإطلاق السقوط.

(الثالث): لو طال البقاء كساعة أو أكثر مثلا، ففي السقوط إشكال، لاحتمال الانصراف.

ص: 54


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6 و قد تقدم ذكره في المورد الأول من موارد السقوط أيضا.

عدم تفرق الصفوف (60)، فإنّهما يسقطان، لكن على وجه الرخصة لا العزيمة على الأقوى (61)، سواء صلّى جماعة إماما أو مأموما أو

______________________________

(الرابع): لو تفرقوا من الصف، و لكن كانوا في المسجد، بأن كانوا في الفي ء- مثلا- فذهبوا إلى الشمس أو بالعكس يشكل السقوط، كما تقدم في سابقة.

(الخامس): لو حصل التفريق لغرض صحيح ثمَّ اجتمعوا للإتيان بالتعقيب، فمقتضى الأصل عدم السقوط إن لم يكن من الشك في أصل الموضوع، و إلا فالمرجع إطلاق دليل الاستحباب.

(60) لما مر في خبري أبي بصير و أبي عليّ بعد حمل المطلقات عليهما، و تقدم المراد من التفرق.

(61) نسب ذلك إلى المشهور، لأصالة البراءة عن العزيمة عند الشك فيها و في الرخصة، لأنّ العزيمة تكليف زائد يدفع بالأصل ما لم يدل دليل معتبر عليها، و ما يدل على أصل السقوط أعم منها بلا إشكال، و يشهد له ما تقدم من موثق عمار و خبر معاوية بن شريح بعد حملهما على الرخصة، لأنّ حملهما على ما بعد التفرق بعيد جدّا. و أما ظاهر قوله عليه السلام فيما تقدم من خبر أبي عليّ:

«أحسنت ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع» فلا ينافي الترخيص، لأنّ إثبات الترخيص في مقابل ما واظب عليه الناس من الإتيان، و ما ورد من تأكد الاستحباب يحتاج إلى عناية و اهتمام به أيضا، و في الحديث: «إنّ اللّه يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه» (1).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه تعالى يغضب على من لا يقبل رخصته» (2).

ص: 55


1- الوسائل باب: 25 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
2- سفينة البحار ج: 1 ص: 517.

منفردا (62).

و يشترط في السقوط أمور
اشارة

و يشترط في السقوط أمور (63):

أحدها: كون صلاته و صلاة الجماعة كلتاهما أدائية

أحدها: كون صلاته و صلاة الجماعة كلتاهما أدائية (64)، فمع كون إحداهما أو كلتيهما قضائية عن النفس أو عن الغير على وجه التبرع أو الإجارة لا يجري الحكم (65).

الثاني: اشتراكهما في الوقت

الثاني: اشتراكهما في الوقت (66)، فلو كانت السابقة عصرا و هو يريد أن يصلّي المغرب لا يسقطان.

______________________________

و إن لم يهتم به هذا النحو من الاهتمام لم يثبت الترخيص أصلا، خصوصا في الصدر الأول.

(62) للإطلاق الشامل للجميع، مع التصريح بالإمام و المأموم في خبر زيد بن عليّ، و بالجماعة في خبر أبي عليّ.

(63) لا بد من بيان قاعدة يرجع إليها عند الشك في السقوط و عدمه، و هي أنّ مقتضى العمومات و الإطلاقات ثبوت الأذان و الإقامة لكلّ فريضة مطلقا إلا فيما هو المنساق عرفا من دليل التخصيص أو المتيقن منه مع احتماله، و لا ريب في أنّ العام المخصص بالمنفصل المجمل مفهوما حجة في غير المتيقن من مورد التخصيص، فيكون المرجع في مورد الشك في السقوط الثبوت.

(64) لأنّه المنساق عرفا من الأدلّة، و استفادة القضاء يحتاج إلى عناية زائدة و هما مفقودان و إطلاق دليل السقوط ليس متكفلا لبيان هذه الجهة.

(65) لعموم دليل استحبابهما و إطلاقه الشامل لجميع هذه الصور بعد الشك في شمول دليل المخصص لها.

(66) لأنّه المتبادر من مفاد الأدلة على السقوط و في غيره يرجع إلى عموم دليل الثبوت.

ص: 56

الثالث: اتحادهما في المكان عرفا

الثالث: اتحادهما في المكان (67) عرفا، فمع كون إحداهما داخل المسجد و الأخرى على سطحه يشكل السقوط. و كذا مع البعد كثيرا.

الرابع: أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان و الإقامة

الرابع: أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان و الإقامة (68)، فلو كانوا تاركين لا يسقطان عن الداخلين و إن كان تركهم من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير (69).

الخامس: أن تكون صلاتهم صحيحة

الخامس: أن تكون صلاتهم صحيحة، فلو كان الإمام فاسقا مع على المأمومين لا يجري الحكم. و كذا لو كان البطلان من جهة أخرى (70).

السادس: أن يكون في المسجد

السادس: أن يكون في المسجد، فجريان الحكم في الأمكنة الأخرى محلّ إشكال (71). و حيث إنّ الأقوى كون السقوط على وجه

______________________________

(67) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

(68) لظهور قوله عليه السلام في خبر أبي بصير: «صلّ بأذانهم و إقامتهم» و قوله عليه السلام في خبره الآخر: «فيدخل معهم في أذانهم».

في إتيانهم بالأذان و الإقامة و بهما يقيد إطلاق سائر الأخبار.

(69) لإطلاق ما دل على استحبابهما بعد كون الظاهر من دليل السقوط صورة الإتيان بهما فقط.

(70) لظهور النصوص في الجماعة الصحيحة مع كونه من القطعيات، إذ الباطل لا يترتب عليه الأثر، و هل المراد الصحة بنظر الداخل في المسجد، أو بنظر الإمام و المأموم؟ يمكن أن يقال بمطلق الصحة الشرعية بأيّ نظر كانت، لأنّ أصل الحكم من التسهيلات.

(71) ينشأ من إطلاق جملة من النصوص، و من غلبة كون الجماعة في

ص: 57

الرخصة (72) فكلّ مورد شك في شمول الحكم له الأحوط أن يأتي بهما (73) كما لو شك في صدق التفرق و عدمه، أو صدق اتحاد المكان (74) و عدمه (75)، أو كون صلاة الجماعة أدائية أو

______________________________

المسجد، مضافا إلى ما تقدم في خبر السكوني من قوله عليه السلام: «إذا دخل الرجل المسجد».

و لكن يمكن الأخذ بالإطلاقات، لأنّ غلبة الوجود لا توجب التقييد، كما ثبت في محلّه. و الشرط في خبر السكوني أيضا ورد مورد الغالب فلا وجه للأخذ بمفهومه، إذ لا مفهوم للشروط إن كانت كذلك، إلا أن يقال: إنّ المتيقن من التخصيص هو المسجد دون غيره، و تلحق المشاهد المشرفة بالمسجد أيضا.

(72) لأنّ العزمية كلفة زائدة و مقتضى الأصل عدمها ما لم يدل دليل عليها بالخصوص و هو مفقود، و تقدم بعض الكلام فراجع.

(73) لما مر من أنّ مقتضى القاعدة أنّه إن كانت الشبهة مفهومية فالمرجع عمومات التشريع و إطلاقاتها، لما ثبت في محلّه من أنّ العام المخصص بما هو منفصل و مردد مفهوما بين الأقلّ و الأكثر يرجع في غير مورد المتيقن إلى العام. و إن كانت الشبهة موضوعية فمع وجود أصل عملي موضوعي يرجع إليه، و إلا فإلى الأصل الحكمي و لا يضح الرجوع إلى العام، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه و هو باطل. و مع عدم الأصل الموضوعي و لا الحكمي فيصح الإتيان بعنوان الرجاء، سواء قيل: بأنّ السقوط رخصة أو عزيمة. نعم، الفرق بينهما أنّه يصح الإتيان بعنوان المشروعية في الأولى دون الثانية، فلا وجه لأصل هذا النزاع في مورد الشك إلا من جهة قصد التشريع، و الظاهر أنّه لا يقصده الناس و إنّما يقصدون الرجاء.

(74) لما تقدم من أنّ قصد الرجاء لا ينافي عدم التشريع الواقعي، و يناسب الثبوت لو كان ثابتا في الواقع.

(75) مقتضى الأصل الموضوعي عند الشك في حصول التفرق عدم حصوله، كما أنّ مقتضاه في الشك في اتحاد المكان و عدمه عدم تحقق الاتحاد.

ص: 58

لا (76)، أو أنّهم أذّنوا و أقاموا لصلاتهم أم لا (77). نعم، لو شك في صحة صلاتهم حمل على الصحة (78).

الثالث: من موارد سقوطهما-: إذا سمع الشخص أذان غيره أو إقامته

الثالث: من موارد سقوطهما-: إذا سمع الشخص أذان غيره أو إقامته فإنّه يسقط عنه (79) سقوطا على وجه

______________________________

(76) مقتضى ظاهر الحال كونها أدائية، و لا يجري الأصل لمعارضته بأصالة عدم القضائية.

(77) ظاهر هيئة الجماعة يقتضي الإتيان بهما، و يجوز التمسك بقاعدة الصحة بناء على جريانها في المندوبات أيضا، و إلا فمقتضى الأصل عدم الإتيان بهما. هذا كلّه إذا كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية، و إلا فالمرجع عمومات المشروعية، كما مر.

(78) لقاعدة الصحة المتفق عليها نصّا و فتوى.

(79) لنصوص كثيرة، و ظهور الإجماع، ففي خبر أبي مريم: «صلّى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة .. إلى أن قال: و إنّي مررت بجعفر عليه السلام و هو يؤذن و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك» (1).

و عن عمر بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام: «كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة، فقال عليه السلام: قوموا فقمنا فصلّينا معه بغير أذان و لا إقامة، و قال عليه السلام: يجزئكم أذان جاركم» (2).

و عن ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أذن مؤذن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه» (3).

ص: 59


1- الوسائل باب:30 من أبواب الأذان و الإقامة حدیث :2
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

الرخصة (80)، بمعنى: أنّه يجوز له أن يكتفي بما سمع، إماما كان الآتي بهما أو مأموما أو منفردا (81). و كذا في السامع (82)، لكن بشرط

______________________________

و يشهد له إطلاق ما دل من النصوص على جواز المغايرة بين المؤذن و المقيم (1).

(80) لما تقدم في [مسألة 1، و مسألة 3]. و هنا أولى لظهور النصوص في أنّه من التسهيل، و ظهور قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان: «و أنت تريد» في التخيير و الترخيص أيضا. و مجرد بدلية السماع من الإتيان لا يقتضي العزيمة خصوصا في المندوبات، كما أنّ التعبير بالإجزاء لا يدل عليه أيضا لأنّ له مراتب متفاوتة و لا يختص بسقوط الأمر الإلزامي فقط. و حينئذ يكفي عمومات التشريع و إطلاقاته في بقاء الأمر و ملاكه.

و بالجملة: إنّ في موارد الدوران بين الرخصة و العزيمة، تكون العزيمة في الوضعيات كالحرمة في التكليفيات، فكما لا تثبت الحرمة بمجرد الاحتمال بل لا بد من دليل قاطع عليها، فكذا العزيمة من غير فرق بينهما و مجرد الشك في ثبوتها يكفي في عدمها بعد عدم تمامية الدليل عليها.

(81) لإطلاق ما تقدم من الأخبار. و أصالة المساواة بين نفس الأذان و سماعه على ما هو المشهور.

(82) لصريح الخبرين المذكورين في الإمام و فيمن يأتم بهذا الإمام الذي سمع عن غيره. و أما فيما إذا سمع المأموم فقط دون الإمام، فالمشهور جواز الاكتفاء به أيضا، كما إذا أذن بعض المأمومين للجماعة و لم يحضر الإمام بعد لما يستفاد من مجموع الأدلة أنّ حكم السماع حكم نفس الأذان و يظهر من الكلمات التسالم على أصالة المساواة بينهما، ففي كلّ مورد يكفي الإتيان بالأذان يكفي سماعة أيضا.

ص: 60


1- راجع الوسائل باب: 31 من أبواب الأذان و الإقامة.

أن لا يكون ناقصا (83)، و أن يسمع تمام الفصول.

و مع فرض النقصان يجوز له أن يتمّ ما نقصه القائل، و يكتفي به (84). و كذا إذا لم يسمع التمام يجوز أن يأتي بالبقية و يكتفي به، لكن بشرط مراعاة الترتيب (85). و لو سمع أحدهما لم يجز للآخر (86).

و الظاهر: أنّه لو سمع الإقامة فقط فأتى بالأذان لا يكتفي بسماع الإقامة، لفوات الترتيب حينئذ بين الأذان و الإقامة (87).

الرابع: إذا حكى أذان الغير أو إقامته

الرابع: إذا حكى أذان الغير أو إقامته، فإنّ له أن يكتفي بحكايتهما (88).

______________________________

(83) لظهور الأدلة في التمام و أصالة المساواة بين السماع و الإتيان، و منه يظهر اعتبار سماع تمام الفصول، مع ظهور إجماعهم على اعتبار هذا الشرط.

(84) لما تقدم في صحيح ابن سنان، و إطلاقه يشمل الفرضين، مضافا إلى عدم ظهور خلاف في البين.

(85) لما يأتي في الفصل اللاحق، و لأصالة المساواة بين السماع و الإتيان في الأجزاء و الشرائط و الموانع.

(86) للأصل، و ظهور الإجماع.

(فرع): مقتضى الإطلاق عدم الفرق في السماع بين كون الأذان المأتيّ به للصلاة أو للإعلام، و لكن يشكل ذلك فيما إذا لم يكن المؤذن قاصدا للقربة في أذانه الإعلاميّ، لما مرّ و يأتي من أنّه لا تعتبر القربة في الإعلامي، إلا أن يقال إنّ السامع إذا قصد القربة في سماعه يجزئ أيضا، و تكفي القربة التبعية دون الاستقلالية. فلو أراد أن يصلّي و سمع بتلك الإرادة الحاصلة في نفسه يجزي.

و لو شك في أنّه إعلامي أو صلاتي يجزي الاكتفاء بسماعه مع إرادة الصلاة.

(87) لأنّ الترتيب معتبر فيهما نصّا و إجماعا، كما يأتي.

(88) الحكاية على أقسام:

ص: 61

مسألة 4: يستحب حكاية الأذان عند سماعه

(مسألة 4): يستحب حكاية الأذان عند سماعه، سواء كان أذان الإعلام أو أذان الإعظام- أي أذان الصلاة- جماعة أو فرادى، مكروها كان أو مستحبا (89). نعم، لا يستحب حكاية الأذان

______________________________

الأول: أن يكون سماعهما موجبا لأن يؤذن الشخص و يقيم مستقلا لكن مع متابعته في الفصول لمن يؤذن و يقيم و لا ريب في شمول إطلاقات الأدلة لها و كفايتها، بل الظاهر عدم جواز إعادتهما بعنوان التشريع.

الثاني: أن يقصد الحكاية بقصد الاكتفاء بها للصلاة.

الثالث: أن يقصدها غافلا عن الصلاة، و الظاهر دلالة أدلة الاكتفاء بالسماع على الاكتفاء بهما بالأولوية، لأنّها سماع و شي ء زائد، فيكون الاكتفاء بالحكاية حينئذ من الرخصة، كما مر في السماع، بل يمكن التمسك بإطلاقات أدلة الأذان و الإقامة لشمولها لما إذا كان بالقصد الاستقلالي أو التبعي، فيكون الاكتفاء بها حينئذ من العزيمة و لا يصح الإعادة بقصد التشريع، إلا أن يقال: إنّ التشريع إنّما هو فيما إذا كان المأتي به بالقصد الاستقلالي دون التبعي الحكائي كما لا يبعد ذلك.

ثمَّ إنّه لا بد في إجزاء الحكاية عن الأذان الإتيان بجميع الفصول من دون تبديل، فلو أبدلها بالحوقلة لا يجزي. و كذا لا بد في الإجزاء من قصد القربة بنحو ما مر، فلا يجزي لو حكى بقصد آخر.

(89) كلّ ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق، و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كلّ شي ء»(1).

و صحيحه الآخر عنه عليه السلام: «يا محمد بن مسلم لا تدعنّ ذكر اللّه عزّ و جلّ على كلّ حال، و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر

ص: 62


1- الوسائل باب: 45 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

المحرّم (90). و المراد بالحكاية، أن يقول مثل ما قال المؤذن عند السماع (91) من غير فصل معتد به (92).

و كذا يستحب حكاية الإقامة أيضا (93). لكن ينبغي إذا قال

______________________________

اللّه عزّ و جلّ و قل كما يقول المؤذن» (1).

و في صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما أقول إذا سمعت الأذان؟ قال عليه السلام: أذكر اللّه مع كلّ ذاكر» (2).

و نحوها غيرها. و المراد بالأذان المكروه ما هو أقل ثوابا، كما في الأذان المأتي به في موارد السقوط. و الظاهر شمول الأدلة لسماع أذان الإذاعة و حكايته، و استحباب حكايته، فيصح الاكتفاء به في الأولين. و أما المسجلات فيشكل شمول الأدلة لها، لاحتمال الانصراف.

(90) لانصراف الأدلة عنه عند المتشرعة، و إن كان الجمود على إطلاق قوله عليه السلام: «لا تدعن ذكر اللّه عزّ و جلّ على كلّ حال».

الشمول له أيضا، و المراد بالأذان المحرّم ما إذا كان السقوط عزيمة و أتى به بعنوان التشريع، أو أتى به على نحو الغناء، أو سمع أذان المرأة مع التلذذ بصوتها. و لو شك في أنّه حرام أو لا، يبني على عدم الحرمة، لقاعدة الصحة.

(91) للنصوص المتقدمة و الإجماع، و أما لفظ الحكاية فلم أجده فيما ورد من النصوص، و أما الإسرار أو جواز الجهر، فإطلاق النصوص يشمل كلا منهما، إلا أنّ الظاهر انصرافها عما إذا كان الإجهار بمثل جهر المؤذن، و مقتضى إن الإسرار بالمندوبات أفضل من الإجهار بها: أفضلية الإسرار.

(92) لظهور الأدلة في ذلك، و هو المنساق منها عرفا.

(93) لأنّ الظاهر أنّ ذكر الأذان من باب المثال لا الخصوصية، بقرينة

ص: 63


1- الوسائل باب: 45 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.

المقيم: «قد قامت الصلاة» أن يقول هو: «اللّهمّ أقمها و أدمها و اجعلني من خير صالحي أهلها». و الأولى تبديل الحيعلات بالحوقلة (94)، بأن يقول: «لا حول و لا قوّة إلّا باللّه».

______________________________

التعليل في صحيح ابن مسلم: «لا تدعنّ ذكر اللّه عزّ و جل على كلّ حال».

و لا بأس باشتمالها على الحيعلات، لأنّها تابعة و من متممات الذكر، فكما يشمل قوله عليه السلام الأذان يشمل الإقامة أيضا. و في مرسل الدعائم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قال المؤذن: اللّه أكبر، فقل: اللّه أكبر، فإذا قال:

أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال: أشهد أنّ محمّدا (صلّى اللّه عليه و آله) رسول اللّه، فإذا قال: قد قامت الصلاة، فقل: اللّهمّ أقمها و أدمها و اجعلنا من خير صالحي أهلها عملا» (1).

و الظاهر أنّ ذكر الفصول الثلاثة من باب المثال، و إلا فالشهادة بالوحدانية أولى من أن تذكر. هذا و لكن حيث نسب إلى المشهور عدم استحباب حكاية الإقامة، فالأولى الحكاية بقصد الرجاء.

(94) مقتضى ما تقدم من صحيح ابن مسلم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «إذا سمع المؤذن يؤذن، قال مثلما يقول في كلّ شي ء».

الإتيان بالحيعلات و عدم تبديلها بالحوقلة. و لكن في خبر الدعائم عن عليّ بن الحسين عليهما السلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا سمع المؤذن قال كما يقول، فإذا قال: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل. قال صلّى اللّه عليه و آله: لا حول و لا قوّة إلا باللّه» (2).

و مثله خبر الآداب و المكارم (3). و لكن قصور سندهما و إمكان حملهما على حال الصلاة يمنع عن الأخذ بإطلاقهما، و على فرض التسامح في المندوبات، فالتخيير هو المتعيّن.

ص: 64


1- مستدرك الوسائل باب: 34 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 6.
2- مستدرك الوسائل باب: 34 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
3- مستدرك الوسائل باب: 34 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 9.
مسألة 5: يجوز حكاية الأذان و هو في الصلاة

(مسألة 5): يجوز حكاية الأذان و هو في الصلاة (95)، لكن الأقوى حينئذ تبديل الحيعلات بالحوقلة (96).

مسألة 6: يعتبر في السقوط بالسماع عدم الفصل الطويل

(مسألة 6): يعتبر في السقوط بالسماع عدم الفصل الطويل بينه و بين الصلاة (97).

______________________________

(95) لظهور الإطلاق، و لأنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال، و إطلاق قوله عليه السلام: «كلّما ذكرت اللّه عزّ و جلّ به و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة»(1).

و قصد الحكاية لا يضر بكونه ذكر اللّه تعالى و الظاهر أنّ قصد الحكاية ملازم لقصد الذكرية إجمالا في المقام، و الشك في كون هذا النحو من قصد الحكاية مانعا عن صحة الصلاة يكفي في جريان أصالة الصحة و عدم المانعية.

(96) إذ لا شك في كونها من كلام الآدميّ و أنّه مبطل، كما يأتي. و لا ريب في أنّ دليل الاستحباب لا يعارض أدلة الحرمة، و إلا لجاز جملة من المحرّمات لأجل قضاء حاجة المؤمن الذي هو آكد المندوبات، مضافا إلى ما تقدم في صحيح ابن مسلم أنّ الاستحباب من جهة انطباق ذكر اللّه تعالى عليه.

و ما يقال: من أنّه بعد عدم جواز الإتيان بالحيعلات لا دليل على مشروعية حكاية البقية إذ الدليل ورد بالنسبة إلى المجموع. مدفوع بأنّ المنساق من هذه الأدلة الواردة في الأذكار إنّما هو مطلوبيتها بنحو تعدد المطلوب لا وحدته بنحو المجموع من حيث المجموع، لأنّه عناية خاصة تحتاج إلى دليل مخصوص و هو مفقود. هذا كلّه في الصلوات التي لا يجوز قطعها. و أما ما جاز ذلك فلا بأس بالإتيان بها فتبطل الصلاة حينئذ، و لكن هل الأولى الإتيان بها و قطع الصلاة أو تركها و إتمام الصلاة، أو التخيير بينهما؟ الظاهر تعين الوسط.

(97) لما يأتي من اعتبار الموالاة بين الأذان و الإقامة و بين الصلاة، و البدل في حكم المبدل إلا أن يدل دليل على الخلاف و هو مفقود.

ص: 65


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 4.
مسألة 7: الظاهر عدم الفرق بين السماع و الاستماع

(مسألة 7): الظاهر عدم الفرق بين السماع و الاستماع (98).

مسألة 8: القدر المتيقن من الأذان المتعلق بالصلاة

(مسألة 8): القدر المتيقن من الأذان المتعلق بالصلاة، فلو سمع الأذان الذي يقال في أذن المولود أو وراء المسافر عند خروجه إلى السفر لا يجزئه (99).

مسألة 9: الظاهر عدم الفرق بين أذان الرجل و المرأة

(مسألة 9): الظاهر عدم الفرق بين أذان الرجل و المرأة (100) إلا إذا كان سماعه على الوجه المحرّم، أو كان أذان المرأة على الوجه المحرّم (101).

______________________________

(98) لتلازم الاستماع مع السماع- الذي هو المذكور في الأدلة- إذا كان السماع ملتفتا إليه في الجملة.

(99) لأنّ المتفاهم من الأدلة إنّما هو ما يتعلق بالصلاة، مع أنّه لم نجد دليلا على استحباب الأذان وراء المسافر، كما اعترف به في الجواهر، و إن كان ذلك عادة الأخيار في قديم الأعصار و لعلّهم أخذوا ذلك مما ورد في الأذان عند تولع الغول (1)، فيأتون به للدفع لا الرفع.

(100) بناء على ثبوت الإطلاق حتّى من هذه الجهة، و لكنه مشكل، و الشك فيه يكفي في عدم ثبوته، كما أنّ التمسك بقاعدة الاشتراك مخدوش لأنّ عمدة دليلها الإجماع، و لم يحرز بناء الفقهاء عليها في المقام، مع ما علم من مذاق الشارع من كثرة الاهتمام على تستر النساء من كلّ جهة حتّى من جهة الصوت، و حكاية صوتهنّ، و لا يبعد ثبوت الإطلاق بالنسبة إلى المحرّم منهنّ.

(101) الأول: كما إذا كان السماع بعنوان التلذذ و الريبة. و الثاني: كما إذا كان الأذان بعنوان الغناء، أو قيل بحرمة سماع صوتهنّ مطلقا.

ص: 66


1- الوسائل باب: 46 من أبواب الأذان و الإقامة.
مسألة 10: قد يقال: يشترط في السقوط بالسماع أن يكون السامع من الأول قاصدا للصلاة

(مسألة 10): قد يقال: يشترط في السقوط بالسماع أن يكون السامع من الأول قاصدا للصلاة، فلو لم يكن قاصدا و بعد السماع بنى على الصلاة لم يكف في السقوط. و له وجه (102).

______________________________

(102) مقتضى بدلية السماع عن الإتيان، بالأذان يعتبر فيه جميع ما يعتبر في المبدل، و يأتي في الفصل التالي اعتبار الصلاة فضلا عن قصدها.

ص: 67

فصل يشترط في الأذان و الإقامة أمور

اشارة

(فصل) يشترط في الأذان و الإقامة أمور:

الأول: النية

الأول: النية ابتداء و استدامة على نحو سائر العبادات، فلو أذّن أو أقام لا بقصد القربة لم يصح (1). و كذا لو تركها في الأثناء. نعم، لو رجع إليها و أعاد ما أتى به من الفصول لا مع القربة معها صح، و لا يجب الاستئناف (2). هذا في أذان الصلاة. و أما أذان الإعلام فلا يعتبر

______________________________

(فصل)

(1) للإجماع، و لما هو المرتكز بين المتشرعة، بل الظاهر أنّ عبادية التكبيرات و الشهادة ذاتية عرفية غير متقومة بقصد القربة كسائر الأذكار و القرآن و الدعاء، فيكفي قصد ذاتها، و لو لم تقصد القربة. نعم، يكون قصد الخلاف مانعا عن العبادية لا أن يكون قصد القربة معتبرا فيها. كما يعتبر في عبادية الحيعلات قصد القربة، لعدم كونها ذكرا، و يكفي القصد الإجمالي الارتكازي المنبعث عن قصد الصلاة، و لا يعتبر التفصيلي منه، للأصل.

(2) إنّ قصد القربة تارة: يكون في تمام الأذان، و أخرى: في بعض فصوله، و ثالثة: في حال السكوت في أثناء الفصول ثمَّ العود إليها مع بقاء الموالاة، و رابعة: حال السكوت مع فقد الموالاة.

و في الأول يجب الاستئناف لفقد الشرط، و في الثاني يجب استئناف ذلك الفصل بالخصوص مع عدم فوت الموالاة، و في الثالث يصح و لا شي ء عليه، و في الأخير يستأنف أصل الأذان، لفقد الشرط و هو الموالاة.

ص: 68

فيه القربة (3) كما مر. و يعتبر أيضا تعيين الصلاة التي يأتي بهما لها مع الاشتراك، فلو لم يعيّن لم يكف (4).

______________________________

(3) تقدم ما يتعلق به، و أنّه لا ثمرة للنزاع إلا فيما إذا قصد الرياء فيجزي الإعلاميّ معه دون الصلاتي.

(4) لأنّ الأذان و الإقامة في الشريعة من أول تشريعهما إنّما يؤتى بهما بحسب قصد المصلّين لصلاة معينة بلا فرق بين كونهما مندوبين نفسيين أو غيريين، فالتخصص لصلاة معينة دخيل فيهما بحسب عنوانهما القصدي، كتخصص التكبيرات التي يؤتى بها للصلوات افتتاحية كانت أو غيرها، و كتخصص التعقيبات بها. و إطلاقات أدلة الأذان و الإقامة منزلة على هذه المرتكزات الإجمالية المغروسة في الأذهان. و عليه، يكون قصد الخلاف مانعا لا أن يكون قصد التعيين التفصيلي شرطا لوجوده إجمالا و ارتكازا عند إرادة الصلاة، و يدل على ما قلناه قوله عليه السلام في جملة من الأخبار: «من صلّى بأذان و إقامة- الحديث-» (1).

فإنّ ظهوره في تخصص الأذان و الإقامة بالصلاة مما لا ينكر، و قوله عليه السلام: «لا تدع الأذان في الصلوات كلّها» (2).

و قوله عليه السلام: «أدنى ما يجزي أن تفتتح الليل بأذان و إقامة، و تفتتح النهار بأذان و إقامة» (3).

إلى غير ذلك مما يستفاد منه التخصص القصدي الإجمالي، هذا بحسب المستفاد من الأخبار المنساق من القرائن.

و أما بحسب القاعدة و كون المطلوبية مقدمة فالمسألة من صغريات

ص: 69


1- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الأذان و الإقامة.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

كما أنّه لو قصد بهما صلاة لا يكفي لأخرى بل يعتبر الإعادة و الاستئناف (5).

الثاني: العقل، و الإيمان

الثاني: العقل (6)، و الإيمان (7)، و أما البلوغ فالأقوى عدم

______________________________

المقدمات الموصلة، فإن قلنا بأنّ قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها معتبر في مطلوبيتها فلا بد من التعيين لا محالة، و إلا- كما هو المشهور- فلا وجه له و يمكن القول في المقام بعدم الابتناء على المقدمة الموصلة، لما مرّ من أنّ قصد الخلاف مانع لا أن يكون قصد التوجه إلى الصلاة شرطا، لفرض كونه حاصلا في ذهن نوع المصلّين الذين يأتون بالأذان و الإقامة، هذا كله بناء على كون مطلوبيتها غيرية. و أما بناء على كونها نفسية فيسقط البحث من رأسه.

(5) لعدم الإجزاء بعد تنزيل الأدلة على التخصيص الحاصل من القصد و لو إجمالا المنبعث من قصد الصلاة الخاصة.

(6) للإجماع، و لسلب ألفاظ المجنون عند العرف و العقلاء.

(7) لظهور عدم الخلاف، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق عمار عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟: «لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان و أذن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه، و لا إقامته و لا يقتدى به» (1).

و المراد بالعارف من يعرف الإمام عليه السلام، و لأنّ الأذان و الإقامة عبادة، و هي من غير العارف باطلة.

و لكن يمكن الخدشة في الكلّ. أما الإجماع فلعدم ثبوته لتعبير جمع منهم المحقق في الشرائع: بالإسلام. أما الموثق فلأنّ عدم قبول عباداتهم مسلّم و لكن عدم الصحة يحتاج إلى بحث، و إلا فلم لم يذكروا شرطية الإيمان في الوضوء و الغسل و الصلوات المندوبة و سائر العبادات؟! و إنّما ذكروها هنا و في الصوم مع

ص: 70


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

اعتباره (8) خصوصا في الأذان (9) و خصوصا في الإعلاميّ (10) فيجزي أذان المميز و إقامته إذا سمعه، أو حكاه، أو فيما لو أتى بهما

______________________________

اختلافهم فيهما أيضا. و ما وجه تعليل أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن خالد وجوب إعادة الزكاة عليهم: «فإنّها وضعت في غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية»(1).

مع أنّ التعليل بالذاتي أولى؟!!.

(8) لشريعة عباداته فتشمله إطلاقات الأدلة. و ذكر الرجل في بعض الأدلة من باب المثال لا لإخراج غير البالغ. و الانصراف إلى البالغ بدوي و عدم حصول التقرب منه من مجرد الدعوى، فالمقتضي للصحة و الإجزاء موجود و المانع عنهما مفقود بجميع احتمالاته، و حديث «عمد الصبيّ خطأ» (2) يختص بالجنايات، كما يأتي.

(9) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم» (3).

و في خبر غياث بن إبراهيم عنه عليه السلام أيضا: «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم و أن يؤذن» (4).

و نحوهما غيرهما.

(10) إذ المقصود منه الإعلام بدخول الوقت و هو يحصل بأذان غير البالغ أيضا إذا علم الوقت أو علمه غيره، بل ذكرنا أنّه يحصل بأذان غير الإنسان، كما يحصل الإعلام بدخول الوقت بصياح الديك، كما مر سابقا.

ص: 71


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

للجماعة (11). و أما إجزاؤهما لصلاة نفسه فلا إشكال فيه (12). و أما الذكورية فتعتبر في أذان الإعلام و الأذان و الإقامة لجماعة الرجال غير المحارم (13). و يجزيان لجماعة النساء (14) و المحارم على إشكال في الأخير (15)، و الأحوط عدم الاعتداد.

نعم، الظاهر إجزاء سماع أذانهنّ بشرط عدم الحرمة كما مرّ و كذا إقامتهنّ (16).

______________________________

(11) كلّ ذلك لشمول إطلاقات الأدلة بناء على شريعة عباداته. كما هو التحقيق.

(12) لأنّهما كنفس صلاته فإن كانت تمرينية فهما كذلك و إن كانت شرعية- كما هو الحق- فهما كذلك أيضا، و قد أثبتنا كونها شرعية مرارا.

(13) العمدة فيه كثرة اهتمام الشارع بسترهنّ و اختفائهنّ، و عدم عموم، أو إطلاق وارد في البين من كلّ جهة حتّى يصح التمسك به لأذانهنّ للإعلام و لجماعة الأجانب، بل يكون ذلك مستنكرا بين المتشرعين و المتشرعات في كلّ عصر و زمان.

(14) لقاعدة الاشتراك، و ظهور الاتفاق، و ما دل على استحبابهما للجماعة الشامل لجماعتهنّ أيضا.

(15) لأصالة عدم الإجزاء بعد الشك في شمول دليل الإجزاء و الاجتزاء لذلك.

(16) لدعوى: ظهور الإطلاق فيه. و لكن مقتضى الأصل عدم الإجزاء فيه أيضا بعد الشك في شمول الدليل له، و قد تقدم في المسألة التاسعة بعض الكلام، فراجع.

ص: 72

الثالث: الترتيب بينهما

الثالث: الترتيب بينهما بتقديم الأذان على الإقامة (17). و كذا بين فصول كلّ منهما (18)، فلو قدم الإقامة عمدا أو جهلا أو سهوا أعادها بعد الأذان (19).

و كذا لو خالف الترتيب فيهما بين فصولهما، فإنّه يرجع إلى موضع المخالفة و يأتي على الترتيب إلى الآخر (20). و إذا حصل الفصل الطويل المخلّ بالموالاة يعيد من الأول من غير فرق أيضا بين العمد و غيره (21).

______________________________

(17) للإجماع، و ظواهر ما مرّ من النصوص (1)، و التأسي و السيرة.

(18) لظاهر النصوص و الإجماع، و في صحيح زرارة: «من سها في الأذان فقدم أو أخّر أعاد على الأول الذي أخّره حتّى يمضي على آخره» (2).

و في خبر الفقيه: «و كذلك في الأذان و الإقامة- أي تابع بينهما- فابدأ بالأول فالأول، فإن قلت (حيّ على الصّلاة) قبل الشهادتين تشهدت ثمَّ قلت:

(حيّ على الصّلاة)» (3).

(19) لتحصيل الترتيب اللازم إن أراد الجمع بينهما، و إلا فيجوز الاقتصار على كلّ منهما بعد عدم كونهما الارتباطيين، كما مرّ في أول فصل الأذان و الإقامة عند قوله: «و يجوز ترك الأذان و الاكتفاء بالإقامة». بل الاكتفاء بالأذان فقط.

(20) لأنّ بذلك يحصل الترتيب، و لما مرّ في صحيح زرارة.

(21) لعدم إمكان تحصيل الترتيب بعد فوت الموالاة، و لأنّ الترتيب و الموالاة شرط واقعي بلا فرق فيه بين العمد و غيره. هذا كلّه إن أراد الإتيان بهما، و إن أراد تركهما معا أو ترك أحدهما فتسقط جملة من هذه الفروع.

ص: 73


1- راجع النصوص التي وردت في كيفية الأذان و الإقامة صفحة: 20- 21.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
الرابع: الموالاة بين الفصول من كلّ منهما

الرابع: الموالاة بين الفصول من كلّ منهما على وجه تكون صورتهما محفوظة بحسب عرف المتشرعة. و كذا بين الأذان و الإقامة، و بينهما و بين الصلاة، فالفصل الطويل المخلّ بحسب عرف المتشرعة بينهما، أو بينهما و بين الصلاة مبطل (22).

______________________________

و أما موثق عمار قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان و الإقامة، قال عليه السلام: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله و ليقل من ذلك الحرف إلى آخره و لا يعيد الأذان كلّه و لا الإقامة» (1).

فهو نحو تسهيل و ترخيص لا بأس بالعمل به في مورده كما يصح ترك الأذان و الاكتفاء بالإقامة، لموثقة الآخر: «إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتّى يأخذ في الإقامة، فليمض في الإقامة و ليس عليه شي ء، فإن نسي حرفا من الإقامة عاد الى الحرف الذي نسيه ثمَّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة» (2).

فروع- (الأول): الفصول من كلّ منهما ارتباطية لظهور الأدلة و الإجماع، و أما نفسهما فليس كذلك، للأصل بعد فقد الدليل.

(الثاني): لو شك في أنّه أتى بهما مرتبا و لا يعيد إن كان في الأثناء، لأصالة عدم الإتيان بلا دليل حاكم عليها، بخلاف ما إذا كان بعد الفراغ، لقاعدة الفراغ.

(الثالث): إذا علم إجمالا أنّه أتى في أحدهما بخلاف الترتيب و لم يعلم أنّه في الأذان أو في الإقامة يعيدهما و يجوز له الاكتفاء بإعادة الإقامة فقط.

(22) كلّ ذلك للسيرة خلفا عن سلف، بل الظاهر أنّ الموالاة في مثل هذه الجملات التي لها وحدة صورية معتبرة عرفا في المحاورات فتنزل إطلاقات الأدلة عليها بلا إشكال، و كذا بين الأذان و الإقامة بعد فرض إرادة الإتيان بهما و كونهما

ص: 74


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
الخامس: الإتيان بهما على الوجه الصحيح بالعربية

الخامس: الإتيان بهما على الوجه الصحيح بالعربية، فلا يجزئ ترجمتهما، و لا مع تبديل حرف بحرف (23).

السادس: دخول الوقت

السادس: دخول الوقت، فلو أتى بهما قبله و لو لا عن عمد لم يجتزأ بهما و إن دخل الوقت في الأثناء (24).

نعم، لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام (25)، و إن كان الأحوط إعادته بعده.

______________________________

من مقدمات الصلاة، لأنّ لهما حينئذ نحو وحدة عرفية، و كذا بين الإقامة و بين الصلاة، لكونها عند المتشرعة كباب الدخول في الصلاة، بل في خبر أبي هارون: «الإقامة من الصلاة» (1).

و بالجملة الوحدة الصورية بين فصول كلّ منهما و بين الأذان و بين الإقامة و بينها و بين الصلاة مرعية بين المسلمين و ليس المراد بالموالاة الدقية العقلية، بل و لا الدقة العرفية أيضا، لعدم الدليل على اعتبار كلّ منهما، بل المراد حفظ الوحدة الصورية و عدم الإتيان بما يوجب محوها، و استنكار ذلك بحسب المحاورات العرفية الدائرة عند الناس.

(23) لظواهر الأدلة المبينة لكيفيتهما، مضافا إلى ظهور التسالم و الإجماع.

(24) لإطلاق النص، و الإجماع، بل الضرورة في الجملة، قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح معاوية بن وهب: «لا تنتظر بأذانك و إقامتك إلا دخول وقت الصلاة» (2).

و إطلاقه يشمل عدم الإجزاء و إن دخل الوقت في الأثناء.

(25) نسب ذلك إلى المشهور، و البحث فيه من جهات:

ص: 75


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

.....

______________________________

الأولى: يجوز الإعلام قبل الوقت بأنّ الوقت سيدخل سواء كان ذلك بقراءة القرآن، أو بالمناجاة كما هو المتعارف في السّحر في بعض البلاد عند الشيعة أو بالأذان إن كانت في البين أمارة عليه بحيث لا يوجب الاشتباه على الناس و تحيرهم في الوقت، و يكفي في جواز ذلك كلّه أصالة الإباحة بعد عدم دليل على المنع لأنّ ما لا يجوز من الأذان قبل الوقت إنّما هو الأذان الذي كان إعلانا بدخول الوقت لا ما كان إعلانا بأنّ الوقت سيدخل بعد ذلك لتهيؤ الناس للصلاة في أول وقتها و لا يبعد أن يقال: باستحبابه، لأنّه من التسبيب إلى المسارعة إلى الخير و يوجب المغفرة.

الثانية: مقتضى أدلة توقيت أذان الصلاة بوقتها، و أذان الإعلام بدخول الوقت أيضا عدم جواز الإتيان به قبل الوقت مطلقا، و يدل عليه ما تقدم من النص، و الإجماع، بل الضرورة، و عن أصل النرسي عن أبي الحسن عليه السلام: «أنّه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال: شيطان، ثمَّ سمعه عند طلوع الفجر فقال: «الأذان حقا» (1).

فلا يصح ذلك إلا أن يدل دليل على الخلاف.

و قد استدل للجواز بجملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الصحيح: «كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مؤذنان أحدهما بلال و الآخر ابن أم مكتوم و كان ابن أم مكتوم أعمى، و كان يؤذن قبل الصبح، و كان بلال يؤذن بعد الصبح، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله «إنّ ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال»، فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته- الحديث-» (2).

و عنه عليه السلام أيضا في الصحيح: «كان بلال يؤذن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ابن أم مكتوم و كان أعمى يؤذن بليل و بلال يؤذن حين يطلع الفجر» (3).

و في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: إنّ لنا

ص: 76


1- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.

.....

______________________________

مؤذنا يؤذن بليل، قال: أما إنّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة، و أما السنة فإنّه ينادى مع طلوع الفجر- الحديث-» (1).

و قريب منه خبره الآخر، و لا ريب في ظهور هذه الأخبار قولا و تقريرا في جوازه قبل الفجر، و ما تقدم من خبر النرسي ضعيف سندا لا يصلح لمعارضة هذه الأخبار الكثيرة المعتبرة المعتضدة بعمل المشهور، و يمكن حمله على ما إذا أوجب تلبس الأمر على المؤمنين و وقوع صلاتهم قبل الوقت، كما أنّ صحيح الحلبي- قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان قبل الفجر، فقال: إذا كان في جماعة فلا، و إذا كان وحده فلا بأس» (2).

ساقط، لإجماله و هجره بين الأصحاب.

إن قلت: ما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «و أما السنة فإنّه ينادى مع طلوع الفجر» يدل بالمفهوم على أنّ الأذان قبل الفجر بدعة لا يجوز.

قلت: المراد بالنسبة الوظيفة الشرعية التي يؤتى بها للإعلام بدخول الوقت و لا ريب في أنّه بهذا القصد بدعة، و إنّما الكلام فيما إذا ترتبت عليه فائدة شرعية أخرى كالتأهب للصلاة و نحوه مع عدم تلبس دخول الوقت على المصلّين.

إن قلت: إنّ ابن أم مكتوم كان يؤذن بقصد الإعلام بدخول الوقت و مع ذلك لم يردعه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو تقرير للبدعة.

قلت: أولا إنّه كان معتقدا بدخول الوقت و لا معنى للبدعة. و ثانيا: إنّ عماه، و تصريح النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعدم ترتيب الأثر على أذانه يسقط أذانه عند الناس، فيترتب على أذانه فائدة تأهب الناس للصلاة فقط دون سائر الآثار.

و منه يظهر أنّه يمكن أن يجعل النزاع بين المشهور و بين من خالفهم- كالسيد و الحلي- لفظيا قهرا إذ مراد المشهور من الجواز ما إذا ترتب عليه أثر شرعي غير توهم دخول الوقت و مراد غيرهم ما إذا أوجب ذلك التلبيس على المصلّين و وقوع صلاتهم قبل الوقت.

ص: 77


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 6.
السابع: الطهارة من الحدث في الإقامة على الأحوط
اشارة

السابع: الطهارة من الحدث في الإقامة على الأحوط، بل لا يخلو عن قوّة بخلاف الأذان (26).

______________________________

الثالثة: لا ريب في أنّه لا يجوز الاكتفاء بهذا الأذان للإعلام بدخول الوقت حين الأذان أو بعده بلا فصل، لفرض كونه قبل الوقت، و أما مع الفصل، فيصح بعد أن كان مأذونا فيه شرعا و كان مضبوطا كما إذا علم أنّ الأذان يكون قبل دخول الوقت بنصف ساعة أو ربعها- مثلا- فبعد مضيّ نصف ساعة أو الربع يصح ترتيب الأثر على دخول الوقت، فيشمله إطلاق ما دل على الاعتماد على أذان الثقة (1) و هل يشمله إطلاق دليل استحباب الحكاية (2) و الاكتفاء بالسماع؟ لا يبعد ذلك أيضا، لأنّه أذان غير محرّم شرعا مع تحقق سائر الشروط التي مرّ اعتبارها في السماع، و لكن يمكن دعوى الانصراف عن مثله. و منه يظهر وجه الاحتياط المذكور في المتن. هذا في الأذان قبل دخول الوقت.

و أما الأذان بعد دخوله فإن كان بعده بيسير مثل دقيقتين أو ثلاث دقائق فلا بأس به، و إن كان أزيد فلا يجوز إن كان بعنوان التشريع، و كذا إن ترتب عليه تشويش المصلّين و اضطرابهم بعد إحرازهم دخول الوقت و إتيانهم للصلاة أو كانوا في أثنائها، و إن لم يكن كذلك فلا بأس.

(26) المشهور عدم وجوب الطهارة من الحدث في الإقامة، للأصل، و إطلاق الأدلة. و نسب إلى جمع من الفقهاء وجوبها فيها، لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة قال: «تؤذن و أنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا و أينما توجهت، و لكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيئا للصلاة» (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحلبي قال: «لا بأس أن يؤذن الرجل من غير وضوء و لا يقيم إلا و هو على وضوء» (4).

ص: 78


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب الأذان و الإقامة.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
مسألة 1: إذا شك في الإتيان بالأذان بعد الدخول في الإقامة

(مسألة 1): إذا شك في الإتيان بالأذان بعد الدخول في الإقامة لم يعتن به و كذا لو شك في فصل من أحدهما بعد الدخول في الفصل اللاحق. و لو شك قبل التجاوز أتى بما شك فيه (27).

______________________________

و عنه عليه السلام أيضا: «إنّ عليا كان يقول- في حديث-: و لا بأس بأن يؤذن المؤذن و هو جنب، و لا يقيم حتّى يغتسل» (1).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «فإن أقام و هو على غير وضوء أ يصلّي بإقامته؟ قال: لا» (2).

و ظاهر هذه الأخبار و إن كان اشتراط الطهارة في الإقامة إلا أنّ قوله عليه السلام فيما مر من الصحيح متهيئا للصلاة ظاهر، بل نصّ في أنّ هذه الطهارة طهارة تهيئة للصلاة، و الطهارة التهيئية ليست بواجبة قطعا. نعم، تكون مندوبة، و الواجب إنّما هو الطهارة المقرونة مع الشروع في الصلاة فقط، فيصلح قوله عليه السلام هذا قرينة لصرف سائر الأخبار عن ظاهرها مضافا إلى وهنها بإعراض المشهور هذا مع أنّ مقتضى مرتكزات المتشرعة التزامهم بالشرائط المعتبرة في الصلاة حين الأذان و الإقامة غالبا كالتزامهم بها في التكبيرات السبعة الافتتاحية و الأدلة وردت إرشادا إلى هذا المرتكز، فلا يستفاد منها حكم تعبدي. و منه يظهر أنّه لا وجه للاحتياط الوجوبي فضلا عن الفتوى. نعم، استحباب الطهارة فيهما مسلّم و يتأكد في الإقامة، لما مرّ.

(27) أما الأولان، فلقاعدة التجاوز، و أما الأخير، فلأصالة عدم الإتيان من غير دليل حاكم عليها، و يأتي في الخلل ما ينفع المقام.

ص: 79


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 8.

فصل يستحب فيهما أمور

اشارة

(فصل يستحب فيهما أمور) الأول: الاستقبال (1).

الثاني: القيام (2).

(فصل يستحب فيهما أمور)

______________________________

(1) للنص، و الإجماع في الجملة، و في خبر الدعائم: «يستقبل المؤذن في الأذان و الإقامة» (1).

و أما قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر الشيباني: «إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا، فإنّك في الصلاة» (2).

فلا يدل على تنزيل الإقامة منزلة الصلاة من كلّ جهة و إنّما هو إرشاد إلى ما ارتكز في أذهان المصلّين من أنّهم يرون أنفسهم حين الإقامة متهيئين للصلاة و يراعون شروطها فيها أيضا، فلا وجه لما نسب إلى المفيد و السيد رحمه اللّه من وجوب استقبال فيها، و يشهد لعدم الوجوب إطلاق خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل يفتتح الأذان و الإقامة و هو على غير القبلة ثمَّ استقبل القبلة، قال عليه السلام: «لا بأس» (3).

(2) للنص، و الإجماع، قال أبو جعفر عليه السلام في خبر حمران: «لا

ص: 80


1- دعائم الإسلام ج: 1 صفحة 175 طبع دار المعارف بمصر.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

الثالث: الطهارة في الأذان (3) و أما الإقامة: فقد عرفت أنّ الأحوط، بل لا يخلو عن قوّة اعتبارها فيها، بل الأحوط اعتبار الاستقبال و القيام أيضا فيها (4) و إن كان الأقوى الاستحباب (5).

______________________________

يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض» (1).

المحمول على الندب بقرينة قوله عليه السلام: «تؤذن و أنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا و أينما توجهت و لكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيئا للصلاة» (2).

و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن مسلم عليه السلام: «يؤذن الرجل و هو قاعد؟ قال عليه السلام: نعم، و لا يقيم إلا و هو قائم» (3).

و لم يرد ترخيص في القعود بالنسبة إلى الإقامة و لكن إعراض المشهور عما دل على اعتبار القيام في الإقامة أوهنها عن الاعتماد عليها، مع أنّ جميع ما يعتبر فيهما بحسب ظاهر النصوص يفرغ عن لسان واحد يمكن أن يكون ثبوت الاستحباب في بعضها قرينة على الاستحباب في الآخر ما لم يدل دليل على الخلاف، مضافا إلى أنّ جميع تأكيدات الواردة في الإقامة إرشاد إلى ما في أذهان المصلّين من أنّهم يهتمون بالتحفظ على شرائط الصلاة حال الإقامة أيضا، فمثل هذه الأخبار لا تستفاد الشرطية منها.

و يرد على الماتن رحمه اللّه أنّه جزم باعتبار الطهارة في الإقامة و أفتى باستحباب القيام فيها مع أنّه لم يرد ترخيص في ترك القيام في الإقامة كما لم يرد ترخيص في ترك الطهارة فيها مع أنّ سياق جميع ما ورد في آدابهما واحد.

(3) لما تقدم عند قوله رحمه اللّه «السابع الطهارة» فلا وجه للإعادة.

(4) خروجا عن خلاف من أوجبها فيها.

(5) للأصل، و الإطلاق بعد إعراض المشهور عما دل على اعتبار الاستقبال و القيام في الإقامة.

ص: 81


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.

الرابع: عدم التكلم في أثنائهما (6)، بل يكره (7) بعد «قد قامت الصلاة» للمقيم، بل لغيره أيضا (8) في صلاة الجماعة إلا في تقديم

______________________________

(6) للإجماع، و النص، أما في الأذان، فلموثق سماعة قال: «سألته عن المؤذن أ يتكلم و هو يؤذن؟ قال: لا بأس حين يفرغ من أذانه» (1).

الظاهر في الكراهة حينه، و عبّر باستحباب عدم التكلم للملازمة بينها في المقام كما يظهر من الإجماع.

و أما في الإقامة، فلنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تؤم بيدك» (2).

المحمول على الكراهة بقرينة قوله عليه السلام: «لا بأس أن يتكلم الرجل و هو يقيم الصلاة و بعد ما يقيم إن شاء» (3).

و يستفاد من ذلك صحة التكلم في أثناء الأذان بالأولى.

(7) حق التعبير أن يعبّر بشدة الكراهة، ففي صحيح ابن أبي عمير قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: نعم، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان» (4).

و عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام و أهل المسجد إلا في تقديم إمام» (5).

و مثلهما غيرهما المحمول على شدة الكراهة إجماعا.

(8) لأنّ قوله عليه السلام في الخبر المتقدم: «حرم الكلام على أهل

ص: 82


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 10.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7.

إمام بل مطلق ما يتعلق بالصلاة كتسوية صف و نحوه (9)، بل يستحب له إعادتها حينئذ (10).

الخامس: الاستقرار في الإقامة (11).

السادس: الجزم في أواخر فصولهما مع التأنّي في الأذان و الحدر في الإقامة (12) على وجه لا ينافي قاعدة الوقف (13).

______________________________

المسجد» يشمل المقيم و غيره.

(9) لظهور الإجماع، و حمل ما ذكر في خبر ابن أبي عمير على مجرد المثال.

(10) لقوله عليه السلام في الصحيح: «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (1).

المحمول على الندب إجماعا.

(11) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» (2).

المحمول على الندب إجماعا.

(12) لما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء و الإقامة حدر» (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن السري: «الأذان ترتيل و الإقامة حدر» (4).

و عنه عليه السلام أيضا: «الأذان و الإقامة مجزومان» (5).

ص: 83


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

السابع: الإفصاح بالألف و الهاء من لفظ الجلالة في آخر كلّ فصل هو فيه (14).

الثامن: وضع الإصبعين في الأذنين في الأذان (15).

التاسع: مدّ الصوت في الأذان و رفعه (16)، و يستحب الرفع في

______________________________

و الجزم عدم إشباع الحركة، و الحدر الإسراع في الشي ء من غير تأنّ.

(13) بأن يكون بنحو لا يحصل الوصل بالسكون أو الوقف بالحركة و لكن لو حصل أحدهما أو كلّ منهما لا يوجب البطلان كما يأتي في [مسألة 32] من (فصل القراءة) و إن كان خلاف الاحتياط.

(14) لما تقدم في قول أبي جعفر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء و الإقامة حدر».

و عنه عليه السلام أيضا: «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء و الألف» (1).

و الظاهر أنّ ذكر الأذان من باب المثال، فيشمل الإقامة أيضا كما أنّ الإطلاق يشمل كلّ ألف و هاء فيهما، و لا يختص بلفظ الجلالة الذي يكون في آخر الفصل، و هذا نحو تعظيم و تجليل لهذه الكلمة المباركة.

(15) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن السريّ: «السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان» (2).

و لعله إشارة إلى أنّ المؤذن لا بد و أن يحفظ سمعه عن سماع الملاهي و غير ذكر اللّه تعالى حتّى يجعل اللّه تعالى لصلوته أثرا معنويا في المسامع و القلوب.

(16) لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن وهب: «اجهر به

ص: 84


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

الإقامة أيضا إلا أنّه دون الأذان (17).

العاشر: الفصل بين الأذان و الإقامة بصلاة ركعتين (18)،

______________________________

و ارفع به صوتك، و إذا أقمت فدون ذلك» (1). و عنه عليه السلام في صحيح عبد الرحمن: «إذا أذنت فلا تخفينّ صوتك فإنّ اللّه يأجرك مدّ صوتك فيه» (2).

و في صحيح زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام: «لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته، و كلّ ما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر و كان أجرك في ذلك أعظم».

(17) لما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن وهب.

(18) لصحيح الجعفري: «فرق بين الأذان و الإقامة بجلوس أو بركعتين» (4).

و إطلاقه يشمل جميع الصلوات، لكن في المعتبر و المنتهى استثناء المغرب- فجعلا الأولى الفصل بالخطوة و السكتة- و نسب ذلك فيهما إلى علمائنا، و يمكن أن يكون ذلك تقييدا لإطلاق الصحيح، و يجوز الاجتزاء بركعتين من نافلة الظهر و ركعتين من نافلة العصر و نافلة الفجر، للإطلاق و لخبر الأنماطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يؤذن للظهر على ست ركعات و يؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر» (5).

في حديث أذان الصبح قال عليه السلام: «السنة أن تنادي به مع طلوع الفجر، و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلا الركعتان» (6).

و الظاهر أنّه يجزي في الفصل بين الأذان و الإقامة للعشاء ركعتين من نافلة المغرب، للإطلاق و إن لم أظفر على نص فيه بالخصوص.

ص: 85


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 39 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
6- الوسائل باب: 39 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 6.

أو خطوة (19)، أو قعدة (20)، أو سجدة (21)، أو ذكر، أو

______________________________

(19) للإجماع المدعى في المعتبر، و المنتهى، و في الرضوي قال:

«و إن أحببت أن تجلس بين الأذان و الإقامة فافعل فإنّ فيه فضلا كثيرا، و إنّما ذلك على الإمام، و أما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثمَّ يقول: باللّه أستفتح و بمحمد صلّى اللّه عليه و آله أستنجح و أتوجّه، اللّهم صلّ على محمّد و على آل محمد و اجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين، و إن لم تفعل أيضا أجزأك»(1).

و يمكن أن يحمل هذا الحديث على أفضلية الجلوس للإمام من الخطوة جمعا بينه و بين إطلاق الكلمات، مع أنّ المندوبات كلّها من باب مراتب الفضل.

(20) لما تقدم في صحيح الجعفري، و في موثق عمار: «و أفضل بين الأذان و الإقامة بقعود أو بكلام، أو بتسبيح» (2).

و في صحيح ابن شهاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بد من قعود بين الأذان و الإقامة» (3).

و عنه عليه السلام أيضا في خبر ابن فرقد: «بين كلّ أذانين قعدة إلا المغرب فإنّ بينهما نفسا» (4).

(21) لخبر ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأصحابه: «من سجد بين الأذان و الإقامة، فقال في سجوده: سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا يقول اللّه: ملائكتي و عزّتي و جلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين و هيبته في قلوب المنافقين» (5).

و في خبره الآخر (6) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «رأيته أذّن ثمَّ أهوى للسجود ثمَّ سجد سجدة بين الأذان و الإقامة فلما رفع رأسه قال: يا أبا عمير من

ص: 86


1- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 14.
6- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 15.

دعاء (22)، أو سكوت (23)، بل أو تكلّم (24)، لكن في خبر الغداة، بل لا يبعد الكراهة فيها (25).

______________________________

فعل مثل فعلي غفر اللّه له ذنوبه كلّها، و قال: من أذّن ثمَّ سجد فقال: لا إله إلّا أنت ربّي سجدت لك خاضعا خاشعا غفر اللّه له ذنوبه».

(22) لما مرّ من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق عمار: «بقعود أو بكلام أو بتسبيح»، فإنّ المتيقن من الكلام في مثل المقام الذكر و الدعاء و خبر عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته كم الذي يجزي بين الأذان و الإقامة من القول؟ قال: الحمد للّه»(1).

فيستفاد منه أنّ ذكر التسبيح في الموثق من باب المثال، فيشمل مطلق الذكر و الدعاء، بل القرآن أيضا، و يشهد للإطلاق موثقة الآخر عنه عليه السلام أيضا قال: «سألته عن الرجل ينسى أن يفصل بين الأذان و الإقامة بشي ء حتّى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة قال: ليس عليه شي ء ليس له أن يدع ذلك عمدا- الحديث-» (2).

و إطلاق الشي ء يشمل القرآن و غيره مطلقا كما مر، فيكون ما ورد في الأخبار من باب الأفضلية.

(23) لما عن المعتبر، و المنتهى من نسبته إلى علمائنا.

(24) لإطلاق ما تقدم في موثق ابن عمار. ثمَّ إنّ مجموع هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض ظاهر في التخيير. و لا بأس بإتيان الجميع كما أنّه لو أراد الإتيان بما ذكر من الفصل بين سماع الأذان و الإقامة يأتي به رجاء.

(25) ففي وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: «و كره الكلام بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة» (3).

و مقتضى المسامحة في دليل الكراهة الجزم بها في المقام.

ص: 87


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
مسألة 1: لو اختار السجدة يستحب أن يقول في سجوده

(مسألة 1): لو اختار السجدة يستحب أن يقول (26) في سجوده: «ربّ سجدت لك خاضعا خاشعا»، أو يقول: «لا إله إلّا أنت سجدت لك خاضعا خاشعا».

و لو اختار القعدة يستحب (27) أن يقول: «اللّهمّ اجعل قلبي بارّا و رزقي دارّا و عملي سارّا و اجعل لي عند قبر نبيّك قرارا و مستقرّا».

و لو اختار الخطوة (28) أن يقول: «باللّه أستفتح و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله أستنجح و أتوجه، اللّهمّ صلّى على محمّد و آل محمد، و اجعلني بهم وجيها في الدّنيا و الآخرة و من المقرّبين».

مسألة 2: يستحب لمن سمع المؤذن

(مسألة 2): يستحب لمن سمع المؤذن يقول: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه». أن يقول: «و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه أكتفي بها عن كلّ من أبى و جحد

______________________________

(26) لما تقدم في خبري ابن أبي عمير.

(27) لما في مرفوعة ابن يقطين: «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان و جلس: اللهم اجعل قلبي بارا، و رزقي دارا، و اجعل لي عند قبر نبيك صلّى اللّه عليك و آله قرارا و مستقرا» (1).

و لعلّ المقام عند قبره صلّى اللّه عليه و آله عبارة عن الاهتمام بالعمل بشريعته المقدسة و إلا فرب مستوطن عند قبره الشريف و هو صلّى اللّه عليه و آله برئ منه، و يشهد له عدم ذكر القبر في بعض الروايات (2).

(28) تقدم في عبارة الفقه الرضوي (3).

ص: 88


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة.
3- راجع مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

و أعين بها من أقرّ و شهد» (29).

مسألة 3: يستحب في المنصوب للأذان أن يكون عدلا رفيع الصوت، مبصرا

(مسألة 3): يستحب في المنصوب للأذان أن يكون عدلا (30) رفيع الصوت (31)، مبصرا (32)، بصيرا بمعرفة الأوقات (33)، و أن يكون

______________________________

(29) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر النصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من سمع المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، فقال مصدقا محتسبا: و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه أكتفي بها عن كلّ من أبى و جحد، و أعين بها من أقر و شهد كان له من الأجر عدد من أنكر و جحد، و عدد من أقرّ و شهد» (1).

(30) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «يؤمّكم أقرؤكم، و يؤذن لكم خياركم» (2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم، و لحومهم و دمائهم، لا يسألون اللّه عزّ و جلّ شيئا إلا أعطاهم لا يشفعون في شي ء إلا شفعوا» (3).

مضافا إلى الإجماع عليه.

(31) للإجماع، و الاعتبار، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «القه على بلال فإنّه أندى منك صوتا» (4).

و ما تقدم في استحباب رفع الصوت.

(32) للإجماع المدعى في التذكرة، و يشهد له الاعتبار أيضا.

(33) للإجماع، و شهادة العرف، و لما دل على أنّ المؤذنين أمناء

ص: 89


1- الوسائل باب: 45 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7.
4- سنن أبي داود ج: 1 صفحة 194 رقم 499.

على مرتفع منارة أو غيرها (34).

مسألة 4: من ترك الأذان أو الإقامة أو كليهما عمدا حتّى أحرم للصلاة

(مسألة 4): من ترك الأذان أو الإقامة أو كليهما عمدا حتّى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها لتداركهما (35). نعم، إذا كان عن نسيان جاز له القطع ما لم يركع (36)

______________________________

المؤمنين (1) و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنّهم أشد شي ء مواظبة على الوقت»(2).

(34) لقوله صلّى اللّه عليه و آله لبلال إذا أذن: «اعل فوق الجدار، و ارفع صوتك بالأذان» (3).

و يدل عليه الإجماع و تقوم الآلات الحديثة (المكبرات) مقام الأول و الثاني.

(35) لما دل على حرمة قطع الصلاة و لا دليل على خلافه من إطلاق أو اتفاق.

(36) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن و تقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف و أذّن و أقم ثمَّ استفتح الصلاة و إن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك» (4).

المحمول على الاستحباب- و هو المراد من الجواز في كلماتهم- بقرينة صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتّى دخل في الصلاة، قال: فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنة» (5).

و صحيح ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل نسي الأذان و الإقامة حتّى دخل في الصلاة: قال: ليس عليه شي ء»(6).

ص: 90


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 7.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 7.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

منفردا كان أو غيره (37)، حال الذكر لا ما إذا عزم على الترك زمانا

______________________________

و حملهما على ما بعد الدخول في الركوع خلاف الظاهر.

ثمَّ إنّ صحيح الحلبي معتبر سندا، و ظاهر بل صريح دلالة، معمول به عند الأصحاب، فلا بد من الجمع بينه و بين ما يخالفه كصحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الرجل ينسى الأذان و الإقامة حتّى يدخل في الصلاة قال: إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ليقم و إن كان قد قرأ فليتمّ صلاته» (1).

و قريب منه خبر الشحام (2)، فيحمل ذلك على بعض مراتب الاستحباب الذي لا ينافي بقاء بعض مراتبه الأخر ما لم يركع، و كخبر الرازي: «نسي أن يؤذن و يقيم حتّى كبّر و دخل في الصلاة. قال: إن دخل المسجد و من نيته أن يؤذن و يقيم، فليمض في صلاته و لا ينصرف» (3).

و هو محمول على عدم تأكد استحباب الرجوع بالنسبة إليه.

إن قلت: إنّ الحمل على مراتب الندب في المقام لا وجه له، لفرض حرمة قطع الصلاة، فلا بد من الأخذ بالمتيقن و هو قبل القراءة.

قلت: بعد صراحة صحيح الحلبي و صحة سنده لا وجه للأخذ بالمتيقن.

و أما صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى أن يقيم للصلاة و قد افتتح الصلاة، قال: إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته، و إن لم يكن فرغ من صلاته فليعد» (4). فأسقطه عن الاعتبار دعوى الإجماع على خلافه، فلا بد من طرحه.

(37) للإطلاق الشامل لها، فلا وجه لما في الشرائع و غيره من التقييد بالمنفرد.

ص: 91


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 8.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.

معتدا به ثمَّ أراد الرجوع (38)، بل و كذا لو بقي على التردد كذلك (39).

و كذا لا يرجع لو نسي أحدهما (40)، أو نسي بعض

______________________________

(38) لأنّ المتيقن من مورد الدليل خصوص حال الذكر، فلا يشمل غيره و إن كان الجمود على الإطلاق يقتضي التعميم.

(39) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(40) الأقسام خمسة:

الأول: نسيانهما معا و قد تقدم حكمه.

الثاني: نسيان الأذان فقط، يظهر من المسالك دعوى الإجماع على جواز القطع حينئذ، و لكنه موهون بدعوى جمع الإجماع على العدم، فالمرجع حينئذ ما دل على حرمة قطع الفريضة.

الثالث: نسيان الإقامة فقط نسب إلى المشهور عدم الجواز فيه، و لكن ظاهر التقية نسبة الجواز فيه إلى المشهور، فلا اعتبار بمثل هذه الشهرات، فالمرجع أيضا ما دل على حرمة قطع الفريضة. نعم، في خبر ابن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثمَّ يذكر أنّه لم يقم قال: فإن ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ يقيم و يصلّي، و إن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته» (1).

مع أنّه قد تقدم في صحيح ابن مسلم، و خبر الشحام: «فليصلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ليقم» (2).

فيمكن أن يستفاد منه جواز القطع لخصوص الإقامة، مضافا إلى أنّ للإقامة أهمية خاصة لا بأس بقطع الصلاة لتداركها، و لكن لا يصلح كلّ ذلك لمقاومة ما دل على حرمة قطع الفريضة، لقصور سند الخبر و الاقتصار على الإقامة في خبري ابن مسلم و الشحام من باب الاكتفاء بأحد القرينتين عن الآخر و الأخير ليس إلا

ص: 92


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4 و 9.

فصولهما (41)، بل أو شرائطهما على الأحوط (42).

مسألة 5: يجوز للمصلّي فيما إذا جاز له ترك الإقامة تعمد الاكتفاء بأحدهما

(مسألة 5): يجوز للمصلّي فيما إذا جاز له ترك الإقامة تعمد الاكتفاء بأحدهما (43)، لكن لو بنى على ترك الأذان فأقام ثمَّ بدا له فعله أعادها بعده (44).

مسألة 6: لو نام في خلال أحدهما أو جنّ أو أغمي عليه

(مسألة 6): لو نام في خلال أحدهما أو جنّ أو أغمي عليه أو

______________________________

مجرد الاستحسان فأدلة حرمة القطع محكمة، إلا أن يقال: إنّ العمدة في دليل حرمة القطع الإجماع و شموله للمقام ممنوع.

الرابع: نسيانهما و القطع لتدارك الأذان فقط.

الخامس: نسيانهما و القطع لتدارك الإقامة فقط، و مقتضى ما دل على حرمة قطع الفريضة عدم جوازه فيهما، لعدم ما يصلح للجواز.

(41) لما دل على حرمة قطع الفريضة و لا دليل على الخلاف في المقام.

و لعلّ تردده (قدّس سرّه) لما قلناه من أنّ العمدة في دليل حرمة القطع الإجماع و المتيقن منه غير هذه الصورة و يأتي التفصيل في (فصل لا يجوز قطع الفريضة).

(42) مقتضى أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه جريان حكم نسيان ذاتهما حينئذ فيجوز القطع، و لكن مقتضى الجمود على مورد الدليل- في الحكم المخالف لحرمة قطع الفريضة- الاقتصار على مورد الدليل فقط و هو نسيان ذاتهما، و تقدم منشأ الاحتياط في سابقة فتذكر. ثمَّ إنّه يمكن إرجاع الاحتياط إلى جميع ما ذكره قدّس سرّه بعد قوله: «إلا ما عزم على الترك».

(43) لما تقدم من عدم كونهما ارتباطيين، و لما يظهر منهم المفروغية من جواز الاكتفاء بأحدهما.

(44) لأنّه لو أذّن بعد الإقامة يلزم خلاف الترتيب و هو باطل، كما تقدم فلا بد من الإعادة.

ص: 93

سكر ثمَّ أفاق جاز له البناء (45) ما لم تفت الموالاة (46) مراعيا لشرطية الطهارة في الإقامة (47). لكن الأحوط الإعادة فيها مطلقا، خصوصا في النوم (48)، و كذا لو ارتد عن ملة ثمَّ تاب (49).

مسألة 7: لو أذن منفردا و أقام ثمَّ بدا له الإمامة

(مسألة 7): لو أذن منفردا و أقام ثمَّ بدا له الإمامة يستحب له إعادتهما (50).

______________________________

(45) لإطلاق الأدلة، و عدم اعتبار الشرائط بل و لا التكليف في الآنات المتخللة، مع أنّ المرجع في الشك في المانعية الأصل. و النية معتبرة في نفس الفصول لا فيما بينهما فلا ينافي حدوث بعض الأمور استدامة النية المعتبرة بعد عدم كون الآنات المتخلّلة داخلة في المأمور به، فيكون المقام مثل ما إذا جنّ بعد الفراغ عن العمرة التمتعية، و أفاق قبل إحرام الحج.

(46) و إلا فيبطل من جهة فوت الموالاة لا من جهة عروض بعض تلك الأمور.

(47) بناء على شرطية الطهارة فيها، و إلا فلا وجه لمراعاتها أصلا.

(48) لما ورد من أنّ الإقامة من الصلاة (1). و عليه فلا وجه لتخصيص النوم من بين الأحداث إلا متابعة جمع من الفقهاء حيث اقتصروا على ذكر النوم فقط.

(49) فيبني على صحة ما أتى به من أحدهما، لأصالة عدم قاطعية الارتداد في الأثناء، كعدم القاطعية بعد الفراغ. و نسب القول بالاستئناف بالارتداد إلى المبسوط و القواعد و الذكرى، و لا دليل لهم عليه إلا أنّه موافق للاحتياط، و المسألة سيالة في الارتداد في أثناء جميع العبادات من الوضوء و الغسل و الصلاة و الحج ثمَّ الرجوع إلى الإسلام مع عدم تحقق المنافي للعمل في البين.

(50) على المشهور، لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يؤذن و يقيم ليصلّي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل

ص: 94


1- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة.
مسألة 8: لو أحدث في أثناء الإقامة أعادها بعد الطهارة بخلاف الأذان

(مسألة 8): لو أحدث في أثناء الإقامة أعادها بعد الطهارة بخلاف الأذان. نعم، يستحب فيه أيضا الإعادة بعد الطهارة (51).

مسألة 9: لا يجوز أخذ الأجرة على أذان الصلاة

(مسألة 9): لا يجوز أخذ الأجرة على أذان الصلاة (52) و لو

______________________________

يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال عليه السلام: لا، و لكن يؤذن و يقيم» (1).

و إطلاقه يشمل الإمامة و المأمومية في غير مورد السقوط، فلا وجه للاختصاص بالأولى. و أما ما تقدم من خبر أبي مريم (2) من جواز اكتفاء الإمام بسماع أذان الغير، فيمكن أن يكون في مورد قصد الإمامة مع أنّه نوع ترخيص لا ينافي استحباب الإعادة.

(51) هذه المسألة مكررة مع المسألة السادسة، و لعلّ مراده هنا الاحتياط أيضا لا الفتوى حتّى تكون مخالفة لها. و أما استحباب إعادة الأذان مع تخلّل الحدث في الأثناء فلا دليل عليه من نص أو إجماع. نعم، يظهر ذلك من الشرائع و القواعد فلا وجه للجزم بالاستحباب إلا بناء على المسامحة فيه حتّى بالنسبة إلى فتوى الفقيه.

(52) للإجماع، و لخبر السكوني عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله:- يا عليّ إذا صلّيت فصلّ صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا» (3).

و مرسل الفقيه: «أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين و اللّه إنّي لأحبك، فقال عليه السلام له: و لكنّي أبغضك؟ قال: و لم؟ قال عليه السلام: لأنّك تبغي في الأذان كسبا، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا» (4).

ص: 95


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
2- تقدم في صفحة: 59.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

أتى به بقصدها بطل (53). و أما أذان الإعلام فقد يقال بجواز أخذها

______________________________

و في خبر الدعائم عن عليّ عليه السلام: «من السحت أجر المؤذن» (1).

و لأنّ أذان الصلاة من التكاليف المباشرية فقط، كنفس الصلاة، و لأنّه دعوة إلى اللّه تعالى و هو ينافي قصد القربة.

و لكن يمكن الخدشة في الجميع: إذ الإجماع حصل لهم (قدس سرهم) من الوجوه المذكورة، و الأخبار مضافا إلى قصور سندها، قاصرة الدلالة أيضا، لأنّ سياقها سياق الآداب لا الإلزاميات. و منافاة أخذ الأجرة لقصد القربة لم تثبت كلّيتها بدليل عقلي و نقلي، و الوجدان أقوى البرهان. و التكليف بالصلاة مباشري لا يقع بالتسبيب مسلّما، و لكن التسبيب على قسمين:

الأول: أن يكون العمل للمسبّب (بالكسر) فقط.

الثاني: أن يكون للمباشر بترغيب من المسبّب (بالكسر) كترغيب المريض بإعطائه المال- مثلا- ليشرب الدواء مع ترتب غرض عرفي على هذا بالنسبة إلى المؤجر لئلا تبطل الإجارة من حيث السفاهة، و مورد البحث هو الثاني دون الأول. و كون الدعوة إلى اللّه تعالى تنافي أخذ الأجرة لا كلية له. نعم، هو مسلّم في الأنبياء و المرسلين و من يتلو تلوهما. و لعلّ العمدة فيما ذهب إليه المشهور تقوّم أذان الصلاة كنفسها بالمجانية، و هو ينافي أخذ الأجرة، و يأتي تفصيل الكلام في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالى.

(53) البطلان واضح مع عدم حصول قصد القربة و ذلك لبطلان المشروط بفقد الشرط. و كذا إن قلنا بأنّ الحرمة وضعية و إن حصل قصد القربة إذ لا معنى للحرمة الوضعية إلا البطلان. و أما إن قلنا بأنّ الحرمة تكليفية محضة و حصل قصد القربة، فلا وجه للبطلان لما ثبت من أنّ النهي في المعاملات لا يوجب البطلان و يمكن الاختلاف باختلاف الوجوه التي استدل بها على الحرمة و أما مع الشك في أنّها وضعية أو تكليفية، فإن قلنا بأنّ كلّ ما هو منهيّ عنه وضعا محرم تكليفيا

ص: 96


1- مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.

عليه، لكنه مشكل (54). نعم، لا بأس بالارتزاق من بيت المال (55).

مسألة 10: قد يقال: إنّ اللحن في أذان الإعلام لا يضرّ

(مسألة 10): قد يقال: إنّ اللحن في أذان الإعلام لا يضرّ (56) و هو ممنوع (57).

______________________________

أيضا، فالنّهي التكليفي معلوم و الشك إنّما هو في الوضعي، فيرجع فيه إلى الأصل، فيصح لو حصل قصد القربة. و إن قلنا بالعدم، فالمرجع أصالة عدم النقل و الانتقال بعد أن كان التمسك بالعمومات و الإطلاقات فيه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و لكن يصح العمل لنفس المباشر إن أتى به جامعا للشرائط.

(54) المسألة مبنية على اعتبار ما يعتبر في أذان الصلاة في الأذان الإعلامي و عدمه، فعلى الأول لا يجوز أخذ الأجرة عليه أيضا، بخلاف الثاني كما ذهب إليه جمع، و كذا إن استفيدت المجانية من الأدلة بالنسبة إلى أذان الإعلام أيضا.

(55) لأنّه معد لمصالح المسلمين و هو منها، بل من أهمها، مضافا إلى الإجماع بين المسلمين.

(56) بناء على أنّ أذان الإعلام غير أذان الصلاة يكون مقتضى الأصل عدم اعتبار ما يعتبر في أذان الصلاة فيه إلا أن يدل دليل على الاعتبار و هو مفقود بالخصوص و قد ذهب إليه العلامة الطباطبائي و استجوده صاحب الجواهر، فقال:

«و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في ذكر أحكام كلّ من الإعلامي و الصلاتي مستقلا، فلا يعتبر في الأول الاتصال بالصلاة، بل و لا نية القربة الصرفة، بل و لا ترك الأجرة على إشكال و لا اللحن و التغيير في احتمال».

و لكن هذا كلّه من مجرد الدعوى و الأصل في الأذان كونه للصلاة، فيعتبر في ذات الأذان جميع ما يعتبر في الصلاة إلا ما خرج بالدليل و قد تقدم في أول فصل الأذان بعض الكلام، فراجع.

(57) لأصالة المساواة بين الإعلامي و الصلاتي إلا ما خرج بالدليل.

فروع- (الأول): الأذان و الإقامة نحو دعوة إلى اللّه تعالى و من فروع دعوة الأنبياء و المرسلين، فلا بد و أن يكون الداعي بها معتنيا بدينه و أعماله و تصفية نفسه

ص: 97

.....

______________________________

و اجتنابه للمحرّمات، و أن يكون متخلفا بأخلاق الأنبياء من سائر الجهات، كما أنّه لا بد و أن يهتم بالإتيان بالأذان، لكثرة ما ورد من فضل المؤذنين مما تبهر منه العقول، و لكن عن عليّ عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل اللّه، قال: قلت: يا رسول اللّه إنّهم يجتلدون على الأذان و الإقامة قال: كلا إنّه ليأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم و تلك لحوم حرّمها اللّه على النار» (1).

(الثاني): يكره التفات المؤذن يمينا و شمالا، لمنافاته للاستقبال المندوب فيه، مضافا إلى الإجماع عليها عند الإمامية.

(الثالث): لو اشترك جمع في الأذان بأن قال كلّ واحد منهم فصلا من فصوله يشكل مشروعيته، لعدم تكفل الإطلاقات لمثل ذلك.

(الرابع): لو أذن أذان الإعلام في محلّ ثمَّ ذهب إلى محلّ آخر لم يدخل الوقت بعد فيه، فمقتضى الإطلاقات استحباب الأذان الإعلامي بالنسبة إليه أيضا.

(الخامس): ينبغي أن يكون المؤذن غير المقيم، كما قال في الجواهر:

«تأسيا بعليّ و أبي عبد اللّه عليهما السلام» ففي مرسل الفقيه: «كان عليّ عليه السلام يؤذن و يقيم غيره و كان يقيم و قد أذن غيره» (2).

و في خبر جابر نقل ذلك عن الصادق عليه السلام (3).

(السادس): تجوز النيابة عن الأحياء و الأموات في الأذان الإعلامي، لأنّه خير محض، فتشمله الأدلة المرغبة إليه، و كذا الأذان الصلاتي بالنسبة إلى الأموات فيما إذا كان في أصل الصلاة نائبا، و لا يجوز بالنسبة إلى الأحياء إلا في صلاة الجماعة بناء على أنّه من النيابة، و لكنه ممنوع كما تقدم.

ص: 98


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأذان و الإقامة حديث حديث: 4.
2- مستدرك الوسائل باب: 31 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 31 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

.....

______________________________

(السابع): لو سمع الأذان في محلّ و ذهب إلى محلّ آخر مع عدم فصل زمان معتد به يجزيه ذلك و إن كان الفصل المكاني كثيرا، جمودا على الإطلاقات.

(الثامن): يجوز الاجتزاء بسماع بعض الفصول و حكاية بعضها الآخر و ذكر بعضها الثالث، جمودا على الإطلاقات، فيكون الأذان مركبا من السماع و الحكاية و الذكر.

(التاسع): لو قال المؤذن غلطا و حكاه كذلك لا يجزي، و كذا لو قال صحيحا و حكاه غلطا. نعم، لو كان غلطا و حكاه صحيحا يجزي.

(العاشر): يستحب أن يقول حين سماع أذان الصبح و أذان المغرب:

«اللّهمّ إنّي أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلواتك و أصوات دعاتك و تسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك أنت التوّاب الرّحيم» (1).

ص: 99


1- الوسائل باب: 43 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1 و 2.

فصل ينبغي للمصلّي- بعد إحراز شرائط صحة الصلاة و رفع موانعها السعي في تحصيل شرائط قبولها

(فصل) ينبغي للمصلّي- بعد إحراز شرائط صحة الصلاة و رفع موانعها- السعي في تحصيل شرائط قبولها (1).

(فصل)

______________________________

(1) لا بأس بالإشارة إلى أمور:

الأول: لا ريب في أنّ الإنسان مركب من أمرين: روح و قوى روحانية تكون من عالم الغيب و الروحانيين، و جسم و قوى جسمانية تكون من عالم الأجسام فالتأما برهة من الزمن لمصالح كثيرة، فكما أنّ للجسم و القوى الجسمانية حوادث و آفات و أمراضا، كذلك للروح و القوى الروحانية أيضا، بل أمراضها أكثر بمراتب من أمراض الجسم، لوقوعها بين جندين عظيمين من جنود الرحمن و جنود الشيطان، تدعوها الأولى إلى التقرب إلى اللّه تعالى و التخلق بأخلاقه و امتثال أوامره و اجتناب نواهيه و السعادة الأبدية، و تحرضها الثانية على الفساد و الإفساد و الشقاوة الدائمية، فتكون الروح الإنسانية لكمال أهمية معركة الحرب العجيبة بين الجندين العظيمين دائما. فكما أنّ للأمراض الجسمانية أطباء و أدوية خاصة، للأمراض الروحانية أيضا أطباء، أعني الأنبياء و المعصومين و العلماء العاملين المبلّغين عنهم عليهم السلام، و أدوية خاصة أهمها العبادات بأنحائها المختلفة، و من أهمّ تلك العبادات و أفضلها الصلاة بشروطها، فهي أحسن درجات سعادة الإنسان و أكملها حتّى لقد اشتهر أنّ الصلاة معراج المؤمن.

فكما أنّ معراج الأنبياء و المرسلين الانقطاع عن العلائق بالكلية، و التوجه إلى ربّ الخلائق من كلّ جهة، فيفيض عليهم ربّهم ما يغنيهم عما سواه من

ص: 100

.....

______________________________

الكمالات و المعارف، فلا بد و أن تكون صلاة المؤمن أيضا فرعا من فروع ذلك الأصل الأصيل، و غصنا من أغصان تلك الشجرة التي ليس لها نظير و مثيل، فلا بد حين التوجه إلى حضرته تعالى بالصلاة من الالتزام بالجهات الدينية و الخلو عن العلائق الدنيوية، و دفع الأنجاس عن نفسه الظاهرية منها و الباطنية، و يتطهر من دنس الذنوب و الأخلاق الذميمة حتّى تترتب على صلاته الفوائد التي جعلها اللّه تعالى لها في الدنيا و الآخرة التي منها الارتداع عن الفحشاء و المنكر. و يقبح كلّ القبح على من يحضر في اليوم و الليلة خمس مرات لدى مالك الملوك الرحيم الودود، و مصدر الجود و الكرم و الإفاضة و لا يستفيد منه شيئا و يرجع صفر الكف.

الثاني: حيث إنّ الصلاة أفضل القرب و أحسن العبادات فما يتعلّق بها من الأحكام التكليفية و الوضعية و سائر الجهات كثيرة جدّا حتّى قال مولانا الرضا عليه السلام: «الصلاة لها أربعة آلاف باب» (1).

و عن الصادق عليه السلام: «للصلاة أربعة آلاف حدّ» (2).

و قد فسر العلماء هذين الحديثين، فعن الشهيد: أنّ المراد بهما الواجبات و المندوبات فجعل الواجبات ألفا تقريبا و وضع لها كتابه الذي سماه ب (الألفية)، و المندوبات ثلاثة آلاف و وضع لها كتابه الذي سماه (نفلية). و لكن عن شيخنا الحر العاملي في كتابه (بداية الهداية) أنّ الواجبات في الفقه بأجمعه ألف و خمس و ثلاثون، و المحرّمات ألف و أربعمائة و ثمان و أربعون. فراجع و تأمل في الجمع بينهما. كما أنّ الدسائس الشيطانية و وساوسه بالنسبة إلى الصلاة أكثر من كلّ عبادة فلا بد و أن يهتم بدفعها اهتماما بليغا.

الثالث: الخلوص و الإخلاص و حضور القلب و إقباله في الصلاة و سائر العبادات روح العبادة و حقيقتها التي بها قوامها و بانتفائها تكون كجسد لا حياة فيه، و قد أمر اللّه تعالى بالإخلاص و مدح المخلصين في جملة كثيرة من الآيات.

و الإخلاص تارة يكون بالنسبة إلى أصل التوحيد. و أخرى بالنسبة إلى العمل العبادي، و قد ورد عن أبي عبد اللّه عليه السلام تفسير كلّ منهما فقال

ص: 101


1- سفينة البحار ج: 1 ص: 43.
2- سفينة البحار ج: 1 ص: 43.

.....

______________________________

عليه السلام في خبر ابن حمران: «من قال لا إله إلّا اللّه مخلصا دخل الجنة، و إخلاصه أن يحجزه لا إله إلّا اللّه عمّا حرّم اللّه» (1).

و قال عليه السلام: «و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا اللّه عزّ و جلّ» (2).

ثمَّ إنّ ثمرة الإخلاص و الخلوص تظهر في الدنيا و الآخرة، و قد روى الفريقان عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من أخلص للّه أربعين يوما فجر اللّه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (3).

و قال عليّ عليه السلام: «بالإخلاص يكون الخلاص» (4).

و قال عليه السلام أيضا: «و تخليص النية من الفساد أشدّ على العالمين من طول الجهاد» (5).

و إطلاقه يشمل الخلاص عن جميع المتاعب و المهالك الدنيوية و الأخروية.

و قد ورد الترغيب إلى الخلوص و الإخلاص في الكتاب و السنة بما لا يحصى، و يمكن إقامة الدليل العقلي على لزومه، لأنّه من أهم مصاديق شكر المنعم، و أهم العلاجات في الأمراض الروحية، و أسرع طريق لكشف الواقعيات عليه، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أفضل العبادة الإخلاص، و أدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام، و في الآخرة النجاة من النار، و الفوز بالجنة» (6).

و في الخطبة المتواترة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بين الفريقين التي خطب بها في المسجد الخيف بمنى في حجة الوداع: «نضر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها

ص: 102


1- الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد النفس حديث: 12.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.
3- سفينة البحار ج: 1 صفحة 408.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.
5- الوافي ج: 10 صفحة: 6.
6- مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

.....

______________________________

ثمَّ بلّغها إلى من لم يسمعها فربّ حامل فقه إلى غير فقيه، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ: قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل للّه و النصيحة لأئمة المسلمين، و اللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم، و هم يد على من سواهم» (1).

و عن مولانا العسكري عليه السلام: «لو جعلت الدنيا كلّها لقمة واحدة و لقمتها من يعبد اللّه خالصا لرأيت أنّي مقصّر في حقه» (2).

و لو أردنا أن نتعرّض لما ورد في الإخلاص في الكتاب و السنة و بيان فوائده الدنيوية و الأخروية لاحتاج إلى وضع كتاب مستقل، و لا بد للإنسان أن يهتمّ بدفع الأمراض الروحانية المحيطة به من كلّ جهة و التي أفسدت عليه دينه و دنياه، و أظلمت الفضاء عليه و قطعت الأخوّة بيننا، كاهتمامه بدفع الأمراض الجسمانية بأيّ وجه أمكنه، مع أنّ العلاج موجود بين أيدينا و سهل يسير علينا تناوله و أبوابه مفتوحة على الجميع ألا و هو الخلوص و الإخلاص في أعمالنا خصوصا التي هي وديعة اللّه تعالى لدينا.

الرابع: أهم الموانع عن حصول الخلوص و الإخلاص حب العلائق الفانية الدائرة التي تحيط ببني آدم إحاطة الدنيا بأبنائها، و قد جمع ذلك كلّه النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله في قوله: «حب الدنيا رأس كلّ خطيئة» (3).

فالإخلاص و الخلوص مع حب الدنيا متنافيان، و لكن حب الدنيا على قسمين: الأول ما يكون بنحو الموضوعية. و الثاني: ما يكون بنحو الطريقية، يعني يحبها لأن يعمل بها في طريق مرضاة اللّه تعالى، و هذا القسم لا بأس به، بل قد يؤيد حصول الخلوص. عصمنا اللّه عزّ و جلّ من القسم الأول.

الخامس: العوالم التي نرد عليها إما عالم الشهادة أو عالم الغيب، و الأخير

ص: 103


1- سفينة البحار ج: 1 صفحة 392.
2- سفينة البحار ج: 1 صفحة 408.
3- الوسائل باب: 61 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.

.....

______________________________

بالنسبة إلينا غير متناه. و أما بالنسبة إلى اللّه عزّ و جلّ فلا تعدد في البين الحضور ما سواه لديه تعالى فوق ما نتعقله من معنى الحضور، و شهوده للكلّ فوق ما ندركه من معنى الشهود. و الخلوص و الإخلاص في عبادة اللّه جلت عظمته ارتباط مع علم الغيب في الجملة، إذ الارتباط مع الملك و السلطان ارتباط مع من يتعلق و ما يتعلق به في الجملة، لا سيّما في الارتباط مع مالك الملوك، فيصير الإخلاص له تعالى إلى مرتبة يوجب صدور الكرامات و خوارق العادات على يد المخلصين له تعالى، و يوجب عدم اقتدار الشيطان على الدنو منه فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(1).

و قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ (2). لأنّ نسبة الشيطان إلى حرم الكبرياء نسبة الكلب الواقف عند باب الدار فيمنع الأغيار عن الدخول فيها. و أما أهل الدار فلا يقدر على منعهم، بل هم المسيطرون عليه، و توجيهه لكلّ ما شاؤوا و أرادوا.

و بعبارة أوضح: الخلوص و الإخلاص للّه تعالى في الأعمال و الحالات، كجواز سفر إلهي للسياحة في عوالم الغيب و إتيان التحف منها إلى عالم الشهادة بحسب مراتب الإخلاص و ظرفية المخلص، و هذا مقام عال جدّا، و لذا تواترت نصوص الفريقين بما مضمونة: «إنّ السعي في زيادة كيفية الأعمال أحسن من السعي في زيادة كميتها و إنّ السعي في تصحيح العقائد و الأخلاق أهم من السعي في تكثير الأعمال» قال تعالى وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (3).

و قال عليّ عليه السلام: «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ و الجوع، و كم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء حبذا نوم الأكياس و إفطارهم» (4).

و في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «مرّ بي أبي- و أنا

ص: 104


1- سورة ص: 82.
2- سورة الإسراء: 65.
3- سورة الفرقان: 23.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 8.

و رفع موانعه (2)، فإنّ الصحة و الإجزاء غير القبول، فقد يكون العمل صحيحا و لا يعد فاعله تاركا بحيث يستحق العقاب على الترك، لكن لا يكون مقبولا للمولى، و عمدة شرائط القبول (3) إقبال القلب على العمل (4)، فإنّه روحه و هو بمنزلة

______________________________

بالطواف و أنا حدث، و قد اجتهدت في العبادة- و أنا أتصابّ عرقا فقال عليه السلام: يا جعفر يا بني إنّ اللّه إذا أحب عبدا أدخله الجنة و رضي عنه باليسير» (1).

و لو أردنا أن نأتي بالأدلة العقلية و النقلية على ذلك لاحتاج إلى وضع كتاب مستقل.

(2) موانع القبول كثيرة جدا كما يستفاد من الروايات: منها: الحسد (2) .، و سوء الخلق (3)، و يجمعها قوله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (4).

(3) للقبول مراتب مختلفة حسب مراتب الإيمان فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم قبولا لعمله و صلاته، بل يختلف باختلاف سائر الجهات من الأزمنة و الأمكنة الشريفة و غير ذلك مما هو كثير.

(4) للإقبال على اللّه تعالى و حضور القلب لديه، و كذا إخلاص العمل له درجات و مراتب متفاوتة تدور تلك الدرجات مدار مراتب اليقين باللّه تعالى و الإيمان به عزّ و جلّ، فهي من فروع ذلك الأصل، فمرتبة منه ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من أسبغ وضوءه، و أحسن صلاته، و أدى زكاة ماله، و سجن لسانه، و كف غضبه، و استغفر ذنبه، و أدى النصيحة لأهل بيت رسوله

ص: 105


1- الوسائل باب: 26 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس
3- راجع الوسائل باب: 69 من أبواب جهاد النفس.
4- سورة المائدة: 27.

الجسد، فإن كان حاصلا في جميعه، فتمامه مقبول و إلّا فبمقداره فقد يكون نصفه مقبولا، و قد يكون ثلثه مقبولا، و قد يكون ربعه، و هكذا (5). و معنى الإقبال: أن يحضر قلبه و يتفهم ما يقول و يتذكر

______________________________

صلّى اللّه عليه و آله فقد استكمل حقائق الإيمان و أبواب الجنة مفتحة له» (1).

هذا بالنسبة إلى بعض المراتب، و مرتبة منه ما قاله صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «سكتوا فكان سكوتهم ذكرا، و نظروا فكان نظرهم عبرة، و نطقوا فكان نطقهم حكمة، و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لو لا الآجال التي كتب اللّه عليهم لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب و شوقا إلى الثواب» (2).

و بينهما مراتب دون الأولى و فوق الأخيرة حسب مراتب الإيمان باللّه تعالى غير المتناهية، و ما ذكر في الأخبار إنّما هو بحسب الغالب الواقع بين الناس لا بحسب الواقع إذ لا تناسب للمتناهي مع غير المتناهي من جميع الجهات. و هنا أبحاث شريفة لا يقتضي الحال و المقام التعرض لها.

(5) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ العبد ليرفع له من صلاته نفسها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، و إنّما أمرنا بالنافلة ليتم لهم بما نقصوا من الفريضة» (3).

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر الكرخي: «إنّي لأحب الرجل المؤمن منكم إذا قام في صلاة فريضة أن يقبل بقلبه إلى اللّه تعالى و لا يشغل قلبه بأمر الدنيا، فليس من عبد يقبل بقلبه في صلاته إلى اللّه تعالى إلا أقبل اللّه إليه بوجهه، و أقبل بقلوب المؤمنين بالمحبة بعد حبّ اللّه إياه» (4).

ص: 106


1- الوسائل باب: 54 من أبواب الوضوء حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 3.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 6.

عظمة اللّه تعالى، و أنّه ليس كسائر من يخاطب و يتكلّم معه، بحيث يحصل في قلبه هيبته منه، و بملاحظة أنّه مقصّر في أداء حقه (6) يحصل

______________________________

و منها: قوله عليه السلام أيضا في خبر ابن عميرة: «من صلّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف و ليس بينه و بين اللّه ذنب إلا غفر له» (1).

و منها: ما عن ابن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اعلم أنّ الصلاة حجزة اللّه في الأرض، فمن أحب أن يعلم ما أدرك من نفع صلاته، فلينظر فإن كانت صلاته حجزته عن الفواحش و المنكر فإنّما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز، و من أحب أن يعلم ما له عند اللّه فليعلم ما للّه عنده» (2).

(6) إذ لا مناسبة بين التراب و ربّ الأرباب، و من تولد من النطفة و الدم و القديم غير المسبوق بالعدم، و يدل عليه جملة من الأخبار:

منها: قول أبي الحسن عليه السلام لبعض ولده: «يا بني عليك بالجد و لا تخرجنّ نفسك من حدّ التقصير في عبادة اللّه عزّ و جلّ و طاعته، فإنّ اللّه لا يعبد حق عبادته» (3).

و منها: قول أبي جعفر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اللّه عزّ و جلّ: لا يتكل العاملون لي على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فإنّهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصّرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي، فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلى في جواري، و لكن برحمتي فليثقوا، و فضلي فليرجوا و إلى حسن الظنّ بي فليطمئنوا» (4).

و يدل عليه الدليل العقلي أيضا، فإنّ الطاعة المتناهية لا تناسب الفضل غير المتناهي.

ص: 107


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.

له حالة حياء، و حالة بين الخوف و الرجاء بملاحظة تقصيره مع ملاحظة سعة رحمته تعالى.

و للإقبال و حضور القلب مراتب و درجات، و أعلاها ما كان لأمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- حيث كان يخرج السهم من بدنه حين الصلاة و لا يحس به (7)، و ينبغي له أن يكون مع الخضوع و الخشوع

______________________________

(7) هذه القضية منسوبة إليه عليه السلام و قد نظمها الشعراء و مثل هذه القضايا الدالة على كمال إخلاصه و تفانيه في مرضاة اللّه تعالى كثيرة لو جمعت لصارت كتابا مستقلا، منها ما هو مذكور في كتب الفريقين (1)من أنّه عليه السلام حين ظفر بعمرو بن عبد ود أساء في وجهه المبارك، فتأمل عليه السلام في قتله و ألقى السيف عن يده و بعد مدة قتله، فسئل عليه السلام عن وجه ذلك، فقال: لما فعل ما فعل اشتد غضبي عليه، فلو كنت قتلته حينئذ كان قتله مستندا إلى هيجان القوة الغضبية و لم يكن خالصا للّه تعالى فتأملت حتّى يطفأ غضبي ثمَّ أقتله خالصا له تعالى.

أقول: فجاهد عليه السلام في فعله هذا بالجهادين الأصغر و الأكبر، فيستحق أن يقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لمبارزة عليّ عليه السلام لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة» (2).

و قد نظمت هذه القضية أيضا بإشعار كثيرة:

منها: ما عن المثنوي في قصيدة مليحة مطلعها: «از علي آموز اخلاص عمل».

ص: 108


1- مستدرك الصحيحين ج: 3 صفحة 33 و راجع تفسير الفخر الرازي ج: 6 صفحة: 197، و راجع سفينة البحار ج: 62.
2- تاريخ الخطيب البغدادي ج: 13 صفحة 19، و تفسير الفخر الرازي ج: 32 صفحة 31.

و الوقار و السكينة (8) و أن يصلّي صلاة مودع (9)، و أن يجدّد التوبة و الإنابة و الاستغفار (10)، و أن يكون صادقا في أقواله كقوله إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ، و في سائر مقالاته (11)، و أن يلتفت أنّه لمن يناجي و ممن يسأل و لمن يسأل (12).

______________________________

(8) للتأسي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المعصومين و عباد اللّه المخلصين، و عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان أبي عليه السلام يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرك منه شي ء إلا ما حرّكت الريح منه» (1).

(9) قال أبو عبد اللّه عليه السلام لعبد اللّه ابن أبي يعفور (2): «يا عبد اللّه إذا صلّيت صلاة فريضة، فصلّها لوقتها صلاة مودع يخاف أن لا يعود إليها، ثمَّ اصرف ببصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من عن يمينك و شمالك لأحسنت صلاتك، و اعلم أنّك بين يدي من يراك و لا تراه».

(10) لأنّ ذلك نحو توقير للصلاة، و من موجبات قبولها، و لأنّ التوبة تطهّر الباطن عن دنس الذنوب، فكما يطهر الظاهر عند إرادة الصلاة لا بد و أن يطهر الباطن أيضا.

(11) لأنّ الناقد بصير، و أقبح الكذب الكذب مع اللّه تعالى، و لئلا يكون ممن حكى اللّه تعالى عنهم وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (3).

و في الحديث: «من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدي عن اللّه فقد عبد اللّه، و إن كان يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان» (4).

(12) لأنّ الصلاة قيام لدى المولى جلّ شأنه و تكلّم معه و ثناء عليه و الكلّ يستلزم الالتفات و التوجه، قال أبو عبد اللّه عليه السلام- في خبر جميل-:

ص: 109


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 5.
3- سورة يوسف: 106.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.

و ينبغي أيضا أن يبذل جهده في الحذر عن مكايد الشيطان و حبائله و مصائده التي منها إدخال العجب في نفس العابد، و هو من موانع قبول العمل (13).

و من موانع القبول أيضا: حبس الزكاة (14) و سائر الحقوق

______________________________

«للمصلّي ثلاث خصال إذا قام في صلاته يتناثر البر عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه، و تحف به الملائكة من تحت قدميه إلى عنان السماء، و ملك ينادي أيها المصلّي لو تعلم من تناجي ما انفتلت» (1).

(13) لنصوص كثيرة:

منها: ما عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حديث: ثلاث مهلكات شح مطاع و هوى متبع، و إعجاب المرء بنفسه» (2).

و عن أمير المؤمنين عليه السلام: «من دخله العجب هلك» (3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث: «قال موسى بن عمران لإبليس: أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه قال: إذا أعجبته نفسه، و استكثر عمله، و صغر في عينه ذنبه، و قال اللّه عزّ و جلّ لداود: يا داود بشر المذنبين، و أنذر الصديقين، قال كيف أبشر المذنبين، و أنذر الصديقين؟! قال: يا داود بشر المذنبين أنّي أقبل التوبة و أعفو عن الذنب، و أنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم، فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك» (4).

(14) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام- في الحديث-: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم» (5).

ص: 110


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 12.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.

الواجبة (15).

و منها: الحسد، و الكبر، و الغيبة.

و منها: أكل الحرام و شرب المسكر.

و منها: النشوز و الإباق، بل مقتضى قوله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (16) عدم قبول الصلاة و غيرها من كلّ عاص و فاسق.

و ينبغي أيضا أن يجتنب ما يوجب قلّة الثواب (17) و الأجر على الصلاة، كأن يقوم إليها كسلا ثقيلا في سكره النوم أو الغفلة، أو كان لاهيا فيها، أو مستعجلا، أو مدافعا للبول أو الغائط أو الريح، أو طامحا ببصره إلى السماء، بل ينبغي أن يخشع ببصره شبه المغمّض للعين.

بل ينبغي أن يجتنب كلّ ما ينافي الخشوع و كلّ ما ينافي الصلاة في العرف و العادة، و كلّ ما يشعر بالتكبر أو الغفلة.

و ينبغي أيضا أن يستعمل ما يوجب زيادة الأجر و ارتفاع الدرجة، كاستعمال الطّيب، و لبس أنظف الثياب، و الخاتم من عقيق،

______________________________

(15) لظهور الإجماع على أنّها مثل الزكاة من كلّ جهة إلا ما خرج بالدليل.

(16) و للتقوى مراتب متفاوتة و درجات كثيرة، و مقتضى سعة رحمة اللّه تعالى أن يكون أدنى مراتبها و درجاتها موجبة لمرتبة من مراتب القبول.

(17) لأنّ جميع المكروهات المتعلقة بالصلاة- من حيث الزمان أو المكان أو حال المصلّي أو خصوصياتها بأجزائها و شرائطها- تكون موجبة لقلة الثواب و قد تقدم جملة منها و تأتي جملة أخرى.

ص: 111

و التمشط، و الاستياك، و نحو ذلك (18).

______________________________

(18) يأتي جميع ذلك في المسائل الآتية، و في (فصل مكروهات الصلاة)، و الجامع ما قاله أبو عبد اللّه عليه السلام: «من خشع قلبه للّه عزّ و جلّ خشعت جوارحه» (1).

ص: 112


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 16.

فصل واجبات الصلاة

اشارة

(فصل) واجبات الصلاة (1) (فصل)

______________________________

(1) الصلاة: عبادة، بالأدلة الأربعة:

فمن الكتاب إطلاق قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (1) و قوله تعالى:

وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (2).

و قوله تعالى قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (3).

و من الإجماع إجماع المسلمين و الضرورة من الدّين، بل تكون كذلك عند تمام المليّين المصلّين.

و من السنة النصوص المتواترة معنى في أبواب متفرقة:

منها: قول عليّ عليه السلام: «ليخشع الرجل في صلاته، فإنّ من خشع قلبه للّه عزّ و جلّ خشعت جوارحه- الحديث-» (4).

و من العقل فإنّ الصلاة أفضل من جميع العبادات المعتبرة فيها قصد القربة إجماعا، و نصوصا (5) و العبادة أفضل من الطاعات التي لا تتقوّم بالقربة، فلو لم

ص: 113


1- سورة طه: 14.
2- سورة البقرة: 238.
3- سورة الأنعام: 162.
4- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 16.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 6 و باب: 10 منها.

أحد عشر (2):

النية (3)، و القيام، و تكبيرة الإحرام، و الركوع، و السجود،

______________________________

تعتبر القربة في الصلاة لزم ترجيح المرجوح على الراجح و هو محال بالنسبة إليه تعالى.

ثمَّ إنّ العبادة المعبّر عنها في الفارسية: (پرستش) غاية التذلل و الخضوع لمن هو غير متناه في الجلال و الكبرياء و العظمة القادر على خلق أصول العالم من الحياة و القدرة و نحوهما، فلا يجوز لغيره تعالى عقلا و شرعا و تفصيل المسألة يطلب من علم الكلام إذ لا ربط له بالمقام.

ثمَّ إنّ العبادة إما قلبية، كالتوحيد و سائر الاعتقادات الحقة، و إما فردية خارجية كالصلاة و الحج و نحوهما. و إما اجتماعية كذلك كالمجاملات مع الخلق إن كانت للّه تعالى.

(2) هذا الحصر استقرائي بحسب الأدلة الدالة على وجوب كلّ ما ذكر على ما يأتي تفصيله، و يمكن جعلها ثمانية- كما فعله بعضهم- بإخراج النية لأنّها من الفطريات لا الواجبات الشرعية، و الترتيب، و الموالاة لأنّهما من شروط سائر الأجزاء لا الواجبات الأولية. كما يمكن تكثيرها بزيادة الطمأنينة، و الاعتماد على المساجد السبعة في السجود، و لكن لا ثمرة عملية، بل و لا علمية في التكثير، و التقليل، لاتفاق الكلّ على الوجوب على ما يأتي من التفصيل.

(3) البحث فيها من جهات:

الأولى: في حقيقتها و هي من الفطريات لكلّ فاعل مختار، لأنّ تقوّم الفعل الاختياري بالقصد و الإرادة وجداني للحيوان، فكيف بالإنسان. نعم، تزيد العبادات على غيرها باعتبار القربة فيها- و هي خارجة عن حقيقة القصد و الإرادة- دل عليها الدليل، فإيكال معنى النية إلى الوجدان أولى من التعرض له، لأنّ كلّ أحد منا يصدر منه في كلّ يوم أفعال عادية متقوّمة بالقصد و الإرادة، فما هو المراد و المدرك في القصد فيها هو المراد في المقام أيضا.

ص: 114

.....

______________________________

الثانية: اعتبار القصد و الإرادة في العباديات فطريّ و لا وجه لتعلق الوجوب الشرعي به، و لو فرض وجود دليل يدل عليه فهو إرشاد محض لا أن يكون تعبديا شرعيا، إذ لا وجه للتعبد الشرعيّ في الفطريات و التكوينيات فعدّ النية بمعنى القصد من الواجبات الشرعية للصلاة مسامحة واضحة.

الثالثة: اختلفوا في أنّها جزء أو شرط، و استدلوا على كلّ منهما بما هو ظاهر الخدشة كما فصل في المطولات و لا ثمرة عملية، بل و لا علمية في ذلك بعد كونها فطرية و لا بد منها في كلّ فعل اختياري، و بعد الاتفاق على أنّ تركه يوجب البطلان عمدا كان أو سهوا. و الحق أنّه إن قلنا بتعميم الجزء إلى أفعال الجوارح و الجوانح فلا محذور في كونها جزءا، و إن خصصناه بالأولى فهي شرط.

و يمكن أن تكون برزخا بين الجزئية و الشرطية و لا إشكال فيه كما يمكن أن تكون جزءا من جهة و شرطا من جهة أخرى و لا إشكال فيه أيضا.

و ما يقال: في عدم جواز كونها جزءا و لا شرطا لصحة قولنا أردت الصلاة فصلّيت بلا تجوز و لا عناية، و يلزم اتحاد العارض و المعروض على الأول و تقدم الشي ء على نفسه على الثاني، لأنّ قيد المعروض كذاته مقدم على العارض.

(مخدوش): بكفاية الاختلاف الاعتباري، فلا يلزم الاتحاد من كلّ جهة على الجزئية و كفاية تعدد الحيثية في تحقق الاثنينية المانعة عن تقدم الشي ء على نفسه، فلا يلزم تقدم الشي ء على نفسه على الشرطية.

و ما يقال: بأنّها ليست جزءا من موضوع الأمر و لا شرطا له لأنّها ليست اختيارية و يمتنع الأمر بما لا يكون اختياريا سواء كان عدم الاختيارية بجزئه أم قيده. (مردود): بأنّ القصد و الإرادة و الاختيار اختيارية بنفس ذاتها و يكفي ذلك في تعلق التكليف بها جزءا كان أو شرطا و يشهد لذلك ما ورد من الترغيب في نية الخير و التحذير عن نية الشر (1) فكلّ ذلك لا طائل في البحث عنه بعد وضوح الخدشة فيها.

الرابعة: يكفي في القصد واقعه سواء كان ملتفتا إليه تفصيلا أم لا لأنّ

ص: 115


1- الوسائل باب: 6 و 7 من أبواب مقدمة العبادات.

.....

______________________________

القصد شي ء و الالتفات إليه شي ء آخر، و ما يتقوّم به الفعل الاختياري هو الأول دون الثاني، فيمكن أن يكون التوجه و الالتفات مصروفا إلى شي ء آخر و مع ذلك يصدر أصل الفعل المأمور به بالإرادة الإجمالية الارتكازية الكائنة في النفس، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك القصد الإجمالي الارتكازي، بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار و إلا لبطلت عبادات جميع من لا يتوجهون إلى العمل تفصيلا.

الخامسة: استدلوا على وجوب النية في العبادة، بقاعدة الاشتغال، و الإجماع، و الأخبار التي جمعها في الوسائل في أبواب مقدمة العبادات مثل قوله عليه السلام: «لا عمل إلا بنية» (1).

و الكل مخدوش، لما تقدم من أنّ اعتبار القصد في الأفعال الاختيارية من الفطريات و لا مجال للتعبد فيه و لو فرض وجود دليل معتبر في البين يكون إرشادا إلى الفطرة، مع أنّ الأخبار لا ربط لها بالمقام، بل سياقها سياق الترغيب إلى المنويات الخيرية كما لا يخفى على من راجع جميعها، فلا وجه لتطويل القول فيها.

السادسة: لا ريب في ترتب الثواب على العبادة و هل هو بالاستحقاق أو التفضّل؟ لكل منهما قائل، و استدل كلّ منهما بأدلة، و الحق سقوط النزاع من أصله، لأنّ أصل جعل الاستحقاق إنّما هو من اللّه تعالى تفضلا منه عزّ و جلّ على عباده، فيكون أصل هذا الحق مجعولا فيه لمصالح كثيرة، فمن قال بالاستحقاق نظر إلى نفس الحق المجعول و يصح له التمسك بالأدلة الظاهرة في الاستحقاق، و من قال بالتفضّل نظر إلى منشإ الجعل الذي هو تفضّل منه تعالى.

ثمَّ إنّ مورد الثواب إما فعل اختياري أو لا، و الأول إما عبادة أو لا، و الكلّ صحيح، و تدل عليه الأدلة الأربعة، أما الفعل الاختياري العبادي، فترتب الثواب عليه من ضروريات الدّين. و أما الأمور غير الاختيارية، فتدل عليه جملة من الروايات الواردة في الأمراض و المحن، و موت الأولاد (2) و نحوها من الحوادث

ص: 116


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النية حديث: 4.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الاحتضار و باب: 72 من أبواب الدفن.

و القراءة، و الذكر، و التشهد، و السلام، و الترتيب، و الموالاة.

و الخمسة الأولى أركان، بمعنى: أنّ زيادتها و نقيصتها عمدا و سهوا موجبة للبطلان (4)، لكن لا يتصوّر الزيادة في النية- بناء على الداعي- و بناء على الإخطار غير قادحة و البقية واجبات غير ركنية، فزيادتها عمدا موجب للبطلان لا سهوا.

______________________________

غير الاختيارية. و أما الأخير، فتدل عليه إطلاقات الكتاب و السنة مثل قوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (1).

و الأخبار الخاصة الواردة في الأبواب المتفرقة التي لا مجال للتعرض لها (2). و هذا البحث أيضا ساقط، لأنّ فضل اللّه تعالى غير متناه و الجهات التي بها يتفضل على عباده، بل على جميع مخلوقاته غير معلومة لغيره تعالى، لأنّها من أهمّ أسراره الربوبية، كما أنّ جهات الحرمان عن فضله تعالى أيضا كذلك لا يعلمها غيره.

(4) إجماعا بالنسبة إلى الزيادة و النقيصة مطلقا، و لقاعدة المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، و المشروط ينتفي بانتفاء شرطه بالنسبة إلى الأخيرة و خرج منهما باقي الواجبات لأدلة خاصة يأتي تفصيل القول فيها في محالّها.

ص: 117


1- سورة الأنعام: 160.
2- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4 و 6 و باب: 22 من أبواب فعل المعروف و غيرهما مما هو كثير جدا.

فصل في النية

اشارة

(فصل في النية) و هي القصد إلى الفعل (1) بعنوان الامتثال (2) و القربة (3)، و يكفي فيها الداعي القلبي (4)، و لا يعتبر فيها الإخطار بالبال و لا التلفظ (5)، (فصل في النية)

______________________________

(1) بشهادة وجدان كلّ ذي شعور بذلك و هذا شامل لجميع الأفعال عبادة كانت أو غيرها.

(2) هذا القيد يختص بخصوص العباديات فقط، و في غيره يكفي قصد ذات الفعل و لو لم يكن بعنوان الامتثال. نعم، يقولون إنّ ترتب الثواب في غيرها يتوقف على قصد الامتثال و هذا قول بلا دليل.

(3) بضرورة من الدّين في العباديات التي أهمّها الصلاة.

(4) لشهادة وجدان كلّ عاقل و تقدمت الإشارة إليه في الجهة الرابعة، فراجع.

(5) للأصل، و بناء العقلاء في جميع أفعالهم الاختيارية. نعم، قد يتعلق الغرض بتصور صورة العمل بجميع مزاياه و خصوصياته، بل و تخطيطه أولا في الخارج و التدقيق فيه ثمَّ العمل على طبقه، لكنّه يختص بأعمال خاصة مسبوقة بالعدم من جميع الجهات و الخصوصيات لا الأعمال الشائعة المعلومة، عرفية كانت أو شرعية هذا مع الإجماع على عدم اعتبار التلفظ.

نعم، نسب إلى المشهور لزوم الإخطار، و مقارنة النية مع أول جزء من العمل، فإن أرادوا ذلك بنحو الإجمال فالداعي لا ينفك عنه قهرا، و إن أرادوا

ص: 118

فحال الصلاة و سائر العبادات حال سائر الأعمال و الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و القيام و القعود و نحوها من حيث النية.

نعم، تزيد عليها باعتبار القربة فيها: بأن يكون الداعي و المحرّك هو الامتثال و القربة (6). و لغايات الامتثال درجات:

أحدها- و هو أعلاها-: أن يقصد امتثال أمر اللّه تعالى لأنّه أهل

______________________________

بنحو التفصيل، كما استظهر من كلماتهم فلا دليل لهم من عقل أو نقل، بل الأصل و العرف و سهولة الشريعة المقدسة و الوجدان تنفيه، و على هذا يسقط أصل البحث عن لزوم مقارنة النية مع العمل و استمرارها الحكمي حينه لأنّ الداعي مع العامل قبل العمل و حين الشروع فيه و حال الإتيان به إلى الفراغ عنه، و العمل يصدر حدوثا و بقاء عن هذا الداعي، كما في جميع الأفعال الاختيارية التي لها وحدة صورية و لها نحو استمرار في الجملة، كالأكل حتّى يشبع، و المشي إلى محلّ خاص، و غسل ثوب حتّى يطهر و نحو ذلك من الفطريات الأولية غير القابلة للبحث عنها بالمرة، كما يصنعه بعض المحققين.

(6) الأفعال الصادرة عن المكلّف تارة: تكون بلا داع عقلائي و شرعي و يعبّر عنها بالعبث. و أخرى: تكون لداع عقلائي غير منهيّ عنه شرعا، و هذه هي الأفعال التي يقوم بها النظام و تحصل بها مقاصد الأنام. و ثالثة: تكون لأجل التقرب بها إلى المعبود و يعبّر عنها بالعباديات، و هي أفعال خاصة- كالصلاة و الزكاة و الحج و نحوها- و يعتبر في ترتب الأثر عليها قصد القربة بفطرة كلّ عابد بالنسبة إلى معبوده، و هي عبارة عن داعوية الإضافة إلى المعبود لإتيان العمل على ما يأتي من التفصيل، فتبطل بدون ذلك و إن تحقق فيها جميع الأجزاء و الشرائط.

و تقدم أنّ الصلاة من العباديات فيشترط في صحتها أن يكون إتيانها لجهة إضافتها إلى اللّه تعالى، و جهات الإضافة إليه عزّ و جلّ كثيرة يأتي التعرض لها.

ثمَّ إنّ معنى الامتثال إنّما هو قصد الأمر، و بذلك تحصل القربة، فعطفها على الامتثال في كلامه (قدس سره) لعلّه من عطف المسبّب على السبب، و فيه مسامحة واضحة.

ص: 119

للعبادة و الطاعة (7)، و هذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:

«إلهي ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك».

الثاني: أن يقصد شكر نعمة التي لا تحصى (8).

______________________________

(7) لتمحض العبادة حينئذ له تعالى و خلوصها عن الإضافة إلى ما سواه عزّ و جلّ، لأنّ مراتب العبادة تدور مدار مراتب كمال التوحيد و الإخلاص و محبة العبد لربه، ففي رواية ابن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «العبادة ثلاثة: قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ حبّا له فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة» (1).

و نحوها غيرها. و أما ما رواه في المتن عن أمير المؤمنين عليه السلام فلم أجده من طرقنا فيما تفحصت، مع أنّه منقوض بكثرة ما ورد منه عليه السلام و من ذريته المعصومين عليهم السلام من طلب الجنة من اللّه تعالى و الاستعاذة به من النار في الدعوات المأثورة عنهم عليهم السلام مع ما ورد عنه عليه السلام فيما أوقفه: «هذا ما أوصى به و قضى في ماله عبد اللّه عليّ ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار، و يصرف النار عني يوم تبيض وجوه و تسود وجوه» (2) مضافا إلى ما ورد في القرآن الكريم يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً (3).

(8) لإضافة العمل حينئذ إليه تبارك و تعالى، لأنّ عبادة المنعم شكر فعليّ له على نعمه، و هو أفضل من الشكر القولي بمراتب: و أما أنّ نعمة لا تحصى فهو مما دلت عليه الأدلة العقلية و السمعية، و وجدان كلّ ملتفت و متوجه و لو في الجملة.

ص: 120


1- الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 4.
3- سورة السجدة: 16.

الثالث: أن يقصد به تحصيل رضاه و الفرار من سخطه (9).

الرابع: أن يقصد به حصول القربة إليه (10).

الخامس: أن يقصد به الثواب و رفع العقاب (11)، بأن يكون

______________________________

(9) لقوله تعالى يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً.

و لما تقدم في خبر هارون بن خارجة من قول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ خوفا .. و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب».

(10) لأنّ التقرب إلى العظيم من كلّ جهة مطلوب فطريّ لكلّ عاقل فتكون العبادة موجبة للقرب إليه تعالى. و المراد بقرب العبد إليه عزّ و جلّ القرب إلى رحمته و موجبات غفرانه و ثوابه، لا القرب المكاني لتنزهه عزّ و جلّ عن المكان و لا يعقل ذلك بالنسبة إليه و هو تعالى أقرب إلى كلّ أحد من حبل الوريد، مطيعا كان أو عاصيا.

كما أنّ المراد بقرب اللّه تعالى من عبده نعمه و ألطافه و بره و إحسانه، و يمكن أن يراد القرب المعنوي الروحاني و يشهد له صحيح أبان عن أبي جعفر عليه السلام: «قال اللّه عزّ و جلّ ما يقرب إليّ عبد من عبادي بشي ء أحبّ إليّ مما افترضت عليه و إنّه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، و بصره الذي يبصر به، و لسانه الذي ينطق به، و يده التي يبطش بها- الحديث-» (1).

و لا ريب في ظهوره في التقرب المعنوي الذي يحصل به من العبد بعض الأفعال الربوبية.

(11) قصد الثواب و الفرار من العقاب على قسمين:

الأول: أن يلحظ كلّ منهما طريقا إلى امتثاله تبارك و تعالى فيرجع إلى القسم الثالث، و تقدم أنّه صحيح.

ص: 121


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 6.

الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه و تخليصه من النار، و أما إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى

______________________________

الثاني: أن يلحظ كلّ منهما في حد نفسه مع قطع النظر عن الإضافة إليه تعالى، و لا يصح هذا بحسب القاعدة، لعدم تحقق إضافة الامتثال إليه تبارك و تعالى، و يمكن أن يحمل- ما نسب إلى المشهور من عدم صحة هذا القسم- على خصوص القسم الأخير دون الأصل.

فروع- (الأول): قصد الآثار الوضعية للعبادات إن كان بعنوان أنّ اللّه- تعالى- جعلها فيها و يكون وضعها و رفعها حدوثا و بقاء بإرادته تعالى، فالظاهر أنّه يرجع إلى امتثال أمر اللّه تبارك و تعالى، فتصح حينئذ.

(الثاني): قصد الأمر و القربة تارة: يكون بالمطابقة كما إذا نوى أصلّي صلاة الظهر- مثلا- لامتثال أمر اللّه قربة إليه تعالى و لا ريب في الإجزاء و الصحة، و أخرى: بالتضمن كما إذا نوى أصلّي الظهر من دون نية شي ء آخر، لكن مع الالتفات بأنّ صلاة الظهر مأمور بها و موجبة للتقرب و الظاهر الإجزاء أيضا، لأنّه قصد الأمر و القربة ضمنا و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك. نعم، لو لم يكن متوجها إلى الأمر و القربة، فلا وجه للإجزاء حينئذ، لعدم تحقق قصد الأمر لا مطابقة و لا ضمنا.

(الثالث): لو قصد العامي هكذا أصلّي كما يصلّي مقلّدي- أو قصد المأموم أصلّي ما يصلّي الإمام- فالظاهر الصحة، لتحقق قصد الأمر تبعا و قد ورد في الإحرام ما يدل على الصحة و يأتي في [مسألة 8] من (فصل كيفية الإحرام).

و خلاصة الكلام: أنّه لا بد في صحة العبادة من إضافة صدورها إلى اللّه تعالى و كون تلك الإضافة داعية إلى الصدور سواء كانت بالمطابقة، أو بالتضمن، أو بالتبع و سواء حصلت الإضافة في نفس العبادة أو في سلسلة مبادئها أو في آثارها و غاياتها و قد تقدم في نية الوضوء بعض الكلام، فراجع.

ص: 122

فيشكل صحته، و ما ورد من صلاة الاستسقاء و صلاة الحاجة إنّما يصح إذا كان على الوجه الأول.

مسألة 1: يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا

(مسألة 1): يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا (12)

______________________________

(12) للإجماع، و لأنّ النية في العبادات عبارة عن قصد المأمور به من حيث الإضافة إليه تعالى و داعوية ذلك للإتيان به و المبهم من حيث الإبهام و التردد لا تحقق له لا واقعا و لا ذهنا، فكيف يصح أن يتعلق به القصد، مع أنّه لا يتعلق إلا بما له نحو ثبوت، مضافا إلى أنّهم أرسلوا إرسال المسلّمات أنّ ما يتعيّن في المأمور به يتعيّن في العمل، و ما يتعيّن في العمل يتعيّن في النية، و جعل ذلك من القواعد الفقهية، فالتقرب لا بد و أن يكون بقصد المأمور به و هو متعيّن مخصوص، فلا بد و أن يتعيّن في القصد أيضا لو لم يكن في البين ما يوجب تحقق التعيين القصدي على ما يأتي من التفصيل، فاعتبار التعيين إنّما هو لأجل تصحيح تعلق القصد و الإرادة بالمأمور به، و لتحقق الامتثال لا أن يكون فيه موضوعية خاصة و لذا لو كان متعينا في الخارج يجزي تعيّنه الخارجي عن تعيينه في القصد، فيكفي حينئذ قصد نفس ذات المأمور به كما لو كان متحدا، أو كان الزمان لا يصلح لغيره- كما في صوم شهر رمضان- فمقتضى الأصل و إن كان عدم وجوب التعيين مطلقا، لكنه يجب من جهة توقف الاختيار و الامتثال عليه فوجوبه مقدميّ طريقيّ كوجوب تعلم أحكام الصلاة مثلا.

ثمَّ إنّ قصد التعيين تارة: التفاتي تفصيليّ، و أخرى: التفاتي إجمالي، و ثالثة: يكون بالعنوان المشير إلى المأمور به كما هو الواجب أو لا مثلا، و رابعة: يكون واقعيا ارتكازيا من غير التفات إليه أصلا، و لكن يكون بحيث لو توجه لعين المأمور به في المأتي به، و مقتضى الأصل إجزاء الجميع لأنّ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ وجوب الزائد على القسم الأخير مشكوك، فينفى بالأصل، فالمسلم الذي يصلّي في كلّ يوم و ليلة خمس صلوات و يقدم بحسب فطرته الإسلامية الظهر على العصر، و المغرب على العشاء، فهذا النحو من التعين الارتكازي يجزي و لا دليل على اعتبار الأزيد منه فجميع العناوين المأخوذة

ص: 123

و لكن يكفي التعيين الإجمالي (13)، و كأن ينوي ما وجب عليه أولا من الصلاتين مثلا، أو ينوي ما اشتغلت ذمته به أولا أو ثانيا، و لا يجب مع الاتحاد (14).

مسألة 2: لا يجب قصد الأداء و القضاء

(مسألة 2): لا يجب قصد الأداء و القضاء (15)، و لا القصر و التمام (16)،

______________________________

في متعلق الأمر من الظهرية و العصرية و الأدائية و القضائية و نحوها لها طريقية محضة إلى إتيان التكليف الفعلي، فمع تحقق القصد إلى التكليف يجزي و يصح بأيّ وجه كان، و مع عدمه فلا وجه للصحة.

هذا خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام و إن طال من أصحابنا البحث و الكلام.

(13) لأصالة البراءة عن وجوب الزائد عليه بعد حصول المقصود به.

(14) لأنّ تعينه بذاته يغني عن تعينه قصدا.

(15) للأصل بعد عدم دليل عليه، و نسب إلى المشهور الوجوب لأنّ العمل مشترك بينهما فلا يتعيّن إلا بالقصد، بل ظاهرهم وجوب تعيين كلّ ما أخذ في متعلق الأمر من العناوين القصدية التي يتوقف تمييز العمل المشترك على قصدها و نيتها، كالظهرية و العصرية، و الأدائية و القضائية و نحوها و هو حسن إن توقف التعيين على قصدها، فيصير النزاع لفظيا، فمن يقول بالوجوب أي فيما إذا توقف التعيين عليه، و من يقول بالعدم يقول به فيما إذا لم يتوقف، مع أنّ القضاء و الأداء متعينان ذاتا، لأنّ الأول إتيان العمل في خارج الوقت بخلاف الثاني، و بناؤهم على أنّ التعيين الذاتي يغني عن التعيين القصدي.

(16) الاحتمالات في القصرية و التمامية ثلاثة:

الأول: كونهما حكما محضا، أي وجوب التسليم على الركعتين و وجوبه على الأربع، و مقتضى الأصل عدم وجوب قصدهما، لأنّهما حينئذ كسائر واجبات

ص: 124

و لا الوجوب و الندب (17)، إلا مع توقف التعيين على قصد أحدهما، بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صح إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق، كأن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنّه أمر أدائي فبان قضائيا أو بالعكس، أو تخيل أنّه وجوبيّ فبان

______________________________

الصلاة، كوجوب التشهد و السلام و غيرهما، و هذا الوجه بعيد لأنّهما موضوعان مختلفان عرفا.

الثاني: كونهما من القيود المأخوذة في المأمور به غير المتقوّمة بالقصد، ككون الصبح مشتملا على أربع سجدات، و الظهر على ثمانية و هكذا.

الثالث: كونهما من القيود المتقوّمة بالقصد، كالظهرية و العصرية مثلا، و لو شك في أنّهما من أيّ الأقسام الثلاثة، فمقتضى الأصل عدم وجوب قصدهما إلا إذا توقف التعيين عليه فيجب حينئذ مقدمة.

و قد نسب إلى المشهور عدم وجوب قصدهما، بل ادعي عليه الإجماع، و لعلهم استفادوا كونهما من أحد القسمين الأولين، فيصير النزاع على هذا لفظيا كما في جملة من مثل هذه الاختلافات بعد الدقة و التأمل.

(17) نسب إلى المشهور وجوب قصدهما، لوجوب صدق الإطاعة عليه، و لاحتمال دخله في الغرض، و لقاعدة الاشتغال.

و الكل مردود: إذ الأول خلاف العرف المنزل عليه الأدلة، لأنّ أهل العرف يرون الآتي بذات المكلّف به بداعي محبوبيته للمولى مطيعا، سواء علم وجوبه أم لا، هذا مع عدم الإشارة إليه في الكتاب و السنة أصلا مع شدة الابتلاء.

و الثاني: بأنّه ليس كلّ محتمل الدخل في الغرض واجب الإتيان ما لم يتم عليه البيان خصوصا في هذا الأمر العام البلوى.

و الأخير باطل بالأدلة العقلية و النقلية في كلّ مشكوك الوجوب مطلقا، فمقتضى الأصل عدم الوجوب إلا إذا توقف التعيين عليه، و لعلّهم أرادوا ذلك أيضا.

ص: 125

ندبيا أو بالعكس، و كذا القصر و التمام (18)، و أما إذا كان على وجه التقييد فلا يكون صحيحا، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلا، أو الأمر الوجوبي ليس إلا، فبان الخلاف فإنّه باطل (19).

مسألة 3: إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر

(مسألة 3): إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر، يجوز له أن يعدل إلى التمام و بالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول (20) بل لو نوى أحدهما و أتم و على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحة (21)،

______________________________

(18) لأنّ قصد الأداء و القضاء و الوجوب و الندب و القصر و الإتمام على فرض الوجوب- طريق لإتيان المأمور به كوجوب تعلّم أحكام المأمور به، و بعد فرض الإتيان بالمأمور به مستجمعا للشرائط لا أثر لتخلف هذا القصد. نعم، لو كان وجوبها موضوعيا، كوجوب الركوع و السجود و الطهارة مثلا لا وجه للصحة، مع التخلف لفقد القيد حينئذ. و المقيد ينتفي بفقد قيده، و قد تقدم في مباحث الاجتهاد و التقليد بعض الكلام، و يأتي في المحال المناسبة ما يناسب المقام.

(19) لكونه حينئذ تشريعا مفسدا إن علم أنّه خلاف الواقع، و لعدم تحقق القصد منه إلى تكليفه الفعلي، فإنّ ما قصده ليس بمأمور به، و ما هو المأمور به لم يتوجه القصد إليه. نعم، لو حصل قصد التكليف الفعلي مع قصد القربة يمكن الصحة، و لكنه خلف.

(20) لأنّ التخيير استمراري، كما يأتي في [مسألة 14] من (فصل أحكام صلاة المسافر)، و لا فرق فيه بين كون القصر و التمام حقيقتين متباينتين على احتمال بعيد، أو حقيقة واحدة مختلفة بالكمية، كما هو الظاهر من الأدلة و مرتكزات المتشرعة.

(21) لعدم اعتبار قصد القصرية و التمامية حين الشروع في الصلاة، كما تقدم، و على فرض الاعتبار فهو طريقيّ محض لإتيان العمل صحيحا و المفروض أنّ القصر و التمام كلّ منهما صحيح، قصد كلّا منهما أو لا، عدل من كلّ منهما إلى الآخر أو لا.

ص: 126

و لا يجب التعيين حين الشروع أيضا (22). نعم، لو نوى القصر فشك بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين يشكل العدول إلى التمام (23)

______________________________

(22) لما تقدم في المسألة السابقة، فيكفي قصد ذات الصلاة بما هي الوظيفة الفعلية على ما أمر بها الشارع، و هي تنطبق قهرا على كلّ واحد من القصر و التمام بعد جعل الشارع التخيير الواقعي للمكلف.

(23) منشأه أنّ هذا شك في الثنائية، فتكون الصلاة باطلة، فلا موضوع للعدول، و لكن ما يصح التمسك به لإبطال مثل هذا الشك إما ما دل على أنّ الشك في الثنائية يوجب البطلان، و إما ما دل على أنّ الشك في صلاة السفر يوجب البطلان. و إما ما دل على أنّ الشك في الأوليين يوجب البطلان.

و الكل مخدوش أما الأول: فلأنّ المنساق منه ما لم يكن قابلا للتغيير و لم يكن اختياره في جعله أكثر من الثنائية للمكلّف و لذا ذكر في الروايات الفجر و الجمعة (1)و لم أجد لفظ الثنائية فيما تفحصت عاجلا. نعم، في بعض الأخبار تعليل بطلان صلاة الجمعة بالشك فيها بقوله عليه السلام: «لأنّها ركعتان»(2)، و ظاهره الثنائية الذاتية لا الاقتضائية كما في المقام.

و أما الثاني: فالمتبادر منه أيضا صلاة السفر التي لا يمكن تغييرها و تبديلها و لذا ذكرت في عداد صلاة الفجر و الجمعة في صحيح ابن مسلم و غيره (3).

و أما الأخير، فالشك المبطل في الأولتين ما إذا كان بين الواحدة و الأزيد مطلقا، أو الاثنين و الأزيد قبل الإكمال، لا ما إذا كان بعد الإكمال، فإنّه من الشكوك الصحيحة كما يأتي إن شاء اللّه، مع أنّ الشك في شمول أدلة الشكوك المبطلة للمقام يكفي في عدم الشمول، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع حينئذ أصالة الصحة، و عموم قوله عليه السلام: «ما أعاد

ص: 127


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الخلل حديث: 18.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الخلل حديث: 7.

و البناء على الثلاث و إن كان لا يخلو من وجه (24)، بل قد يقال بتعينه (25). و الأحوط العدول و الإتمام مع صلاة الاحتياط و الإعادة.

مسألة 4: لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصوّر الصلاة تفصيلا

(مسألة 4): لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصوّر الصلاة تفصيلا (26)، بل يكفي الإجمال. نعم، تجب نية المجموع من

______________________________

الصلاة ففيه قط يحتال لها و يدبرها حتّى لا يعيدها»(1).

و يأتي في [مسألة 25] من (فصل الشك في الركعات) بعض ما ينفع المقام.

(24) لأصالة الصحة، و عموم قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن حمران: «ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتّى لا يعيدها»(2).

و ما ورد في بعض الأخبار من أنّه في الشك بين الثلاث و الأربع (3)، فالظاهر أنّه من باب المثال لجميع الشكوك التي يمكن تصحيحها لا لأجل الاختصاص به.

(25) لعموم ما دل على حرمة إبطال الصلاة و وجوب العمل بوظيفة الشكوك الصحيحة و لا مانع في البين إلا احتمال أنّ التمسك بعمومها في المقام تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا يصح من هذه الجهة و هو مردود بأنّ مثل هذا الاحتمال لو أوجب سقوط العمومات لسقطت جميعها عن الاعتبار إلا ما ندر، فالمرجع في صحة التمسك بالعام المتعارف من أهل المحاورة و المتعارف منهم يحكمون بصحة التمسك به في المقام، فلا موضوع لهذا الإشكال، لأنّ الشبهة التي تمنع عن التمسك بالعام ما إذا كان لها نحو ثبات و استمرار لا ما إذا زالت بأدنى تأمل.

(26) للسيرة، و أصالة البراءة عن التصور التفصيلي، بل الحرج بالنسبة إلى سواد الناس غير المأنوسين بإتيان الصلاة.

ص: 128


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الخلل حديث: 3.

الأفعال جملة (27) أو الأجزاء على وجه يرجع إليها (28)، و لا يجوز تفريق النية على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية (29).

مسألة 5: لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة

(مسألة 5): لا ينافي نية الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة (30) و لا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة و لا تجديد النيّة على وجه الندب حين الإتيان بها (31).

______________________________

(27) لأنّ هذا هو القصد الإجمالي الذي لا بد منه، و مع عدمه يكون العمل بلا قصد و نية.

(28) لأنّ الأجزاء منطوية في الكلّ فقصده يغني عن قصدها.

(29) لأنّه ليس للإجزاء وجوب استقلالي و إنّما يكون وجوبها ضمنيا تبعيّا.

نعم، يصح قصد الوجوب الاستقلالي الانبساطي، لما ثبت في الأصول من أنّ الكلّ عين الأجزاء بالأسر، و الأجزاء عين الكل كذلك، فالوجوب الواحد ملحوظ بسيطا بالنسبة إلى الكلّ، و عين هذا الوجوب ملحوظ منبسطا بالنسبة إلى الأجزاء.

و أما الوجوب الاستقلالي العرضي، فلا يتصوّر للأجزاء مع فرض الجزئيّة كما هو واضح، لأنّه خلف.

(30) لأنّها جهات كمالية خارجة عن ذات المأمور به و حقيقته و الأمر إنّما تعلق بذات الواجب من حيث هي سواء كانت مقرونة بالجهات الكمالية أم لا، فذات الواجب شي ء، و الجهات الكمالية شي ء آخر، فيصح التفكيك بينهما في القصد و الحكم و الخارج، بلا فرق في ذلك بين كونها من كمال الذات و الطبيعة أو الشخص و الفرد.

و توهم: عدم صحة صدق الجزئية بالنسبة إلى المندوب مع الواجب، لأنّه من الجمع بين الضدين. باطل، لأنّ المراد بالجزئية في المقام الجزئية العرفية الاعتبارية لا الدقية العقلية المنطقية.

(31) لأصالة البراءة عن وجوب اللحاظ في الابتداء و التجديد حين الإتيان

ص: 129

مسألة 6: الأحوط ترك التلفظ بالنية في الصلاة

(مسألة 6): الأحوط ترك التلفظ بالنية في الصلاة (32)، خصوصا في صلاة الاحتياط للشكوك (33) و إن كان الأقوى الصحة معه (34).

مسألة 7: من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه

(مسألة 7): من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه (35) فيأتي بها جزءا فجزءا و يجب عليه أن ينويها أولا على

______________________________

بعد عدم دليل على الوجوب من عقل أو نقل أو عرف أو عادة، و ما يجب إنّما هو القصد الإجمالي إلى العمل بنحو الجملة و الإجمال بكلّ ما اشتمل عليه من مقوّمات الذات و جهات الكمال.

ثمَّ إنّه لو أتى بالأجزاء المندوبة بقصد الأمر الوجوبي، فالظاهر عدم البطلان، لأنّه من التشريع في القصد من دون أن يسري إلى العمل، بل لو قصد في ابتداء النية الوجوب بجميع أجزاء العمل حتّى مندوباته لا يبطل لما تقدم، و كذا لو أتى بالعمل الواجب بقصد الندب سهوا أو عمدا، فالظاهر الصحة، لأصالة عدم مانعية مثل هذا القصد في عمده، فكيف بسهوه بعد الإتيان بأصل المأمور به بقصد القربة.

(32) تأسيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المعصومين عليهم السلام و الفقهاء القائمين مقامهم إذ لم يعهد منهم التلفظ بها.

(33) إن قلنا بعدم جواز كلام الآدميّ بينها و بين الصلاة و أنّ التلفظ بالنية من كلام الآدمي، فلا يجوز، و إن قلنا بالجواز، أو انصراف كلام الآدميّ عن التلفظ بالنية، فيجوز، و يأتي من الماتن رحمه اللّه الجزم بعدم جواز الإتيان بمنافيات الصلاة بين صلاة الاحتياط و الصلاة الأصل في أحكام الخلل (فصل كيفية صلاة الاحتياط)، لكن الشك في عدم شمول كلام الآدميّ المبطل للتلفظ بالنية يجزي في جريان أصالة عدم المانعية و البراءة.

(34) للبراءة العقلية و النقلية بعد فقد الدليل على المانعية من عقل أو نقل.

(35) هذا الوجوب كوجوب تعلم أصل الصلاة و أحكامها الابتلائية عقليّ فطريّ انظر ما تقدم في مباحث الاجتهاد و التقليد.

ص: 130

الإجمال (36).

مسألة 8: يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص

(مسألة 8): يشترط في نية الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء (37).

______________________________

(36) لشمول دليل وجوب القصد الإجمالي للصلاة له أيضا، لأنّ المفروض أنّ التلقين تلقين الصلاة بما لها من الشرائط و الأجزاء.

(37) في الرياء جهات من الكلام:

الأولى: تقدم في نية الوضوء أنّ الرياء في العبادة حرام تكليفا، بل من الكبائر، لإطلاق الشرك عليه و لتوعيد النار به، و أنّ له جهة وضعية- مضافا إلى الحرمة التكليفية- و هي كونه موجبا لبطلان العبادة.

الثانية: الشرك بالنسبة إلى اللّه تبارك و تعالى إما وجودي بأن يجعل شريك له جلّ جلاله في مرتبة ذاته، و إما فعلي بأن يجعل شريك له تعالى في أفعاله. و إما عباديّ بأن يجعل شريك له في معبوديته و هو على قسمين:

فتارة: يؤتى بالعبادة لأجل عبادة غير اللّه تعالى كما يعبد اللّه.

و أخرى: يؤتى لإراءة الغير فقط من دون عبادته و لا ريب في أنّ كلّا منهما شرك، بل الأول يوجب النجاسة، و لكن الرياء المبحوث عنه في الفقه من القسم الأخير لمن يعتقد بوحدانية اللّه ذاتا و فعلا و عبادة.

الثالثة: ظاهر الأدلة حرمة الرياء نفسيا في الصلاة- و كلّ عبادة- كحرمة الغصب فيها، و كحرمة لبس الذهب و الحرير على الرجال و لو حال الصلاة، فينتزع الفساد من الحرمة النفسية في العبادة. و عليه، فإذا رأيي في العبادة الباطلة، أو أتى بالعبادة أولا صحيحة ثمَّ أتى بعبادة أخرى ورائي فيها لا يكون حراما من جهة انتفاء موضوع الحرمة. إلا أن يقال إنّ موضوع حرمته مطلق العبادة و لو كانت باطلة، فلو صلّى بلا طهارة أو توضأ بماء نجس مع العلم و الالتفات و رأيي فيها فعل حراما، و لكنه مشكل، لأنّ ذات مثل هذا العمل لا يصلح للعبادية حتّى يتحقق فيه موضوع الرياء.

ص: 131

.....

______________________________

إن قيل: فعلى هذا لا وجه للحرمة و الإثم، لأنّه بمجرد حصول الرياء تبطل العبادة فلا يبقى موضوع للحرمة. يقال: موضوع الحرمة الصحة التعليقية لا الفعلية من كلّ جهة.

الرابعة: المشهور، بل المتفق عليه البطلان العبادة المرائي فيها. و نسب إلى المرتضى رحمه اللّه عدم ترتب الثواب لا البطلان، فإن كان مراده عدم البطلان حتّى مع فقد قصد القربة، فهو ضروري البطلان لتقوم العبادة بقصد القربة عند كلّ أحد و هو رحمه اللّه معترف به، و إن كان نظره إلى أنّ الرياء من الضمائم التي لا تضر بقصد القربة، فإطلاق صحيح ابن جعفر، و خبر السكوني (1) يرده، ففي الأول: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يؤمر برجال إلى النار- إلى أن قال:- فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم؟

قالوا: كنا نعمل لغير اللّه فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممن عملتم له».

إذ كيف يمكن أن يكون العمل صحيحا و مع ذلك يوجب استحقاق النار لعامله؟! و في الثاني قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته يقول اللّه عزّ و جلّ: اجعلوها في سجين، إنّه ليس إياي أراد به».

و كيف يمكن أن يكون العمل صحيحا و مع ذلك أمر اللّه تعالى أن يجعل في سجين.

الخامسة: إنّ الرياء من الأمور القصدية المتقوّمة بالقصد و الاختيار و هو تارة: يكون بإتيان العبادة بمجرد إراءة الناس من دون قصد القربة و أخرى: يأتي بالعمل بقصد القربة، لكن بداعي أن يجعل نفسه عند الناس في عداد الصالحين، أو لرفع الذم عن نفسه، أو لجلب خير الناس إلى نفسه، أو لمجرد كونه في مجمع الناس، أو لمجرد الشهرة بالعبادة أو لغير ذلك من الأغراض، و الذي يكون حراما و يوجب بطلان العبادة هو الأول دون البقية مع تحقق قصد القربة فيها إذا كانت تلك الدواعي في طولها لا في عرضها بحيث تنافيها، و لكن لا

ص: 132


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1 و 3.

.....

______________________________

ريب في أنّها تنافي الإخلاص و الخلوص و إن صحت العبادة بحسب القواعد الفقهية.

السادسة: مقتضى إطلاق بعض الأخبار كصحيح ابن جعفر، و خبر السكوني و إن كان تعميم الرياء بالنسبة إلى تمام الأعمال و الحسنات مطلقا سواء كانت من العباديات أم غيرها، لكن مقتضى جملة من الأخبار الاختصاص بالعباديات ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا» (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من عمل للناس كان ثوابه على الناس، و من عمل للّه كان ثوابه على اللّه» (2).

فيستفاد منها اختصاص حرمة الرياء بخصوص العباديات.

السابعة: إذا كان الرياء في العبادات المندوبة بناء على الحرمة الغيرية تبطل و لا إثم على المرائي، و أما بناء على الحرمة النفسية مضافا إلى الفساد تبطل مع الإثم كما هو واضح، و قد استظهرنا الأخير من الأدلة فراجع.

الثامنة: يمكن أن يكون بطلان العبادة المرائي فيها موافقا للقاعدة إن كان الرياء في أصل إتيان العمل، لفقد قصد القربة حينئذ و كذا إن كان في الجزء و قلنا: إنّ فساد الجزء يسري إلى الكلّ، لأنّ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه إن اكتفى بالمأتي به و إن أعاده بعنوان الجزئية تكون من الزيادة العمدية المبطلة.

التاسعة: إذا شك في حصول الرياء له أو لا، أو شك في أنّ الحالة الحاصلة له رياء أو لا؟ فمقتضى الأصل عدم تحقق المانع و صحة عمله و إذا حصل له حالة سرور بعمله و حالة فرح بعبادته أو فرح بأن يراه الناس مصليا- مثلا- فكلّ ذلك ليس من الرياء، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «من سرّته حسنته و ساءته سيئته فهو

ص: 133


1- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.

فلو نوى بها الرياء بطلت (38)، بل هو من المعاصي الكبيرة (39)، لأنّه شرك باللّه تعالى. ثمَّ إنّ دخول الرياء في العمل على

______________________________

مؤمن» (1).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «سئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن خيار العباد، فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا و إذا أساؤوا استغفروا، و إذا أعطوا شكروا، و إذا ابتلوا صبروا، و إذا غضبوا غفروا» (2).

و تكون مقيدة لتلك المطلقات، مضافا إلى أصالة الصحة في غير المتيقن من الدليل.

العاشرة: لا بأس بتحسين العبادة لترغيب الغير إليها، أو لغرض صحيح آخر، للأصل، و خبر عبيد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يدخل في الصلاة فيجوّد صلاته و يحسّنها رجاء أن يستجرّ بعض من يراه إلى هواه قال عليه السلام: ليس هذا من الرياء» (3).

و على هذا لو كانت الصلاة في البيت- مثلا- على نحو و في الملإ بنحو آخر بداعي تعليم الناس و ترغيبهم إلى الاهتمام بالصلاة أو لغرض شرعيّ آخر لا بأس به، و لكن لا بد من الحذر عن خدائع الشيطان إذ المقام من مزالّ الأقدام.

(38) نصّا و إجماعا على ما تقدم. و نسب إلى المرتضى أنّه يوجب عدم الثواب لا البطلان، و تقدم الجواب عنه مع أنّه على إطلاقه مخدوش حتّى عنده رحمه اللّه كما يأتي.

(39) لأنّ المعصية الكبيرة كلّ ما أوعد عليها بالنار، أو نزّل منزلة ما أوعد عليه بالنار. و كلاهما موجود في الرياء، لإيعاد النار عليه في خبر السكوني، و لتنزيله منزلة الشرك في صحيح زرارة كما تقدم(4).

ص: 134


1- الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
4- تقدم في صفحة: 133.

وجوه: (40):

أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرد إراءة الناس من دون أن يقصد به امتثال أمر اللّه تعالى، و هذا باطل بلا إشكال، لأنّه فاقد لقصد القربة أيضا (41).

الثاني: أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة و امتثال الأمر و الرياء معا، و هذا أيضا باطل، سواء كانا مستقلين أو كان أحدهما تبعا و الآخر مستقلا أو كانا معا و منضمّا محرّكا و داعيا (42).

الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء، و هذا أيضا باطل و إن كان محلّ التدارك باقيا (43). نعم، في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض، أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن و الأذان و الإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان و اختص

______________________________

(40) العمدة في استفادة هذه الوجوه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا» (1).

(41) فيكون البطلان مطابقا للقاعدة حتّى عند المرتضى رحمه اللّه الذي نسب إليه عدم البطلان بالرياء، لأنّه رحمه اللّه إنّما نفي دلالة الأخبار على البطلان مع تسليمه لقاعدة بطلان العبادة بفقدان قصد القربة حين النية.

(42) كلّ ذلك، لصدق أنّه «أدخل فيه رضا أحد من الناس» فتبطل لا محالة.

(43) لأنّه أدخل فيه رضا أحد من الناس فيبطل و لا يبقى موضوع للتدارك حينئذ.

ص: 135


1- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

البطلان به، فلو تدارك بالإعادة صح (44).

الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء كالقنوت في الصلاة، و هذا أيضا باطل على الأقوى (45).

الخامس: أن يكون أصل العمل للّه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء، كما إذا أتى به في المسجد أو بعض المشاهد رياء، و هذا أيضا باطل على الأقوى، و كذا إذا كان وقوفه في الصف الأول من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياء.

السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان كالصلاة في أول الوقت رياء، و هذا أيضا باطل على الأقوى.

السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل كالإتيان بالصلاة جماعة أو القراءة بالتأنّي أو بالخشوع أو نحو ذلك و هذا أيضا باطل على الأقوى.

الثامن: أن يكون في مقدّمات العمل، كما إذا كان الرياء في

______________________________

(44) لأنّها و إن كانت لها وحدة عرفية في الجملة، و لكن كلّ آية من آيات القرآن و كلّ فصل من فصول الأذان له نحو استقلال في الجملة لا يضر بطلانه بصحة السابقة، فتصح إعادة ما بطل فقط و لا تجب إعادة أصل الصلاة.

(45) لصدق إدخال رضاء أحد من الناس فيه عرفا و إن أمكن التفكيك دقة، و لكنه لا أثر له، لأنّ الأدلة منزلة على العرفيات و كذا الكلام بعينه في الخامس و السادس و السابع من جهة الصدق العرفي بإدخال رضاء أحد من الناس في العمل و إن أمكن التفكيك بحسب الدقة العقلية، و لكنّها غير ملحوظة في الأحكام الشرعية و المراد بصدق إدخال رضا أحد من الناس في العمل إنّما هو فيما إذا كان الإدخال من باب الوصف بحال الذات لا الوصف بحال المتعلق و إلا فلا يوجب البطلان.

ص: 136

مشية إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد، و الظاهر عدم البطلان في هذه الصورة (46).

التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة، كالتحنك حال الصلاة، و هذا لا يكون مبطلا، إلا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة، متحنكا (47).

العاشر: أن يكون العمل خالصا للّه لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس، و الظاهر عدم بطلانه أيضا كما أنّ الخطور القلبي لا يضرّ خصوصا إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور، و كذا لا يضر الرياء بترك الأضداد (48).

______________________________

(46) لعدم صدق إدخال رضا أحد من الناس في العمل عرفا.

(47) أما الأول فلعدم صدق إدخال الرياء في العمل، لما تقدم من أنّ المراد به الصدق بوصف الذات عرفا، لا ما إذا كان الصدق بحسب المتعلق، و أما الأخير فلصحة انتساب الرياء إلى ذات العمل، فيبطل لا محالة.

(48) كلّ ذلك للأصل بعد عدم صدق دخول الرياء المعهود في العمل صدقا ذاتيا، بل و لو شك في الصدق و عدمه كذلك لا يصح التمسك بإطلاق دليل مبطلية الرياء، لأنّه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيكون المرجع أصالة الصحة مضافا إلى صحيح زرارة في الأول عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك قال:

لا بأس، ما من أحد إلا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» (1).

ثمَّ إنّ الأضداد عبارة عن منافيات الصلاة كما إذا قصد الرياء في عدم الالتفات أو عدم التكلم أو عدم إصدار الحدث أو نحوه من الموانع و المنافيات هذا

ص: 137


1- الوسائل باب: 15 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
مسألة 9: الرياء المتأخر لا يوجب البطلان

(مسألة 9): الرياء المتأخر لا يوجب البطلان (49) بأن كان

______________________________

إذا قصد الرياء في نفس ترك المنافي من حيث هو و أما إذا رجع إلى الرياء في الصلاة بتركها، فيصدق دخول الرياء في العمل عرفا حينئذ فيبطل لا محالة. و لو شك في أنّه من أيّهما، فالمرجع أصالة الصحة.

(49) للأصل بعد ظهور الأدلة في الرياء المقارن. و أما قول أبي جعفر عليه السلام في المرسل: «الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له فكتب له سرّا، ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثمَّ يذكرها فتمحى و تكتب له رياء» (1).

فيمكن حمله على إحباط بعض درجات الثواب لا الإحباط الحقيقي المطلق الذي لم يقم دليل عليه، بل ظاهر جملة من الآيات خلافه كقوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (2).

و قوله عليه السلام في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «من كان مؤمنا فحج و عمل في إيمانه، ثمَّ أصابته في إيمانه فتنة، فكفر ثمَّ تاب، و آمن قال: يحسب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه و لا يبطل منه شي ء»(3).

و أما الآيات المشتملة على الإحباط، و الروايات التي يستظهر منها ذلك كقوله تعالى وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (4) و ذكرنا في التفسير ما يتعلق به.

و غيرها من الآيات، و كصحيح ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً قال: أما و اللّه إن كانت أعمالهم أشدّ بياضا من القباطي و لكن كانوا إذا

ص: 138


1- الوسائل باب: 14 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.
2- سورة الزلزلة: 7.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
4- سورة المائدة: 5.

.....

______________________________

عرض لهم الحرام لم يدعوه» (1).

فلباب القول فيها بحسب الجمع بين الأدلة النقلية و الأدلة العقلية هو أنّه لا ريب في أنّ استحقاق الخلود في الجنة مشروط بالموافاة على الإيمان، لقوله تعالى مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (2).

و قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (3).

نعم، يجزي بما صدر منه من الطاعات و العبادات و الأعمال الخيرية في الدنيا أو في البرزخ، أو يوجب التخفيف في عذابه في نفسه أو في أهله أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا اللّه تعالى و بعد ذلك فالأقسام أربعة:

الأول: أن يكون مؤمنا من أول بلوغه إلى حين موته و لم يلبس إيمانه بظلم فلا ريب في أنّه من أهل الخلود في الجنة.

الثاني: من كان من أوله إلى حين موته كافرا و لا ريب في أنّه من أهل الخلود في النار.

الثالث: من خلط عملا صالحا و آخر سيئا و وافاه بالتوبة و هو من أهل الجنة نصّا (4) و إجماعا.

الرابع: هذا القسم بعينه مع عدم الموافاة بالتوبة و الموت مع عدمها فإما أن يدخل في الجنة ثمَّ يخرج منها بجزاء معاصيه و هو خلاف الإجماع، بل الضرورة، فإنّ من دخل الجنة لا يخرج منها نصّا، و إجماعا. و إما أن يدخل في النار لجزاء معاصيه ثمَّ يخرج منها بجزاء أعماله الحسنة إلى الجنة و تدل عليه النصوص الكثيرة التي ليس المقام محلّ التعرّض لها (5).

ص: 139


1- الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد النفس حديث: 3.
2- سورة البقرة: 217.
3- سورة الزمر: 65.
4- الوسائل باب: 85 من أبواب جهاد النفس.
5- راجع الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.

حين العمل قاصدا للخلوص ثمَّ بعد تمامه بدا له في ذكره أو عمل عملا يدل على أنّه فعل كذا.

مسألة 10: العجب المتأخر لا يكون مبطلا

(مسألة 10): العجب المتأخر لا يكون مبطلا (50). بخلاف المقارن فإنّه مبطل على الأحوط (51)، و إن كان الأقوى خلافه (52).

______________________________

(50) للأصل، و ظهور عدم الخلاف. نعم، لا ريب في أنّه من الرذائل بل من المهلكات و مانع عن صعود العمل إلى السماوات كما في جملة من الروايات (1). و أما خبر ابن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال عليه السلام: العجب درجات منها: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه، و يحسب أنّه يحسن صنعا، و منها: أن يؤمن العبد بربه فيمنّ على اللّه عزّ و جلّ و للّه عليه فيه المنّ» (2).

فيمكن أن يراد بالفساد عدم القبول، لقصور الحديث عن إثبات الفساد سندا و دلالة، مع معارضته بخبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب، فقال: إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضره ما دخله بعد ذلك، فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان»(3).

مع أنّه يمكن أن يكون حصول بعض مراتبه غير اختياري، لكثرة قصور النفس و عدم كمالها.

(51) خروجا عن خلاف بعض من قال بالبطلان، و جمودا على بعض الأخبار القاصرة عن الحرمة و البطلان.

(52) للأصل بعد عدم ظهور دليل على البطلان، بل مقتضى ما تقدم من خبر ابن عمار عدمه.

ص: 140


1- راجع الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5 و غيره.
2- راجع الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5 و غيره.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
مسألة 11: غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح

(مسألة 11): غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح، فإن كان حراما و كان متحدا مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء (53)، و إن كان خارجا عن العمل مقارنا له لم يكن مبطلا (54).

و إن كان مباحا أو راجحا (55)، فإن كان تبعا و كان داعي القربة

______________________________

(53) لأنّ العبادة متقوّمة بقصد القربة و لا يصح التقرب بالمحرّم. ثمَّ إنّ الضميمة المحرّمة كما إذا أتى بالصلاة مثلا بقصد إيذاء المؤمن و تحقق المقصود واقعا.

(54) هذا إذا تحقق منه قصد الامتثال و صدر منه الحرام في ضمن العمل كما إذا صلّى قربة إلى اللّه تعالى و نظر في أثناء الصلاة إلى الأجنبية بالشهوة و الريبة، فتصح صلاته و إن فعل حراما، و أما إن لم يكن كذلك بأن قصد الحرام مع قصد الامتثال عرضا، فتأتي فيه الوجوه الآتية:

(55) الوجوه المتصورة خمسة:

الأول: استقلال داعي القربة و كون غيرها تبعا.

الثاني: عكس ذلك.

الثالث: حصول المأمور به من كلّ منهما بحيث لو لم يكن أحدهما دون الآخر لما حصل.

الرابع: داعوية كلّ منهما مستقلا على البدل بحيث لو لم يكن أحدهما لأثر الآخر.

الخامس: داعوية كلّ منهما مستقلا بالنسبة إلى متعلقه فقط، و كلّ منهما تارة:

في الضميمة المباحة، و أخرى: في الراجحة، فهذه أقسام عشرة يصح العمل مع استقلال داعي القربة سواء كانت الضميمة راجحة أو مباحة.

و أما البقية فالبحث فيها تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الأدلة.

و ثالثة: بحسب ما يستفاد مما ورد في سهولة الشريعة و ملاحظة حال نوع الناس الذي يدور جعل التكاليف مدارهم نصّا و إجماعا.

ص: 141

.....

______________________________

أما الأولى: فالمسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ اعتبار مجرد داعوية القربة في الجملة معلوم قطعا و إنّما الشك في الزائد عليه، فيرجع إلى البراءة على ما حقق في الأصول في قصد الأمر و القربة و سائر القيود المعتبرة و لا ريب في تحقق داعوية القربة في الجملة في الأقسام الثلاثة عقلا و عرفا.

أما الثانية: فليس في البين إلا آية الإخلاص (1)، و الأدلة الحاصرة- لغاية العبادة (2) في رجاء الثواب و خوف العقاب، و الحب للّه تعالى، و أنّه لا عمل إلا بالنية التي تقدمت جملة منها. و الأولى وردت لنفي عبادة الأوثان و لا ربط لها بتعيين مراتب الخلوص و الإخلاص و كيفية داعوية القربة و خصوصيات اعتبارها.

و بعبارة أخرى ان الآية الشريفة في مقام بيان نفي] الشرك في أصل العبودية لا في مقام بيان شروط العبادة، و كذا الثانية، فإنّها إنما تدل على بطلان العبادة بغير رجاء الثواب و الفرار من العقاب و غير المحبة للّه تعالى. و أما أنّ هذه الأمور بأيّ مرتبة منها معتبرة، فالروايات أجنبية عن بيان هذه الجهة. و أما الأخير، فلا ربط له بالمقام أصلا، لأنّه في مقام الترغيب إلى نية الخير و التحذير عن نية الشر، كما يدل عليه صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- في حديث- قال: «إنّما الأعمال بالنيات، و لكلّ امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عزّ و جلّ، و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى» (3).

و أما دعوى الإجماع على تعيين مرتبة فيها من مراتب الإخلاص فموهون، لاختلاف الكلمات، و تشتت العبارات، فراجع المطوّلات، فليس فيها ما يدل على تعيين مرتبة خاصة من مراتب الإخلاص و الخلوص، فاعتبار كون داعي العبادة صالحا للتأثير معلوم و الزائد عليه مشكوك وجدانا، فيرجع فيه إلى إطلاقات الأدلة و أصالة البراءة بعد عدم الدليل على التعيين كما هو كذلك في جميع أبواب الفقه.

ص: 142


1- سورة البينة: 5.
2- راجع الوسائل باب: 5 و باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادة حديث: 10.

.....

______________________________

أما الثالثة: فمقتضى سهولة الشريعة- في مثل هذا الأمر العام البلوى لجميع الأمة و عدم تعرض الأدلة لتفصيله و تفريعه مع ما عليه عامة الناس من الأغراض و الدواعي النفسانية- هو الاكتفاء بالداعي القربي الذي يصلح للتأثير و لو لم يكن علة تامة منحصرة مستقلا فيه، مع أنّه لو اقتصر على العلة التامة المنحصرة منه في صحة العبادة لزم بطلان عبادة غير عباد اللّه المخلصين، لأنّ عبادات غالب الناس لا تخلو عن الضمائم و قد صدر عنهم عليهم السلام الوضوء لقصد تعليم الناس و الصلاة كذلك أيضا (1)، و قد ورد الأمر بإطالة الركوع، لانتظار لحوق المأموم (2)، و إعطاء الزكاة لترغيب الناس (3)، و الجهر بالتسبيح لإعلام الغير (4) إلى غير ذلك مما يمكن أن يستفاد منها عدم اعتبار الانحصار المحض في داعوية القربة.

هذا، و لكن الظاهر أنّ مقتضى بناء العقلاء و مرتكزاتهم، و سيرة المتشرعة اعتبار استقلال داعوية القربة في العباديات مطلقا، و لا يكتفون بمجرد الاستناد في الجملة، و هذه هي القرينة المحفوفة بالأدلة، فلا يصح الرجوع إلى إطلاقاتها كما لا يصح الرجوع إلى البراءة معها و حينئذ يصح أن يقال إنّ استقلال الداعوية في القربة مسلّمة لدى العقلاء و الشك في إجزاء غير هذه الصورة. و مقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء، لأنّ الشك حينئذ في المحصّل بعد معلومية أصل التكليف خصوصا بعد كون المعبود هذا العظيم الذي تحيّرت العقول في نعمه و إحسانه فضلا عن ذاته و خصوصا بعد إطلاق قوله تعالى وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (5). فإنّ إطلاقه يشمل هذه الضمائم عند الوقوف لدى القهار الجبار المطلع على الخفايا و الأسرار. و بالجملة، ليس للفقيه المأنوس بمذاق الشرع أن يجزم بإطلاق جواز ضمّ الضمائم.

ص: 143


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الوضوء حديث: 2 و 4.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب الزكاة.
4- راجع الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة.
5- سورة يوسف: 106.

مستقلا فلا إشكال في الصحة (56)، و إن كان مستقلا و كان داعي القربة تبعا بطل (57)، و كذا إذا كانا معا منضمّين محرّكا و داعيا على العمل (58)، و إن كانا مستقلّين فالأقوى الصحة (59). و إن كان الأحوط الإعادة (60).

______________________________

(56) إجماعا، بل ضرورة مع بقاء استقلالية قصد القربة من أول العمل إلى آخره.

(57) لما تقدم من أنّ مقتضى مرتكزات العقلاء و المتشرعة اعتبار استقلال داعوية القربة.

(58) لفقد استقلال داعوية القربة حينئذ، و قد مر اعتباره.

(59) لتحقق استقلال داعوية القربة، لكن بنحو البدلية و احتمال اعتباره بنحو العلة التامة المنحصرة خلاف سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى، فيدفع بالأصل إلا أن يقال: إنّ المتيقن من بناء العقلاء و سيرة المتشرعة إنّما هو فيما إذا كان الاستقلال بنحو الانحصار، كما يمكن أن يستظهر ذلك مما ورد في الرياء.

(60) لما تقدم من احتمال أن يكون المتيقن من البناء و السيرة استقلال داعوية القربة بنحو الانحصار.

فروع- (الأول): لو كان قصد الضميمة- مباحة كانت أو راجحة- في طول قصد القربة بحيث لا يضر باستقلالها في الداعوية لا يضر بصحة العمل و إن كان ينافي بعض مراتب الخلوص و الإخلاص.

(الثاني): قصد الغايات الدنيوية الشرعية المترتبة على العمل كحلية النساء في طواف النساء و تنمية المال في الزكاة و توسعة الرزق في صلاة الليل إلى غير ذلك ليس من الضميمة، لأنّ المراد منها ما كانت خارجة عن العمل لا أن تكون غاية له فلا يضرّ قصدها ما لم يناف قصد القربة بأن تلحظ على نحو الموضوعية.

ص: 144

مسألة 12: إذا أتى ببعض أجزاء الصّلاة بقصد الصلاة و غيرها

(مسألة 12): إذا أتى ببعض أجزاء الصّلاة بقصد الصلاة و غيرها (61)- كأن قصد بركوعه تعظيم الغير و الركوع الصلاتي، أو

______________________________

(الثالث): الضميمة الراجحة على قسمين:

فتارة: لا تكون متقومة لقصد القربة، كالصّلاة في محلّ لأجل حفظ مال الغير فيه مثلا. و أخرى: تكون متقومة به كالصلاة بقصد النظر إلى الكعبة أو المصحف أو العالم أو الوالدين، حيث إنّ كلّ ذلك عبادة، كما في الخبر (1)، و في كلّ منهما تبطل الصلاة، لعدم استقلال داعوية القربة و تصح الضميمة، بل الظاهر ترتب الثواب على الأخير، هذا إذا كان قصد الضميمة مستقلا و قصد الصلاة تبعا. و أما لو كانا معا محرّكين للعمل فيمكن القول ببطلان كلّ منهما لفقد استقلال داعوية القربة في كلّ منهما، كما يمكن أن يقال بالصحة في كلّ منهما لعدم تنافي داعي القربة الصلاتية مع داعي قربة أخرى لانتهاء كلّ منهما إلى اللّه عزّ و جلّ قصدا و عملا. فتأمل فإنّ المسألة غير محرزة بالتفصيل، و الجمود على اعتبار الخلوص و الإخلاص يقتضي الاستقلال و الانحصار في القربة.

(الرابع): الظاهر أنّ قصد النظر في عظمة اللّه تعالى في الصلاة و قصد قراءة القرآن و الذكر فيها ليس من الضميمة المبحوث عنها في المقام لأنّ البحث في الضمائم الخارجية، و هذه كلّها من الداخليات.

(الخامس): إذا شك في حصول قصد الضميمة و عدمه فمقتضى الأصل عدم الحصول.

(61) اعلم أنّ الأقسام أربعة- الأول: أن يكون الفعل الواحد له غايات كثيرة و أراد المكلّف ضمها بنية واحدة، و هذه مسألة الضميمة التي تقدمت أقسامها و أحكامها في المسألة السابقة، و قلنا: إنّها توجب البطلان إلا مع عدم المنافاة للإخلاص.

الثاني: جعل الفعل الواحد الشخصي الجزئي الخارجي كفعلين متغايرين

ص: 145


1- الوسائل باب: 166 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

بسلامه سلام التحية و سلام الصلاة- بطل (62) إن كان من الأجزاء الواجبة

______________________________

في الأثر. و الفرق بين هذا القسم و سابقة أنّ الأول يكون نظر العامل إلى الغايات المتكثرة مع التفاته إلى وحدة الفعل و تحفظه عليها، و في الثاني يكون نظره إلى جعل الفعل الواحد كفعلين متعددين متغايرين اعتبارا، لأنّ التغاير الاعتباري لا ينافي الوحدة، فما عن الفقيه الهمداني (قدس سره) من عدم الفرق بين القسمين مردود. و المقام من هذا القسم و حكمه البطلان مطلقا. أما فيما إذا كان داعي القربة مغلوبا أو متساويا مع غيره، فلما تقدم من اعتبار استقلال داعي القربة في صحة العبادة. و أما فيما إذا كان غالبا فلإطلاق معقد إجماع الإيضاح الشامل لهذه الصورة أيضا. و قد يتمسك للبطلان. بأنّ الصحة لأحدهما من الترجيح بلا مرجح.

(و فيه): أنّه يصح في المتساويين، و أما فيما إذا كان أحد الداعيين غالبا على الآخر فالترجيح مع الغالب فلا بد و أن يصح حينئذ سواء كان الغالب طرف العبادة أم غيرها.

الثالث: ما إذا تحقق في فرد واحد عناوين متعددة قد تعلق بكلّ واحد من تلك العناوين الوجوب- كما في أكرم عالما و أكرم هاشميا و أكرم جارك و أكرم من أكرمك- فاجتمع جميع تلك العناوين في واحد، فقد يقال: إنّ إكرام المجمع لا يسقط التكليف أصلا، لأنّ سقوط بعض دون بعض ترجيح بلا مرجح. و سقوط الجميع من التداخل و مقتضى الأصل عدمه، و لكن الظاهر أنّ مقتضى أصالة الإطلاق و أصالة البراءة السقوط بإتيان المجمع، فكما فصّل ذلك في محلّه و لكنه يصح في التوصليات. و أما في العباديات فيكون المجمع من موارد الضميمة الراجحة، و لا تصح العبادة حينئذ لعدم استقلال داعوية القربة، إلا أن يقال: إنّه إذا كانت الضميمة عبادة أيضا فلا تضر باستقلال داعوية القربة، فتأمل.

الرابع: ما إذا شك في أنّه من أيّ الأقسام و مقتضى القاعدة إلحاقه بالقسم الأول، فتصح مع استقلال داعوية القربة و تبطل في بقية الأقسام.

(62) يعني تبطل الصلاة به، لأنّه حينئذ من الزيادة العمدية، و هي موجبة للبطلان كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في أحكام الخلل.

ص: 146

قليلا كان أم كثيرا، أمكن تداركه أم لا (63)، و كذا في الأجزاء المستحبة (64) غير القرآن و الذكر (65) على الأحوط.

______________________________

(63) لشمول دليل البطلان بالزيادة العمدية لجميع ذلك كما يأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى. إن قيل: الزيادة العمدية الموجبة للبطلان ما إذا تمحض القصد في الزيادة فقط فلا يشمل ما إذا أتى بشي ء بقصد الجزئية و شي ء آخر، كما في المقام، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية، مع أنّه إن قصد الجزئية و عنوان آخر فالحكم بالبطلان- لتغليب الثاني على الأول- من الترجيح بلا مرجح.

يقال:- مضافا إلى إطلاق معقد الإجماع على البطلان بالزيادة العمدية الشامل لهذا النحو من القصد أيضا- إنّ قصد الجزئية متحقق فإذا سقط انطباق العبادية عليه لعدم تمحض قصدها تكون من الزيادة العمدية قهرا، فالبطلان موافق للقاعدة، مع أنّه مجمع عليه.

و خلاصة القول: إنّ الأجزاء إما أن يؤتى بها بقصد العبادية المحضة فقط أو يقصد غيرها كذلك، أو بقصدهما تشريكا، و الأول صحيح بخلاف الأخيرين.

(64) سيأتي في أحكام الخلل عدم الفرق في البطلان بالزيادة العمدية بين الأجزاء الواجبة و المندوبة، و لم يعلم وجه جزمه (قدس سره) بالفتوى هناك و تردده هنا إلا توهم ما يأتي إنّما هو فيما إذا كان عنوان الزيادة ملحوظا مستقلا، و في المقام لوحظ تبعا و هو فاسد، لما مر من أنّ سقوط قصد العبادية يجعلها من الزيادة قهرا. كما أنّ توهم أنّ قصد الجزء في الأجزاء المندوبة لا وجه له. مردود أيضا:

بأنّ المراد الجزئية العرفية الاعتبارية لا الحقيقية المنطقية، هذا في الأجزاء المندوبة، كالقنوت و طول الركوع و السجود مثلا. و أما الأذكار المندوبة فيأتي حكمها بعد ذلك.

(65) لورود الترخيص بجواز الإتيان بهما في الصلاة، و لكن لو أتى بهما

ص: 147

و أما إذا قصد غير الصلاة محضا فلا يكون مبطلا (66) إلا إذا كان مما لا يجوز فعله في الصلاة أو كان كثيرا (67).

مسألة 13: إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم يبطل

(مسألة 13): إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم يبطل (68) إلا إذا كان قصد الجزئية تبعا (69) و كان من الأذكار الواجبة (70)، و لو قال: «اللّه أكبر» مثلا بقصد الذكر المطلق لإعلام

______________________________

بقصد الجزئية يجري عليهما حكم الزيادة العمدية لو لا شمول إطلاق دليلها لهذه الصورة أيضا.

(66) لأصالة عدم المانعية بعد فقد الدليل على البطلان.

(67) أما الأول فلما دل على قاطعيته، و أما الثاني فيدور مدار تحقق محو الصورة، كما يأتي تفصيل ذلك كلّه في فصل مبطلات الصلاة.

(68) لأنّه من موارد الضميمة فيجري عليه جميع ما تقدم في [مسألة 11].

(69) أي كان قصد الامتثال بأمر الجزء تبعا لقصد الإعلام فيبطل الجزء حينئذ، لما تقدم من اعتبار استقلال داعوية الأمر في الجزء كاعتباره في الكلّ فيكون الجزء حينئذ من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان. و لكن يمكن أن يقال:

إنّ استقلال داعوية الأمر في الكلّ يكفي بالنسبة إلى الأجزاء أيضا، لانبساطه على جميع الأجزاء كانبساط نفس الأمر عليها فكون رفع الصوت بالذكر ملحوظا مستقلا لا ينافي استقلال داعوية الأمر بالنسبة إلى الذكر أيضا لاختلافهما اعتبارا و إن اتحدا وجودا، و مع الشك تجري أصالة عدم المانعية.

(70) لصدق الزيادة العمدية فتبطل الصلاة من هذه الجهة، و الظاهر عدم الفرق بين الأذكار الواجبة و المندوبة في صدق الزيادة العمدية مع كون قصد الجزئية تبعا، إلا أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: «كلّما ذكرت اللّه عزّ و جلّ و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة» (1).

ص: 148


1- الوسائل باب: 13 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

الغير لم يبطل مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية (71).

مسألة 14: وقت النية ابتداء الصلاة

(مسألة 14): وقت النية ابتداء الصلاة (72)، و هو حال تكبيرة الإحرام و أمره سهل بناء على الداعي، و على الإخطار اللازم اتصال آخر النية المخطرة بأول التكبير (73) و هو أيضا سهل.

______________________________

شموله لما إذا تحقق القصد التبعي أيضا، و هو حسن و جيد. ثمَّ إنّه لو أتى بذات الذكر الواجب بقصد الجزئية و كان محض رفع الصوت فقط لأجل إعلام الغير من باب تعدد الدال و المدلول فلا وجه للبطلان، بل مقتضى الأصل عدمه، و كذا لو شك في أنّه من أيّهما.

(71) لأنّ البطلان لأجل صدق الزيادة العمدية، و يعتبر فيه أن يؤتى بقصد الجزئية، و مع عدم قصدها أو قصد عدمها لا تبطل إلا إذا انطبق عليه عنوان آخر من مبطلات الصلاة، كمحو الصورة مثلا، مضافا إلى نصوص خاصة:

منها: صحيح الحلبي: «عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة قال عليه السلام: يومئ برأسه و يشير بيده و يسبح» (1).

و نحوه روايات أخر، و الظاهر أنّ ذكر التسبيح من باب المثال فيشمل التكبير أيضا.

(72) لأنّ اللازم صدور المنويّ بجميع أجزائه و جزئياته عن النية، و من أجزائه الجزء الأول و هو تكبيرة الإحرام في الصلاة: ثمَّ إنّ تقدم النية على المنوي ليس تقدما زمانيا بل هو- تقدم رتبي، كتقدم المقتضي (بالكسر) على المقتضى (بالفتح) و العلة على المعلول فلا ينافي التقارن الزماني، فالتعبير بالوقت فيه مسامحة واضحة، بل أصل هذا البحث ساقط بناء على كفاية مجرد الداعي، كما هو الحق.

(73) مرادهم بهذا التقدم التقدم الرتبي الإخطاري في الجملة بناء على

ص: 149


1- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
مسألة 15: تجب استدامة النية إلى آخر الصلاة

(مسألة 15): تجب استدامة النية إلى آخر الصلاة (74)، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة بحيث يزول الداعي (75) على وجه لو قيل له: ما تفعل؟ يبقى متحيرا. و أما مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضرّ الغفلة (76)، و لا يلزم الاستحضار الفعلي (77).

مسألة 16: لو نوى في أثناء الصلاة قطعها

(مسألة 16): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها (78) فعلا أو بعد

______________________________

اعتبار الإخطار لا مقارنة آخر النية بأول التكبيرة فإنّها منافية لسهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العالم البلوى، بل متعسرة إن لم تكن متعذرة، فلا بد و أن يسقط هذا القيد.

(74) لما تقدم من لزوم صدور العمل بجميع أجزائه و جزئياته عن النية فكلّما دل على وجوب النية من عقل أو نقل فيما له أجزاء و جزئيات يدل على لزومها حدوثا و بقاء، و الأخير عبارة عن استمرار النية.

(75) لما تقدم من أنّ النية عبارة عن مجرد الداعي فمع بقائه يكون الفعلي مع النية و مع زواله يكون بدونها.

(76) لأنّ الداعي شي ء و الالتفات إليه شي ء آخر و ما هو المعتبر إنّما هو الأول دون الأخير.

(77) للأصل و السيرة، و لسهولة الشريعة.

(78) لا بد من بيان أمور- الأول: إنّ استمرار النية إنّما يعتبر فيما هو من المكلّف به، ففي الصوم يعتبر الاستمرار في جميع آنات الزمان الصومي، لتقوّم الصوم بالزمان و الآنات، و في الحج يعتبر الاستمرار في أفعاله لا في الأزمان المتخلّلة بينهما، فلو فرغ من الوقوف في عرفات مثلا و بنى على ترك الحج رأسا و مضى عليه ساعة أو ساعات هكذا ثمَّ بدا له أن يتم حجه فأتمه مع النية مستجمعا للشرائط صح حجه و لا شي ء عليه، و في الصلاة يعتبر الاستمرار في الأفعال و القراءة و الأذكار. أمّا الأكوان الفارقة عنهما فإن دل دليل على أنّها من الصلاة أيضا فيعتبر استمرار النية فيها، و إلا فلا.

ص: 150

.....

______________________________

الثاني: مقتضى الأصل أنّ الأكوان الفارغة الصلاتية ليست من الصلاة لما ثبت في محلّه من أنّ المرجع في الشك في الجزئية و الشرطية البراءة ما لم يدل دليل على الخلاف.

و استدل على الجزئية تارة: بالإجماع، و أخرى: بأنّ تخلل القواطع فيها يوجب البطلان، و ثالثة: بسيرة المتشرعة. و يرد الأول: بعدم تحقق محصّله و عدم حجية نقله مع أنّ الظاهر كونه اجتهاديا على فرض صحة نقله.

و الثاني: بأنّ قطع الصلاة لتخلل القواطع إنّما هو لأدلة خاصة كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، و هي لا تدل على جزئية الأكوان كما هو واضح. و الأخير: بأنّ السيرة إنّما تدل على عدم الإتيان بالقواطع في تلك الأكوان و ذلك أعم من الجزئية، كما مر، هذا مع أنّه يجوز ترك تلك الأكوان اختيارا و لا شي ء من جزء الواجب يجوز تركه كذلك، فلا شي ء من تلك الأكوان بجزء الواجب و إذا انتفت الجزئية عنها فلا موضوع لوجوب استمرار النية فيها، كما يظهر عن المحقق (قدس سره) في الشرائع و تبعه جمع من الفقهاء، و لكن يظهر عن إطلاق جمع منهم العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني (قدس سرهم) اعتبار استمرار النية فيها أيضا.

و استدل عليه أولا: بأنّه مع انقطاع استمرار النية فإن أتم الصلاة بلا نية فلا ريب في البطلان، و إن نوى ثانيا فلا يصح الاكتفاء به، لفوات مقارنة النية لأول العمل.

و ثانيا: بالإجماع.

و ثالثا: بأنّ زوال النية الأولى يوجب خروج الأجزاء السابقة عن صلاحية لحوق الأجزاء اللاحقة بها.

و رابعا: بأنّ مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا عمل إلا بنية» (1) اعتبار استمرار النية فيها أيضا، كما أنّ مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا صلاة إلا بطهور» (2) اعتبار استمرار الطهارة فيها.

ص: 151


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 6.

.....

______________________________

و خامسا: بقاعدة الاشتغال.

و سادسا: بأنّ للصلاة هيئة اتصالية تجب مراعاتها، و نية القطع في الأكوان المتخلّلة تقطع تلك الهيئة.

و سابعا: بأنّه لو قطع النية ثمَّ رجع إليها يكون ذلك من توزيع النية و لا يجوز ذلك، لأنّ العمل واحد فلا بد له من نية واحدة. و الكل مخدوش:

أما الأول فلأنّه لا ريب في حصول مقارنة النية لأول العمل، و إنّما الكلام في أنّ انقطاعها في الجملة ثمَّ العود إليها هل يوجب البطلان أو لا؟ و مقتضى أصالة عدم المانعية و أنّ المتيقن مما دل على اعتبار استمرارها حال التلبس بالأفعال و الأقوال هو الثاني فلا يضرّ مثل هذا الانقطاع.

و أما الثاني: فالمتيقن منه صدور الأفعال و الأقوال عن النية و المفروض تحققه.

و أما الثالث: فلا ريب في أنّ مقتضى الأصل بقاء الأجزاء المأتيّ بها على قابلية لحوق الأجزاء اللاحقة بها.

و أما الرابع: فلأنّه لا ربط لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا عمل إلا بنية» بالمقام، لما تقدم من أنّ المراد به الترغيب إلى نية الخير و التحذير عن نية الشر، و على فرض كونه مربوطا بالمقام فلا ريب في أنّ الأفعال و الأقوال مع النية و هي مستمرة فيها و ما خلي منها إنّما هو الكون الفارغ عن الأقوال و الأفعال و الحديث لا يشمله، و بطلان الصلاة بتخلّل الحديث أو التكلّم أو الاستدبار أو سائر القواطع لأدلة خاصة، لا لمثل فقد النية.

و أما الخامس: فلما ثبت في محلّه من أنّ المرجع في الشك في الشرطية و الجزئية البراءة دون الاحتياط.

و أما السادس: فمقتضى الأصل بقاء تلك الهيئة الاتصالية عند الشك في زوالها إلا أن يدل دليل على الزوال.

و أما السابع: فلأنّه لا توزيع للنية، بل هي منبسطة على الأفعال و الأقوال و مستمرة فيها و إن كانت منقطعة في الكون الفارغ عنها، و التوزيع المانع ما إذا كان

ص: 152

.....

______________________________

بالنسبة إلى كلّ من الأجزاء على وجه الاستقلال دون الانبساط.

فتلخص: أنّه لا دليل على اعتبار استمرار النية في الأكوان الصلاتية الفارغة عن الأفعال و الأقوال، و كذا في كلّ كون فارغ في أثناء كلّ عبادة مركبة من الأجزاء.

الثالث: لا ريب في منافاة نية الشي ء و نية تركه و الخروج عنه فعلا، فمن كان في أثناء الصلاة مثلا و كان ناويا لها و نوى الخروج عنها فعلا تزول نيته الصلاتية عنه قهرا، و كذا نية المنافي فعلا مع الالتفات إلى المنافاة، لأنّه، كما لا يمكن الجمع بين المتنافيين خارجا، لا يمكن الجمع بين إرادتهما فعلا. و أما قصد القطع أو القاطع فيما يأتي فإن رجع إلى عدم قصد الصلاة فعلا فهو كذلك أيضا، و إلا فمقتضى أصالة بقاء النية الارتكازية صحة الصلاة فعلا حتّى ينوي القطع أو القاطع فيما بعد ذلك، هذا إذا كان متوجها إلى المنافاة بين نية الصلاة و نية القاطع. و أما مع عدم التوجه إليها لجهل أو نيسان أو نحو ذلك فلا منافاة حينئذ بين قصد الصلاة و قصد القاطع، كما هو واضح و حينئذ فإن أتى بالقاطع تبطل الصلاة، و إلا فلا، على تفصيل يأتي في فصل مبطلات الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

الرابع: المضيّ في الصلاة مع نية قطعها يتصوّر على وجوه:

أولها: إتمامها لغوا و عبثا من دون قصد الصلاة أصلا أو قصد التشريع، و لا ريب في البطلان حينئذ لفقد النية.

ثانيها: إتمامها مع الذهول عن نية القطع بقصد الصلاة.

ثالثها: إتمامها بمقتضى العادة مع التوجه في الجملة إلى نية القطع و لا دليل على البطلان في الأخيرين مع بقاء النية الارتكازية في النفس و عدم تحقق مبطل خارجي في البين لوجود المقتضي للصحة و هو بقاء أصل النية الارتكازية في الجملة و فقد المانع، لأنّ ما يتصوّر من المانع إنّما هو فقد الجزم بالنية و لا دليل على اعتباره، بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار.

الخامس: لو تردد في قطع الصلاة و عدمه فإن كانت النية الارتكازية باقية في النفس تصح صلاته، و إن كان التردد بحيث ينافي استمرار النية فيأتي فيه التفصيل الآتي في المتن.

ص: 153

ذلك، أو نوى القاطع و المنافي فعلا أو بعد ذلك (79)، فإن أتم مع ذلك بطل (80). و كذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى (81). و أما لو عاد إلى النية الأولى قبل أن يأتي بشي ء لم

______________________________

السادس: بعد نية قطع الصلاة فعلا و رفع اليد عنها رأسا كذلك لو أتى حينئذ بجزء من أجزاء الصلاة لا يمكن إجراء حكم الزيادة العمدية عليه، و لو أتى به بعنوان الجزئية، لأنّ موضوعها إنّما هو فيما إذا كان في الصلاة. و أما مع فقد نيتها و قطع استمرار النية و عدم بقاء الصلاة فكيف يمكن فرض الجزئية حينئذ، فلا بد في فرضها من عناية ربما تأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه تعالى.

(79) بحيث ينافي ذلك استمرار النية و بقاءها في النفس و لو بنحو الإجمال و الارتكاز.

(80) لفقد استمرار النية، هذا إذا كان الإتمام بنحو القسم الأول في الأمر الرابع. و أما إذا كان على نحو القسمين الأخيرين فلا وجه للبطلان كما مرّ.

(81) لدعوى: صدق الزيادة العمدية، و لكن يمكن تصوير الجزئية بعد فقد استمرار نية الصلاة على وجوه:

الأول: الإتيان به بقصد التشريع في الجزئية، و الظاهر أنّ موضوع تشريع الجزء في الصلاة إنّما هو مع بقاء نية الصلاة، و أما مع زوالها بفقد استمرار النية فلا يبقى موضوع للتشريع إلا أن يدعى التشريع في الجزئية مطلقا و لو مع قطع النظر عن بقاء الموضوع.

الثاني: الجزئية الصورية الادعائية المحضة مع التوجه إلى قطع استمرار النية الصلاتية.

الثالث: الذهول عن قطع النية مع بقاء النية الارتكازية في النفس و الإتيان بالجزء بقصد الصلاة.

الرابع: الإتيان بالجزء بمقتضى العادة الجارية في جميع الصلوات مع قصد الصلاتية في كمون النفس و إن كان غير ملتفت إليه. و حيث إنّ البطلان بالإتيان

ص: 154

يبطل (82)، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة (83). و لو نوى القطع أو القاطع و أتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى فالبطلان موقوف على كونه فعلا كثيرا، فإن كان قليلا لم يبطل (84) خصوصا إذا كان ذكرا أو قرآنا (85). و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة

______________________________

بعنوان الجزئية يدور مدار صدق الزيادة العمدية فلا وجه لصدقها في القسمين الأخيرين لفرض بقاء النية الواقعية الارتكازية فالمأتيّ به جزء حقيقي لصلاة صحيحة واقعية لا أن يكون زيادة عمدية حتّى تكون مبطلة، و لا موضوع لها أيضا في القسم الأول، لما يأتي في محلّه من أنّه يعتبر في الزيادة العمدية الإتيان بها بقصد الجزئية مع بقاء قصد الصلاتية، بل و كذا في القسم الثاني أيضا، إلا أن يدعى التعميم في البطلان بالزيادة العمدية حتّى بالنسبة إلى القسمين الأولين، أو يتمسك بإطلاق ما يأتي في قراءة العزيمة من أنّها زيادة في الفريضة و فيهما ما لا يخفى فيشكل الجزم بالبطلان.

(82) للأصل بعد اختصاص البطلان لأجل فقد استمرار النية بخصوص الأجزاء دون الأكوان الفارغة، كما تقدم في الأمر الأول و الثاني.

(83) خروجا عن خلاف من جعل الأكوان الفارغة الصلاتية من الصلاة و اعتبر فيها استمرار النية أيضا.

(84) لأنّه لا موضوعية للمأتيّ به من حيث هو للبطلان في عرض سائر الموانع و المبطلات و لأدلة حصرها في أمور خاصة تأتي في فصل المبطلات إن شاء اللّه تعالى و ليس ذلك منها، فلا بد في البطلان من أنّ ينطبق عليه إحدى القواطع و المبطلات. و إلا فمقتضى أصالة الصحة و عدم المانعية عدم البطلان. و أما ما ورد في قراءة العزيمة من أنّها زيادة في الفريضة فمحمول على نحو من العناية، كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(85) لإطلاق ما دل على رجحان الإتيان بها مطلقا، و يأتي في [مسألة 9] من فصل مبطلات الصلاة ما ينفع المقام.

ص: 155

أيضا (86).

مسألة 17: لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطورا إلى غيرها

(مسألة 17): لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطورا إلى غيرها صحت على ما قام إليها (87)، و لا يضرّ سبق اللسان و لا الخطور الخيالي (88).

مسألة 18: لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنّها نافلة

(مسألة 18): لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنّها نافلة غفلة أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه (89).

______________________________

(86) خروجا عن خلاف من جعل مطلق نية القطع مبطلا حتّى في الأكوان الصلاتية فارغة كانت أو مشغولة بما ليس من الصلاة.

(87) لأنّ ما هو المعتبر من النية و هو الداعي الارتكازي القلبي قد تحقق عن جدّ و اختيار، و السبق اللساني لا يضرّ بالعقد القلبي، لفرض أنّه من مجرد سبق اللسان بلا إرادة جدية عليه، و ما لم يصدر عن إرادة جدية لا ينافي ما صدر عنها.

(88) لأصالة عدم المانعية بعد تحقق النية عن عمد و التفات، و يمكن أن يستأنس للمقام بالأخبار الآتية في المسألة التالية.

(89) لأنّ المدار في النية و كونها باعثة على إتمام العمل على حقيقتها الواقعية لا على الزعم الخطئي، و المفروض بقاء حقيقتها الواقعية في النفس بحيث لو التفت لاعترف بخطئه في زعمه، فيكون الداعي الواقعي الارتكازي محفوظا لا محالة، فالصحة في المقام مطابقة للقاعدة، و تشهد لها جملة من الأخبار:

منها: خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو ينوي أنّها نافلة، قال عليه السلام: هي التي قمت فيها و لها، و قال عليه السلام: إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشك فأنت في الفريضة على الذي قمت له، و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة ثمَّ إنّك

ص: 156

مسألة 19: لو شك فيما في يده أنّه عيّنها ظهرا أو عصرا

(مسألة 19): لو شك فيما في يده أنّه عيّنها ظهرا أو عصرا مثلا قيل: بنى على التي قام إليها (90)، و هو مشكل، فالأحوط الإتمام

______________________________

تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة، و إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته» (1).

و منها: خبر معاوية قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة، أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة، قال عليه السلام: هي على ما افتتح الصلاة عليه» (2).

و قوله عليه السلام في خبر ابن المغيرة: «هي التي قمت فيها إذا كنت قمت و أنت تنوي فريضة فأنت في النافلة، و إن كنت دخلت في فريضة ثمَّ ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة» (3).

فروع- (الأول): لا فرق فيما ذكر بين أن يأتي ببقية الصلاة الفريضة بعنوان النافلة، أو يأتي ببعض أجزائها كذلك ثمَّ تذكر، لما مر من كون الحكم مطابقا للقاعدة.

(الثاني): لو شرع في الفريضة ثمَّ أتمها نافلة متسامحا في هذا القصد بحيث لا ينافي الجد في نيته الأولية، فالظاهر الصحة أيضا، لإطلاق قوله عليه السلام: «إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته».

(الثالث): لو شرع في الفريضة ثمَّ أتمها نافلة جهلا بذلك، فالظاهر الصحة إن كانت النية الارتكازية الأولية باقية.

(90) القائل به جمع من الفقهاء منهم الشهيد في المسالك و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و استدل عليه تارة: بإطلاق ما تقدم من قوله عليه السلام:

«إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته».

ص: 157


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب النية حديث: 1.

و الإعادة. نعم، لو رأى نفسه في صلاة معينة و شك في أنّه من الأول نواها أو نوى غيرها بنى على أنّه نواها (91) و إن لم يكن مما قام

______________________________

و فيه: أنّه فيما إذا كانت الأولية محرزة لا فيما إذا كانت مشكوكة، فيكون التمسك به في المقام تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية. و أخرى: بأنّه مقتضى الظاهر، و أصالة عدم العدول. و فيه: أنّه لا اعتبار بهذا الظاهر ما لم يوجب الاطمئنان، و الأصل مثبت بالوجدان، و مقتضى القاعدة أنّه إذا لم يصلّ السابقة أو شك في أنّه صلاها يتمها سابقة و تصح ثمَّ يأتي باللاحقة و لا شي ء عليه، لحصول الاطمئنان بحسب متعارف حال المصلّين أنّهم يقصدون السابقة في الصورتين، و إن كان علم بأنّه قد صلّى السابقة فيمكن القول بصحة اللاحقة لحصول الاطمئنان بحسب متعارف حال المصلّين أنّهم يقصدون اللاحقة في الفرضين أو يقصدون التكليف الفعليّ بحسب ارتكازاتهم، و هو منحصر باللاحقة إن لم يكن عليهم قضاء، بل و إن كان عليهم القضاء، لأنّ قصد التكليف الفعلي على قسمين:

أولهما: ما إذا التفت المكلّف إليه يعترف أنّه يقصده و ينويه بلا تأمل منه.

ثانيهما: ما يحتاج إلى عناية زائدة، كقصد القضائية لمن عليه القضاء، لأنّ حصول داعي القضاء أشد عناية من تحقق داعي الأداء عند نوع الناس حتّى في فائتة اليوم فضلا عن السابقة، و بالجملة: يمكن استظهار تحقق قصد اللاحقة من القرائن، و لكن الأحوط أن نيتها على ما قام إليها ثمَّ يعيدها بالتفصيلي الالتفاتي، و يأتي في أول مسائل الختام باختياره (قدّس سرّه) لهذا الوجه.

(91) لجريان قاعدة التجاوز في المقام، كما يظهر عن صاحب الجواهر و غيره (قدس سرهم) بدعوى أنّها قاعدة امتنانية، و قوله عليه السلام في الصحيح: «كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو»(1) و سيأتي البحث عن القاعدة مفصلا.

هو شامل لجميع الشكوك إلا ما خرج بالدليل.

ص: 158


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

.....

______________________________

و أشكل عليه أولا: بعدم جريان القاعدة في الشك في الشرطية، و إنّما تختص بالأجزاء لذكرها في مورد دليلها. و فيه: أنّ المورد لا يكون موجبا للاختصاص، لأنّه من باب المثال، و المدار على عموم قوله عليه السلام: «كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» و عمومه شامل للشرائط أيضا فلا إشكال من هذه الجهة.

و ثانيا: بأنّه ليس لها محلّ حتّى يصدق المضيّ و التجاوز. و فيه: أنّ الحق هو أنّ القاعدة من صغريات أصالة عدم السهو و الغفلة، و هي من الأصول العقلائية الجارية في جميع موارد احتمال الغفلة و السهو، و لا اختصاص لها بمورد دون آخر، مضافا إلى أنّ الشرائط إما أن لا يكون لها محلّ خاص، كالاستقبال مثلا لتعميمها لتمام أجزاء الصلاة من البدء إلى الختام. و إما أن يكون لها محلّ خاص، كالطهارة الحدثية، و النية و نحوهما، فيصدق بالنسبة إليهما التجاوز و المضيّ، فتجري القاعدة قهرا.

و ثالثا: بأنّ القاعدة تجري في الصلاة و لا صلاة إلا بالنية فتكون النية من مقدمات جريان القاعدة فلا تصلح القاعدة لإثباتها.

و بعبارة أخرى: التمسك بالقاعدة لإثباتها تمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

و فيه (أولا): النقض بتكبيرة الإحرام فإنّها أيضا محققة عنوان الصلاة، إذ لا صلاة إلا بها، مع ورود النص بجريان القاعدة فيها (1).

(و ثانيا): بأنّه لا ريب في تحقق أصل نية الصلاة، إنّما الشك في الخصوصية الخاصة فتشملها القاعدة.

و بعبارة أخرى: الشك في أنّه كان غافلا عن حالته الفعلية حين النية أم لا؟

فتجري أصالة عدم الغفلة التي هي عبارة أخرى عن قاعدة التجاوز، هذا مع أنّه في مثل الظهرين أو العشاءين النية الارتكازية الواقعية تتعلق بأول ما اشتغلت بها

ص: 159


1- راجع الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 9.

.....

______________________________

الذمة فعلا من الصلاتين فتصح من هذه الجهة أيضا. و قد أرسل في الجواهر إرسال المسلّمات جريان قاعدة التجاوز في النية، فقال (قدس سره):

«لو شك في النية و قد كبّر فلا يلتفت بناء على ما قلناه- أي كفاية مجرد الدخول في مطلق الغير- و كذا على الثالث- أي بناء على أن يكون المراد بالغير الأفعال المعهودة شرعا المفردة بالتبويب- و أما على الثاني فينبغي التدارك، لكونه في محلّ يصح فيه التدارك. و ما يقال: من أنّ الشك في النية خارج عن المسألة، لأنّ الكلام بعد انعقاده الصلاة فإذا شك فيها و قد دخل في غيره لا يلتفت، لا مع عدم معلومية الانعقاد. يدفعه: أنّ المفهوم من الأخبار عدم الفرق ضرورة اشتمالها على التكبير المتوقف انعقادها عليه أيضا، و لذا قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: و من شك في النية فإنّه يجدد إن كان في محلّها، و إن انتقل في حالة أخرى مضى في صلاته. على أنّه من المعلوم أنّه لو شك في النية و هو في الركعة الثانية مثلا لا يلتفت قطعا».

هذا هو حكم الشك في أصل النية، و كذا في الإتيان بها صحيحة أو فاسدة بناء على عدم الفرق في مجرى القاعدة بين الشك في وجود الصحيح أو صحة الموجود، كما هو الحق. ثمَّ إنّه لو أراد الاحتياط في المقام فإن كان لم يصلّ الظهر يتم ما بيده ظهرا و لا شي ء عليه، و إن كان قد صلّاها يتم ما بيده ثمَّ يعيدها، و قد تقدم إمكان تصحيحه عصرا.

فروع- (الأول): لو صلّى السابقة و قام إلى اللاحقة، و في الأثناء رأى نفسه في السابقة، فالظاهر جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى النية فتصح صلاته عصرا. نعم، من يقول بعدم جريان القاعدة، تكون هذه صلاة باطلة لديه، و لكن لا وجه للبطلان معه أيضا، لأنّه قاصد قهرا للتكليف الفعليّ و هو العصر و يكون رؤية نفسه في الظهر من الخطإ، كما تقدم في سبق اللسان و الخطور الخيالي.

(الثاني): مقتضى الإطلاقات و العمومات الدالة على اعتبار قاعدة التجاوز جريانها في أصل النية أيضا، فلو كبّر ثمَّ شكّ في أنّه هل نوى أو لا؟ أو نوى نية صحيحة أو لا؟ تجري القاعدة و تصح صلاته، و قد تقدم نقل ذلك عن الجواهر،

ص: 160

إليه (92)، لأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحلّ.

مسألة 20: لا يجوز العدول من صلاة
اشارة

(مسألة 20): لا يجوز العدول (93) من صلاة إلى

______________________________

و لم يعلم وجه إهمال الماتن لهذا الفرع هنا و في الخلل.

(الثالث): لا اعتبار بشك الوسواسي في النية، سواء كان في المحلّ أم بعد التجاوز عنه.

(الرابع): لو نسي النية فإن كان المنسيّ التوجه التفصيليّ إلى النية تصح صلاته، و إن كان أصل الداعي الارتكازي فلا صلاة له.

(الخامس): إذا علم إجمالا بأنّه إما نوى بصلاته الظهر أو العصر، فإن لم يكن قد صلّى الظهر يتمها ظهرا و إلا فالأحوط إتمامها ثمَّ إعادتها.

(92) أي و إن لم يعلم أنّه قام لهذه الصلاة و نواها من أول الأمر.

(93) لا بد من بيان أمور:

الأول: المعروف بين الفقهاء (قدّست أسرارهم) أنّ العدول خلاف القاعدة و لا بد في جوازه من دليل خاص يدل عليه، و يدل على كونه خلاف القاعدة وجوه:

الأول: أنّ الأجزاء التي تخصصت بصلاة خاصة، و تقوّمت بنية مخصوصة لا تتغير عما تخصصت به، لقاعدة أنّ الشي ء لا ينقلب عما وقع عليه في الخارج المستندة إلى أدلة عقلية.

الثاني: دعوى الإجماع على عدم الجواز.

الثالث: أنّه خلاف مرتكزات المصلّين، و سيرة المسلمين.

الرابع: أنّ وقت النية إنّما هو ابتداء الشروع في العمل و لا يتحقق ذلك بالنسبة إلى المعدول إليه فيبطل كلّ منهما. أما المعدول لقطع استمرار النية، و أما المعدول إليه، فلعدم كون النية في ابتدائه.

و الكلّ مخدوش.

ص: 161

.....

______________________________

أما الأول، فلأنّه لو فرض اعتبار تلك القاعدة فإنّما هي في التكوينيات الخارجية لا في الأمور المشتركة ذاتا المتميزة بالقصد، فإذا نحت النجار خشبة ليجعلها جزء منبر- مثلا- و هي تصلح أن تكون جزء السرير أيضا، فجعلها جزء السرير لا يصح أن يقال فيها لا يتغير الشي ء عما تحققت به أولا، و كذا إذا أنشد شخص أشعارا في مدح زيد ثمَّ بدا له أن يجعلها مدحا لعمرو لا تصدق القاعدة بالنسبة إليها إلى غير ذلك من الأمثلة، فيكون المناط- في هذه الأمور المتقوّمة بالقصد- على تحقق الأثر خارجا و نتيجة القصد لا على مجرد القصد المعدول عنه.

أما الثاني: فيكشف عن عدم اعتباره استدلال الفقهاء (قدست أسرارهم) على البطلان بأدلة خاصة، فلو كان معتبرا لديهم لاكتفوا به مع أنّه من الإجماع المنقول و قد ثبت عدم اعتباره في محلّه.

أما الثالث: فهو أعمّ من عدم الجواز و قد استقرت سيرتهم على الالتزام بجملة من المندوبات و بترك جملة من المكروهات.

أما الرابع: فلا ريب في كون النية في أول الصلاة و ابتدائها و إذا تحقق العدول تكون النية في ابتداء المعدول إليه، لفرض تحقق قصد أصل الصلاة في الأجزاء المشتركة ذاتا بين المعدول عنه و المعدول إليه و إنّما تحقق قصد خصوصية صلاة المعدول عنه أولا، و هذا القصد اقتضائي إلى أن تتم الصلاة بهذا القصد، فيؤثر حينئذ أثره، و أما مع إلقائه و تجديد قصد المعدول إليه فيطل القصد الأول لا محالة.

إن قلت: لا يجوز له اختيار الصلاة المعدول إليها، لعدم جوازه حين الشروع في المعدول عنه ظاهرا، فيستصحب الحكم الظاهري.

قلت: لا ريب في أنّه كان يجوز له اختيارها قبل الشروع في المعدول عنه واقعا و مقتضى الأصل بقاء هذا الاختيار.

إن قلت: تأثير القصد اللاحق في الأجزاء السابقة بجعلها جزءا للمعدول إليه يكون من تقدم المقصود على القصد و المراد على الإرادة و هو لا يجوز، لأنّه من تقدم المعلول على العلة.

ص: 162

أخرى (94) إلا في موارد خاصة:

أحدها: في الصلاتين المرتبتين

أحدها: في الصلاتين المرتبتين (95) كالظهرين و العشاءين إذا

______________________________

قلت: إن تعلق القصد بإيجادها، فهو من تقدم المعلول على العلة. و أما إن تعلق القصد بجعل ما وجد جزءا مما يأتي بعد ذلك، فلا بأس به فيما له وحدة عرفية اعتبارية. هذا، و لكن ظاهر إرسال الفقهاء- عدم الجواز- إرسال المسلّمات تحقق الإجماع لديهم، فلا يجوز إلا ما خرج بالدليل و قد تقدم بعض الكلام فيما يناسب المقام.

الثاني: العدول تارة: من الفرض إلى مثله كما في القسم الأول و ما بعده مما يأتي من الأقسام. و أخرى: من الفرض إلى النفل كما في القسم الرابع و ما بعده. و ثالثة: من النفل إلى مثله. و رابعة: من النفل إلى الفرض و يأتي حكمهما.

الثالث: في موارد جواز العدول لا يجب قصد ما وجب قصده في ابتداء النية، لصيرورة المعدول إليه كالمعدول عنه و بدلا عنه بمجرد العدول فكأنّ القيود المنوية في المبدل نويت في البدل أيضا.

الرابع: ليس نية العدول في موارد عدم الجواز مثل الحدث حتّى توجب بطلان الصلاة، للأصل، بل تكون كنية القطع فلا بد من انطباق سائر المبطلات عليها.

الخامس: لو شك في أنّه حصل منه العدول أو لا، فمقتضى الأصل عدمه.

(94) أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، و استدلوا بما مر، و تقدم إمكان الخدشة فيه.

(95) نصّا، و إجماعا، و تقدم صحيح زرارة في [مسألة 3] من (فصل أوقات اليومية و نوافلها) (1).

ص: 163


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1 راجع ج: 5 صفحة 78.

دخل في الثانية قبل الأولى عدل إليها بعد التذكر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول (96)، و أما إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكر ترك المغرب فإنّه لا يجوز العدول، فلعدم بقاء محلّه (97)، فيتمها عشاء ثمَّ يصلّي المغرب و يعيد العشاء (98) أيضا احتياطا (99)، و أما إذا دخل في قيام الرابعة و لم يركع بعد فالظاهر بقاء محلّ العدول (100)، فيهدم القيام (101) و يتمها بنية المغرب.

الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة

الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة يعدل إليها مع عدم تجاوز محلّ العدول (102)، كما إذا دخل

______________________________

(96) لأنّه لا يبقى موضوع للعدول مع التجاوز، مع أنّ ظاهرهم الإجماع على عدم الصحة حينئذ.

(97) لأنّ محلّه قبل الدخول في الركن و إلا يكون من زيادة الركن في المعدول إليه.

(98) لما تقدم- في [المسألة 2]- من (فصل أوقات اليومية و نوافلها) أنّ الترتيب شرط ذكري لا أن يكون واقعيا، فتصح اللاحقة لا محالة.

(99) خروجا عن خلاف المشهور حيث نسب إليهم أنّ الترتيب شرط واقعيّ لا أن يكون ذكريا.

(100) للأصل، و وجود المقتضي و فقد المانع، لأنّ ما يتصوّر من المانع ليس إلا القيام بعنوان كونه جزء المعدول عنه و بعد العدول يسقط هذا العنوان قهرا.

(101) الظاهر الانهدام بعد العدول و لا يحتاج إلى الهدم الاختياري.

(102) لظهور تسالم الأصحاب و إجماعهم عليه، لكن النصوص تختص بالعدول من الحاضرة إلى مثلها أو إلى الفائتة و قد تقدم في [مسألة 10] من (فصل أحكام الأوقات).

ص: 164

في الظهر أو العصر فتذكر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر و العصر، و أما إذا تجاوز أتمّ ما بيده على الأحوط و يأتي بالسابقة و يعيد اللاحقة كما مرّ في الأدائيتين (103). و كذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنّه يعدل.

الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاء

الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاء فإنّه يجوز له أن يعدل إلى القضاء (104) إذا لم يتجاوز محلّ العدول، و العدول في هذه الصورة على وجه الجواز، بل الاستحباب (105) بخلاف الصورتين الأولتين، فإنّه على وجه الوجوب (106).

______________________________

(103) مرّ ما يتعلق به في المسألة السابقة.

(104) للنص، و الإجماع قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة:

«و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر، فانوها ثمَّ قم فأتمها ركعتين ثمَّ تسلّم. ثمَّ تصلّي المغرب- إلى أن قال عليه السلام:- فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة، فانوها العشاء» (1).

و تقدم في [مسألة 10] من (فصل أحكام الأوقات) و يأتي في فصل القضاء.

(105) المسألة مبنية على المواسعة و المضايقة و عدم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، فإن قلنا بوجوب الترتيب بينهما بتقديم الفائتة على الحاضرة يجب ذلك، و إن قلنا بالاستحباب يستحب، و يأتي التفصيل في [مسألة 27] و ما بعدها من (فصل القضاء).

(106) لتحصيل الترتيب الذي هو واجب كما مر.

ص: 165


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1 راجع ج: 5 صفحة 78.
الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة

الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة (107)، و قرأ سورة أخرى- من التوحيد أو غيرها (108)- و بلغ النصف أو تجاوز (109)، و أما إذا لم يبلغ النصف، فله أن يعدل عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة (110).

الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة

الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة (111)، إذا دخل فيها و أقيمت الجماعة و خاف السبق، بشرط عدم تجاوز محلّ العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة (112).

______________________________

(107) للإجماع، و النص ففي خبر ابن صبيح: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل أراد أن يصلّي الجمعة، فقرأ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ قال عليه السلام: يتم ركعتين ثمَّ يستأنف»(1).

(108) لعدم القول بالفصل، و للأولوية.

(109) لإطلاق النص الشامل لصورة التجاوز عن النصف أيضا، و يأتي تمام الكلام في [مسألة 16] من (فصل القراءة).

(110) لما يأتي في [مسألة 16] من (فصل القراءة).

(111) للنص، و الإجماع ففي صحيح ابن خالد: «عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذن و أقام الصلاة قال عليه السلام: فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام و لتكن الركعتان تطوعا» (2).

(112) لما يأتي من التفصيل في [مسألة 27] من (فصل أحكام الجماعة).

ص: 166


1- الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد، لعذر أو مطلقا كما هو الأقوى

السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد، لعذر أو مطلقا كما هو الأقوى (113).

السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض

السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض (114).

الثامن: العدول من القصر إلى التمام

الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.

التاسع: العدول من التمام إلى القصر

التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.

العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير

العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.

مسألة 21: لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة

(مسألة 21): لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة (115)، فلو دخل في فائتة ثمَّ ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها

______________________________

(113) ليس هذا من العدول المبحوث عنه في المقام، لأنّ موضوع العدول إنّما هو من صلاة إلى أخرى لا من خصوصية صلاة إلى خصوصية أخرى منها، و يأتي في [مسألة 16] من (فصل أحكام الجماعة) ما ينفع المقام.

(114) ليس هذا من العدول الاصطلاحي أيضا، و يأتي في [مسألة 14] من (فصل أحكام الجماعة) ما يتعلق بالمقام، و كذا الأخيرة ليست من العدول المبحوث عنه في المقام، لأنّ القصر و الإتمام حقيقة واحدة و إنّما الاختلاف في الكمية و يأتي في صلاة المسافر تمام الكلام.

(115) الصور المتصوّرة أربعة:

الأولى: العدول من الحاضرة إلى الحاضرة.

الثانية: العدول من الفائتة إلى الفائتة.

ص: 167

أبطلها و استأنف و لا يجوز العدول على الأقوى.

مسألة 22: لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض و لا من النفل إلى النفل

(مسألة 22): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض و لا من النفل إلى النفل حتّى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت و السبق و اللحوق (116).

مسألة 23: إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا

(مسألة 23): إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا (117) كما لو نوى بالظهر العصر و أتمها على نية العصر.

مسألة 24: لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها

(مسألة 24): لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في

______________________________

الثالثة: العدول من الحاضرة إلى الفائتة. و هذه الصور الثلاث جائزة كما تقدم.

الرابعة: العدول من الفائتة إلى الحاضرة و هو لا يجوز، للأصل، و ظهور الإجماع. كما أنّ للعدول من حيث الفرضية و النفلية أربع صور أيضا من الفرض إلى الفرض، و من الفرض إلى النفل، و من النفل إلى الفرض، و من النفل إلى النفل و يجوز الأولان و لا يصح الثالث و سيأتي صحة الأخيرة.

(116) لما تقدم في الأمر الأول من [مسألة 20] و تقدم الإشكال فيه، و في المدارك- في المقام-: «إنّه صرح الأصحاب بجوازه إذا شرع في لاحقه ثمَّ ذكر السابقة- إلى أن قال- و للتوقف في غير المنصوص مجال»، و لكن يمكن أن يقال إنّ العدول من النفل إلى النفل جائز، لأنّ خصوصية التعدد فيها من الحالات لا من المقوّمات إذ الذات واحدة من كلّ جهة و الإضافة متعددة، فيمكن أن لا يكون ذلك أيضا من العدول الاصطلاحي، و مع الشك في أنّه منه أو لا يرجع إلى أصالة عدم المانعية.

(117) أما المعدول عنه، فلفقد استمرار النية، و أما المعدول إليه، فلعدم مقارنتها لابتدائه. هذا ما قالوه في وجه البطلان و تقدمت الخدشة فيه و العمدة الإجماع كما تقدم.

ص: 168

الأثناء أنّه قد فعلها لم يصح له العدول إلى العصر (118).

مسألة 25: لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف

(مسألة 25): لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النية الأولى كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثمَّ بان أنّه صلّاها فإنّها تصح عصرا (119) لكن الأحوط الإعادة (120).

مسألة 26: لا بأس بترامي العدول

(مسألة 26): لا بأس بترامي العدول، كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها فإنّه يعدل منها إليها و هكذا (121).

مسألة 27: لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين

(مسألة 27): لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين إذا أتى بنية العصر بتخيل أنّه صلّى الظهر فبان أنّه لم يصلّها، حيث إنّ مقتضى رواية صحيحة أنّه يجعلها ظهرا، و قد مرّ سابقا (122).

______________________________

(118) لأنّه من العدول من السابقة إلى اللاحقة و هو لا يجوز، و العمدة ظهور الإجماع و قد يستدل بما مرّ في وجه عدم جواز العدول مطلقا و تقدمت الخدشة فيه.

(119) إن كان من الخطإ في التطبيق، و أما إن كان من العدول فلا وجه لصحته عصرا بعد قطع نيته العصرية بالعدول إلى الظهر، إلا أن يقال: إنّ المتيقن من الإجماع الذي هو العمدة في دليل عدم الجواز غير هذه الصورة أو يتمسك بإطلاق قوله عليه السلام: «الصلاة على ما افتتحت» كما في الجواهر.

(120) لأنّ انقطاع نية العصرية و زوال استمرارها معلوم، و الشك إنّما هو في ثبوت ما يصح التمسك به للصحة.

(121) لإطلاق دليل جواز العدول، و أنّ العدول الواحد المنساق من الأخبار إنّما هو من باب المثال و الغالب فلا اعتبار به، مضافا إلى أصالة عدم المانعية في مورد جواز العدول.

(122) و قد تقدم أنّ صحة سند الدليل لا تفيد بعد إعراض الأصحاب عنها و عدم العمل بها.

ص: 169

مسألة 28: يكفي في العدول مجرد النية

(مسألة 28): يكفي في العدول مجرد النية (123) من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النية.

مسألة 29: إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام

(مسألة 29): إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام قبل الوصول إلى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حدّ الترخص، فإن لم يدخل في ركوع الثالثة فالظاهر أنّه يعدل إلى القصر (124)، و إن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام و الإعادة قصرا (125).

______________________________

(123) للأصل و الإطلاق، و قصد العدول مشتمل على ما يعتبر في النية شرعا مطلقا، لقيام نية المعدول إليه مقام نية المعدول عنه في جميع خصوصياتها المعتبرة فيها من كلّ جهة، فكأنّ نية المعدول إليه بتمام خصوصياتها وقعت من أول الشروع في الصلاة.

(124) لأنّ صلاة القصر و التمام حقيقة واحدة و إنّما الاختلاف في الكمية فقط، و لا ريب في أنّ فعلية التكليف بكلّ منهما تدور مدار إمكان تفريغ الذمة بالمكلّف به تماما أو قصرا، فإذا لم يمكن إتمام التمام بحسب التكليف الفعليّ فلا وجه للأمر به، كما أنّه إذا لم يمكن الإتيان بالقصر كذلك لا معنى للتكليف به، و في الفرض إذا لم يمكنه التمام لصيرورته مسافرا قبل الدخول في الركعة الثالثة يكشف ذلك عن أنّ تكليفه الواقعي كان قصرا.

إن قيل: يحتمل أن يكون صرف وجود الحضور شرطا لوجوب التمام، و على هذا يكون تكليفه الواقعي هو التمام لا القصر.

(يقال): هذا من مجرد الاحتمال العقلي المنافي للمنساق من الأدلة. ثمَّ إنّ التعبير بالعدول إلى القصر مسامحة، و الحق أن يقال: يتمها قصرا، لما تقدم من عدم الاختلاف في حقيقة القصر و التمام.

(125) لاحتمال أنّ يكون المراد بالتمام في مثل المقام الخروج عن حدّ القصر بحيث لا يمكنه العود إليه بإبطال الصلاة و إن لم يخرج منها بعد، أو يكون

ص: 170

و إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنية القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام (126).

مسألة 30: إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة

(مسألة 30): إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا و تخيل أنّها الظهر مثلا ثمَّ تبيّن أنّ ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة، لأنّ الاشتباه إنّما هو في التطبيق (127).

مسألة 31: إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين

(مسألة 31): إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك فبان أنّه لم يصلّ الأولتين صحت و حسبت له الأولتان، و كذا في نوافل الظهرين و كذا إذا تبيّن بطلان الأولتين، و ليس هذا من باب العدول بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد كونهما أولتين أو ثانيتين (128)، فتحسب على ما هو الواقع نظير ركعات الصلاة، حيث إنّه لو تخيل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلا فبان أنّها الأولى، أو العكس، أو نحو ذلك لا يضرّ و يحسب على ما هو الواقع.

______________________________

المراد به التمام في مقابل القصر بحيث فرغ عن الصلاة و مع تردده بينهما يجب عليه الاحتياط.

(126) لما تقدم في أول المسألة فراجع.

(127) هذا إذا لم يكن تخيله أنّها الظهر موجبا لصرف نيته إليها فعلا و إلا يكون من العدول من السابقة إلى اللاحقة.

(128) الظاهر أنّ الأولية و الثانوية من الانطباقيات القهرية و ليست منوطة بالقصد و الاختيار فلو صلّى صلاة الظهر أو صلاة الليل غافلا عن ركعاتها بالمرة و لكنّه أتى بأربع ركعات الظهر، و أتى بأحد عشر ركعة صلاة الليل، تصح صلاته و لا شي ء عليه، بل لو قصد بالركعة الأولى الثانية، و بالثانية الثالثة و لكنه أتى بوظيفة الركعات و أتمها تصح صلاته، فما لا يكون قصديا بذاته لا يضره قصد الخلاف، و إنّما المدار على إتيان نفس الواقع.

ص: 171

فصل في تكبيرة الإحرام

اشارة

(فصل في تكبيرة الإحرام) و تسمّى تكبيرة الافتتاح أيضا (1)، و هي أول الأجزاء الواجبة (2) (فصل في تكبيرة الإحرام)

______________________________

(1) لجملة من النصوص:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «مفتاح الصلاة التكبير» (1).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «افتتاح الوضوء و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم» (2).

و تأتي نصوص أخرى دالة على ذلك.

(2) لإجماع الإمامية و ظواهر النصوص الآتية، و الظاهر عدم الفرق بين كون النية جزءا أو شرطا، لأنّ المراد بجزئية مثل التكبيرة الجزئية الخارجية لا الأعم منها و من القلبية. و ما قيل من أنّ أول أجزاء الصلاة القيام. مردود: لأنّ القيام إنّما يجب في الصلاة، و لا صلاة إلا بتكبيرة الإحرام. نعم، هو من شروط صحة تكبيرة الإحرام، كما يأتي في [مسألة 4].

إن قلت: إنّ حرمة المنافيات في الصلاة إنّما تحصل بعد تمام التكبير و مع كونها جزءا فإطلاق أدلة حرمة المنافيات يشملها أيضا فتحرم المنافيات حين التكبيرة مع أنّها تحصل بها.

قلت: قد أجيب عنه بوجوه لعلّ أحسنها أنّ الحرمة غيرية وضعية بمعنى

ص: 172


1- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 10.

للصلاة بناء على كون النية شرطا. و بها يحرم على المصلّي المنافيات (3)، و ما لم يتمها يجوز له قطعها (4) و تركها عمدا و سهوا مبطل (5)،

______________________________

البطلان، و لا ريب في أنّ تخلل المنافيات بين أجزاء التكبيرة يوجب بطلانها، كما لا ريب في أنّ شمول إطلاق أدلة المنافيات للتكبيرة أيضا مع أنّه بها تحرم المنافيات ليس بالدلالة اللفظية، بل بالملازمة العرفية بعد فرض الجزئية للتكبيرة.

ثمَّ إنّ المحرمات التي تحرم بتكبيرة الإحرام جميعها محرّمات غيرية تحرم لأجل كونها موجبة لبطلان الصلاة. نعم، بعضها تكون محرمة نفسية مع قطع النظر عن الصلاة كالغصب و لبس الحرير و الذهب للرجال، و هذا بخلاف محرمات الإحرام فإنّها محرمات نفسية في حال الإحرام، بمعنى أنّ ارتكاب بعضها أو جميعها لا يوجب بطلان الإحرام.

(3) لما دل على أنّ مفتاح الصلاة التكبيرة، و أن تحريمها التكبيرة و تحليلها التسليم(1)، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(4) لأنّ عمدة الدليل على حرمة قطع الصلاة إنّما هو الإجماع، و الظاهر عدم شموله للتكبيرة، لعدم الدخول في الصلاة إلا بتمامها، و لا ينافي ذلك بطلانها بتخلل المنافيات بين أجزائها، لما تقدم من أنّها محرمات غيرية بمعنى المانعية، و لا ملازمة بين المانعية و عدم الجواز، فإنّ إحداث الحدث في أثناء الوضوء مانع عن صحته مع أنّه يجوز بلا إشكال.

(5) نصّا و إجماعا، ففي صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال عليه السلام: يعيد» (2).

و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «في الذي يذكر أنّه لم

ص: 173


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، و باب: 1 من أبواب التسليم.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

كما أنّ زيادتها أيضا كذلك (6)، فلو كبّر بقصد الافتتاح و أتى

______________________________

يكبّر في أول صلاته، فقال عليه السلام: إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد، و لكن كيف يستيقن»(1).

و في موثق عمار في رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال عليه السلام: «يعيد الصلاة و لا صلاة بغير افتتاح» (2). و بإزاء هذه الأخبار جملة من الروايات تدل على أنّ الناسي لا تجب عليه الإعادة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة فقال عليه السلام: أ ليس كان من نيته أن يكبّر؟ قلت: نعم، قال عليه السلام:

فليمض في صلاته» (3).

و صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام قلت له: «رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع، فقال عليه السلام: أجزأه» (4).

و قريب منهما غيرهما. و لكن أسقطها عن الاعتبار مخالفتها للإجماع المحقق، و موافقتها، للتقية عن بعض فقهاء العامة، و إمكان حملها على بعض التكبيرات السبعة الافتتاحية، أو على صورة الشك بعد تجاوز المحلّ.

(6) لظهور الإجماع و عدم الخلاف فيه، و استدل أيضا بوجوه:

أولا: بأنّ الركن ما تكون نقيصته و زيادته مطلقا توجب البطلان. (و فيه):

أنّه بالنسبة إلى النقيصة مسلّم، و بالنسبة إلى الزيادة عين المدعى.

و ثانيا: بما دل من الأخبار على قدح الزيادة، كقوله عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (5).

ص: 174


1- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

(و فيه): أنّها لا تختص بالأركان و محكومة بحديث «لا تعاد» (1)، مع أنّها مفسرة في بعض الأخبار بزيادة الركعة.

و ثالثا: بأنّها منهيّ عنها، و كلّ فعل منهيّ عنه في الصلاة يوجب البطلان.

(و فيه): أنّه بالنسبة إلى الصغرى عين المدعى، و بالنسبة إلى الكبرى لا كلية فيها.

و رابعا: بأنّ الزيادة قاطعة للهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة. (و فيه):

أنّ مقتضى الأصل بقاؤها إلا أن يدل دليل على زوالها.

و خامسا: بقاعدة الاشتغال بعد إجمال العبادات. (و فيه): أنّه قد ثبت عقلا و نقلا أنّ المرجع في الشك في الشرطية و المانعية أصالة البراءة و أصالة الإطلاق بعد وروده في مقام البيان، سواء قيل بالوضع للصحيح أو للأعم.

و سادسا: بأنّ الزيادة تشريع فتبطل الصلاة من هذه الجهة. (و فيه): أنّ مطلق الزيادة أعمّ من التشريع قطعا، مع أنّه لا وجه للتشريع في الزيادة السهوية.

و سابعا: بما ورد في النّهي عن قراءة العزيمة (2) في الصلاة من أنّ السجود زيادة في الفريضة. فيستفاد منه أنّ كلّ زيادة توجب البطلان إلا ما خرج بالدليل.

(و فيه) أولا: أنّ الزيادة المبطلة ما كانت بقصد الجزئية، و سجود العزيمة لا يقع بقصد الجزئية فلا بد من حمله على المجاز و العناية.

و ثانيا: بأنّه لا يشمل السهو، كما يأتي في فصل القراءة. فلا دليل لهم على أنّ الزيادة السهوية في الركن توجب البطلان إلا دعوى الإجماع، و في الاعتماد عليه- مع تأمل جمع من الفقهاء فيه، و مخالفته لسهولة الشريعة و العمومات الدالة على اغتفار الخلل السهوي إلا ما خرج بالدليل- مشكل. نعم، الزيادة العمدية توجب البطلان مطلقا، سواء كان في الركن أم في غيره على ما يأتي في (فصل الخلل) إن شاء اللّه تعالى.

ص: 175


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 8.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

بها على الوجه الصحيح ثمَّ كبر بهذا القصد ثانيا بطلت (7)، و احتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج إلى خامسة. و هكذا تبطل بالشفع و تصح بالوتر (8).

و لو كان في أثناء صلاة فنسي و كبّر لصلاة أخرى، فالأحوط إتمام الأولى و إعادتها (9). و صورتها: «اللّه أكبر» (10) من غير تغيير و لا

______________________________

(7) أما مع العمد فلأنّها زيادة عمدية و هي موجبة للبطلان مطلقا، كما يأتي في فصل الخلل. و أما مع السهو فعلى المشهور من أنّ الركن ما كانت زيادته و لو سهوا موجبة للبطلان، و ما كان باطلا في نفسه و يوجب بطلان الصلاة لا يمكن انعقاد عين هذه الصلاة به ثانيا.

(8) لأنّ كلّ شفع زيادة و كلّ زيادة توجب البطلان. فكلّ شفع يوجب البطلان، هذا إذا لم ينو الخروج عن الصلاة قبل الثانية، و إلا فتصح و تنعقد بها الصلاة بناء على كفاية نية الخروج عن الصلاة في بطلانها و لو تكلّم عمدا أو استدبر بعد الأولى فتصح الثانية و تنعقد بها الصلاة قطعا.

(9) منشأ البطلان احتمال صدق زيادة التكبيرة فيها فيشملها ما تقدم من الأدلة الدالة على البطلان بزيادة التكبيرة، مع أنّ التكبيرة لصلاة أخرى مستلزم غالبا لنية قطع الأولى فتبطل من هذه الجهة أيضا.

و يرد الأول: بأنّ الزيادة المبطلة يعتبر فيها قصد الجزئية و المفروض أنّه لم يقصد بها الجزئية للأولى، بل قصد بها صلاة أخرى.

و يرد الثاني: بأنّه لا ربط له بالبطلان بزيادة التكبيرة و هو أمر آخر مع إمكان فرض المسألة في مورد الغفلة عن الصلاة الأولى فلا موجب لبطلانها، بل مقتضى استصحاب الصحة صحتها، و قد قوّى بعض مشايخنا الصحة و إن كان الاحتياط حسنا على كلّ حال.

(10) إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدّين، مع أنّ الإطلاقات المشتملة على التكبير ظاهرة عرفا في لفظ «اللّه أكبر»، كظهور التهليل في «لا

ص: 176

تبديل، و لا يجزئ مرادفها، و لا ترجمتها بالعجمية أو غيرها (11) و الأحوط عدم وصلها بما سبقها من الدعاء أو لفظ النية (12)، و إن كان

______________________________

إله إلّا اللّه»، و قد ذكر لفظ «اللّه أكبر» لتكبيرة الإحرام في صحيح حماد (1)، و في المرسل: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتم الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللّه أكبر» (2). فلا وجه للرجوع إلى البراءة في القيود المشكوكة فيها شرطا كانت أو مانعا مع أنّ المقام ليس من موارد الرجوع إلى البراءة، لأنّ عنوان المأمور به هو تكبيرة الافتتاح و تكبيرة الإحرام و هو معلوم بحسب العنوان، و الشك إنّما هو في فراغ الذمة و نعلم بحصول الفراغ بلفظ «اللّه أكبر» و نشك في تفريغ الذمة بغيره فيجب الاحتياط، مضافا إلى أصالة عدم الدخول في الصلاة و عدم تحريم المنافيات بعد عدم صحة التمسك بالإطلاقات، لكفاية غير هذه الصورة، لظهورها فيها، كما مر.

(11) كلّ ذلك للإجماع، و لأصالة الاشتغال، و عدم حرمة المنافيات و عدم الدخول بالصلاة بعد عدم صحة التمسك بالإطلاقات، لما مرّ.

(12) البحث في هذه المسألة تارة بحسب الأدلة اللفظية، و أخرى بحسب الأصل العملي، و ثالثة بحسب القواعد العربية.

أما الأول: فمقتضى الجمود عليها هو الإتيان بالهمزة و عدم حذفها مطلقا فلا يجوز التسبب إلى حذفها بالوصل، و تقتضيه سيرة المصلّين خلفا عن سلف.

و أما الثاني: فالمسألة من صغريات التعيين و التخيير، و المشهور فيه هو الأول. و لكن يمكن المناقشة فيما ذكر بأنّ مقتضى الجمود على الأدلة هو الإتيان بالهمزة ما لم يوصل، و أما معه فتتبع القواعد العربية، كما أنّ السيرة على عدم الوصل لا تدل على عدم السقوط في الوصل، و ذهاب المشهور إلى التعيين لا يكون دليلا ما لم يستند إلى قاعدة معتبرة، مع أنّ في ثبوت الشهرة أيضا كلاما.

ص: 177


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

الأقوى جوازه (13)، و تحذف الهمزة من «اللّه» حينئذ (14).

كما أنّ الأقوى جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة، أو غيرهما (15)، و يجب حينئذ إعراب راء «أكبر» (16)، لكن الأحوط

______________________________

و أما مقتضى القواعد العربية فنسب إلى المشهور بين النحاة أنّ همزة لفظ الجلالة همزة وصل، و المشهور بينهم أيضا أنّ همزة الوصل تسقط في الدرج و حيث إنّهم أهل خبرة في هذه الأمور يتبع قولهم فيها، و يأتي في [مسألة 38] من فصل القراءة ما ينفع المقام.

إن قيل: بأنّ قول النحاة يدل على أنّ كلّ همزة وصل تسقط في الدرج، و أما أنّ في كلّ مورد كانت فيه همزة الوصل يجوز فيه الوصل فلا يستفاد ذلك من قولهم. يقال: مقتضى الأصل و إطلاق كلماتهم جوازه، مع أنّ مقتضى الإطلاقات الدالة على وجوب التكبير جواز الوصل، لظهورها في الإتيان بالتكبير على النهج العربي الصحيح، و إسقاط الهمزة في الوصل من العربي الصحيح، و ما ورد في صحيح حماد و المرسل بلفظ «اللّه أكبر» مع إثبات الهمزة إنّما هو في ظرف عدم الوصل لا بقيد عدم الوصل.

(13) لأصالة البراءة عن مانعية الوصل، و لكن الأحوط عدم الوصل جمودا على الطريقة المعهودة، و خروجا عن خلاف من أوجب ذلك.

(14) و يجب الحذف حينئذ، لما يأتي في [مسألة 38] من (فصل القراءة).

(15) إن لم يستلزم ذلك سقوط شي ء عن التكبيرة فتجري أصالة عدم المانعية بلا محذور، و احتمال لزوم سكون الراء من «اللّه أكبر» حتّى يكون المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير أيضا ليس من الاحتمالات المعتنى بها حتّى يقال فيه بالتعيين لشيوع الوصل في القراءة و الأذكار و تحريك الساكن حين الوصل، مع أنّ تلك المسألة أيضا محلّ بحث، كما مر. نعم، يصلح ذلك للاحتياط.

(16) بناء على عدم جواز الوصل بالسكون، و يأتي التفصيل في [مسألة

ص: 178

عدم الوصل (17). و يجب إخراج حروفها من مخارجها (18)، و الموالاة بينها و بين الكلمتين (19).

مسألة 1: لو قال: «اللّه تعالى أكبر»

(مسألة 1): لو قال: «اللّه تعالى أكبر» لم يصح (20)، و لو قال: «اللّه أكبر من أن يوصف» أو «من كلّ شي ء» فالأحوط الإتمام و الإعادة (21)، و إن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد التشريع.

مسألة 2: لو قال: «اللّه أكبار» بإشباع فتحة الباء

(مسألة 2): لو قال: «اللّه أكبار» بإشباع فتحة الباء حتّى

______________________________

39] من (فصل القراءة).

(17) تحفظا على المتيقن مهما أمكن، و لاحتمال كون المقام أيضا من دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و قد نسب إلى المشهور لزوم الأول، و لا ريب في أنّه يصلح للاحتياط.

(18) لئلا يصير غلطا فيوجب البطلان، كما يأتي في القراءة و سائر الأذكار.

(19) لاعتبارها بين أجزاء اللفظ، و بين المبتدإ و الخبر في المحاورات فيجب مراعاتها في المقام أيضا، لأنّها من الشؤون المحاورية العرفية في كلّ لفظ.

(20) للإجماع على أنّ صورتها «اللّه أكبر» فيكون زيادة لفظ «تعالى» تغييرات للصورة فيوجب البطلان، و لو أتى بلفظ «تعالى» بقصد القرآنية فالظاهر الصحة لما يأتي من جواز قراءة القرآن في الصلاة مطلقا.

(21) منشأ الإشكال أنّ صورة «اللّه أكبر» قد تمت و أتي بها موافقة للوظيفة الشرعية، و الزائد إنّما هو شي ء خارج من متعلقات التكبير فلا بد من الصحة حينئذ، و من أنّ ذلك كلّه خلاف السيرة و خلاف المعهود من الشريعة، مع دعوى بعض شمول معقد الإجماع الدال على البطلان بتغيير الصورة لهذا القسم أيضا، فلا وجه لتقوية الصحة و لا يترك الاحتياط المذكور.

ص: 179

تولد الألف بطل كما أنّه لو شدد راء «أكبر» بطل أيضا (22).

مسألة 3: الأحوط تفخيم اللام من «اللّه»

(مسألة 3): الأحوط تفخيم اللام من «اللّه»، و الراء من «أكبر»، و لكن الأقوى الصحة مع تركه أيضا (23).

مسألة 4: يجب فيها القيام. و الاستقرار

(مسألة 4): يجب فيها القيام (24). و الاستقرار (25)، فلو ترك أحدهما بطل، عمدا كان أو سهوا (26).

______________________________

(22) لأنّ كلا منهما تغيير للصورة، و لا تصح التكبيرة معه إجماعا. إن قلت: إنّ الإشباع شائع متعارف في العربية الفصحى، و صورة التكبيرة منزلة عليها أيضا. (قلت): للإشباع مراتب ليس جميع مراتبه موافقة للعربية الفصيحة. نعم، لا بأس ببعض مراتبه في الجملة، مع أنّه لم يعهد الإشباع فيها حتّى ببعض مراتبه.

(23) لأصالة البراءة عن وجوب ما ذكره علماء التجويد. نعم، لا ريب في أنّها من المحسنات التي ينبغي مراعاتها، و يأتي في [مسألة 53] من (فصل القراءة) ما ينفع المقام فراجع، و منه يظهر وجه الاحتياط.

(24) لأنّ التكبيرة جزء من الصلاة و يجب فيها القيام مع التمكن منه نصّا و إجماعا في جميع أجزائها التي منها التكبيرة ما عدا الركوع و السجود، و تأتي النصوص الدالة على اعتبار القيام في الصلاة في الفصل اللاحق إن شاء اللّه تعالى، كما يأتي عين هذا الفرع في [مسألة 1] من الفصل الآتي، فلا وجه للتكرار.

(25) لأنّ هذا قيام صلاتي، و كلّ قيام صلاتي يعتبر فيه الاستقرار نصّا و إجماعا. و يأتي في [مسألة 8] من الفصل اللاحق بعض الكلام في ما يعتبر في القيام.

(26) للإجماع، و لأنّه لا وجه للوجوب الشرطي لشي ء إلا أنّ تركه العمدي يوجب البطلان، و إلا فلا معنى لوجوبه الغيري الشرطي. و لا ينقض بعدم بطلان إحرام الحج و العمرة بإتيان تروك الإحرام و لو عمدا، لأنّ تروك الإحرام محرمات نفسية في حال الإحرام لا أن تكون غيرية، كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى،

ص: 180

مسألة 5: يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها من الأذكار و الأدعية و القرآن أن يكون بحيث يسمع نفسه

(مسألة 5): يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها من الأذكار و الأدعية و القرآن أن يكون بحيث يسمع نفسه تحقيقا أو تقديرا، فلو تكلّم بدون ذلك لم يصح (27).

______________________________

و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق عمار: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد» (1).

فيخصص به حديث «لا تعاد» (2)، هذا في ترك القيام عمدا و سهوا.

و أما الترك السهوي للاستقرار، فمقتضى حديث «لا تعاد» (3) عدم بطلان الصلاة به، و لذا أفتى الماتن (قدس سره) بالصحة في الفصل اللاحق في [مسألة 4] و لكن عن جمع من الفقهاء منهم الشهيد (قدس سره) البطلان بتركه السهوي أيضا، و يمكن توجيهه بأنّه ليس مطلق القيام ركنا، بل القيام الخاص الذي اعتبره الشارع و هو ما كان مع الاستقرار و الانتصاب فتركهما سهوا ترك لأصل القيام، و هذا و إن كان موافقا للاعتبار، و لكن يشكل إقامة الدليل عليه من الأخبار، فلا يترك الاحتياط بالإتمام و الإعادة.

(27) لأنّ التكبيرة و سائر الأذكار و الأقوال الصلاتية من مقولة الكيف المسموع، فلا بد من تحقق سماع فيها في الجملة، و أدناه أن يسمع نفسه فلا يكفي مجرد النية التي هي من مقولة الكيف النفساني، و لا مجرد حركة اللسان و الشفة التي هي من مقولة الفعل، و في صحيح حماد الوارد في تعليم الصادق عليه السلام الصلاة لحماد: «فقال: اللّه أكبر، ثمَّ قرأ الحمد» (4).

و في المرسل الحاكي لصلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله: «قال: اللّه

ص: 181


1- الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
مسألة 6: من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم

(مسألة 6): من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم (28) و لا

______________________________

أكبر»(1)، و لا يصدق القول على مجرد الخطور القلبي، و لا على تحريك اللسان و الشفة من دون السماع في الجملة، و عن أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما أسمع نفسه» (2).

و في موثق سماعة: «سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها قال عليه السلام: المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديدا» (3).

و قوله عليه السلام: «ما دون سمعك» الدون نقيض الفوق خصوصا بقرينة قوله عليه السلام: «و الجهر أن ترفع صوتك شديدا»، فيكون المراد بالدون دون الشدة و أقلّه سماع النفس. و أما صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته، و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال عليه السلام: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما» (4).

فلا بد من رده إلى أهله لمخالفته للضرورة و يمكن حمله على بعض مراتب الاضطرار. و أما صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه؟ قال عليه السلام: لا بأس بذلك إذا سمع أذنيه الهمهمة» (5).

فإن كان المراد بها الصوت الخفيّ فلا ينافي ما ذكرناه، و إن كان المراد بها ما لا يفهم أصلا، فلا بد من رده إلى أهله أيضا، لمخالفته للإجماع لو لم يكن للضرورة.

(28) للإجماع و حكم الفطرة، و هذا الوجوب غيريّ فطريّ عقليّ، لحكم العقل بتوقف إتيان المأمور به على العلم به.

ص: 182


1- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

يجوز له الدخول في الصلاة قبل التعلم (29) إلا إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة (30)، و إن لم يقدر فترجمتها من غير

______________________________

فروع- (الأول): لو تردد ما يعلمه بين الصحيح و غيره، فإن قلنا بجواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من التفصيلي، كما هو الحق بتكرر الصلاة لا شي ء عليه و إن لم نقل به وجب عليه التعليم أيضا.

(الثاني): يجزي تلقين الغير له، للأصل و الإطلاق، و إن كان الأحوط خلافه مع التمكن من التعليم، و يأتي بعد ذلك ما ينفع المقام.

(الثالث): وجوب التعليم طريقي للإتيان به صحيحا، فلو تعلّم و كان غلطا لا يسقط وجوب التعليم، كما أنّه لو أتى به صحيحا و لو من باب الاتفاق لا وجه لوجوبه.

(الرابع): لو اعتقد أنّ ما يأتي به من التكبيرة غلط، و كانت صحيحة في الواقع تصح صلاته إن حصل منه قصد القربة، و لو اعتقد أنّ ما يأتي به منها صحيح و كانت في الواقع غلطا تبطل صلاته و لو حصل منه قصد القربة.

(29) أي لا تصح صلاته لو دخل فيها قبله، و ليس المراد بعدم الجواز هنا الحرمة التكليفية، مضافا إلى ترك الصلاة، و لذا لو دخل فيها قبل التعلم و اتفقت الصحة و المطابقة مع الواقع مع تحقق قصد القربة تصح صلاته و لا شي ء عليه، للأصل بعد الإتيان بالمأمور به على ما هو عليه.

(30) للإجماع و قاعدة الميسور، و قوله عليه السلام في موثق عمار: «لا صلاة بغير افتتاح» (1).

و للقطع بأنّه مكلّف بالصلاة التي لا تتحقق بغير افتتاح و حينئذ إما أن يكون مكلفا بما يقدر عليه، و هو المطلوب. أو لا تكليف بالصلاة عليه، و هو خلاف المقطوع به. أو يجب عليه الإتيان بالصلاة مع تكبير صحيح، و هو محال. هذا

ص: 183


1- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

العربية (31)، و لا يلزم أن يكون بلغته (32).

______________________________

ما دل في حكم الألثغ، و الفأفاء، و التمتام، «و أنّ سين بلال شين عند اللّه» (1)، و ما ورد في الأخرس (2)و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: في موثق مسعدة بن صدقة: «إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» (3)، و قوله عليه السلام:

«كلّما غلب اللّه تعالى عليه فهو أولى بالعذر» (4).

و قوله عليه السلام: «ليس شي ء مما حرمه اللّه تعالى إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (5).

بناء على شموله للحرمة النفسية و الغيرية، و احتمال أنّ مثل هذه الأخبار لنفي وجوب التمام لا لإثبات وجوب الناقص باطل جدّا، لأنّها وردت في مقام التسهيل و الامتنان فليس مفادها إلا الاجتزاء بالناقص، هذا مع الملازمة العرفية بين نفي وجوب التمام و الاجتزاء بالناقص.

(31) لظهور الإجماع، و لقاعدة الميسور، و جريان ما تقدم في تقريب دلالة موثق عمار في الفرع السابق هنا أيضا، و إمكان أن يقال المقصود إظهار الكبرياء و لفظ التكبير معتبر عند القدرة عليه، فيسقط اللفظ مع عدم الإمكان و يبقى أصل المعنى المقصود هو إظهار الكبرياء بأيّ وجه أمكن.

(32) لأنّ اللفظ الذي كانت له موضوعية خاصة إنّما هو اللفظ العربي و المفروض عدم التمكن منه، فمقتضى الأصل حينئذ البراءة عن لفظ خاص،

ص: 184


1- مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة.
3- الوسائل باب: 67 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 3.

و إن كان أحوط (33).

و لا يجزئ عن الترجمة غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربية (34)، و إن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفا فحرفا قدّم على الملحون و الترجمة (35).

مسألة 7: الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان

(مسألة 7): الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان (36)، و إن عجز عن النطق أصلا أخطرها بقلبه و أشار إليها مع تحريك لسانه إن أمكنه (37).

______________________________

و أما احتمال أن يكون المقام من باب التعيين و التخيير فباطل، إذ ليس كلّ احتمال موجبا لكون مورده من التعيين و التخيير، بل لا بد و أن يكون نحو احتمال متعارف أو مأنوس عند المتشرعة. نعم، لو كانت لغته أقرب إلى اللغة العربية عرفا يكون من مسألة الدوران بين التعيين و التخيير حينئذ مع أنّ الجزم بالتعيين في تلك المسألة أيضا محلّ بحث، كما ثبت في محلّه.

(33) خروجا عن خلاف من أوجبه، و جعل المقام من دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و لكن تقدمت المناقشة في الصغرى و الكبرى.

(34) لأصالة عدم الإجزاء بعد عدم دليل عليه من إجماع أو غيره، و لو تمكن من إخطار معنى التكبير قلبا لا يسقط أصل الصلاة عنه.

(35) لأنّه مع التلقين يتمكن من إتيان التكليف الاختياري حينئذ و لا موضوع للتكليف الاضطراري- و هو الترجمة و الملحون- مع التمكن من الاختياري، و يأتي في (فصل القراءة) [مسألة 29] جواز اتباع الغير في حال الاختيار أيضا.

(36) للإجماع، و قاعدة الميسور، و ما تقدم فيمن ضاق وقته عن التعلم.

(37) لأنّ صلاة الأخرس بأذكارها و أقوالها كسائر مقاصده المتعارفة العقلائية فبكلّ ما يظهر و يبيّن سائر مقاصده العقلائية يظهر و يبيّن صلاته، و مقتضى فطرته في إظهار مقاصده الخطور القلبي و تحريك اللسان، بل و الإشارة باليد و الإصبع

ص: 185

مسألة 8: حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام

(مسألة 8): حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام حتّى في إشارة الأخرس (38).

مسألة 9: إذا ترك التعلّم في سعة الوقت حتّى ضاق أثم

(مسألة 9): إذا ترك التعلّم في سعة الوقت حتّى ضاق أثم (39) و صحت صلاته على الأقوى (40)، و الأحوط القضاء بعد

______________________________

أحيانا، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر السكوني: «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (1).

و ليس هذا إلا لبيان المرتكز و ما هو المركوز في الفطرة بالنسبة إلى الخرسان و ليس فيه تعبد خاص، و كان على الماتن أن يذكر الإشارة بالإصبع أيضا. إلا أن يقال: لا كلية للإشارة بالإصبع بالنسبة إلى الخرسان و إنّما يشيرون يؤيديهم و أصابعهم في بيان بعض الأمور لإتمامها، بل ربما تكون الإشارة قاصرة بالنسبة إلى بعض المعاني.

(38) لقاعدة إلحاق المندوب بالواجب إلا ما خرج بالدليل، و لقول مولانا الرضا عليه السلام: «كلّ سنة فإنّما تؤدى على جهة الفرض» (2). و لشمول إطلاق جميع الأدلة المتقدمة لها أيضا.

(39) للإجماع، و لقبح تفويت التكليف الاختياري مع التمكن عنه عقلا، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا.

(40) لكثرة اهتمام الشارع بالصلاة و عدم رضائه بتركها مهما أمكن للمكلّف الإتيان بها حتّى ورد لا تسقط الصلاة بحال (3) و هي و إن كانت مرسلة لم توجد مسندة إلا أنّ العلم بكثرة اهتمام الشارع بالصلاة مطلقا يجعلها بحكم المسند.

ص: 186


1- الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

التعلم (41).

مسألة 10: يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام

(مسألة 10): يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام، فيكون المجموع سبعة (42) و تسمّى بالتكبيرات الافتتاحية (43) و يجوز الاقتصار على الخمس، و على الثلاث (44)، و لا

______________________________

فإن قيل: مقتضى اهتمام الشارع بالصلاة الجمع فيها بين الأداء و القضاء بعد التعلم.

قلت: نعم، لو لا منافاة ذلك لليسر المطلوب في الشريعة و السهولة المبنية عليها الملة الحنيفية.

و دعوى: الاكتفاء بخصوص القضاء فقط غير صحيحة، لتفويت مصلحة الوقت من دون جهة.

إن قيل: إنّ هذا كلّه مبنيّ على شمول أدلة التكاليف الاضطرارية لصورة إيجاد الاضطرار بالاختيار أيضا.

قلت: ظاهر إطلاقاتها الشمول إلا أن يدل دليل على الخلاف و هو مفقود، و المسألة غير منقحة كاملا في كلماتهم الشريفة.

(41) يظهر وجه الاحتياط مما مر.

(42) للإجماع، و نصوص مستفيضة:

منها: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «أدنى ما يجزي من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات، و خمس، و سبع أفضل» (1).

(43) لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» (2).

(44) للأصل و لما تقدم في صحيح زرارة، و لقول الصادق عليه السلام:

ص: 187


1- الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

.....

______________________________

«إذا افتتحت الصلاة، فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا، و إن شئت خمسا، و إن شئت سبعا، و كلّ ذلك مجز عنك- الحديث-» (1).

ثمَّ إنّ المعروف بين الأصحاب، بل المسلّم بينهم أنّ تكبيرة الإحرام واحدة، فعن جمع أنّها الأولى، و عن جماعة أنّها الأخيرة، و لقد أجاد المجلسي الأول في الاستظهار من الأخبار أنّها الجميع، لظهور الأخبار فيما استظهر (قدّس سره)، و عن المشهور التخيير في جعلها من أيّ منها شاء، و ادعي عليه الإجماع أيضا، و على هذا فيكون النزاع في أنّها الأولى أو الأخيرة في أنّ أيّهما أفضل لأن يجعل تكبيرة الإحرام، و لكنه خلاف ظاهر الكلمات، فراجع المطولات. فهذه أقوال أربعة: استدل للأول منها بجملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثمَّ ابسطهما بسطا ثمَّ قل لبيك- إلى أن قال- ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات، ثمَّ قل اللهم أنت الملك الحق- إلى أن قال- ثمَّ كبّر تكبيرتين ثمَّ تقول: وجهت وجهي- إلى أن قال- ثمَّ تعوّذ من الشيطان الرجيم ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» (2).

بدعوى ظهوره في الدخول في الصلاة بالتكبيرة الأولى و البقية يقال بعد الدخول فيها. و فيه: أنّه غير متعرض لتعيين تكبيرة الإحرام لا إشارة و لا ظهورا و لو بنى على الاستظهار لكان ظاهرا فيما نسب إلى المجلسي الأول من تحقق الافتتاح بالجميع، لأنّ قوله عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة- إلى أن قال- ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات»، لا إشارة فيها إلى تحقق الافتتاح بالأولى فقط، بل ظاهره تحقق الافتتاح بالجميع. نعم، لو قال عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر، ثمَّ قل» لكان فيه ظهور في ذلك.

و منها: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «فيمن يخاف اللص يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه» (3).

ص: 188


1- الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الخوف حديث: 8.

.....

______________________________

و فيه: أنّ ظاهره أنّ ابتداء الاستقبال في أول تكبيرة تقال. أما أنّها هي التكبيرة الافتتاحية، فلا دلالة فيه على ذلك.

و منها: قوله عليه السلام أيضا في صحيح آخر لزرارة: «قلت له عليه السلام: الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح؟ فقال عليه السلام: إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمَّ قرأ ثمَّ ركع و إن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة. و بعد القراءة. قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال عليه السلام: فليقضها و لا شي ء عليه» (1).

و فيه أولا: أنّه إن كان المراد بها خصوص تكبيرة الإحرام- الواحدة التي تحرم بها المنافيات- يلزم منه عدم بطلان الصلاة بنسيان تكبيرة الافتتاح، و إن ذكرها بعد الركوع و هو مما لا يقول به أحد.

و ثانيا: إنّ قوله عليه السلام: «أول تكبيرة من الافتتاح» ظاهر في أنّ الافتتاح يحصل بطبيعة التكبيرات في الجملة و نسي أولها و هو لا يضر لتحقق الافتتاح بالبقية، فأجاب عليه السلام بإتيانها و لو بعد الصلاة و لا بد من حمله على الندب حينئذ.

و منها: ما ورد في إتيان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتكبيرات متعددة لأن يتكلّم بها الحسين عليه السلام و ينطلق لسانه عليه السلام فصارت التكبيرات السبعة بذلك سنة (2)، فيكون أول التكبيرات تكبيرة الإحرام بخلاف البقية.

و فيه: أنّ كون الأولى في تلك القضية تكبيرة الإحرام على فرض تسليمه لا ينافي التخيير في المجموع كما عن المشهور، أو حصول الافتتاح بالمجموع كما عن المجلسي الأول رحمه اللّه، لأنّ تشريع التكبيرات السبعة لم يكن بين الناس قبل هذه القضية كما يقتضيه ظاهر الحديث، فيمكن أن يحصل الافتتاح بالمجموع بعد التشريع.

ثمَّ إنّ الأخبار في سبب تشريع التكبيرات السبعة الافتتاحية مختلفة، ففي

ص: 189


1- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.
2- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام.

.....

______________________________

بعضها التعليل بأنّه لأجل انطلاق لسان الحسين عليه السلام (1)، و في بعضها أنّه لأجل أنّ الحجب سبع (2)، و في بعضها ذكر شي ء آخر (3)، و يمكن صحة الكلّ، لأنّها ليست عللا حقيقية حتّى يمنع تواردها على معلول واحد، بل مناسبات و مقتضيات يمكن اجتماع جملة كثيرة منها في شي ء واحد، و هذا هو الشأن في جميع ما يذكر من العلل الشرعية في الموارد المختلفة.

و منها: المرسل: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتم الناس صلاة و أوجزهم و كان صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل في صلاته قال: اللّه أكبر بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» (4).

و فيه: أنّ الاقتصار على التكبيرة الواحدة شي ء و حصول الافتتاح عند تعدد التكبيرات بالأولى شي ء آخر، و المرسل إنّما يدل على الأول و مورد النزاع هو الثاني، فلا ربط له بالمقام و يأتي في [مسألة 13] ما يدل على أنّه صلّى اللّه عليه و آله يأتي بستّ سرّا و بواحدة جهرا. و على هذا يكون الخبر مجملا، لعدم العلم بأنّه صلّى اللّه عليه و آله يحرم بالجميع أو بالأولى أو بالأخيرة.

و قد يستدل على تعيين الأولى بأنّه مع قصد الدخول في الصلاة، فحصول الافتتاح منها انطباقيّ قهريّ، فلا يحتاج إلى الاستدلال. و فيه: أنّه كذلك لو لا ظهور الأدلة في الخلاف كما تقدم و سيأتي.

و استدل لكونها الأخيرة بالرضوي: «و اعلم أنّ السابعة هي الفريضة و هي تكبيرة الافتتاح و بها تحريم الصلاة» (5).

و بما ورد في جملة من الأخبار أنّ في الفرائض خمس و تسعون تكبيرة (6)، و لو كانت التكبيرات الافتتاحية من الصلاة لصارت التكبيرات أزيد منها كما لا يخفى، و ما ورد من إخفات الإمام بست و الجهر بواحدة (7) بضميمة ما ورد مما دل

ص: 190


1- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب تكبيرة الإحرام.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 12.
5- فقه الرضا صفحة: 8.
6- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب تكبيرة الإحرام.
7- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب تكبيرة الإحرام.

.....

______________________________

على إسماع الإمام للمأموم كلّ ما يقوله إلا ما خرج بالدليل (1). و يرد الأول:

بقصور السند و مخالفة المشهور، و الثاني: بأنّ المراد بالتكبيرات المعدودة بخمسة و تسعين التكبيرات المتأكدة، مع أنّ الترخيص في جعل الافتتاح واحدة، أو ثلاثا أو خمسا، أو سبعا يوهن كون عدد خاص منها في عداد سائر التكبيرات التي لا تتغير. و الأخير بأنّه أعمّ من تعين الأخيرة إلا بضميمة أصالة عدم تخصيص ما دل على إسماع الإمام كلّ ما يقوله للمأموم و لا تكون أصالة عدم التخصيص مثبتة للموضوع.

و استدل للقول الثالث و هو ما ذهب إليه المجلسي رحمه اللّه بظواهر الأخبار مثل خبر زرارة: «استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» (2).

و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة، فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا، و إن شئت خمسا، و إن شئت سبعا، و كلّ ذلك مجزي عنك» (3).

و عنه عليه السلام أيضا: «تكبيرة تجزئك. قلت: فالسبع؟ قال عليه السلام: ذلك الفضل» (4).

و عنه عليه السلام أيضا: «الإمام تجزئه تكبيرة واحدة و تجزئك ثلاث مترسلات إذا كنت وحدك»(5).

إلى غير ذلك مما هو ظاهر فيما قاله رحمه اللّه.

و أشكل عليه تارة: بمخالفة الإجماع الدال على أنّها واحدة. و أخرى بالقطع بإرادة خلاف ظاهرها، و ثالثة: بوهنها بالإعراض، و رابعة: بأنّ ظاهرها التخيير بين الأقلّ و الأكثر و هو غير معقول، و الكلّ مردود:

أما الأولى: فلعدم الاعتبار بمثل هذا الإجماع في مقابل النصوص المتواترة في الجملة- كما تقدم- مع ما مر من الخلاف.

ص: 191


1- راجع الوسائل باب: 52 من أبواب صلاة الجماعة.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

.....

______________________________

و أما الثانية: فبأنّ مدعي القطع بإرادة خلاف ظاهرها مجازف.

و أما الثالثة: فلأنّ الإعراض على فرض تحققه اجتهادي لما حصلت في أذهانهم الشريفة من شبهة التخيير بين الأقلّ و الأكثر.

و أما الرابعة: فقد أجيب عنه في الأصول بما لا مزيد عليه.

و يمكن أن يقال في المقام: بتعلق التكليف بالطبيعة من حيث هي المتحققة في ضمن التكبيرة الواحدة و الأكثر، و إذا تحققت في الأكثر لا يلحظ الأقلّ من حيث الفردية للطبيعة، بل من جهة الضمنية المحضة غير الملحوظة بلحاظ الفردية مع إمكان جعل الأكثر من أفضل الأفراد مع تحقق التكبيرة بالأقلّ، و قد صرّح في بعض النصوص: «أنّ الثلاث أفضل و أنّ السبع أفضل»(1).

و استدل للتخيير المنسوب إلى المشهور، بل المجمع عليه بإطلاق ما دل على أنّ افتتاح الصلاة التكبيرة (2)، الشامل لكلّ ما قصد به تكبيرة الإحرام في أيّ واحدة من التكبيرات السبع كانت، و أصالة البراءة عن تقدم التكبيرات المندوبة عليها أو تأخيرها عنها أو توسيط تكبيرة الإحرام بينها، و بأنّه أسهل و أيسر في هذا الأمر العام البلوى مع فقد الدليل على التعيين.

فرع: لو نوى بالتكبيرة الدخول في الصلاة كفى عن نية الافتتاح و نية تكبيرة الإحرام، فيكون كلّ منهما حينئذ انطباقيا قهريا، كما أنّه لو نوى إحدى الأخيرتين يكفي في الدخول في الصلاة للتلازم بين هذه العناوين الثلاثة.

فائدة: في كلّ ركعة خمس تكبيرات.

1- للهويّ إلى الركوع.

2- للهوي إلى السجدة الأولى.

3- لرفع الرأس منها.

4- للهويّ إلى السجدة الثانية.

ص: 192


1- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام.

يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام في أيتها شاء (45)، بل نية الإحرام بالجميع (46) أيضا، لكن الأحوط اختيار الأخيرة (47) و لا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين (48).

و الظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة و المندوبة (49). و ربما يقال بالاختصاص

______________________________

5- لرفع الرأس منها.

و فرائض اليومية سبع عشرة ركعة فيصير مجموع تكبيراتها خمسا. و ثمانين تكبيرة. و تكبيرة الإحرام في مجموعها خمس فتصير تسعين، و تكبيرات القنوتات خمس، فيصير المجموع خمسا و تسعين.

(45) لما تقدم، و نسب ذلك إلى المشهور، و لكنه خلاف الاحتياط لما عن جمع من تعيّن الأولى، و عن آخرين تعيّن الأخيرة، و يأتي في المسألة التالية ما ينفع للاحتياط.

(46) لظواهر النصوص، و اختاره المجلسي الأول (قدس سره) و لكنّه خلاف المشهور، بل المجمع عليه، و تقدمت الخدشة في اعتبار مثل هذه الشهرة و الإجماع، فراجع.

(47) لما تقدم من الرضويّ الصالح للاستحباب و إن لم يصلح للإيجاب و قال في الجواهر: «صرّح جماعة من الأساطين باستحباب جعلها الأخيرة» و طريق الاحتياط مع ذلك القصد الإجمالي بما هو افتتاح واقعا حتّى يوافق جميع الأقوال في الجملة، كما يأتي في المسألة التالية.

(48) لأنّه لا وجود للمبهم لا في الخارج و لا في الذهن فكيف يتوجه إليه القصد.

(49) لإطلاق الأدلة، و قاعدة: «إنّ كلّ سنة إنّما تؤدى على جهة الفرض»، و يظهر منهم الإجماع عليه أيضا.

ص: 193

بسبعة مواضع (50) و هي: كلّ صلاة واجبة، و أول ركعة من صلاة الليل، و مفردة الوتر، و أول ركعة من نافلة الظهر، و أول ركعة من نافلة المغرب، و أول ركعة من صلاة الإحرام، و الوتيرة و لعلّ القائل أراد تأكدها في هذه المواضع (51).

______________________________

(50) لما في البحار عن المفيد في المقنعة: «يستحب التوجه في سبع صلوات»، و قال الشيخ في التهذيب: «ذكر ذلك عليّ بن الحسين في رسالته و لم أجد بها خبرا مسندا، و تفصيلها ما ذكره أول كلّ فريضة، و أول ركعة من صلاة الليل، و في المفردة من الوتر، و في أول ركعة من ركعتي، الإحرام و أول ركعتي الزوال، فهذه ستة مواضع ذكرها عليّ بن الحسين، و زاد الشيخ المفيد الوتيرة» (1).

و في فلاح السائل بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير: في أول الزوال و صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبّر تكبيرتين لكلّ ركعة» (2).

و في البحار عن الخصال: «قال أبي رحمه اللّه: في رسالته إليّ: من السنة التوجه في ست صلوات، و هي أول ركعة من صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و أول ركعة من ركعتي الزوال، و أول ركعة من ركعتي الإحرام، و أول ركعة من نوافل المغرب، و أول ركعة من الفريضة».

بيان: اعترف الأصحاب بعدم النص في ذلك لكنّه موجود في الفقه الرضوي، كما سيأتي (3).

(51) كما اعترف به في البحار، و يظهر من المقنعة أيضا، و يشهد له الاعتبار بعد كون التوجه بالتكبيرات من الخير المطلق المطلوب في جميع الصلوات.

ص: 194


1- البحار ج: 18 ص: 326 من الطبعة الحجرية.
2- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.
3- البحار ج: 84 صفحة: 363.
مسألة 11: لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات، بل أقوال

(مسألة 11): لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات، بل أقوال: تعيين الأول، و تعيين الأخير، و التخيير، و الجميع (52)، فالأولى لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات و مراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنّه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا، و يعيّن في قلبه ما شاء، و إلا فهو ما عند اللّه من الأول أو الأخير أو الجميع (53).

مسألة 12: يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء

(مسألة 12): يجوز الإتيان بالسبع ولاء (54) من غير فصل بالدعاء. لكن الأفضل (55) أن يأتي بالثلاث، ثمَّ يقول:

______________________________

(52) تقدم وجه ذلك كلّه، فراجع.

(53) مع القصد الإجمالي إلى ما هو تكبيرة الإحرام في الواقع، و قصد كلّ واحد من المحتملات بالقصد التقديري الالتفاتي فيتحقق حينئذ قصدان في النفس إجمالي بالنسبة إلى الواقع، و تقديري التفاتي بالنسبة إلى المحتملات و لا مانع فيه من عقل أو شرع، و يجزي ذلك في العبادة مع سهولة الشريعة خصوصا مع تعسر الاحتياط غالبا في هذا الأمر. العام البلوى في كلّ يوم و ليلة، سيّما مع بناء المندوبات على التسامح.

(54) لإطلاق النصوص و خصوص موثق زرارة: «رأيت أبا جعفر عليه السلام أو قال سمعته: استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» (1).

و يشهد له الأصل أيضا فتكون الدعوات من تعدد المطلوب، كما هو الغالب في جميع المندوبات.

(55) لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام و ذكر فيه الدعوات على التفصيل المذكور في المتن.

ص: 195


1- الوسائل باب: 7 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

«اللّهمّ أنت الملك الحق، لا إله إلا أنت، سبحانك إنّي ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت».

ثمَّ يأتي باثنتين و يقول:

«لبّيك و سعديك، و الخير في يديك، و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت، سبحانك ربّ البيت».

ثمَّ يأتي باثنتين و يقول:

«وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ، عالم الغيب و الشهادة، حنيفا مسلما، وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي، وَ نُسُكِي، وَ مَحْيايَ، وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين».

ثمَّ يشرع في الاستعاذة و سورة الحمد.

و يستحب أيضا أن يقول قبل التكبيرات (56):

«اللّهمّ إليك توجهت، و مرضاتك ابتغيت، و بك آمنت، و عليك توكلت صلّ على محمّد و آل محمّد، و افتح قلبي لذكرك، و ثبتني على دينك، و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، و هب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب».

______________________________

(56) لما عن المكارم و المصباح عن أبي محمد العسكري عليه السلام (1).

ص: 196


1- البحار ج: 75 صفحة.

و يستحب أيضا أن يقول بعد الإقامة (57) قبل تكبيرة الإحرام:

«اللّهمّ ربّ هذه الدعوة التامة، و الصلاة القائمة، بلّغ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله الدرجة و الوسيلة، و الفضل و الفضيلة، باللّه أستفتح، و باللّه أستنجح، و بمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتوجه، اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و اجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين».

و أن يقول بعد تكبيرة الإحرام (58):

«يا محسن قد أتاك المسي ء، و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي ء، أنت المحسن و أنا المسي ء، بحقّ محمّد و آل محمّد، صلّ على محمّد و آل محمّد، و تجاوز عن قبيح ما تعلم منّي».

مسألة 13: يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام

(مسألة 13): يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام على

______________________________

(57) لما عن فلاح السائل عن الرضا عليه السلام (1).

(58) ذكر المجلسي في البحار عن فلاح السائل: «قبل أن يحرم و يكبّر نحو ما في المتن .. فيقول اللّه عزّ و جلّ: ملائكتي اشهدوا أنّي قد عفوت عنه و أرضيت عنه أهل تبعاته» (2).

و نقل عن المصباح: «و أنا المسي ء فصلّ على محمد و آل محمد و تجاوز عن قبيح ما عندي بحسن ما عندك يا أرحم الراحمين» (3).

كما نقل عن الشهيد في الذكرى: «إنّ هذا الدعاء عقيب السادسة» (4).

فالأولى قصد الرجاء و عدم الخصوصية في المحلّ.

ص: 197


1- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.
2- البحار ج: 84 صفحة: 370.
3- البحار ج: 84 صفحة: 370.
4- البحار ج: 84 صفحة: 370.

وجه يسمع من خلفه، دون الست، فإنّه يستحب الإخفات بها (59).

مسألة 14: يستحب رفع اليدين بالتكبير

(مسألة 14): يستحب رفع اليدين بالتكبير (60) إلى

______________________________

(59) نصّا و إجماعا ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«و إن كنت إماما فإنّه يجزئك أن تكبّر واحدة تجهر فيها، و تسرّ ستا» (1).

و عن الحسن بن راشد: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تكبيرة الافتتاح، فقال عليه السلام: سبع. قلت: روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يكبّر واحدة، فقال عليه السلام: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يكبّر واحدة يجهر بها و يسرّ ستا»(2).

و هو محمول على الندب للإجماع.

(60) للإجماع، بل الضرورة بين المسلمين، و جملة من الأخبار:

منها: ما رواه الأصبغ بن نباتة عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال:

«لما نزلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال صلى اللّه عليه و آله: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربّي؟ قال عليه السلام: يا محمد إنّها ليست بنحيرة و لكنّها رفع الأيدي في الصلاة» (3).

و في رواية الطبرسي: «ليست بنحيرة، و لكنه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت و إذا ركعت و إذا رفعت رأسك من الركوع و إذا سجدت، فإنّه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، و إنّ لكلّ شي ء زينة و إنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة» (4).

و غيرهما من الأخبار. و لا ريب في أنّ لرفع اليد مراتب متفاوتة، لأنّه من الأمور الإضافية القابلة للتشكيك، و قد حدّد الشارع أعلاها إلى الأذنين و أدناها إلى النحر و ما بينهما متوسطات، و الكلّ فيه الفضل و يختلف باختلاف المراتب، و إن

ص: 198


1- الوسائل باب: 12 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 13.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 14.

الأذنين (61) أو حيال الوجه (62)، أو إلى النحر (63)، مبتدئا بابتدائه،

______________________________

كان مقتضى بعض الإطلاقات جواز الأعلى من الأذنين و الأدنى من النحر أيضا.

(61) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي بصير: «إذا افتتحت الصلاة فكبّرت فلا تجاوز أذنيك» (1).

و في صحيح زرارة عنه عليه السلام: «إذا قمت إلى الصلاة فكبّرت، فارفع يديك و لا تجاوز بكفيك أذنيك، أي حيال خديك» (2).

و في الرضوي: «و ارفع يديك بحذاء أذنيك» (3).

(62) لجملة من الروايات:

منها: صحيح منصور بن حازم قال: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه، و استقبل القبلة ببطن كفيه» (4).

و مثله صحيح ابن سنان (5)، و لما يأتي في الأخبار الآتية.

(63) لما ورد عن عليّ عليه السلام في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ: «أنّ معناه رفع يديك إلى النحر في الصلاة» (6).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام تفسيرها: «هو رفع يديك حذاء وجهك» (7).

و هو ملازم للرفع إلى النحر غالبا. و يدل على المتوسطات صحيح صفوان:

«رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام إذا كبّر في الصلاة يرفع يديه حتّى يكاد يبلغ أذنيه» (8).

ص: 199


1- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 5.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 6.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 15.
7- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 16.
8- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

و منتهيا بانتهائه (64)، فإذا انتهى التكبير و الرفع أرسلهما. و لا فرق بين الواجب منه و المستحب في ذلك (65)، و الأولى أن لا يتجاوز بهما الأذنين (66). نعم، ينبغي ضمّ أصابعهما (67) حتّى الإبهام

______________________________

و في صحيح ابن سنان: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح» (1).

و اختلاف هذه الروايات محمول على اختلاف مراتب الفضل و قد اشتهر عند العلماء عدم التقييد في أدلة المندوبات.

ثمَّ إنّ أخبار المقام على قسمين- الأول: الأخبار الحاكية لفعلهم عليهم السلام و هي مجملة لا يستفاد منها أكثر من مطلق الرجحان.

الثاني: الأخبار القولية و هي محمولة على الندب إجماعا، مع أنّ في بعضها قرائن للندب أيضا.

و يستفاد ذلك مما ورد في علته(2)، و ما نسب إلى السيد من القول بالوجوب في جميع تكبيرات الصلاة مدعيا عليه الإجماع، قد تعجب منه غير واحد إذ لم ينقل القول بالوجوب عن أحد من القدماء غير الإسكافي في خصوص تكبيرة الإحرام. و يرده الأصل و الإطلاق، و ظهور التسالم على الاستحباب.

(64) أرسل ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، و ظاهرهم الإجماع عليه.

(65) للإطلاق، و قاعدة الإلحاق، و ظهور الاتفاق.

(66) لما تقدم ذلك في قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح زرارة:

«و لا تجاوز أذنيك» المحمول على أولوية الترك إجماعا.

(67) لظهور الإجماع، مع أنّ المتعارف في تحريكات اليد ضم الأصابع عادة، و فتحها إنّما يكون لجهة مقتضية له، و الأدلة منزلة على المتعارف. و قال في الذكرى: «و لتكن الأصابع مضمومة، و في الإبهام قولان: و تفرّقه أولى،

ص: 200


1- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

و الخنصر (68) و الاستقبال بباطنهما القبلة (69)، و يجوز التكبير من غير رفع اليدين (70)، بل لا يبعد جواز العكس (71).

______________________________

و اختاره ابن إدريس تبعا للمفيد و ابن براج، و كل ذلك منصوص» و إطلاقه يشمل الخنصر أيضا.

(68) أما الإبهام فلظاهر الإجماع، و لخبر النرسي: «أنّه رأى أبا الحسن الأول عليه السلام: إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الإبهام و السبابة و الوسطى و التي تليها و فرج بينها و بين الخنصر» (1). و أما الخنصر فلظهور الإجماع، و بأنّ العادة على ضمه غالبا. و ما في ذيل خبر النرسي محمول على الاتفاق أو مطروح.

(69) للإجماع، و لرواية منصور: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه، و استقبل القبلة ببطن كفيه» (2)، و قريب منه خبر جميل (3).

(70) لأنّ القيود في المندوبات من باب تعدد المطلوب لا التقييد الحقيقي.

(71) لإطلاق قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: «و عليك برفع يديك في الصلاة و تقليبهما» (4).

و عن الرضا عليه السلام: «لأنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع» (5).

و لا ريب في أنّ الابتهال و التبتل و التضرع إلى اللّه مندوب خصوصا في حال الصلاة، و يأتي في أبواب القنوت و الدعاء أقسام سبعة لكيفية رفع اليد، فراجع و لكن الأولى عدم قصد الورود في رفع اليدين بلا تكبير.

ص: 201


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 6.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 17.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.
مسألة 15: ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية

(مسألة 15): ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية، و إلا فيكفي مطلق الرفع (72)، بل لا يبعد جواز رفع إحدى اليدين دون الأخرى (73).

مسألة 16: إذا شك في تكبيرة الإحرام

(مسألة 16): إذا شك في تكبيرة الإحرام، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم (74)، و إن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجه إلى الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان (75). و إن

______________________________

(72) لأنّ ما ذكر من التحديدات من باب مجرد الأفضلية بحسب مراتبها و إلا فمقتضى بعض الإطلاقات كفاية مطلق الرفع، كقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و إنّ لكلّ شي ء زينة، و إنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة» (1).

و تقدم مرارا أنّ القيود في المندوبات مطلقا من باب تعدد المطلوب.

(73) لإمكان دعوى أنّ ذكر اليدين في الروايات من باب الأفضلية لا الاختصاص، و لكن الأولى عدم قصد الورود في رفع اليد الواحدة لتطابق الروايات على ذكر اليدين. ثمَّ إنّه قد فسّر رفع اليد في الصلاة بمعنى: «ليس كمثله شي ء».

أقول: و يشهد له الاعتبار أيضا، لأنّ الإنسان إذا أراد نفي شي ء بغير القول يرفع يده مشيرا به إلى النفي.

(74) لأصالة عدم الإتيان من غير دليل حاكم عليها من نص أو إجماع.

(75) لقاعدة التجاوز، و في صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام:

«رجل شك في التكبيرة و قد قرأ، قال عليه السلام: يمضي» (2)، و يدل عليه الإجماع أيضا.

ص: 202


1- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 14.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

شك بعد إتمامها أنّه أتى بها صحيحة أو لا، بنى على العدم (76) لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات (77)، ثمَّ استئنافها.

و إن شك في الصحة بعد الدخول في ما بعدها بنى على الصحة (78). و إذا كبّر ثمَّ شك في كونه تكبيرة الإحرام، أو تكبيرة الركوع بنى على أنّه للإحرام (79).

______________________________

(76) لأصالة عدم ما يوجب الدخول في الصلاة. نعم، لو قلنا بجريان أصالة الصحة في فعل نفس العامل عند الشك فيها، أو قلنا بجريان قاعدة التجاوز بمجرد المضيّ و لو لم يدخل في الغير، لإطلاق قوله عليه السلام: «كلّ ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (1).

يجوز البناء على الصحة، و الأول له وجه، و الثاني خلاف المشهور و إن كان له وجه أيضا، و كلّ منهما خلاف الاحتياط في المقام.

(77) هذا الاحتياط مخالف للاحتياط من جهة لاحتمال حرمة الإبطال على فرض جريان أصالة الصحة، و قاعدة التجاوز، فالأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة، كما احتاط كذلك في [مسألة 15] من (فصل الشك) فراجع.

(78) لقاعدة التجاوز، فإنّها تجري عند الشك في صحة الموجود، كجريانها عند الشك في أصل وجود الصحيح، و لا فرق بين أن يكون منشأ الشك فقط شرط أو وجود مانع، لإطلاق دليل قاعدة التجاوز الشامل لكلّ منهما مع أنّ سياقه الوارد مورد الامتنان و التسهيل يقتضي ذلك أيضا.

(79) لرجوعه إلى الشك في أنّه هل أتى بالقراءة أو لا؟ و هو في المحلّ فيجب الإتيان بها. أنّ، قيل: إنّه يعتبر في تكبيرة الإحرام الإتيان بها بقصد الدخول في الصلاة و هو لم يحرز. يقال: إحرازه معلوم على كلّ تقدير، لأنّها إن كانت تكبيرة الإحرام فقد قصد منها الدخول في الصلاة، و إن كانت تكبيرة الركوع فقد وقعت منه تكبيرة الإحرام قبله عن قصد و إرادة صحيحة.

ص: 203


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.

فصل في القيام

اشارة

(فصل في القيام) و هو أقسام:

______________________________

(فصل في القيام) و لا بد أولا من الإشارة إلى أمور:

الأول: لا ريب بين المسلمين أنّ القيام في الجملة من أفعال الصلاة، و قال تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً (1)، يعني أنّ الصحيح يصلّي قائما و المريض قاعدا، كما في الحديث (2)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (3).

و ستأتي جملة أخرى من الأخبار أيضا.

الثاني: ينقسم القيام في الصلاة حسب الأحكام الخمسة، فالواجب ما كان في ضمن واجب، و المندوب ما كان في ضمن مندوب، كالقنوت مثلا و المباح ما لم يكن في ضمنهما. و الحرام ما كان منه ماحيا للصورة الصلاتية، أو قيام المريض المضر بحاله الذي يكون تكليفه الصلاة عن جلوس و نحو ذلك.

و المكروه كالصلاة في مواضع التهمة بحيث تترتب التهمة على نفس القيام، فهو من المكروه و بمعنى أقلية الثواب، كما هو الشأن في المكروهات المتعلقة بالصلاة.

ص: 204


1- سورة آل عمران: 191.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1.

إما ركن (1) و هو: «القيام حال تكبيرة الإحرام، و القيام المتصل

______________________________

الثالث: القيام من المبيّنات العرفية عند كلّ مذهب و ملة، و كلّ عابد يقوم لدى معبوده و يتخاضع له، فإن ورد من الشرع ما دل على اعتبار قيد زائد فيه نأخذ به و إلا فالمتبع إنّما هو العرف و العادة فيما يتحقق به القيام، مع أنّ أصالة البراءة تنفي كل ما شك في شرطيته في المقام، كما يأتي التفصيل في مستقبل الكلام.

الرابع: دخل المندوبات في الواجبات تارة بجامع أصل المحبوبية، و ذات الطلب و الرجحان، و أخرى: بوصف الندب المقابل للوجوب، و يكون الدخل على نحو يصير الواجب من أفضل أفراد الواجب، و ثالثة: بكونها جزء الفرد لا جزء ذات الطبيعة من حيث الوجوب، و رابعة: بكونها جزءا لطبيعة الواجب المهملة في غاية الإهمال القابلة الصدق على كلّ ما يقارنها، و خامسة: تكون جزء الطبيعة من حيث الوجوب بنحو المسامحة العرفية، كجزئية الألوان و التزيينات للبيت مع كون قوام البيت بشي ء آخر، و سادسة: تكون جزءا للطبيعة من حيث الوجوب بنحو الدقة العقلية. و الكلّ صحيح غير الأخير، و يصح تنزيل الأدلة الشرعية على الجميع خصوصا الوجه الخامس، و يصح دخل القيام المندوب في الصلاة بأحد من الوجوه المزبورة، و هكذا سائر مندوبات الصلاة.

و ما يقال تارة: بأنّ لازم بعض الوجوه- كالوجه الثاني- صحة إتيان الأجزاء المندوبة بقصد الوجوب. و هو خلاف الإجماع. و أخرى: بأنّه خلاف ظواهر الأدلة الدالة على استحباب تلك الأجزاء.

مردود: بأنّه لا ملازمة عقلا و لا شرعا و لا عرفا بين صيرورة شي ء موجبا لأفضلية واجب من بين سائر أفراد ذلك الواجب، و صحة قصد الوجوب بذلك الشي ء، لأنّ جهات الأفضلية خارجة عن قوام الشي ء و ذاته و لا مخالفة فيه لظواهر الأدلة الدالة على استحباب ذلك الشي ء، إذ لا ينقلب حكمه بصيرورته موجبا لأفضلية الفرد الواجب عن الفرد الفاقد لها.

(1) المعروف بين الفقهاء (قدس سرهم) أنّ القيام ركن في الجملة، و هو يتصوّر على وجوه:

ص: 205

.....

______________________________

منها: أن يكون مجموع القيام من حيث المجموع ركنا. و يرده: ما تسالموا عليه من أنّ ناسي القراءة أو التسبيحات الأربع تصح صلاته، و لا وجه للصحة مع ركنية المجموع و إجماعهم على أنّ نسيان الركن يوجب البطلان.

و منها: أن يكون صرف وجوده ركنا بذاته، كالقيام حال تكبيرة الافتتاح و ما يتحقق منه الانحناء الركوعي و هما قد يتحدان، كما إذا كبّر للافتتاح و نسي القراءة و ركع بعد الافتتاح بلا فصل، و قد يختلفان كما إذا كبّر للافتتاح و أتى بالقراءة ثمَّ ركع عن قيام متصل بالركوع.

و منها: أن تكون ركنيته من باب الوصف بحال المتعلق، فيكون شرطا للركن و هو تكبيرة الافتتاح و الركوع لا أن يكون ركنا بذاته، فمن كبّر جالسا أو ركع عن جلوس تبطل صلاته لفقد شرط التكبيرة لا لفقد ركن مستقل آخر و هو القيام، و الذي يظهر من موثق عمار هو الأخير بمعنى شرطيته لما هو تكليف المكلّف فعلا للتكبيرة أو الركوع، أعم من القيام أو القعود. قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتّى قام، و افتتح الصلاة و هو قائم ثمَّ ذكر. قال عليه السلام: يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و لا يعتد بافتتاحه الصلاة و هو قائم، و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و يقوم، فيفتتح الصلاة و هو قائم» (1).

و هو ظاهر في كونه شرطا لصحة تكبيرة الافتتاح، إذ لو كان واجبا مستقلا في عرضها لكانت التكبيرة التي وقعت أولا صحيحة و التكبيرة الثانية توجب بطلان الصلاة، لأنّها من زيادة الركن كما مرّ، فيدل هذا الموثق على حكم النقيصة السهوية من القيام سواء سمّي بالركن أم لا، فلا ثمرة للنزاع في كون القيام حال التكبيرة ركنا أو لا بالنسبة إلى النقيصة السهوية للنص الخاص الوارد فيها، و كذا الزيادة إذ لا يتصور زيادة القيام سهوا حال التكبيرة إلا بزيادتها كذلك. و أما زيادة القيام سهوا في غير حال التكبيرة، فلا توجب البطلان إلا مع انطباق مبطل آخر

ص: 206


1- الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.

.....

______________________________

عليها من محو الصورة و نحوه.

و أما القيام المتصل بالركوع فمقتضى الإجماع محصّله و منقوله بطلان صلاة من ركع جالسا و لو سهوا مع التمكن من القيام فيجب إحداث الركوع عن انحناء خاص مسبوق بالاستقامة و إقامة الصلب، فالركوع الذي هو جزء الصلاة إنّما هو هذا الركوع الخاص. و لا ريب في شرطية هذا القيام للركوع، كما لا ريب في أنّ ترك الركوع و لو سهوا يوجب بطلان الصلاة، و حينئذ فلو اقتصر على هذا الركوع تبطل الصلاة لنقصان الركوع، و لو أتى به ثانيا تبطل لزيادة الركوع.

و لكن يشكل ذلك أولا: بأنّه لا يدل على كون القيام ركنا من حيث هو، بل هو شرط للركن الذي هو الركوع و هو خلاف ظاهر الكلمات الدالة على أنّه ركن بنفسه.

و ثانيا: بأنّه إذا كان القيام شرطا لصحة الركوع يكون الركوع الصادر عن جلوس كالعدم لأنّ المشروط ينعدم بعدم شرطه، فلا وجه لقولهم: إنّه إن ركع ثانيا عن قيام تبطل الصلاة لزيادة الركن الذي هو الركوع، لأنّ ما حصل منه أولا لم يكن ركوعا شرعيا حتّى يكون الثاني زيادة، فمقتضى الجمود على القواعد صحة الصلاة حينئذ، إلا أن يقال:

إنّ الركوع الصلاتي هو الجامع بين الركوع القيامي و القعودي، و هو خلاف ظاهر الكلمات، فطريق الاحتياط لمن ركع عن جلوس سهوا ثمَّ تذكر هو إتيان الركوع قائما، و إتمام الصلاة ثمَّ إعادتها، و لكن مقتضى الجمود على الإجماعات كون القيام حال التكبيرة و القيام المتصل بالركوع ركنا بنفسه و لا منافاة بين كونه شرطا لركن، و كونه ركنا بنفسه أيضا، كما لا منافاة بين كون شي ء واجبا بنفسه و شرطا لواجب آخر، كصلاة الظهر بالنسبة إلى صلاة العصر مثلا.

ثمَّ إنّه قال في الرياض: «لم يظهر لي ثمرة لهذا البحث من أصله بعد الاتفاق على عدم ضرر في نقصانه بنسيان القراءة و أبعاضها و بزيادته في غير المحلّ سهوا و بطلان الصلاة بالإخلال بما كان منه في تكبيرة الإحرام و قبل الركوع مطلقا».

أقول: و هو كلام حسن متين بعد الاعتماد على الإجماع في البطلان بالنسبة

ص: 207

بالركوع (2)، بمعنى أن يكون الركوع عن قيام (3)، فلو كبّر للإحرام جالسا أو في حال النهوض بطل، و لو كان سهوا (4)، و كذا لو ركع لا عن قيام، بأن قرأ جالسا ثمَّ ركع (5)، أو جلس بعد القراءة أو في أثنائها و ركع، بأن نهض متقوّسا إلى هيئة الركوع القيامي و كذا لو جلس، ثمَّ قام متقوّسا من غير أن ينتصب، ثمَّ يركع (6). و لو كان ذلك كلّه سهوا (7).

و واجب (8) غير ركن (9)، و هو: «القيام حال القراءة و بعد

______________________________

إلى القيام المتصل بالركوع و قد تقدم طريق الاحتياط. و أما قيام التكبيرة فلا نحتاج إلى الإجماع بعد ما تقدم من موثق عمار.

(2) لما تقدم من الإجماع المتسالم عندهم.

(3) للنص و الإجماع، و يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(4) لما مرّ من موثق عمار، مضافا إلى الإجماع.

(5) لما يظهر منهم الإجماع على البطلان حينئذ، مضافا إلى فقد القيام المتصل بالركوع.

(6) لفقد اتصال الهوي للركوع بالقيام، و هو معتبر إجماعا، كما ادعاه جمع من الفقهاء.

(7) للإجماع محصّله و منقوله، على أنّ شرط صحة الركوع في حال الاختيار كونه عن هويّ قياميّ و مسبوقا بالانتصاب، و لا يجري حديث «لا تعاد» (1) في المقام، لأنّ الركوع إذا كان مشروطا بالانتصاب القياميّ يكون من المستثنى لا المستثنى منه.

(8) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(9) لحديث «لا تعاد» (2) و منه يظهر حال القيام بعد الركوع على ما يأتي

ص: 208


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

الركوع».

و مستحب و هو: «القيام حال القنوت (10)، و حال تكبير الركوع».

و قد يكون مباحا و هو: «القيام بعد القراءة، أو التسبيح، أو في أثنائها مقدارا من غير أن يشتغل بشي ء». و ذلك في غير المتصل بالركوع، و غير الطويل الماحي للصورة (11).

مسألة 1: يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها

(مسألة 1): يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أولها إلى آخرها (12)، بل يجب من باب المقدمة قبلها و بعدها (13)، فلو كان

______________________________

في محلّه.

(10) يأتي تفصيله في المسألة الثالثة الآتية.

(11) لما مرّ في الأمر الثاني، فراجع. ثمَّ إنّه لو أتى بالقيام المباح بقصد الأمر يكون تشريعا، إذ لا أمر به، بل يوجب البطلان إن صدقت عليه الزيادة العمدية و كان بقصد الجزئية.

(12) لأنّها بأجزائها و جزئياتها من الصلاة، فيعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة، و لخصوص موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته، و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد» (1).

(13) المقدمة العلمية ما يوجب الإتيان بها العلم بفراغ الذمة عما اشتغلت به أو ما يحتمل اشتغالها به و هي من الفطريات لكلّ من يعتني بدينه و أموره و منشأها الاهتمام بالمكلّف به، سواء كانت في الفرد المشتبه بالواجب، كالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة مثلا، أم لحصول العلم بفراغ الذمة عن الواجب المعلوم، كما في المقام.

ص: 209


1- الوسائل باب: 13 من أبواب القيام حديث: 1.

جالسا و قام للدخول في الصلاة، و كان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقق القيام بطل، كما أنّه لو كبر المأموم و كان الراء من أكبر حال الهويّ للركوع كان باطلا (14) بل يجب أن يستقر قائما، ثمَّ يكبّر، و يكون مستقرا بعد التكبير ثمَّ يركع (15).

مسألة 2: هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرطا فيهما أو واجب حالهما؟

(مسألة 2): هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرطا فيهما أو واجب حالهما؟ وجهان (16) الأحوط الأول، و الأظهر

______________________________

(14) لاعتبار القيام و الاستقرار في التكبيرة بتمام أجزائها و جزئياتها، و اعتبار القيام و الاستقرار في القيام المتصل بالركوع إجماعا، إذ يشمل ذلك جميع ما ذكره في المتن، و يأتي التفصيل في المسائل اللاحقة إن شاء اللّه تعالى.

(15) لما مرّ، و لصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع، و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» (1).

(16) لاختلاف الروايات، فظاهر قوله عليه السلام: «الصحيح يصلّي قائما، و المريض يصلّي جالسا» (2).

الشرطية، و يمكن استفادة الجزئية من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من لم يقم صلبه فلا صلاة له»(3).

كما في قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (4).

و لكن هذا التعبير أعم من الجزئية لاستعماله في الشرطية أيضا، كما في

ص: 210


1- الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

الثاني، فلو قرأ جالسا نسيانا، ثمَّ تذكر بعدها، أو في أثنائها صحت قراءته، و فات محلّ القيام، و لا يجب استئناف القراءة (17)، لكن الأحوط الاستئناف قائما (18).

مسألة 3: المراد من كون القيام مستحبا حال القنوت

(مسألة 3): المراد من كون القيام مستحبا حال القنوت أنّه

______________________________

قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور»(1). «و لا صلاة إلا إلى القبلة» (2).

بل يستعمل في نفي الكمال أيضا، كما في قوله عليه السلام: «لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده» (3).

إلا أن يقال: إنّ الأصل في استعماله نفي الحقيقة إلا مع القرينة على الخلاف، و الجزئية أقرب إلى الحقيقة من الشرطية، و لعلّ هذا هو وجه الأظهرية التي ذكرها الماتن (قدس سره)، هذا بحسب الاستظهار من الأدلة. و أما بحسب الأصل فالشرطية قيد زائد يرفع بالأصل، مع مناسبته مقام العبودية، لكون الوقوف بين يدي المعبود مطلوبا مستقلا، كالركوع و السجود له. و أما كلمات الأصحاب فظاهرها الجزئية في عرض سائر الأجزاء، فراجع كلماتهم في المطولات.

(17) لحديث لا تعاد بناء على عدم شرطية القيام للقراءة، و لكن يجب القيام للركوع عن قيام. و أما بناء على الشرطية فحيث إنّه لم يأت بالقراءة و المحلّ باق وجب عليه الإتيان بها، لإطلاق أدلة وجوبها، و لو شك في أنّه جزء أو شرط فلا يصح التمسك بحديث «لا تعاد» (4) لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و مقتضى قاعدة الاشتغال حينئذ وجوب الإتيان بها أيضا.

(18) لاحتمال شرطية القيام، و لا يترك هذا الاحتياط بعنوان الرجاء.

ص: 211


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- لم نعثر عليه لكن ورد مضمونه في الوسائل باب: 1 من أبواب القبلة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

يجوز تركه بتركه (19)، لا أنّه يجوز الإتيان بالقنوت جالسا عمدا. لكن نقل عن بعض العلماء جواز إتيانه جالسا، و أنّ القيام مستحب فيه لا شرط. و على ما ذكرنا فلو أتى به جالسا عمدا لم يأت بوظيفة القنوت، بل تبطل صلاته للزيادة (20).

______________________________

(19) المحتملات في القيام في القنوت ثلاثة: كونه شرطا لصحته، و كونه شرطا لكماله، و كونه مستحبا بنفسه. فيكون القنوت حينئذ من المندوب في المندوب. و مقتضى قوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1).

و ظواهر الأخبار، و كلمات الأصحاب، و التزام المصلّين به خلفا عن سلف هو الأول، فلا وجه لما نقل عن البعض، على فرض وجود قائل محقق به، و يأتي في فصل القنوت إن شاء اللّه تعالى بعض ما ينفع المقام.

و لا يخفى أنّ في إطلاق المستحب على القيام حال القنوت بما ذكره في المتن مسامحة لأنّ جميع شرائط صحة المندوبات يجوز تركها بترك تلك المندوبات، كالطهارة و الستر بالنسبة إلى الصلوات المندوبة، و يأتي التصريح منه رحمه اللّه في [مسألة 15] من (فصل القنوت) أنّ القيام شرط في القنوت. و ما عن المحقق الثاني رحمه اللّه من أنّه واجب لاتصاله بالقيام الواجب واضح الخدشة: لأنّ الاتصال بالواجب أعم من الوجوب خصوصا فيما ينحل إلى الأجزاء كما أنّ ما عن صاحب الجواهر من أنّه أفضل أفراد الواجب التخييري خلاف ظواهر الأدلة التي تأتي في القنوت فراجع.

ثمَّ إنّه (قدس سره) جعل الأظهر في القيام حال القراءة أنّه جزء و اختار في القيام حال القنوت الشرطية، كما يأتي مع أنّه لا فرق بينهما، فتأمل.

(20) القنوت المأتي به جالسا تارة يكون بعنوان مطلق الذكر و الدعاء و لا بأس به مطلقا، لما ورد من الترخيص فيهما.

ص: 212


1- سورة البقرة: 238.
مسألة 4: لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته

(مسألة 4): لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته (21)، و لو تذكر قبله فالأحوط الاستئناف على ما مر (22).

مسألة 5: لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته

(مسألة 5): لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته (23) إن ركع عن قيام، فليس المراد من كون

______________________________

و أخرى: يكون بعنوان القنوت مع القول بأنّه مستحب مستقل ظرفه الصلاة فلا وجه لكونه مبطلا حينئذ، لأنّ الزيادة المبطلة ما كانت بقصد الجزئية، و المفروض عدمه، و عدم كون القنوت جزءا.

و ثالثة: يكون بقصده مع كون القنوت جزءا صلاتيا على ما تقدم تصويره سابقا، و كون القيام شرطا لصحته و حينئذ تتصوّر الزيادة العمدية و مع ذلك ففي البطلان إشكال لإطلاق قوله عليه السلام: «كلّما ذكرت اللّه عزّ و جلّ به و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة» (1).

و قوله عليه السلام: «كلّما كلمت اللّه به في صلاة الفريضة فلا بأس» (2).

و إطلاقهما يشمل ما لو قصد الجزئية أيضا، و طريق الاحتياط حينئذ الإتمام ثمَّ الإعادة و يأتي منه رحمه اللّه في [المسألة 29] الإشكال في الصحة لو ترك الاستقرار في الأذكار المندوبة مع اتحادها مع المقام فلا وجه للجزم بالبطلان هنا و الإشكال هناك.

(21) لحديث «لا تعاد» لو ركع عن قيام.

(22) راجع ما تقدم في المسألة الثانية.

(23) لحديث «لا تعاد» (3) و ظهور الإجماع.

ص: 213


1- الوسائل باب: 13 من أبواب القواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب القواطع حديث: 3.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

القيام المتصل بالركوع ركنا أن يكون بعد تمام القراءة (24).

مسألة 6: إذا زاد القيام- كما لو قام في محلّ القعود- سهوا لا تبطل صلاته

(مسألة 6): إذا زاد القيام- كما لو قام في محلّ القعود- سهوا لا تبطل صلاته، و كذا إذا زاد القيام حال القراءة بأن زاد القراءة سهوا (25). و أما زيادة القيام الركني فغير متصوّرة من دون زيادة ركن آخر. فإنّ القيام حال تكبيرة الإحرام لا يزاد إلا بزيادتها، و كذا القيام المتصل بالركوع لا يزاد إلا بزيادته (26). و إلا فلو نسي القراءة أو بعضها، فهوى للركوع، و تذكر قبل أن يصل إلى حد الركوع، رجع و أتى بما نسي ثمَّ ركع و صحت صلاته، و لا يكون القيام السابق على الهوي الأول متصلا بالركوع حتّى يلزم زيادته إذا لم يتحقق الركوع بعده فلم يكن متصلا به.

و كذا إذا انحنى للركوع فتذكر قبل أن يصل إلى حدّه: أنّه أتى به، فإنّه يجلس للسجدة، و لا يكون قيامه قبل الانحناء متصلا بالركوع ليلزم الزيادة.

______________________________

(24) لأنّ المناط هو الركوع عن قيام صلاتي، سواء كان بعد تمام القراءة أم في أثنائها بأن نسي بعضها و ركع، أو قبل القراءة، كما إذا نسي القراءة رأسا و ركع. و يدل عليه إطلاق الدليل و ظهور الاتفاق.

(25) لأنّه إن لم يقصد الجزئية بما زاد لا يتحقق موضوع الزيادة المبطلة لتقوّمه بقصد الجزئية و إن قصدها ارتكازا و بلا التفات إليها فمقتضى حديث «لا تعاد» (1) الصحة بناء على شموله للنقيصة و الزيادة السهوية، كما هو مقتضى ظاهر إطلاقه و سياقه الوارد مورد التسهيل و الامتنان.

(26) لأنّه لا معنى للتبعية المحضة إلا ذلك مضافا إلى ظهور الإجماع، و بقية المسألة واضحة لا تحتاج إلى البيان، لما ذكره (قدس سره).

ص: 214


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
مسألة 7: إذا شك في القيام حال التكبير، بعد الدخول في ما بعده

(مسألة 7): إذا شك في القيام حال التكبير، بعد الدخول في ما بعده، أو في القيام المتصل بالركوع، بعد الوصول إلى حدّه أو في القيام بعد الركوع بعد الهويّ إلى السجود، و لو قبل الدخول فيه لم يعتن به و بنى على الإتيان (27).

مسألة 8: يعتبر في القيام الانتصاب، و الاستقرار

(مسألة 8): يعتبر في القيام الانتصاب (28)، و الاستقرار (29)،

______________________________

(27) كلّ ذلك لقاعدة التجاوز. نعم، للهويّ إلى السجود مراتب متفاوتة بعض مراتبه لا تعد من الدخول في الغير، و بعض مراتبه يشك في أنّها منه أو لا فيرجع فيهما بالمشكوك ثمَّ يسجد، و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فمن قال بالرجوع أي في بعض مراتبه، و من قال بالعدم أي في بعض مراتبه القريبة من السجود، و يأتي تفصيل المقام في مستقبل الكلام.

(28) للنصوص و الإجماع، ففي صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» (1).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و قم منتصبا فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» (2).

مع أنّه يمكن أن يقال بدخول الانتصاب في مفهوم القيام التعظيمي لدى العظماء و الأكابر، و إن لم يكن كذلك في مطلق القيام فهذا نحو قيام خاص يعتبر فيه الانتصاب عرفا.

(29) للإجماع، و خبر السكوني: «عن الرجل يريد أن يتقدم و هو في الصلاة قال عليه السلام: يكف عن القراءة في مشيه حتّى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثمَّ يقرأ» (3).

ص: 215


1- الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 1.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

و في خبر سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» (1).

و ورود الدليل من الخارج على أنّ التمكن في الإقامة من شرائط كمالها لا يسقط الرواية عن الاستدلال بها في الصلاة التي لم يرد الترخيص فيها. و أما صحة سلب مفهوم القيام عن المشي، فمشكل لأنّ المشي قائما من أقسام القيام لا أن يكون مباينا له من كلّ جهة. إلا أن يقال: المتبادر من القيام في مثل المقام الذي هو الوقوف لدى الأعاظم و الأكابر فضلا عن المعبود الحقيقي قيام خاص، كما عليه سيرة جميع أرباب الملل و الأديان، بل الناس عند القيام لعظمائهم، و لا ريب في أنّ هذا العرف الخاص مقدم على إطلاق اللغة و العرف العام، هذا إذا كان المراد الاستقرار في مقابل المشي و الجري، و إن كان المراد به في مقابل مطلق الحركة و الاضطراب، فيدل عليه الإجماع و السيرة القطعية من المصلّين الدالة على استنكار الحركة و الاضطراب في الصلاة مطلقا.

و استدل أيضا بما رواه المشايخ الثلاثة عن هارون بن حمزة الغنوي: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في السفينة، فقال عليه السلام: إن كانت محمّلة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرّك؟ فصلّ قائما، و إن كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعدا» (2).

بدعوى: أنّ المراد من الاكتفاء الحركة و الميل و الانقلاب فيكون المعنى إن لم تكن متحرّكا فصلّ قائما، و إن كنت متحرّكا لأجل اضطراب السفينة فصلّ قاعدا.

و فيه: أنّ المراد بالأكفاء انقلاب السفينة لا مطلق الحركة، و مع احتمال الانقلاب في القيام يتعيّن القعود، لأنّ في القيام حينئذ خوف الوقوع في البحر، فيخرج الحديث عن صحة الاستدلال به للمقام. و لكن الأمر أوضح من ذلك، لما قلناه من أنّ المتبادر من القيام في المقام قيام خاص لا مطلقه، مع أنّ

ص: 216


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 2.

و الاستقلال (30).

______________________________

دليل اعتبار الاستقرار في نفس التكبيرة و القراءة يدل على اعتبار في قيامهما بالملازمة العرفية بل العقلية.

(30) للإجماع و النص، ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تمسك بخمرك و أنت تصلّي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي، إلا أن تكون مريضا» (1).

و خبر ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط، قال عليه السلام: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد» (2).

و نوقش فيه: بمعارضتهما بصحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علّة؟ فقال عليه السلام: لا بأس. و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ فقال عليه السلام: لا بأس به» (3).

و بموثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يصلّي متوكئا على عصا أو على حائط، فقال عليه السلام: لا بأس بالتوكؤ على عصا و الاتكاء على الحائط» (4).

و حينئذ فحمل الأولين على الكراهة من أقرب طرق الجمع العرفي الشائع في الفقه، و لكن إعراض المشهور عن الأخيرين و رميهم لهما بالشذوذ أسقطهما

ص: 217


1- الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 20.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 1.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب القيام حديث: 4.

حال الاختيار (31)، فلو انحنى قليلا، أو مال إلى أحد الجانبين بطل، و كذا إذا لم يكن مستقرا أو كان مستندا على شي ء من إنسان أو جدار، أو خشبة، أو نحوها (32). نعم، لا بأس بشي ء منها حال الاضطرار (33). و كذا يعتبر فيه عدم التفريج بين

______________________________

عن الاعتبار مع إمكان حملهما على بعض مراتب التوكي الذي لا ينافي صدق الاستقلال العرفي.

و استدل لاعتبار الاستقلال بقاعدة الاشتغال أيضا. و فيه: ما ثبت في محلّه من أنّ المرجع في الشك في الشرطية مطلقا البراءة دون الاحتياط. نعم، يصح الاستدلال له بما مرّ من أنّ المتبادر عند العرف الخاص من القيام في مثل المقام قيام مخصوص لا مطلقه، فإذا قيل: قوموا بين يدي الملك- مثلا- لا يتبادر منه في العرف الخاص إلا الاستقلال و الاستقرار في حال الاختيار.

(31) للإجماع و النصوص، كقوله عليه السلام في ذيل صحيح ابن سنان:

«و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي إلا أن تكون مريضا».

كما تقدمت رواية ابن بكير الدالة على ذلك أيضا.

(32) لقاعدة فقد المشروط بفقد شرطه ما لم يدل دليل على الخلاف، و هو مفقود في المقام، فتشمل القاعدة جميع ما ذكره (قدس سره).

(33) للنص و الإجماع، بل الضرورة، و قد تقدم في ذيل صحيح ابن سنان و خبر ابن بكير و قوله عليه السلام: «و ليس شي ء مما حرم اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (1).

بناء على أنّ الحلية و الحرمة أعم من النفسية و الغيرية كما هو الظاهر لورود الحديث مورد التسهيل و الامتنان المناسب للتعميم.

ص: 218


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.

الرجلين فاحشا بحيث يخرج عن صدق القيام (34)، و أما إذا كان بغير الفاحش فلا بأس (35).

و الأحوط الوقوف على القدمين (36) دون الأصابع و أصل القدمين

______________________________

(34) لأنّه مع فرض خروجه عن صدق القيام عرفا لا يصح الاكتفاء به في القيام المتعارف المأمور به.

(35) لظهور الإطلاق و الاتفاق، و لعدم استنكار العرف الخاص أيضا، و لا تحديد في التفرقة بين الرجلين بنحو الوجوب. نعم، يستحب التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرجات إلى شبر، كما يأتي في الثامن من مندوبات القيام فراجع.

(36) لأنّه المعهود المتعارف من القيام، و الأدلة منزلة عليه، و لخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل اللّه سبحانه طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» (1).

و نحوه غيره. و أشكل عليه: بأنّه في مقام نفي اللزوم لا نفي أصل الجواز، كأدلة نفي العسر و الحرج، و لكن يرد على الاستدلال بفعله صلّى اللّه عليه و آله لأصل الجواز، أنّه لم يعهد منه صلّى اللّه عليه و آله ذلك في الفرائض و لا في سائر الصلوات، و إنّما ورد ذلك منه صلّى اللّه عليه و آله في خصوص صلاة الليل و كان ذلك منه صلّى اللّه عليه و آله نحو إتعاب لنفسه المقدسة في عبادة اللّه عزّ و جلّ في خلواته مع علمه بأنّه لا يزول به الاستقرار و سائر ما يعتبر في القيام، و لو كان ذلك جائزا لعامة الناس لفعله صلّى اللّه عليه و آله في الفريضة أيضا و حين إقامة الجماعة، مع أنّه من مجرد الفعل الذي لم يعلم أنّه هل كان ذلك لأجل العذر أو كان بالتعمد و الاختيار مع أنّ وضع تمام القدم على الأرض أقرب إلى الأدب المأنوس منه صلّى اللّه عليه و آله بين يدي الملك الجبار، مضافا إلى أنّ النافلة مبنية على التسهيل و التيسير، لعدم اعتبار جملة مما يعتبر في الفريضة فيها.

ص: 219


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 2.

و إن كان الأقوى كفايتهما أيضا، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة (37).

مسألة 9: الأحوط انتصاب العنق أيضا

(مسألة 9): الأحوط انتصاب العنق أيضا، و إن كان الأقوى جواز الإطراق (38).

______________________________

هذا مع أنّ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور بين الفقهاء (قدس سرهم) هو الأول فلا يترك الاحتياط بالوقوف على جميع القدمين، و يشكل التمسك بإطلاق أدلة القيام لجواز الوقوف على بعض القدمين، لأنّ تعارف القيام على تمام القدمين خصوصا في مثل المقام و ندرة الوقوف على بعضها من القرينة المحفوفة بالإطلاق.

(37) للجمود على إطلاق أدلة القيام. و لكن فيه ما تقدم في الوقوف على أصابع القدمين أو أصلهما، و في خبر ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلّي و هو قائم و رفع إحدى رجليه حتّى أنزل اللّه تعالى طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فوضعها» (1).

و يخدش فيه بما مرّ في خبر أبي بصير، و المسألة من دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و متعارف المتشرعة في المقام يحكمون بالتعيين.

(38) لأصالة البراءة عن وجوب الانتصاب، و صدق القيام مع الإطراق و هو المشهور أيضا. و لكن نسب إلى الصدوق (قدس سره) القول بوجوب الانتصاب و البطلان بالإطراق، لمرسل حريز عن أبي جعفر عليه السلام قلت له: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال عليه السلام: النحر: الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه و نحره» (2).

ص: 220


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 3.
مسألة 10: إذا ترك الانتصاب، أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته

(مسألة 10): إذا ترك الانتصاب، أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته (39) و إن كان ذلك في القيام الركني لكن الأحوط فيه الإعادة (40).

مسألة 11: لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد

(مسألة 11): لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد (41) فيجوز

______________________________

و لكن إرساله، و إعراض المشهور عنه أسقطه عن الاعتبار، و ما أبعد ما بين قول الصدوق (قدس سره)، و قول الحلبي (قدس سره) من القول باستحباب الإطراق، و لعلّه الأنسب لمقام ذل العبودية في الوقوف عند من استولى على الأشياء بكمال القهارية. و يظهر من ذلك وجه الاحتياط في الانتصاب.

(39) الشروط المذكورة يحتمل أن تكون شرطا لأصل الصلاة، و أن تكون شرطا للذكر، و أن تكون شرطا للقيام من حيث هو قيام، و على أي تقدير فمقتضى حديث «لا تعاد»(1) صحة الصلاة مع الإخلال بها سهوا، مع أنّ عمدة دليل الاستقلال و الاستقرار الإجماع، و المتيقن منه حال الالتفات. نعم، لو كان ذلك كلّه أو خصوص الانتصاب مقوّما لحقيقة القيام بحيث ينتفي أصل القيام بانتفائه نحو انتفاء المشروط بانتفاء شرطه لبطلت الصلاة بتركه و لو سهوا في القيام الركني، لإجماعهم على أنّ ترك الركن و لو سهوا يوجب البطلان، و لكنه احتمال لا يبلغ مرتبة الظهور، لاحتمال أن يكون اعتبار هذه الأمور في أصل الصلاة في عرض اعتبار القيام لا أن يكون مقوّما له. و كذا بناء على ما استقر بناه من أنّ المنساق من القيام قيام خاص فإنّ حديث لا تعاد حاكم عليه أيضا.

(40) لاحتمال دخل ما ذكر في ركنية القيام الركني، فلا يشمله حينئذ حديث لا تعاد.

(41) للأصل و صدق القيام بالوقوف عليهما و لو مع الاعتماد على أحدهما و في خبر محمد بن أبي حمزة عن أبيه قال: «رأيت عليّ بن الحسين عليه السلام

ص: 221


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

أن يكون الاعتماد على إحداهما، و لو على القول بوجوب الوقوف عليهما.

مسألة 12: لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط، أو الإنسان، أو الخشبة

(مسألة 12): لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط، أو الإنسان، أو الخشبة و لا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشيه، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات (42).

______________________________

في فناء الكعبة في الليل و هو يصلّي فأطال القيام حتّى جعل مرة يتوكأ على رجله اليمنى، و مرة على رجله اليسرى» (1).

و لكن يحتمل أن يكون ذلك في النافلة دون الفريضة، لما ورد من أنّ:

«من العبادة تخفيف الفريضة و تطويل النافلة» (2).

و النافلة قابلة للمسامحة من جهات.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين أصل الاعتماد عليهما، أو بين مرتبة من مراتبه.

نعم، لو كان أصل الاعتماد على أحد الرجلين بحيث يصدق القيام على رجل واحدة و عدم القيام على رجلين لكانت هذه المسألة متحدة مع ما تقدم في المسألة الثانية، و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فمن أوجب الاعتماد عليهما أي الوقوف عليهما، و من لم يوجبه أي إلقاء الثقل عليهما بعد صدق الوقوف عليهما عرفا.

(42) للأصل، و ظهور الاتفاق، و عدم احتمال التعيين في إحدى المذكورات احتمالا يعتد به عند المتشرعة حتّى تكون المسألة من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير. فمقتضى الأصل عدم الفرق بين جميع ما ذكر في المتن، و يقتضيه إطلاق أدلة التكاليف الاضطرارية أيضا.

ص: 222


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
مسألة 13: يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره

(مسألة 13): يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما (43).

مسألة 14: القيام الاضطراري بأقسامه

(مسألة 14): القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء، أو الميل إلى أحد الجانبين، أو مع الاعتماد، أو مع عدم الاستقرار، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين مقدم على الجلوس (44).

______________________________

(43) لحكم العقل بوجوب تحصيل غرض الشارع مهما أمكن ذلك للمكلّف ما لم يرد دليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام.

(فرع): لو اعتمد على مغصوب حائطا كان أو غيره. فإن عدّ ذلك تصرّفا صلاتيا عرفا تبطل صلاته، و إلا تصح و إن أثم بالتصرف فيه، و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الموارد، و الظاهر صدقه فيما إذا ألقى ثقل بدنه على حائط مغصوب مثلا حال القيام الصلاتي. و أما لو أخذ بيده على شي ء مغصوب، فالظاهر عدم الصدق.

(44) لأنّ الانتقال إلى الجلوس إنّما هو بعد العجز عن القيام، و لا يصدق العجز عن القيام عرفا إلا بعد عدم التمكن عن جميع مراتبه. نعم، لو ثبت أنّ الانتصاب و الاستقرار، و الاستقلال شرط حقيقة القيام مطلقا كشرطية الطهارة- مثلا- للصلاة، بحيث تنتفي حقيقته مطلقا بانتفاء هذه الشروط أو بعضها لكان عدم التمكن من جميعها أو بعضها موجبا للانتقال إلى الجلوس، كما هو واضح.

و لكن ليس كذلك قطعا حتّى بناء على ما استقربناه، لاحتمال أن تكون تلك الشروط شرطا للصلاة من حيث هي أو للذكر، أو لخصوص القيام من حيث هو، و على الجميع: فالشرطية إما مطلقة، أو في خصوص حال التمكن فقط، و مقتضى سهولة الشريعة و رأفته صلّى اللّه عليه و آله بأمته في هذا الأمر العام البلوى، و ما تقدم من خبري ابني سنان و بكير هو أن تكون الشرطية عند التمكن لا مطلقا، مع أنّ عمدة الدليل على اعتبار الاستقلال و الاستقرار الإجماع، و المتيقن منه حال

ص: 223

و لو دار الأمر بين التفريج الفاحش و الاعتماد، أو بينه و بين ترك

______________________________

التمكن فقط، و في صحيح عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: «سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام، يصلّي فيها و هو جالس يومئ أو يسجد؟ قال عليه السلام: يقوم و إن انحنى ظهره» (1).

فمقتضى إطلاقات أدلة القيام عدم سقوطه مع عدم التمكن من الاستقرار و الاستقلال و الانتصاب و لو على فرض كونها شروطا للقيام، و تقتضي ذلك مرتكزات المصلّين أيضا، فإنّهم يرون الانتقال إلى الجلوس بعد تعذر جميع مراتب القيام، و يرون الانتصاب و الاستقلال و الاستقرار من الشرائط الاختيارية، فلا وجه لما نسب إلى الشهيد (قدس سره) و تبعه غيره من تقديم القعود مع الاستقرار على القيام الفاقد له. فإن كان نظره (قدس سره) إلى أنّ الاستقرار مأخوذ في حقيقة القيام فهو و إن كان حسنا على ما استقربناه، و لكن مع ذلك العرف الخاص لا يرون الانتقال إلى الجلوس بمجرد عدم القدرة على القيام التام. و إن كان نظره إلى خبر الغنوي الوارد في الصلاة في السفينة: «إن كانت محملة ثقيلة قمت فيها لم تتحرّك صلّ قائما، و إن كانت خفيفة تكفأ صلّ قاعدا» (2).

ففيه ما تقدم من أنّ المراد بالأكفاء الانقلاب و خوف الوقوع في البحر، و في مثله يتعيّن الجلوس، و لا وجه لاحتمال صحة القيام، هذا في الاستقرار مقابل الاضطراب. و أما الاستقرار في مقابل المشي فيأتي حكمه في [المسألة 18].

ثمَّ إنّ للتفريج الفاحش مراتب متفاوتة يشكل تقديم بعض مراتبه على الجلوس، فالأحوط الجمع حينئذ. و ما يظهر من الجواهر من الإجماع على تقديم القيام من التفريج الفاحش، على فرض ثبوته لا بد فيه من الاقتصار على المتيقن و هو بعض مراتب التفريج لا جميع مراتبه.

ص: 224


1- الوسائل باب: 14 من أبواب القيام حديث: 5.
2- تقدم ذكره في صفحة: 216.

الاستقرار قدّما عليه (45)، أو بينه و بين الانحناء، أو الميل إلى أحد الجانبين قدّم ما هو أقرب إلى القيام (46).

و لو دار الأمر بين ترك الانتصاب و ترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال (47)، فيقوم منتصبا معتمدا، و كذا لو دار بين ترك الانتصاب و ترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال (48)، و لو دار بين ترك الاستقلال و ترك الاستقلال قدّم الأول (49)، فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة

______________________________

(45) لأنّ مراعاة الاستقرار أهم أو محتمل الأهمية عند المتشرعة من التفريج الفاحش و بحسب الأنظار المتعارفة.

(46) لاحتمال الأهمية فيه حينئذ، و المرجع في تشخيص الأقربية إنّما هو الأنظار المتعارفة، و لا ريب في أنّ للانحناء و الميل إلى أحد الجانبين مراتب متفاوتة كالتفريج، و يمكن أن يتقدم بعض مراتب الانحناء و الميل على بعض مراتب التفريج، و يمكن العكس بين بعض مراتبهما الأخر، و مع التساوي و عدم إحراز الأقربية في أحدهما، فالحكم هو التخيير، و مع احتمالها في كل واحد منهما فالأحوط التكرار.

و من ذلك كلّه يظهر أنّ النزاع في التقديم و التأخير يمكن أن يصير لفظيا، فراجع و تأمل.

(47) لأهمية مراعاة الانتصاب بالنسبة إلى الاستقلال، و لكن للاعتماد أيضا مراتب متفاوتة يشكل تقديم مراتب الانتصاب على بعض المراتب الفاحشة من الاعتماد.

(48) لأنّ عمدة دليله الإجماع أو العرف الخاص، و المتيقن منه غير هذه الصورة.

(49) لاحتمال الأهمية في الاستقرار بالنسبة إلى الاستقلال، و لكنه على إطلاقه مشكل.

ثمَّ إنّ جميع هذه الفروع من صغريات دوران الأمر بين التعيين و التخيير،

ص: 225

الاستقلال و الاستقرار. و مراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال (50).

مسألة 15: إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا

(مسألة 15): إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتّى ما كان منه بصورة الركوع (51) صلّى من جلوس (52) و كان الانتصاب

______________________________

فمع احتمال الأهمية في أحد الطرفين يتعيّن الأخذ به، و مع عدم احتمال الأهمية أصلا في كلّ منهما يتخيّر، و مع احتمالها في كلّ واحد منهما وجب الاحتياط بالتكرار، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما مع عدم إمكان جمعهما في صلاة واحدة.

إن قيل: ما الفرق بين الواجبات الغيرية و الواجبات النفسية حيث يحكم في الثانية بالتخيير مع احتمال الأهمية في كلّ منهما و العجز عن الجمع بينهما بخلاف الأولى؟

يقال: التخيير في الواجبين النفسيين المتزاحمين إنّما هو بحكم العقل حفظا لغرض الشارع مهما أمكن بعد عدم احتمال التعيين في أحد الطرفين. و أما في الواجبات الغيرية- جزءا كانت أو شرطا- فمقتضى قاعدة أنّ المقيد ينتفي بانتفاء قيده سقوط أصل التكليف مع العجز عن القيد إلا أن يرد دليل من الشرع على عدم السقوط، فيكون التكليف حينئذ شرعيا لا عقليا، لكون الخطاب حينئذ تاما من طرف الشارع فإذا تردد بين أمرين و لم يكن معينا في البين يجب الاحتياط لا محالة، و الدليل على عدم سقوط أصل التكليف في المقام الإجماع على عدم سقوط الصلاة بحال، بل الضرورة الفقهية.

(50) قد عرفت أنّه لا كلية لما ذكره بنحو الإطلاق، بل لكلّ منهما مراتب متفاوتة، و المناط كلّه ملاحظة الأقربية المتعارفة إلى هيئة القائم، لتنزل الأدلة الشرعية عليه حينئذ.

(51) لما يظهر من فقهائنا الإجماع على تقديمه على الجلوس، و تدل عليه سيرة المتدينين من الشيوخ الركع فإنّهم يصلّون على ما هم عليه من الانحناء لا أن يجلسوا للصلاة.

(52) نصوصا و إجماعا، بل ضرورة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

ص: 226

جالسا بدلا عن القيام (53)، فيجري فيه حينئذ جميع ما ذكر فيه حتّى الاعتماد و غيره (54)، و مع تعذره صلّى مضطجعا (55) على الجانب

______________________________

«المريض يصلّي قائما، فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده أخفض من ركوعه» (1).

و عن الصادق عليه السلام: «يصلّي المريض قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا» (2).

و في موثق زرارة عنه عليه السلام أيضا في حدّ المرض الذي يفطر فيه الصائم، و يدع الصلاة من قيام، قال عليه السلام: «الإنسان على نفسه بصيرة، و هو أعلم بما يطيقه» (3).

و نحوه صحيح جميل (4) إلى غير ذلك من النصوص، و الكلّ موافق لقاعدة الميسور الجارية في المقام بالإجماع و ظواهر النصوص بعد عدم سقوط الصلاة بحال بالضرورة.

(53) لما هو المنساق من الأدلة في جميع الأبدال الاضطرارية من أنّها كالمبدل في جميع ما يتعلق به إلا ما خرج بالدليل، و تقتضيه مرتكزات المصلّين أيضا خلفا عن سلف من أنّهم يرون الانتصاب في الجلوس مثل الانتصاب القيامي في جميع الجهات.

(54) أما بناء على أنّ هذه الشروط شرط للصلاة أو للذكر فواضح، و أما بناء على أنّها شرط للقيام فلأنّ المنساق من أدلة اعتبارها أنّها شرط في هذا الكون، سواء كان في ضمن القيام مع التمكن منه، أم في ضمن القعود مع العجز عنه. و بعبارة أخرى: شرط للأعم من المبدل و المبدل عنه و عرف المتشرعة يحكم بذلك أيضا.

(55) نصوصا و إجماعا، فعن أبي جعفر عليه السلام في صحيح أبي حمزة

ص: 227


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 15.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 2.

الأيمن كهيئة المدفون (56)، فإن تعذر فعلى الأيسر عكس

______________________________

في تفسير قوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ .. قال عليه السلام: «و على جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالسا» (1).

و في موثق سماعة: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال عليه السلام: فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد» (2).

و ما في بعض الأخبار من أنّه يصلّي مستلقيا- كخبر الهروي عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائما فليصلّ جالسا، فإن لم يستطع جالسا فليصلّ مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يومئ إيماء» (3) و نحوه غيره- إما محمول على عدم التمكن من الاضطجاع، أو على التقية.

(56) لما ادعي من الإجماع عليه، و المسألة بحسب الأصل العملي من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور فيه هو الأول. و بحسب الصناعة من موارد حمل المطلق على المقيد، إذ الأخبار الواردة في المقام على قسمين:

الأول: المطلقات مثل موثق سماعة: «عن المريض لا يستطيع الجلوس؟ قال عليه السلام: فليصلّ و هو مضطجع و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد» (4).

الثاني: ما تقدم من النبويّ (5)، و موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا كيف قدر صلّى إما أن يوجه فيومئ إيماء، و قال عليه السلام: يوجه كما يوجه الرجل في لحده و ينام على جنبه الأيمن، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيفما قدر فإنّه له جائز، و ليستقبل بوجهه جانب القبلة ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء» (6).

ص: 228


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 18.
4- تقدم آنفا.
5- تقدم في صفحة: 227.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 10.

الأول (57). فإن تعذر صلّى مستلقيا كالمحتضر (58). و يجب الانحناء للركوع و السجود بما أمكن (59)، و مع عدم إمكانه يومئ

______________________________

و قريب منه خبر حماد (1) بناء على أنّه خبران، و كيف كان يجعل قوله عليه السلام: «يوجه كما يوجه الرجل ..» بيانا لقوله عليه السلام: «كيف قدر صلّى».

و يظهر من الشرائع التخيير بين الجانبين و حكي ذلك عن جمع، و لعله لقصور سند النبويّ، و دلالة موثق عمار، و لكن قصور السند منجبر بالاعتماد عليه، و لا قصور في دلالة ذيل موثق عمار في الترتيب، فلا وجه للتخيير مع موافقة قول المشهور لمحبوبية التيامن على كلّ حال.

(57) نسب ذلك إلى المشهور أيضا، و الكلام فيه هو الكلام في الاضطجاع على الأيمن بلا فرق، فإنّه بعد عدم التمكن من الاضطجاع على الأيمن يصير الأيسر من موارد التعيين و التخيير، و قد تقدم في النبويّ الانتقال إليه بعد عدم التمكن من الأيمن، و به يقيد إطلاق ما ورد من الأخبار في الباب.

(58) نصّا و إجماعا، و قد تقدم في النبويّ، و عليه يحمل ما تقدم من نحو خبر الهروي.

(59) لقاعدة الميسور، و ظهور الإجماع، و المراد به حالة الجلوس لا الاضطجاع و الاستلقاء، لعدم دليل على لزوم الانحناء فيه، بل مقتضى الأصل عدمه، مع عدم جريان قاعدة الميسور لأنّ الانحناء فيهما مباين للانحناء الركوعيّ. ثمَّ إنّه إن أمكنه الركوع و السجود الحقيقي فلا ريب في الوجوب عليه، لإطلاق دليل وجوبهما، و إن لم يمكنه ذلك وجب الإتيان بما أمكن من الانحناء، لقاعدة الميسور.

ص: 229


1- راجع المعتبر صفحة: 170.

برأسه (60). و مع تعذره فبالعينين بتغميضهما (61).

______________________________

(60) نصوصا و إجماعا، ففي مرسل الفقيه: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رجل من الأنصار و قد شبكته الريح، فقال: يا رسول اللّه كيف أصلّي؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه و إلا فوجوه إلى القبلة و مروه فليوم برأسه إيماء، و يجعل السجود أخفض من الركوع» (1).

و مثله غيره، و قد تقدم النبويّ الدال عليه أيضا.

(61) لقاعدة الميسور التي عمل بها المشهور في المقام، و ما يأتي من النص، و تقتضيه مرتكزات المصلّين من المسلمين أيضا فإنّهم بارتكازهم إذا لم يتمكنوا من المرتبة العليا في مثل هذه الأمور يبادرون إلى ما يمكنهم من الأبدال الممكنة. و الأخبار الواردة في المقام وردت على طبق القاعدة لا أن يكون فيها تعبد خاص حتّى يلزم الاقتصار على مورده، فعن الصادق عليه السلام في المرسل: «يصلّي المريض قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا، فإن لم يقدر أن يصلّي جالسا صلّى مستلقيا: يكبّر ثمَّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ سبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الرّكوع فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثمَّ سبّح فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثمَّ يتشهد و ينصرف» (2).

و مثله خبر محمد بن إبراهيم عنه عليه السلام أيضا، و كذا ما ورد فيمن تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة، كما في خبر عبد السلام بن صالح عن الرّضا عليه السلام (3)، و في موثق سماعة: «عن الرجل يكون في عينيه الماء، فينتزع الماء منها، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من

ص: 230


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 16.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 13 و ملحقة.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب القبلة حديث: 2.

و ليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه (62)، و يزيد في غمض العين للسجود على غمضها للركوع (63)، و الأحوط وضع ما يصح

______________________________

الصلاة الأيام إلا إيماء و هو على حاله، فقال عليه السلام: لا بأس» (1).

و موردها و إن كان المستلقي لكن الظاهر أنّه من باب المثال لا الخصوصية و لذا تعدى المشهور إلى غيره، فهذا الترتيب عرفيّ، فلا وجه لاحتمال اختصاص الإيماء بالعين بخصوص المستلقي دون المضطجع بعد عدم تمكنه من الإيماء بالرأس، كما نسب إلى جمع من الفقهاء، مع أنّ إطلاق ما ورد في الإيماء يشمل المضطجع أيضا، كما تقدم في خبر أمير المؤمنين عليه السلام.

ثمَّ إنّ مقتضى القرينة المرتكزة العرفية من أنّ الإيماء بالرأس مقدم على الإيماء بالعين، عدم صحة حمل الأخبار على التخيير، لأنّه فيما إذا لم تكن هناك قرينة على التعيين، مع أنّ إحراز الإطلاق منها من كلّ جهة ممنوع خصوصا مع هذه القرينة العرفية المحفوفة.

(62) على المشهور بين الأصحاب، و يشهد له النبوي و العلوي المتقدمان (2).

(63) نسب ذلك إلى جمع من الفقهاء (قدس سرهم) منهم المحقق الثاني و الشهيد الثاني للتفرقة بين الغمضين، و لقاعدة الميسور في البدل مهما أمكن، و لأنّ ما ورد في التفرقة بين الإيماءين إنّما هو لأجل الفرق بين كلّ ما كان مصداقا لما هو بدل عن الركوع و السجود بلا خصوصية للإيماء. و دعوى عدم قابلية الغمض للزيادة و النقيصة. خلاف الوجدان، لكونه قابلا للاشتداد و الضعف حسا. و لنا أن نتمسك بإطلاق ما ورد في الإيماء عند عدم التمكن من الإيماء بالرأس.

ص: 231


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 6.
2- تقدما في صفحة: 27، و صفحة: 230.

السجود عليه على الجبهة (64)، و الإيماء بالمساجد الأخر

______________________________

(64) في المسألة أقوال:

الأول: وجوب ذلك، كما عن جمع منهم الشهيدان، و استدل لهم أولا:

بقاعدة الميسور، لأنّ أصل المماسة بين الجبهة و ما يصح السجود عليه واجب، و مع عدم إمكان وضع الجبهة يكون العكس ميسورا فيجب. (و فيه): أنّ الواجب الأصلي إنّما هو وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، و العكس مباين له عرفا لا أن يكون من مراتبه الميسورة. نعم، لو أمكن وضع الجبهة بأي مرتبة من مراتبه لاحتمل وجوبه، لقاعدة الميسور لو لم يمنع جريانها بالإطلاقات الواردة في الاكتفاء بمجرد الإيماء في الأبواب المتفرقة، كصلاة الراكب (1)، و الماشي (2)، و العاري (3)، و من يخاف الرعاف (4)، و من يخاف على عينيه (5) و غير ذلك.

و ثانيا: بموثق سماعة: «عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال عليه السلام: فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد، فإنّه يجزئ عنه، و لن يكلّف اللّه ما لا طاقة له به» (6).

و بالمرسل: «سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس أ يصلّي و هو مضطجع و يضع على جبهته شيئا؟ قال عليه السلام: نعم، لم يكلّفه اللّه إلا طاقته»(7).

و بخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام: «سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء كيف يصلّي و هو مضطجع؟ قال عليه السلام: يرفع مروحة إلى وجهه و يضع على جبينه و يكبّر هو» (8).

ص: 232


1- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب القبلة.
2- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب القبلة.
3- راجع الوسائل باب: 50 من أبواب لباس المصلي.
4- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب القيام حديث: 1.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 2.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 5.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 14.
8- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 21.

.....

______________________________

و فيه: أنّ الأخير مجمل لا وجه للاستناد إليه، و المرسل- مضافا إلى قصور سنده- غاية مفاده الدلالة على الجواز، و هو لا يثبت الاستحباب، فضلا عن الوجوب. و أما الموثق فلا بد من حمله على الندب لكثرة ما ورد من الأخبار بالاكتفاء بمجرد الإيماء في الأبواب المتفرقة من النافلة و الفريضة، قائما و قاعدا، مشيا و ركوبا، مضطجعا و مستلقيا، عاريا و غيره، مع أنّ جميعها في مقام التفصيل و البيان، و لم يشر في واحدة منها إلى وضع شي ء على الجبهة و سياق هذه المطلقات آب عن التقييد.

القول الثاني: التخيير بين وضع شي ء على الجبهة و الإيماء، جمعا بين موثق سماعة و مطلقات الإيماء، فإنّ كلّ واحد منهما ظاهر في الوجوب التعييني فيرفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بقرينة الآخر،، و يحمل على التخييري.

(و فيه): أنّ المطلقات الكثيرة في الأبواب المتفرقة من المحكمات الآبية عن التقييد، كما أنّها آبية عن صرف ظاهرها عن الوجوب التعييني.

القول الثالث: وجوب الوضع عينا بدلا عن الإيماء جمودا على ظاهر موثق سماعة. (و فيه): أنّه مستلزم لطرح المستفيضة الآمرة بالإيماء بدلا عن السجود و هو غريب، أو حملها على ما إذا لم يمكن وضع شي ء على الجبهة و هو أغرب.

و أما خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود. قال عليه السلام: يومئ برأسه إيماء، و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» (1).

فلا يدل على وضع شي ء على الجبهة بل ظاهره العكس و هو واجب حينئذ، كما يأتي في [مسألة 12] من (فصل السجود) فلا بد و أن يحمل لفظ (أحبّ) على اللزوم، كما في آية أولي الأرحام (2). أو يحمل على المريض الذي كان السجود عليه حرجا، و لكن يمكنه الإتيان به مع المشقة فيكون الأحب و الأفضل حينئذ تحمّل المشقة.

ص: 233


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 2.
2- سورة الأنفال: 75.

أيضا (65)، و ليس بعد المراتب المزبورة حدّ موظف (66)، فيصلّي

______________________________

و أما صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن المريض كيف يسجد قال عليه السلام: يسجد على الأرض، أو على مروحة، أو على سواك يرفعه إليه هو أفضل من الإيماء، إنّما كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون اللّه، و إنّا لم نعبد غير اللّه قط، فاسجدوا على المروحة، و على السواك و على عود» (1).

فلا بد و أن تحمل الأفضلية أيضا على الوجوب، فيكون المعنى هو أفضل من الإيماء فقط عند التمكن أي يجب الجمع بينهما، و يمكن أن يحمل على ما حمل عليه خبر الحلبي من أفضلية تحمل المشقة في مورد يكون السجود حرجا، و على أيّ تقدير فهو أجنبيّ عن وضع شي ء على الجبهة، لأنّ ظاهره رفع المسجد و وضع الجبهة عليه، و كذا خبر الكرخي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء، و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال عليه السلام: ليؤم برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء» (2).

و مثل هذه الأخبار يدل على عدم سقوط السجود بأي مرتبة أمكن، و لا ربط لها بوضع شي ء على الجبهة و من ذلك كلّه يظهر وجه للاحتياط.

(65) لا دليل عليه من نص أو إجماع، أو شهرة، أو اعتبار عرفيّ و لذا لم ينسب إلى أحد إلا بعض متأخري المتأخرين في حاشية نجاة العباد و لعلّه تمسك بإطلاق لفظ الإيماء الوارد في النصوص، و هو خلاف الظاهر لظهوره في الإيماء بالرأس و لا يبعد شموله بالإيماء بالعينين أيضا بعد عدم إمكان الإيماء بالرأس. أما الإيماء باليدين للسجود فغير معهود مع عدم إمكان الإيماء بالركبتين و الإبهامين.

(66) للأصل بعد عدم دليل عليه من نصّ أو إجماع، بل ظاهرهم الإجماع على عدم التوظيف.

ص: 234


1- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 11.

كيفما قدر، و ليتحرّ الأقرب إلى صلاة المختار، و إلا فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط (67).

مسألة 16: إذا تمكّن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما

(مسألة 16): إذا تمكّن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس و ركع جالسا (68)، و إن لم يتمكن من الركوع و السجود صلّى قائما و أومأ للركوع و السجود (69)، و انحنى لهما بقدر الإمكان (70)، و إن تمكن من الجلوس جلس لإيماء السجود، و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه على جبهته إن أمكن (71).

مسألة 17: لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود

(مسألة 17): لو دار أمره بين الصلاة قائما موميا أو جالسا مع الركوع و السجود فالأحوط تكرار الصلاة (72)، و في الضيق يتخيّر بين

______________________________

(67) لأنّ المورد حينئذ من دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور فيه هو الأول، و تشهد له قاعدة الميسور أيضا في الجملة.

(68) لقاعدة الميسور، و يأتي في [مسألة 2] من (فصل الركوع) ما يرتبط بالمقام.

(69) لبدلية الإيماء حينئذ عنهما نصّا و إجماعا، و هو متمكن من البدل فيجب.

(70) أما الانحناء للركوع فلقاعدة الميسور. و أما الانحناء للسجود في حال القيام فلا وجه له، لكونه مباينا مع السجود عرفا لا أن يكون ميسورا له. نعم، لو أمكنه الجلوس للسجود و الانحناء له وجب حينئذ، للقاعدة. و لكنه مشكل أيضا.

(71) تقدم أنّه لا دليل على وجوبه و إن كان الأولى الإتيان به رجاء. نعم، لو أمكن العكس وجب.

(72) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما و لا طريق للتعيين، فيجب الاحتياط و ما قيل في تعيين الصلاة قائما موميا وجوه:

الأول: دعوى الاتفاق عن جميع على تعيينه. و فيه: أنّه على فرض

ص: 235

.....

______________________________

اعتباره، المتيقن منه ضيق الوقت و عدم القدرة على الجمع بينهما.

الثاني: اشتراط الجلوس بتعذر القيام نصّا (1) و إجماعا، و مع التمكن منه لا موضوع للجلوس. و فيه: أنّ القيام الذي يكون مقدّما على الجلوس و يشترط الجلوس بالتعذر عنه، إنّما هو القيام المشتمل على الركوع، و السجود الاختياريين، و أما تقدمه على الجلوس المشتمل على الركوع و السجود و الاختياريين مع عدم اشتمال القيام عليهما، بل على الإيماء الذي هو بدل عنهما، فهو أول الدعوى و عين المدعى.

الثالث: أنّ الخطاب بأجزاء الصلاة مترتب، ففي كلّ جزء تلاحظ القدرة بالنسبة إليه، فإن كان قادرا وجب، و إن كان عاجزا سقط، و حيث إنّه قادر على القيام حاله فيجب عليه القيام. و فيه: أنّ خطاب الصلاة- من بدئها إلى ختامها- خطاب واحد، و إن كانت لها أجزاء مترتبة، فالترتيب في المكلّف به لا في أصل التكليف، و حينئذ فإن ثبت أهمية القيام من الركوع و السجود الاختياريين وجب إعمال القدرة فيه، و إلا فلا، و مجرد التقدم الوجودي لا يصير منشأ الأهمية، و ثبوت الأهمية للقيام دونهما أول الدعوى بل قد يدعى العكس، كما يأتي.

و لا فرق فيه بين كون القدرة شرعية أو عقلية، لأنّ إعمال القدرة عند الدوران لا بد و أن يكون في الأهم مطلقا شرعا و عقلا و عرفا. و ما عن بعض من التفصيل بينهما في المقام لا وجه له. نعم، لو ثبت أنّ السبق الوجودي موجب للأهمية يكون مراعاة القيام أهم و لا فرق فيه أيضا بين كون القدرة شرطا عقليا أو شرعيا.

و عن بعض تقديم الجلوس و الإتيان بالركوع و السجود لأهميتهما بالنسبة إلى القيام، لما ورد من: «أنّ الصلاة ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود» (2).

و لما يستفاد من حديث «لا تعاد» (3).

ص: 236


1- راجع الوسائل باب: 1 باب: 14 من أبواب القيام.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

الأمرين (73).

مسألة 18: لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا

(مسألة 18): لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا (74).

______________________________

و فيه: أنّه بإطلاقه شامل للأبدال الاضطرارية أيضا، فيكون الإيماء للركوع و السجود بمنزلة إتيانهما، مع أنّه قد ورد في القيام: «من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» (1).

و عن بعض التخيير مع التساوي و فقد المرجح. و فيه: أنّه لا وجه له مع العلم الإجمالي بوجوب أحدهما، و إمكان الاحتياط و عدم المرجح كما هو المفروض، فيتعيّن الاحتياط بالتكرار.

(73) لعدم الترجيح، و عدم إمكان الجمع، و ظهور إجماعهم على عدم وجوب قضاء الفرد الآخر، و لكن يمكن أن يكون المتيقن من إجماعهم على تعيين القيام مرجحا لاختياره حينئذ.

(74) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما، و عدم ما يدل على التعيين. و عن جمع منهم المفيد و العلامة و الشهيد رحمه اللّه تعيين الصلاة ماشيا على الجلوس و استدلوا تارة: بأنّ الماشي فاقد للاستقرار و هو مقدم على القعود كما مر. و فيه:

أنّ ترك الاستقرار مقدّم على الجلوس إن كان بمعنى الاضطراب لا بمعنى المشي المقابل للوقوف و أخرى: بخبر المروزي قال الفقيه عليه السلام: «المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار أن يمشي بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما» (2).

(و فيه): أنّه على فرض اعتبار سنده إجمال متنه يمنع عن الاعتماد عليه، إذ يحتمل أن يكون في مقام تحديد العجز الموجب للانتقال إلى الجلوس تحديدا تعبديا، أو أن يكون كناية عرفية عن سقوط القيام، أو في مقام تقديم الصلاة ماشيا عليها جالسا و مع هذا الإجمال و عدم الظهور في

ص: 237


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القيام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب القيام حديث: 4.
مسألة 19: لو كان وظيفته جالسا و أمكنه القيام حال الركوع

(مسألة 19): لو كان وظيفته جالسا و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك (75).

مسألة 20: إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز

(مسألة 20): إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز (76)، و كذا إذا تمكن منه في بعض الركعة لا في تمامها.

______________________________

واحد منها كيف يصح الاعتماد عليه، مع أنّهم عليهم السلام أو كلوا حد العجز الموجب للانتقال من القيام إلى الجلوس إلى نفس المكلّف و استشهدوا بقوله تعالى بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (1).

هذا في السعة، و أما في الضيق فيختار الجلوس، لعدم إمكان الجمع و احتمال أهميته حينئذ، و ظهور الإجماع على عدم القضاء.

(75) لقاعدة الميسور، و إطلاق ما دل على القيام مع التمكن منه خصوصا في القيام المتصل بالركوع. هذا إذا كان التمكن بمقدار هذا القدر من القيام فقط. و أما إذا تجددت القدرة له بقدر الصلاة، فإن كان في سعة الوقت يستأنف الصلاة، لقاعدة: «عدم جواز البدار في التكاليف العذرية» إلا ما خرج بالدليل و إن كان في الضيق يأتي ببقية الصلاة قائما و تصح و لا شي ء عليه.

(76) أما أصل وجوب القيام حينئذ، فلإطلاق دليله، و لقاعدة الميسور و أما وجوبه إلى أن يتجدد العجز، فلأنّ المتعارف في إعمال القدرة في التكاليف الاختيارية التي يكون العجز عنها موجبا للتبدل إلى البدل الاضطراري هو ذلك و الأدلة الشرعية منزلة على العرفيات و لو كانت المسألة من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير لكان احتمال التعيين في هذا الطريق أيضا للقرينة العرفية و لو لم تكن هذه القرينة لوجب الاحتياط بتكرار الصلاة، و لكن يمكن أن يقال: المتيقن من بناء العرف إنّما هو فيما إذا كانت الأعمال مستقلة متعددة، و أما لو كانت أجزاء لعمل واحد، فلم يحرز بناؤهم على ذلك، فيتعيّن الاحتياط.

ص: 238


1- سورة القيامة: 14.

نعم، لو علم من حاله أنّه لو قام أول الصلاة لم يدرك من الصلاة قائما إلا ركعة، أو بعضها، و إذا جلس أو لا يقدر على الركعتين قائما أو أزيد مثلا، لا يبعد وجوب تقديم الجلوس (77)، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار الصلاة، كما أنّ الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أول الركعة قائما و العجز حال الركوع أو العكس أيضا تكرار الصلاة.

مسألة 21: إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشيا أو راكبا

(مسألة 21): إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشيا أو راكبا، قدم المشي على الركوب (78).

مسألة 22: إذا ظنّ التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير

(مسألة 22): إذا ظنّ التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير، بل و كذا مع الاحتمال (79).

______________________________

(77) بدعوى: أنّ درك ركعتين مع القيام أهمّ من درك ركعة واحدة معه، فيقدم ما هو الأهمّ و إن تأخر وجودا. و فيه: أنّه فعلا متمكن من القيام، فتشمله الإطلاقات و العمومات الدالة على وجوبه و ليس له إهمال القدرة فعلا، لاحتمال الأهمية في إعمالها فيما قدر فعلا كما مر و منه يظهر وجه الاحتياط في الصورتين هذا في السعة و أما في الضيق، فيختار الأول فيهما.

و عن جمع تقديم القيام حال الركوع على القيام حال القراءة، و عن المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا و لم نعرف الرواية غير ما ورد من: «أنّ الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحسب له صلاة القائم» و لكنّه لا ربط له بالمقام و يأتي في [مسألة 3] من (فصل جميع الصلاة المندوبة) ذكر الخبر، فراجع.

(78) لكون المشي أقرب إلى القيام من الركوب. نعم، لو كان المشي مباينا مع القيام من كلّ جهة وجب الاحتياط في المقام بالجمع بين الصلاة ماشيا و راكبا و في الضيق يتخير حينئذ.

(79) لعدم تبدل التكاليف الاختيارية إلى الأبدال الاضطرارية إلا مع إحراز العجز المستوعب ما لم يدل دليل البدار و لا دليل عليه في المقام و لا إطلاق في

ص: 239

مسألة 23: إذا تمكن من القيام، لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس

(مسألة 23): إذا تمكن من القيام، لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس، و كذا إذا خاف من الجلوس جاز له الاضطجاع، و كذا إذا خاف من لص أو عدو أو سبع أو نحو ذلك (80).

مسألة 24: إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام

(مسألة 24): إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول (81).

______________________________

أدلة الأبدال الاضطرارية حتّى يشمل صرف وجود الاضطرار و لو في أول الوقت و مع رجاء الزوال، فيكون إطلاق أدلة التكاليف الاختيارية هو المرجع.

(80) لتحقق الخوف في جميع ذلك و هو بنفسه عذر موجب لانتقال التكاليف الاختيارية كما تقدم في الوضوء و التيمم و قد يوجب سقوط التكليف كما يأتي في الصوم و الحج و نحوهما، بل يستفاد من خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «رجل نزع الماء من عينيه أو يشتكي عينيه و يشق عليه السجود هل يجزئه أن يومئ و هو قاعد أو يصلّي و هو مضطجع؟ قال عليه السلام: يومي و هو قاعد» (1).

أنّ مطلق الحرج و المشقة و لو لم يكن خوف في البين يوجب انقلاب التكليف و هو الذي تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة و كثرة امتنانه على الأمة إلا أن يدعى ملازمتهما غالبا. هذا مضافا إلى ظهور الإجماع في جميع ذلك.

(81) لأهمية الاستقبال بالنسبة إلى القيام، و يشهد له قوله عليه السلام:

«لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، و الوقت و القبلة و الركوع و السجود» (2).

لكنه إذا لم يتمكن من القبلة الاضطرارية و هي ما بين المشرق و المغرب و أما إذا تمكن منه، فيأتي بالصلاة فيما بينهما قائما إذ لا يبعد شمول الدليل لهذه الصورة أيضا.

ص: 240


1- الوسائل باب: 7 من أبواب القيام حديث: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
مسألة 25: لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس

(مسألة 25): لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس (82) و لو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع و لو عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر (83).

______________________________

و أما ما قيل من أنّ القيام ركن و الاستقبال ليس كذلك، أو أنّ القيام جزء و له وجود خارجيّ بخلاف الاستقبال فإنّه شرط و ليس إلا من مجرد الإضافة، فلا بد من تقديم القيام عند الدوران بينه و بين الاستقبال. ففيه: أنّ الركنية التبعية لا تصلح للترجيح في مقابل ما ورد في الاستقبال من حديث «لا تعاد» (1) مستقلا، و مجرد الوجود الخارجي في القيام لا يكون مرجحا أما أولا: فلأنّ للاستقبال أيضا وجود خارجي عند المتشرعة من بدء الصلاة إلى ختامها بجميع أجزائها و جزئياتها، و يمكن ترجيح الاستقبال من هذه الجهة أيضا.

و ثانيا: فلأنّ المناط كلّه هو التقيد و هو حاصل في كلّ من الجزء و الشرط في عرض سواء ما لم يقم وجه معتبر للترجيح.

(82) لإطلاق أدلة البدلية الشامل للحدوث و الاستدامة، مضافا إلى ظهور الإجماع و لا يجب عليه استئناف ما مضى، لوقوعه بحسب تكليفه جامعا للشرائط، فيشمله إطلاق الدليل لا محالة، مضافا إلى الأصل، و منه يعلم حكم الانتقال إلى الاضطجاع و الاستلقاء و يمكن أن يصلّي صلاة واحدة بحالات أربع قائما، و جالسا و مضطجعا، و مستلقيا، هذا إذا علم بعدم تجدد القدرة بعد ذلك و إلا يتعيّن القطع و التأخير إلى حصول القدرة و الاحتياط في الإتمام ثمَّ الإعادة مع القدرة.

(83) لأنّ الاستقرار شرط في القراءة و لا استقرار في حال الهويّ، فلا بد من ترك القراءة حتّى يستقر و نسب إلى الأصحاب الإتيان بالقراءة حال الهويّ لأنّه أقرب إلى القيام، فتشمله قاعدة الميسور، و لأنّ الاستقرار شرط في حال الاختيار

ص: 241


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع.
مسألة 26: لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه

(مسألة 26): لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه (84)، و كذا لو تجدد للمضطجع القدرة على الجلوس أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال (85).

مسألة 27: إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع

(مسألة 27): إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع، و ليس عليه إعادة القراءة (86)، و كذا لو تجددت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها و لو تجددت بعد الركوع، فإن كان بعد تمام

______________________________

لا مطلقا. و فيه: أنّ الهويّ إلى الجلوس مباين للقيام عرفا، فلا وجه للأقربية و لا موضوع لقاعدة الميسور، مضافا إلى إطلاق أدلة الجلوس بعد العجز عن القيام و مقتضاه عدم الاعتداد بالهويّ و كون الاستقرار شرطا في حال الاختيار لا يوجب سقوطه مع التمكن من تحصيله في الجلوس الذي هو بدل القيام، فيكون مقدورا في البدل و لا وجه لسقوطه حينئذ، و لكن طريق الاحتياط أن يأتي بالقراءة في حال الهويّ بقصد القربة المطلقة ثمَّ يعيدها في حال الجلوس كذلك.

(84) لإطلاق دليل وجوب القيام الشامل للمقام أيضا مضافا إلى إجماع الأعلام و كذا في المضطجع و المستلقي. هذا إذا كان في آخر الوقت، و أما لو كان الوقت واسعا، فيمكن القول ببطلان ما أتى به، لكشف تجدد القدرة عن عدم الأمر بالمأتي به. نعم، يصح ذلك بناء على جواز البدار و لا وجه له إلا مع دليل معتبر عليه و هو مفقود. ثمَّ إنّ إطلاق قول الماتن رحمه اللّه هنا يحمل على ما تقدم منه في [مسألة 22]، فراجع.

(85) لتمكنه من إتيان تمام ما هو الواجب عليه بحسب تكليفه بعد الانتقال و لا إشكال فيه من أحد، بل تلقاه الأصحاب بالقبول.

(86) أما القيام للركوع، فلتمكنه منه، فيشمله إطلاق دليل وجوبه، و أما عدم وجوب إعادة القراءة، فلأنّه أتى بها بحسب تكليفه الفعليّ، فيجزي إن كان في ضيق الوقت و إن كان في السعة، فيستأنف الصلاة و طريق الاحتياط الإتمام و الإعادة.

ص: 242

الذكر انتصب للارتفاع منه (87)، و إن كان قبل تمامه ارتفع منحنيا (88) إلى حدّ الركوع القيامي و لا يجوز له الانتصاب ثمَّ الركوع (89)، و لو تجدّدت بعد رفع الرأس من الركوع لا يجب عليه القيام للسجود لكون انتصابه الجلوسي بدلا عن الانتصاب القيامي، و يجزئ عنه، لكن الأحوط القيام للسجود عنه (90).

مسألة 28: لو ركع قائما ثمَّ عجز عن القيام

(مسألة 28): لو ركع قائما ثمَّ عجز عن القيام فإن كان بعد تمام الذكر جلس منتصبا (91) ثمَّ سجد، و إن كان قبل الذكر هوى متقوّسا إلى حد الركوع (92) الجلوسي ثمَّ أتى بالذكر (93).

______________________________

(87) لأنّه متمكن من القيام بعد الركوع فيجب ذلك عليه، لإطلاق دليل وجوبه.

(88) لتمكنه حينئذ من الذكر حال الركوع الاختياري، فيجب عليه نصّا، و إجماعا.

(89) لأنّه مستلزم لزيادة الركوع، أحدهما ما وقع عن جلوس و الآخر ما حدث عن قيام، فتبطل الصلاة من هذه الجهة.

(90) لاحتمال اعتبار أن يكون الهويّ للسجود عن قيام عند التمكن منه و المفروض أنّه متمكن منه مع احتمال أن تكون بدلية الانتصاب الجلوسي عن الانتصاب القيامي ما دامية لا دائمية.

(91) لأنّه مع عدم تمكنه من القيام بعد الركوع ينتقل إلى بدله، و هو الجلوس منتصبا إجماعا.

(92) لئلا يلزم تعدد الركوع، لأنّ الهويّ متقوسا إلى حد الركوع الجلوسي من مراتب ركوع واحد شرع فيه فحدث له العجز عن إتمامه، فلا يلزم تعدد الركوع، بل هو ركوع واحد ذو مراتب متفاوتة، و لو جلس ثمَّ ركع يكون ما وقع منه أولا ركوعا و ما أتى به بعد الجلوس ركوعا آخر، فتبطل الصلاة من حيث زيادة الركوع.

(93) لاستصحاب وجوبه، بل لإطلاق دليله الشامل لهذه الصورة أيضا،

ص: 243

مسألة 29: يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود

(مسألة 29): يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات و حال ذكر الركوع و السجود، بل في جميع. أفعال الصلاة و أذكارها (94)، بل في حال القنوت و الأذكار المستحبة، كتكبيرة الركوع و السجود (95).

______________________________

و لكن يمكن أن يقال: إنّه قد أتى بذات الركوع الاختياري و تعذر عليه الذكر لتعذر استدامة الركوع الاختياري، فلا يبقى موضوع للانتقال إلى البدل مع الإتيان بذات الركوع الاختياري. كما لا يبقى موضوع للإتيان بالذكر أيضا، لأنّ موضوعه كان الركوع الاختياري الذي أتى به و تعذر استدامته، و على هذا يشكل الجزم بوجوب الهوي إلى حدّ الركوع الجلوسي أيضا، لفرض الإتيان بذات الركوع الاختياري، و العجز إنّما حصل في خصوص الذكر فقط و فات محلّه لفوات موضوعه، و لكن يرد عليه: أنّه متمكن عرفا من تحصيل الذكر الواجب، فيجب عليه تحصيله.

(94) للإجماع في ذلك كلّه، و سيرة المصلّين من المتشرعة قديما و حديثا و قوله عليه السلام: «و ليتمكن في الإقامة، كما يتمكن في الصلاة» (1).

الذي يستفاد منه مفروغية الاستقرار في حال الصلاة، و تقتضيه مناسبة الحكم و الموضوع، إذ الحضور لدى العظيم المطلع على خائنة الأعين و ما تخفي الصدور لا بد و أن يكون مع الهدوء و السكون و الاستقرار مطلقا، و قد تقدم بعض الكلام فيه أيضا، فراجع.

(95) لتسالمهم عليه، و لكن في الاعتماد عليه إشكال، لاختلافهم في أنّ المندوبات جزء حقيقي للصلاة، أو صوري فقط، أو أنّ الصلاة ظرف تلك المندوبات من دون دخل لها فيها أصلا، لكن يمكن أن يقال: إنّ الاختلاف في هذه الجهة لا ينافي الوفاق في أصل اعتبار الاستقرار في الجملة.

ثمَّ إنّ الاستقرار في المندوبات يحتمل أن يكون شرطا لصحة أصل الصلاة و هو بعيد، أو لخصوص المندوبات و هو الظاهر، فيبطل المندوبات، من جهة الإضافة إلى الصلاة و يبقى عنوان مطلق الذكرية، و يصح أصل الصلاة مع تحقق

ص: 244


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 12.

نعم، لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم الاستقرار لا بأس به، و كذا لو سبّح، أو هلّل (96)، فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال الهويّ له أو للسجود كذلك أو في حال النهوض يشكل صحته (97)،

______________________________

الاستقرار في واجباتها، و يحتمل أن يكون وجوب الاستقرار في مندوبات الصلاة، كوجوب المتابعة في الجماعة واجبا نفسيا لا غيريا، فلا يبطل المندوب و لا الصلاة بتركه إلا إذا انطبق عليه مبطل آخر، و لكن مقتضى المرتكزات عند المتشرعة كون الاستقرار فيها شرطا صلاتيا في مندوبات الصلاة، كواجباتها على فرض تمامية دليل اعتباره، فتبطل الصلاة بتركه كما تبطل بتركه في واجبات الصلاة.

(96) إذ لا فرق في مطلق الذكر بين حال الصلاة، و بين غيرها في عدم اعتبار الاستقرار فيه، للأصل و إطلاق دليل مطلوبيته.

(97) إن كان منشأ الإشكال فقد الاستقرار فلا وجه له، لأنّه فيما إذا أتى بالذكر المندوب في محلّه مع عدم الاستقرار، كما إذا أتى بتكبير الركوع و السجود في حال الانتصاب مضطربا، و قد جزم (قدس سره) باعتبار الاستقرار في الأذكار المندوبة قبل ذلك، و مقتضاه البطلان لا الإشكال في الصحة، و سيأتي منه رحمه اللّه الاحتياط الوجوبي في اعتبار الطمأنينة في الأذكار المندوبة في الركوع.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ جميع الأذكار المندوبة التي يؤتى بها في الصلاة متضمنة لقصد مطلق الذكر، بلا إشكال، و يمكن ترجيح هذه الجهة عند فقد الاستقرار فلا موجب للإشكال.

و إن كان منشأ الإشكال صدق الزيادة من جهة أنّ محلّهما حال الانتصاب، فالإتيان بهما في غيره زيادة فلا بد له رحمه اللّه من الحكم بالبطلان، لما تقدم منه رحمه اللّه في [مسألة 3] من هذا الفصل من أنّ إتيان القنوت جالسا يوجب بطلان الصلاة للزيادة، و لا فرق بينه و بين المقام، إلا أن يقال: إنّ المتشرعة يرون التكبير في حال الهويّ من إتيان الشي ء في محلّه بلا استقرار، لا أن يكون من الزيادة مع أنّه يمكن أن يقال إنّ هذه التكبيرة حيث إنّها في نهاية القيام و بدء الهوي

ص: 245

فالأولى لمن يكبّر كذلك أن يقصد الذكر المطلق. نعم، محلّ قوله:

«بحول اللّه و قوته» حال النهوض للقيام.

مسألة 30: من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه

(مسألة 30): من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه و إلا وضع ما يصح السجود عليه على جبهته، كما مر (98).

مسألة 31: من يصلّي جالسا يتخيّر بين أنحاء الجلوس

(مسألة 31): من يصلّي جالسا يتخيّر بين أنحاء الجلوس (99). نعم، يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء (100)،

______________________________

إلى الركوع، و نوع الناس خصوصا سوادهم لا يلتفتون إلى الاستقرار فيها اغتفر فيها الحركة تسهيلا، كما اغتفر في «بحول اللّه و قوته» هذا كلّه مع التعمد. و أما مع الجهل، فيمكن التمسك بحديث «لا تعاد»(1) بناء على شموله لصورة الجهل، مضافا إلى ما قلناه.

(98) و مر التفصيل في [مسألة 15] فراجع، و ظاهره هنا الفتوى و صرّح هناك بالاحتياط، و لا دليل على لزوم الاحتياط في الثاني فضلا عن الفتوى.

(99) للإطلاق الشامل للجميع، و أصالة عدم اعتبار خصوصية خاصة، و في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الصلاة في المحمل: «صلّ متربعا و ممدود الرجلين و كيفما أمكنك» (2).

و إن كان في استفادة الإطلاق منه في كلّ حال إشكال، و لكن في الإطلاقات كفاية، مضافا إلى خبر معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«أ يصلّي الرجل و هو جالس متربع و مبسوط الرجلين؟ فقال عليه السلام: لا بأس بذلك» (3).

(100) قد ادعي الإجماع على استحباب تربع المصلّي جالسا، و استدل له مضافا إلى ذلك، بما عن أحدهما عليهما السلام: «كان أبي إذا صلّى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه» (4).

ص: 246


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب القيام حديث: 5.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب القيام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب القيام حديث: 4.

و هو أن يرفع فخذيه و ساقيه، و إذا أراد أن يركع ثنى رجليه (101)، و أما بين السجدتين و حال التشهد فيستحب أن يتورك (102).

مسألة 32: يستحب في حال القيام أمور

(مسألة 32): يستحب في حال القيام أمور:

أحدها: إسدال المنكبين (103).

______________________________

و قال في الجواهر:

«لا أعرف خلافا في أنّ المراد بالتربع هنا نصب الفخذين و الساقين، و إن كان لم يساعده شي ء مما وقفنا عليه من كلام أهل اللغة بالخصوص و أنّه عبارة عن الكيفية المتعارفة، إلا أنّ الأصحاب لعلّهم أخذوه من أنّه هو جلوس القرفصاء المنقول عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و هو الأقرب إلى القيام، و هو جلوس العبد المتهيئ للامتثال الذي قد أمر به في بعض الأخبار».

أقول: في الحديث: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجلس ثلاثا:

القرفصاء، و على ركبتيه، و كان يثني رجلا واحدة و يبسط عليها الأخرى، و لم ير متربعا قط» (1).

مع أنّ في هذا النحو من الجلوس نحو تذليل يناسب العبودية و العبادة.

(101) لظهور الإجماع، و ما تقدم من الخبر.

(102) يأتي الأول في الخامس عشر من (فصل مستحبات السجود) و الثاني في [مسألة 4] من (فصل التشهد)، فراجع.

(103) لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى دع بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره، و اسدل منكبيك و أرسل يديك، و لا تشبك أصابعك و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك، و ليكن نظرك إلى موضع سجودك» (2).

ص: 247


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

«الثاني»: إرسال اليدين (104).

«الثالث»: وضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين، اليمنى على الأيمن و اليسرى على الأيسر (105).

«الرابع»: ضم جميع أصابع الكفين (106).

«الخامس»: أن يكون نظره إلى موضع سجوده (107).

«السادس»: أن ينصب فقار ظهره و نحره (108).

______________________________

و في صحيح حماد الوارد في بيان كيفية صلاة الصادق عليه السلام و تعليمها لحماد بن عيسى: «فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه و قد ضم أصابعه و قرب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاث أصابع مفرجات، و استقبل بأصابع رجليه جميعا لم يحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة- الحديث-» (1).

(104) لما تقدم من قول أبي جعفر عليه السلام، مضافا إلى الإجماع.

(105) إجماعا و نصّا، تقدم في قول أبي جعفر عليه السلام.

(106) لما تقدم من قول الصادق عليه السلام، مضافا إلى ظهور الاتفاق على الندب.

(107) لما مرّ من قول أبي جعفر عليه السلام: «و ليكن نظرك إلى موضع سجودك» المحمول على الندب إجماعا، و عن جمع تقييده بأن يكون على نحو الاستكانة و التخشع لا التحديق.

(108) لما ورد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في تفسير قوله تعالى:

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، قال عليه السلام: «النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحره» (2).

ص: 248


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة و حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القيام حديث: 3.

«السابع»: أن يصف قدميه مستقبلا بهما متحاذيتين بحيث لا تزيد إحداهما على الأخرى و لا تنقص عنها (109).

«الثامن»: التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرجات، أو أزيد إلى الشبر (110).

«التاسع»: التسوية بينهما في الاعتماد (111).

«العاشر»: أن يكون مع الخضوع و الخشوع كقيام العبد الذليل بين يدي المولى الجليل (112).

______________________________

(109) لظهور قوله عليه السلام فيما مرّ: «و قرب بين قدميه، و استقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة في ذلك».

و في الرضوي: «و صفّ بين قدميك» (1).

(110) لما مرّ في قول أبي جعفر في صحيح زرارة.

(111) لما في الرضوي: «و لا تتكي مرة على رجلك، و مرة على الأخرى» (2).

(112) لما مرّ من قول الصادق عليه السلام: «بخشوع و استكانة»، و يشهد له الإجماع و الاعتبار. و قد قلنا:

«و قم قيام البائس الذّليل بين يدي مهيمن جليل»

«فالسّرّ في حضوره علانية و ليس مستورا عليه خافية»

«و لازم الوقار في حضور من أسرارنا لدى جنابه علن»

«يحبّ كلّ من دنا إليه يفيض من ألطافه عليه»

ص: 249


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 7.

فصل في القراءة

اشارة

(فصل في القراءة)

فصل في وجوب القراءة
اشارة

يجب في صلاة الصبح و الركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد (1)، و سورة كاملة (2).

(فصل في القراءة)

______________________________

(1) بضرورة المذهب، بل الدّين، و نصوص كثيرة، كصحيح ابن مسلم:

«عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال عليه السلام: لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» (1).

و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أمّ القرآن، قال عليه السلام: إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» (2).

و موثق سماعة: «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال عليه السلام: فليقل: أستعيذ باللّه من الشيطان الرّجيم إنّ اللّه هو السميع العليم ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع، فإنّه لا صلاة له حتّى يقرأ بها في جهر أو إخفات، فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء اللّه تعالى» (3).

و معهودية موضعها في الشريعة خلفا عن سلف أغنى عن التعرض له في الأدلة، و تأتي بعض الأخبار من أنّ القراءة سنة. و المراد بها ما ثبت وجوبه بغير الكتاب.

(2) لما استدل عليه بالإجماع و النصوص:

ص: 250


1- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

منها: معتبرة الهمداني قال: «كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي: ليس بذلك بأس، فكتب بخطه: يعيدها مرّتين على رغم أنفه، يعني العباسي» (1).

و فيه: أنّ دلالته على جزئية البسملة للسورة ظاهرة. و أما الدلالة على وجوب سورة كاملة في الصلاة فلا، و الظاهر من الإعادة إعادة البسملة.

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء الصلاة التطوع بالليل و النهار» (2).

و فيه: أنّ مفهوم الوصف ليس بحجة، و يمكن أن يكون لأجل تأكد الاستحباب بالنسبة إلى غير المريض و عدم التأكد بالنسبة إليه. و يشهد له ذيله فإنّ السورة ليست بواجبة في النافلة مطلقا. نعم، هي مندوبة مؤكدا في أدائها، و لا تكون بذاك التأكيد في القضاء.

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا» (3).

و فيه: أنّ الاستدلال به للندب أولى منه للوجوب، لأنّ السياق سياق المندوبات، و قد تقدم نظير هذا التعبير في ترك الأذان مع الاستعجال(4).

و منها: صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في فاتحة الكتاب؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن اقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم مع السورة، قال

ص: 251


1- الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- راجع صفحة: 31.

.....

______________________________

عليه السلام: نعم» (1).

و فيه: أنّ دلالته على جزئية البسملة للفاتحة و السورة واضحة. و أما الدلالة على وجوب إتيان سورة كاملة في الفريضة فلا.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في المأموم المسبوق: «قرأ في كلّ ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب» (2).

و فيه: أنّ استفادة مشروعية السورة التامة منه لا ريب فيه. و أما الوجوب فلا دلالة فيه، و مثله قول أحدهما عليهما السلام في صحيح محمد: «لكلّ سورة ركعة» (3).

فإنّه أعم من الوجوب كما لا يخفى.

و منها: صحيح معاوية بن عمّار: «من غلط في سورة فليقرأ (قل هو اللّه أحد) ثمَّ ليركع» (4).

و فيه: أنّه في مقام بيان إجزاء سورة قل هو اللّه أحد عما غلط فيه و لا يدل على وجوب سورة كاملة في كلّ ركعة.

و منها: صحيح ابن بزيع قال: «سألته قلت: أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أ يصلّي المكتوبة على الأرض، فيقرأ أمّ الكتاب وحدها أم يصلّي على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ قال: إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة و غيرها، و إذا قرأت الحمد و السورة أحب إليّ و لا أرى بالذي فعلت بأسا» (5).

بدعوى: أنّه لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك القيام.

ص: 252


1- الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 43 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

و فيه: أنّ ترك القيام إنّما هو لأجل الخوف وجبت السورة أولا، مع أنّ ذيله ظاهر في الصلاة المستحبة.

و منها: ما عن ابن شاذان، عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيّعا، و ليكون محفوظا مدروسا فلا يضمحل و لا يجهل، و إنّما بدأ بالحمد دون سائر السور- الحديث» (1).

و فيه أولا: أنّه يمكن أن يكون المراد بالقراءة خصوص الحمد. و ثانيا:

أنّه في مقام بيان أصل التشريع لكلّ من الوجوب و الندب.

و منها: غير ذلك مما استدل به على الوجوب القاصر سندا أو دلالة مع أنّ الجميع معارض بأخبار ظاهرة في الاقتصار على الفاتحة وحدها في الفريضة و بعضها صريحة في جواز الاقتصار على بعض السورة، كصحيح ابن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» (2).

و عنه عليه السلام أيضا في صحيح الحلبي: «إنّ فاتحة الكتاب تجزي وحدها في الفريضة» (3).

و صحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ فقال يقرأ الحمد ثمَّ يقرأ ما بقي من السورة» (4).

و صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته، أو يدع تلك السورة و يتحوّل منها إلى غيرها، فقال: كلّ ذلك لا بأس به، و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع» (5).

و صحيح إسماعيل بن الفضل قال: «صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام أو

ص: 253


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

غيرها (3)، بعدها (4) إلا في المرض و الاستعجال (5)، فيجوز

______________________________

أبو جعفر عليه السلام فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة، فلما سلّم التفت إلينا فقال: أما إنّي أردت أن أعلّمكم» (1).

و مثله عن سليمان بن أبي عبد اللّه قال: «صلّيت خلف أبي جعفر عليه السلام فقرأ بفاتحة الكتاب و آي من البقرة فجاء أبي فسئل فقال: يا بني إنّما صنع ذا ليفقهكم و يعلمكم» (2).

و صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن تبعيض السورة فقال: أكره و لا بأس به في النافلة» (3).

و مثلها جملة أخرى من الأخبار و أحسن طريق للجمع بين الطائفتين من الأخبار حمل الأولى على الاستحباب و هو الجميع الشائع في الفقه، و حمل الثانية على الضيق و الاستعجال بعيد عن سياقها.

و يمكن المناقشة في الشهرة، و دعوى الإجماع بأنّهما اجتهاديان حصلا مما بأيدينا من الأخبار لا أن يكون مستندين إلى ما خفي علينا. و أما حمل الطائفة الثانية على التقية، فهو فرع تمامية دلالة الطائفة الأولى و تقدم عدمها. و أما التمسك للوجوب بقاعدة الاحتياط، فهو مبنيّ على أنّها المرجع في الدوران بين الأقلّ و الأكثر و قد ثبت في محلّه أنّ المرجع فيه البراءة دون الاحتياط و لذا اختار صاحب المدارك عدم وجوب السورة الكاملة إلّا أن يقال إنّ كون الإكمال من شعار الخاصة قديما و حديثا بحيث عرفوا به و كون التبعيض من شعار غيرهم، و إعراض المشهور عن الطائفة الثانية، و موافقتها للعامة يوجب الوهن فيها، فما هو المشهور هو المعوّل عليه و المنصور.

(3) للإجماع عن كلّ من قال بوجوب سورة كاملة، و لظواهر ما مر من النصوص.

(4) لما تقدم في سابقة من الإجماع، و ظواهر النصوص.

ص: 254


1- الوسائل باب: 5 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

الاقتصار على الحمد، و إلا في ضيق الوقت أو الخوف و نحوهما

______________________________

(5) للنص، و الإجماع فيهما، قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها- الحديث-» (1).

و عن الصيقل قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي ء، فقال: لا بأس» (2).

و المراد بقوله مستعجلا ما إذا كان مستعجلا قبل الشروع في الصلاة، و المراد بقوله أو أعجلني ما إذا حدثت العجلة حين الصلاة.

فروع- (الأول): لا ريب في السقوط إذا انطبقت الضرورة الفعلية على الاستعجال و العجلة، و كذا الخوف من حدوث ضرر نفسيّ أو عرضيّ، أو ماليّ، بل هما مستقلان و من موجبات السقوط كما يأتي، و إذا كان الاستعجال لدرك الأمور الراجحة كعيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو حضور بحث فقه أو تعلم علم القرآن و نحو ذلك مما هو راجح دينا، أو دنيويا، ففي السقوط وجهان، مقتضى الجمود على الإطلاق هو الأول.

(الثاني): الظاهر أنّ المدار على تحقق الاستعجال في نظر المصلّي سواء كان في الواقع متحققا أم لا، فالمقام يكون نظير حصول الخوف.

(الثالث): السقوط رخصة لا عزيمة، لأصالة عدم تحقق خصوصية العزيمة.

(الرابع): لو دار الأمر في الاستعجال بين ترك أصل السورة أو التبعيض، مقتضى قاعدة الميسور تقديم الثاني.

(الخامس): لا فرق في الاستعجال بين إحرازه وجدانا أو إخبار من يعتمد على قوله لموجب الاستعجال.

ص: 255


1- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

من أفراد الضرورة (6)، فيجب الاقتصار عليها و ترك السورة، و لا يجوز تقديمها عليها (7)، فلو قدّمها عمدا بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانيا (8) و عكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها،

______________________________

(6) أما في ضيق الوقت، فلظهور الإجماع، و قصور أدلة تشريعها عن شموله، و لأهمية درك الوقت عن مثل هذا الواجب، و دليل من أدراك يشمل مورد الفوات لا التفويت، مع إمكان شمول إطلاق دليل الاستعجال له أيضا، و كذا ما ورد في المأموم المسبوق (1).

و أما الخوف، فلما عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحلبي: «لا بأس بأن يقرأ الرجل بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا» (2).

و أما سائر الضرورات، فلظهور الإجماع، و إمكان استفادته مما ورد في الاستعجال بالأولوية.

(7) إجماعا، بل ضرورة، و لظواهر النصوص المتقدمة.

(8) استدل للبطلان تارة: بإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (3). و أخرى: بأنّه من القرآن الموجب للبطلان.

و ثالثة: بأنّه من خلاف الترتيب الظاهر دليله في المانعية، و رابعة: بأنّه محرّم و كلّ محرّم في الصلاة موجب لمحو صورتها، و خامسة: بأنّه حينئذ من كلام الآدميين، فتبطل الصلاة من هذه الجهة، و سادسة: بأنّه من التشريع الموجب للبطلان.

و يمكن الخدشة في الكلّ:

أما الأول، فلتفسير الزيادة المبطلة في بعض الأخبار بالركعة (4)فيشكل

ص: 256


1- الوسائل باب: 47 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

التمسك بإطلاق: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» للبطلان من هذه الجهة، و مقتضى الأصل الصحة و عدم المانعية.

و أما الثاني: فممنوع صغرى و كبرى و يأتي التفصيل في [المسألة 11].

و أما الثالث: فلأنّ غايته بطلان نفس السورة المتقدمة و عدم انطباق الجزئية للصلاة عليها، و أما كونها موجبة لبطلان أصل الصلاة فهو أول الدعوى.

و أما الرابع: فعهدة إثباته على مدعيه في السورة التي هي من القرآن، و لا إشكال في جواز قراءته في الصلاة مطلقا.

و أما الخامس: فبطلانه غنيّ عن البيان فيما ينطبق عليه قراءة القرآن.

و أما السادس: فهو مسلّم إن أوجب فقد قصد القربة في أصل الصلاة و إلّا فلا وجه لبطلانها. نعم، يمكن أن يبطل نفس الجزء المشرع فيه، مع أنّ تعمد التقديم أعمّ من قصد التشريع قطعا و لذا ذهب الأردبيلي و من تبعه إلى الصحة، و لكن الحق هو البطلان كما صرّح به الفاضل و الشهيدان، بل يظهر من الأكثر، لأنّ الصلاة مع هذا التعمد من مظاهر التجرّي على المولى و الاستهانة بأمره، و ما كان كذلك لا يصلح للتقرب به إليه، و الوجوه المذكورة و إن أمكنت المناقشة فيها، لكن جميعها يصلح للتأييد و الاستشهاد، مع أنّه قد أرسل جمع من الأساطين بطلان الصلاة- بالزيادة العمدية مطلقا- إرسال المسلّمات بحيث يستدل به لا عليه.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق قولهم بأنّ الزيادة العمدية توجب البطلان عدم الفرق بين الفريضة و النافلة، و لكنه مشكل مع كثرة التسامح و التساهل في النافلة كما يأتي- في (فصل جميع الصلوات المندوبة)- من وجوه الفرق بين الفريضة و النافلة و يمكن أن يستفاد من الأدلة أنّ النافلة بالنسبة إلى السورة لا اقتضاء من حيث قراءتها و عدم القراءة، و من حيث الوحدة و التعدد، و التقديم و التأخير، إلّا بعض صلوات خاصة تعتبر فيها سورة مخصوصة و يأتي في المسائل الآتية ما يشهد لما قلناه.

ص: 257

و لو قدّمها سهوا و تذكر قبل الركوع أعادها بعد الحمد، أو أعاد غيرها (9) و لا يجب عليه إعادة الحمد إذا كان قد قرأها (10).

مسألة 1: القراءة ليست ركنا

(مسألة 1): القراءة ليست ركنا (11)، فلو تركها و تذكر بعد

______________________________

(9) أما صحة الصلاة، فلحديث «لا تعاد»، و خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثمَّ ذكر بعد ما فرغ من السورة، قال يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل» (1).

و أما وجوب إعادة السورة أو غيرها، فلإطلاق دليل وجوب قراءة السورة الشامل لهذه الصورة.

(10) للأصل، و إطلاق دليل الإجزاء بالفاتحة الملحوقة بالسورة المأتي بها سهوا. نعم، لو دل دليل على أنّ من شرط الإتيان بالفاتحة أن لا تتقدمها سورة و لو سهوا لوجب إعادة الفاتحة لوقوعها باطلة حينئذ، و لكنه لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل الأصل و الإطلاق على خلافه.

(11) للإجماع، و النصوص:

منها: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إنّ اللّه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود، و القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شي ء عليه» (2) و عن و قريب منه غيره.

و يدل عليه حديث «لا تعاد» (3) أيضا.

ص: 258


1- الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب القواطع في الصلاة حديث: 4.

الدخول في الركوع صحت الصلاة (12) و سجد سجدتي السهو مرتين (13): مرة للحمد، و مرة للسورة، و كذا إن ترك إحداهما و تذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة و سجد سجدتي السهو (14)، و لو تركهما أو أحدهما و تذكر في القنوت أو بعده قبل الوصول إلى حد الركوع رجع و تدارك، و كذا لو ترك الحمد و تذكر بعد الدخول في السورة رجع و أتى بها، ثمَّ بالسورة (15).

______________________________

(12) إجماعا و نصّا (1) و يأتي التفصيل في [مسألة 18] من (فصل الخلل الواقع في الصلاة).

(13) أما أصل وجوب سجدتي السهو، فمبنيّ على وجوبهما لكلّ زيادة و نقيصة مطلقا و يأتي في (فصل موجبات سجود السهو) عدم الدليل على هذا الإطلاق و إن كان أحوط، و أما كونها مرّتين فمبنيّ على عدّ ترك كلّ واحدة من الفاتحة و السورة نقيصة مستقلة حتّى مع وحدة السهو، لكنّه ممنوع، لما يأتي- في [مسألة 2] من الفصل المزبور- أنّ المدار على وحدة السهو و المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ وجوب سجدتي السهو مرة واحدة معلوم و الشك في الزائد و المرجع البراءة بعد قصور الدليل عن إثباته.

(14) ظهر حكمه مما تقدم في سابقة.

(15) كلّ ذلك لما تسالموا عليه من أنّ فوت محلّ المنسيّ لا يتحقق إلّا بالدخول في الركن اللاحق و لا أثر للدخول في الجزء اللاحق في ذلك واجبا كان أو مندوبا ما لم يكن ركنا و إنّما يكون له الأثر بالنسبة إلى الشك فقط، فلا يجب الاعتناء بالمشكوك مع الدخول في الجزء اللاحق أيّ جزء كان، لقاعدة التجاوز.

و أما الترك نسيانا، فمقتضى الأصل و الإطلاق وجوب الإتيان به إلّا فيما هو المعلوم من مورد السقوط و يأتي في [مسألة 18] من (فصل الخلل الواقع في الصلاة) ما ينفع المقام.

ص: 259


1- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام.
مسألة 2: لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال

(مسألة 2): لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال (16)،

______________________________

(16) على المشهور، بل ظاهرهم عدم الخلاف فيه إلّا عن بعض المتأخرين و استدل عليه أولا: بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تقرأ في الفجر شيئا من آل حم» (1).

و عنه عليه السلام أيضا: «من قرأ شيئا من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت» (2).

فيستفاد منهما عدم جواز قراءة ما يوجب تفويت الوقت. و فيه: مضافا إلى قصور سندهما قصور دلالتهما أيضا، لأنّ الحرمة المستفادة منهما إما نفسية أو وضعية بمعنى المانعية، أو إرشادية محضة إلى عدم جواز تفويت الوقت، و الظاهر منهما هو الأخير خصوصا الخبر الثاني، فيصير من صغريات مسألة الضد و قد تقرر في محلّه أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، فلا تصير الصلاة مبغوضة حتّى تكون باطلة، و لكن يمكن استفادة المانعية- كما هو ظاهر الفقهاء- من مثل هذه الأخبار، مع أنّه لم يستشكل على الخبرين من هذه الجهة و مناسبة الحكم و الموضوع تشهد لها أيضا.

و ثانيا: بأنّها من الزيادة المبطلة. و فيه: منع صدق الزيادة عليها و لا أقلّ من الشك في ذلك فلا يصح التمسك بإطلاق دليل الزيادة حينئذ.

و ثالثا: بأنّه من التشريع المبطل. و فيه: أنّه يتم فيما إذا قصد خصوص الأدائية و لم يدرك ركعة من الوقت لا فيما إذا أدرك ركعة منه أو قصد أصل الصلاة و لم يقصد الأدائية.

و رابعا: بالإجماع. و فيه: الإشكال المعروف من عدم الاعتماد على الإجماع المنقول، و لكن يمكن أن يقال: إنّ ظهور التسالم عليه بين القدماء و ورود النص المعمول عندهم، بل و استنكار المصلّين لذلك يكشف عن عدم

ص: 260


1- الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

فإن قرأه عامدا بطلت صلاته (17) و إن لم يتمه إذا كان من نيته الإتمام حين الشروع (18) و أما إذا كان ساهيا فإن تذكر بعد الفراغ أتم

______________________________

رضاء الشارع به أيضا، فيستكشف من ذلك كلّه مبغوضية إتيان ما يفوت به الوقت لدى الشارع، فلا يكون النهي إرشادا محضا، بل يكون للمانعية كما هو المنساق من مثل هذه الأخبار.

(17) نسب ذلك إلى الأصحاب و استدل عليه تارة: باستفادة المانعية مما تقدم من الخبرين و أشكل عليه بما مر من التأمل في الجزم بها.

و أخرى: بأنّه مأمور بالسورة القصيرة، فإن اقتصر على الطويلة، فهو من نقص الجزء، و إن أتى بالقصيرة فهو من القرآن المبطل كما يأتي في [مسألة 10]. و فيه: أنّ البطلان بالقرآن محلّ إشكال خصوصا في مثل المقام الذي يتوسل به إلى إدراك الوقت.

و ثالثة: بعدم الأمر بالسورة المقروءة، لامتناع التكليف بما لا يسعه الوقت، فيكون الإتيان به بعنوان الجزئية من الزيادة المبطلة. و فيه: ما تقدم من عدم انطباق الزيادة المبطلة على مثل المقام، فراجع مع كفاية ملاك المحبوبية في الإتيان بها، و لكن يمكن أن يقال: إنّ تفويت الصلاة و لو ببعضها عمدا و اختيارا كأن يؤتى به بعنوان الجزئية يجعل نفس الصلاة مبغوضة لدى الشارع، فلا تصلح للتقرب بها إليه تعالى.

(18) لأنّ ما أتى به مع هذا القصد مبغوض، و اشتمال الصلاة على مثل هذا القصد المبغوض من حيث هو داخل الصلاة و من مقوّماتها يوجب مبغوضيتها، فلا يصلح للتقرب بها، مع أنّه بناء على استفادة المانعية كما هو المتسالم عليه لديهم لا فرق فيها بين التمام و بين ما إذا أتى بالبعض بقصد الإتمام هذا إذا كان من قصده الإتمام. و أما إذا قصد إتيان بعضها لإتمامها أو لم يكن متوجها إلى هذه الجهة أصلا، و قرأ سورة قصيرة أخرى مع إدراك تمام الوقت، فلا وجه للبطلان لا من جهة القرآن، لأنّه فيما إذا جمع بين تمام السورتين و لا من جهة العدول، لما

ص: 261

الصلاة و صحت (19)، و إن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضا (20) و لا يحتاج إلى إعادة سورة أخرى (21)، و إن تذكر في الأثناء عدل إلى غيرها إن كان في سعة الوقت (22)، و إلا تركها ركع و صحت

______________________________

يأتي في [مسألة 19]. نعم، يشكل من حيث الزيادة العمدية بناء على شمول دليل الزيادة لمثل المقام.

(19) لسقوط النهي عن الفعلية لأجل العذر، و المقتضي للجزئية موجود و المانع عنها مفقود، فتكون السورة المأتي بها جزءا لا محالة، هذا بناء على كون النهي إرشادا إلى عدم تفويت الوقت. و أما بناء على استفادة المانعية و عدم اختصاصها بحال العمد فتبطل الصلاة حينئذ، لكن مقتضى حديث «لا تعاد» الصحة إن حصل قصد الامتثال الأدائي إلّا أن يكون من الخطإ في التطبيق فيرجع إلى قصد الأمر الفعلي. ثمَّ إنّه بناء على المانعية، كما هو ظاهر المشهور لا تقع السورة المأتي بها جزءا للصلاة و إن كان معذورا في تفويت الوقت لأجل السهو و الغفلة و لا يجب عليه إتيان سورة أخرى لأجل الضيق و الاستعجال، إلّا أن يقال:

إنّ المانعية مختصة بحال العمد و الالتفات فلا موضوع لها مع الغفلة و السهو، و لا يبعد ذلك بالنسبة إلى المتيقن من الدليل، هذا و أما ما يقع من الركعات خارج الوقت فيجب عليه إتيان السورة- طويلة كانت أو قصيرة- لإطلاق الأدلة- ثمَّ إنّ المراد بقوله: «بعد الفراغ» أعم من فراغ السورة أو الصلاة.

(20) إن قصد الأمر الفعلي، أو قصد الأمر الأدائي مع الخطأ في التطبيق.

و أما لو قصد الأمر الأدائي تقييدا فلا وجه للصحة، إذ لا تمكن معه من الامتثال، و حيث إنّ الظاهر من حال المصلين قصد الأمر الفعلي أطلق (قدس سره) الصحة، مع أن التقييد تكليف زائد منفي بالأصل عند الشك فيه.

(21) لما تقدم من أن الاستعجال و ضيق الوقت عن الإتيان بالسورة مما يوجب جواز تركها.

(22) لإطلاق أدلة وجوب السورة بعد عدم التمكن من إتمام ما أتى به من

ص: 262

الصلاة (23).

المسألة 3: لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة

(المسألة 3): لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة (24)

______________________________

السورة، لأنّه يوجب تفويت الوقت، و أدلة حرمة العدول لا تشمل المقام، لما يأتي في [مسألة 19].

(23) لسقوط السورة مع الضيق، كما تقدم.

(24) البحث في هذه المسألة تارة بحسب الأصول العملية، و أخرى بحسب إطلاقات الأدلة، و ثالثة بحسب الأدلة الخاصة، و رابعة بحسب كلمات فقهاء الإمامية.

أما الأول: فهي من موارد الشك في أصل الحرمة التكليفية و في المانعية، و مقتضى البراءة العقلية و النقلية عدمهما لو لم تتم الأدلة المانعية.

و أما الثاني: فمقتضى الإطلاقات الجواز تكليفا و وضعا لو لم تتم الأدلة الخاصة.

و أما الثالث: فهي عبارة عن صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (1).

و موثق سماعة قال: «من قرأ (اقرأ باسم ربك) فإذا ختمها فليسجد- إلى أن قال-: و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع» (2).

و بإزاء هذه الأخبار ما ظاهره الجواز، كخبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال عليه السلام: يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» (3).

و قريب منه خبره الآخر عن أخيه عليه السلام أيضا: «سألته عن امام يقرأ

ص: 263


1- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث.

فلو قرأها عمدا استأنف الصلاة (25)، و إن لم يكن قرأ إلا

______________________________

السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يقدم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف و قد تمت صلاتهم»(1).

و مجموع هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض لا نستفيد منها أزيد من الكراهة، كما هو سيرة المحققين من الفقهاء في استفادة الحكم من سنخ هذه الأخبار في جميع أبواب الفقه، فلا يستفاد منها الحرمة. و لكن أسقط القسم الثاني من الأخبار موافقته للعامة و مخالفته للمشهور فلا تصلح للمعارضة فيتعيّن الأخذ بمفاد القسم الأول.

و أما الرابع فادعى جمع من الفقهاء الإجماع على الحرمة، و أرسلوها إرسال المسلّمات الفقهية في كلّ طبقة من غير نقل خلاف إلّا ممن لا يعتد بخلافه، فلا إشكال فيها من هذه الجهة.

(25) لظاهر النهي المقتضي للفساد، لأنّه إن اكتفى بها لم يأت بالسورة الواجبة لتقييدها بغير العزيمة، و إن أتى بسورة أخرى فهو من القرآن، و لأنّ قراءة العزيمة توجب السجود في الصلاة و هو من الزيادة الموجبة للبطلان.

و الكل قابل للخدشة، لإمكان أن يكون النهي إرشادا إلى اختيار غيرها من السور، و شمول دليل القرآن لمثل المقام مما وقعت السورة المأتي بها باطلة ممنوع: مع أنّه لا دليل على حرمة أصل القرآن، كما يأتي، و الزيادة المبطلة ما كانت بقصد الجزئية و المفروض عدمها، و لذا لم يصرّح بالبطلان قبل الفاضل إلّا ابن إدريس، مع تطابقهم على أصل الحرمة، كما مر.

هذا، و لكن الظاهر أنّ الصلاة المشتملة على المحرم الداخلي مما لا يصلح للتقرب بها، و أنّها من مظاهر عدم المبالاة بالدين و عدم الاعتناء به، كما أنّ الظاهر من عدم تعرض المتقدمين للبطلان كان لأجل مفروغيته عندهم لا لتشكيك فيه، مع أنّ مثل هذه النواهي ظاهرة في المانعية إلّا مع القرينة على

ص: 264


1- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

البعض و لو البسملة أو شيئا منها (26) إذا كان من نيته حين الشروع

______________________________

الخلاف، و لكن يظهر من التنقيح الإجماع على البطلان فيما إذا سجد، فيستفاد منه عدم البطلان فيما إذا لم يسجد و إن فعل حراما، فالجزم بالبطلان مع عدم فعل السجدة مشكل إن لم يكن ممنوعا.

فرع: لا ريب في كون سجود التلاوة فوريّا، لكن بالفورية العرفية فلو قرأ سورة أخرى- مثلا- و ركع ثمَّ سجد للصلاة، و جعل بعض سجوده الصلاتي للتلاوة أتى به فورا، و لم يأت بما ينافي الصلاة، كما لم يأت بسجدة مستقلا حتّى تكون زيادة في المكتوبة و ينطبق عليها ذلك.

نعم، السجدة الصلاتية تنحل إلى جزءين جزء منها للصلاة، و جزء منها للتلاوة، و الشك في شمول الأدلة المانعة لهذه الصورة يكفي في عدم الشمول فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية، و لم أر هذا الفرع في كلماتهم.

(26) البحث في هذه المسألة يقع تارة بحسب الأصل. و أخرى بحسب الإطلاق. و ثالثة بحسب الأدلة الخاصة. و رابعة بحسب الكلمات.

أما الأول فمقتضى الأصل عدم الحرمة في غير معلوم الحرمة، و هو مقتضى إطلاقات قراءة العزيمة أيضا.

و أما الأدلة الخاصة، فهي على أقسام:

منها: قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة».

و قوله عليه السلام في خبر عمّار: «و ربما قرءوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها، فكيف يصنع؟ قال عليه السلام: لا يسجد» (1).

بدعوى: ظهورها في قراءة مطلق الآية منها. و يرد عليه أولا: أنّ الأخير ظاهر، بل نصّ في خصوص آية السجدة بقرينة: «فلا يسجدون»، و أنّهم لا

ص: 265


1- الوسائل باب: 38 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

يواظبون على قراءة تمام السورة.

و ثانيا: لفظ العزائم مردد بين أن يراد بها خصوص آية السجدة أو تمام السورة، و الأول معلوم و الأخير مشكوك، و لا ريب في أنّ لجميع تلك السور أسماء خاصة معروفة من أول جمع القرآن، فلو كانت قراءة مطلق الآية منها محرمة لوجب أن يقال: لا تقرأ بشي ء من سورة (اقرأ) مثلا، و هذه قرينة على أنّ المراد خصوص آية العزيمة لا مطلق آياتها.

و ثالثا: قد وقع التعبير بلفظ السجدة في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة- الحديث» (1).

و في خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد- الحديث- (2).

و ظهور لفظ السجدة في خصوص آيتها مما لا ينكر، و كذا ظهور قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (3).

و هذا التعليل يخصص لفظ العزائم بخصوص آية السجدة، كما هو شأن العلة، فتضيق تارة و توسع أخرى فيقيد بها سائر الأخبار لو فرض ثبوت الإطلاق لها، و الأصل و الأدلة اللفظية بعد رد بعضها إلى بعض لا يدل على حرمة غير آية السجدة من العزائم، فلا بد في إثبات الحرمة من انطباق سائر القواعد.

و الأقسام ثمانية: فتارة: يقرأ السورة بقصد القرآنية لا الجزئية مع عدم قصد البلوغ إلى آية السجدة، أو مع قصد العدم، أو مع قصد البلوغ إليها و لكن لا يقرأ آية السجدة، و الحكم في هذه الصّور الثلاث الصحة مع حصول قصد الامتثال في الأخير و عدم كون قصد القاطع فيما يأتي مانعا عن الصحة الفعلية.

ص: 266


1- الوسائل باب: 27 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

و أخرى: يقرؤها بقصد الجزئية مع عدم قصد البلوغ إلى آية السجدة أو قصد العدم أو قصد البلوغ إليها و لكنه لا يقرؤها، و الحكم في هذه الصور الثلاث البطلان إن انطبق عليها عنوان الزيادة العمدية، و إلّا فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية، و انطباق عنوان الزيادة العمدية على قراءة القرآن مشكل إن لم يكن ممنوعا.

و ثالثة: يقرؤها بتمامها من بدئها إلى ختامها، سواء كانت بقصد الجزئية أو مطلق القرآنية، و مقتضى الجمود على قوله عليه السلام: «لأنّ السجود زيادة في المكتوبة»، و ظهور إجماع التنقيح أنّه إن سجد تبطل صلاته، و إلّا فعل حراما، و لكنه لا تبطل و أما الكلمات فهي غير منقحة، كما لا يخفى على من راجع المفصلات.

ثمَّ إنّ قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» يحتمل وجوها:

منها: أن يكون حكمة لتشريع الحرمة، و لا فرق حينئذ بين أن يسجد أو لا.

و منها: أن يكون المراد أنّ إيجاب سجود العزيمة في الصلاة حكم زائد في الفريضة، و لا فرق فيه أيضا بين أن يسجد أو لا.

و منها: أن يكون علة للحكم باعتبار وقوع السجدة خارجا، و على هذا فإن كان هذا أمرا فعليا بالإبطال، و قلنا بسقوط أصل الملاك حينئذ فلا وجه للصحة و إلّا يكون من المتزاحمين، و مقتضى إجماع التنقيح أنّه لو لم يسجد لا تبطل لبقاء ملاك الصلاة و أمرها، فتصح لو أتمها.

و منها: أن يكون من العلل الإقناعية لا من الحكمة و لا من العلة، كما هي الدائرة في محاورات الأئمة عليهم السلام و المتيقن هو الأخير و إثبات غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود فتصح الصلاة، و لو سجد لو لم ينطبق عليه مبطل آخر و لو لم يتم إجماع التنقيح، و الأول معلوم العدم لفرض أنّه لا يؤتى بالسجدة بعنوان الجزئية حتّى تكون من الزيادة العمدية، و الخدشة في الثاني ممكنة، و طريق الاحتياط واضح.

ص: 267

الإتمام، أو القراءة إلى ما بعد آية السجدة، و أما لو كان قرأها ساهيا فإن تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أخرى (27)، و إن كان قد تجاوز النصف (28)، و إن تذكر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها (29) إن

______________________________

(27) لوجوب إتيان سورة كاملة عليه، و المفروض أنّه لا يقدر على إتمام ما شرع فيه من السورة. نعم، ما أتى به من بعض العزيمة سهوا لا حرمة فيه إجماعا، لاختصاص الحرمة و البطلان بحال العمد، مضافا إلى حديث «لا تعاد» (1).

(28) لأنّ المقام من موارد الضرورة التي يجوز فيها العدول و لو مع تجاوز النصف، و يأتي تفصيله في [مسألة 19] إن شاء اللّه تعالى.

(29) أما صحة أصل الصلاة، فلظهور عدم الخلاف فيها، مضافا إلى حديث «لا تعاد». و أما صحة كون العزيمة جزءا فلوجود المقتضي، و هو ملاك الجزئية و كونها سورة كاملة، و فقد المانع و هو سقوط النهي عن الفعلية لأجل السهو فلا بد من الإجزاء حينئذ.

و دعوى: أنّ إطلاق ما دل على النهي عن قراءة العزيمة يسقطها عن صلاحية الجزئية رأسا، مخدوش: بأنّ قوله عليه السلام: لأنّ السجود زيادة في المكتوبة» يقيده بما إذا تنجز الأمر بالسجود حين قراءة آية السجدة فلا يشمل ما إذا لم يتنجز لأجل السهو. نعم، مقتضى إطلاق ما دلّ على سببية قراءتها للسجود وجوبه عليه في الجملة. و أما كونه في أثناء الصلاة فلا دليل عليه، بل مقتضى أصالة البراءة و استصحاب وجوب المضيّ في الصلاة، و أدلة حرمة قطعها الإتيان به بعد الفراغ من الصلاة، مضافا إلى صحة دعوى انصراف أدلة الفورية عما إذا تشاغل بالصلاة و نحوها.

ص: 268


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

.....

______________________________

إن قلت: يظهر من جملة من الأخبار عدم سقوط الفورية، كخبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة، كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يومي برأسه» (1).

و في خبره الآخر: «إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء» (2).

و في خبر أبي بصير: «إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماء» (3).

و في خبر سماعة: «إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء» (4).

فإذا كان الإيماء الذي هو البدل فوريا يكون المبدل أيضا كذلك.

قلت: أما أولا فلأنّ قياس المبدل على البدل باطل، لأنّ البدل لا يصدق عليه قوله عليه السلام: «السجود زيادة في المكتوبة» بخلاف المبدل.

و ثانيا: فلأنّ هذه الأخبار إنّما وردت في السماع الذي يتنجز فيه الأمر بالسجود حين حصول السبب، فلا يشمل المقام الذي لم يتنجز الأمر به حينه، و الظاهر عدم صحة التمسك بها لوجوب الإيماء في المقام أيضا لأنّ موردها السماع الذي تنجز الأمر بالسجود حين حصول السبب بخلاف المقام. مع أنّ مورد الأخيرين التقية، فلا وجه لقياس المقام عليه، فالاجتزاء بالسورة المأتي بها و تأخير السجود إلى بعد الفراغ من الصلاة هو الأوفق بالأدلة و المعروف بين الأجلّة.

و ما عن صاحب الجواهر أنّ مقتضى فورية السجود بطلان الصلاة لأنّه يحصل بمجرد الخطاب به، فلا تصل النوبة إلى الإبطال. مخدوش أولا: بأنّه خلاف ظاهر قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»، فإنّ ظاهره فعل السجود خارجا لا مجرد الأمر و الإيجاب فقط.

ص: 269


1- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

كان في أثنائها، و قراءة سورة غيرها بنية القربة المطلقة (30) بعد الإيماء إلى السجدة (31)، أو الإتيان بها، و هو في الفريضة ثمَّ إتمامها و إعادتها من رأس (32).

و إن كان بعد الدخول في الركوع و لم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها، أو سجد و هو في الصلاة، ثمَّ أتمها و أعادها (33) و إن كان

______________________________

و ثانيا: إنّ ما تقدم في هذا التعليل من الاحتمالات لا يبقى له ظهور في كونه حكمة فضلا عن العلة.

و ثالثا: تقدم عن التنقيح دعوى الإجماع على عدم البطلان إلّا بفعل السجود.

(30) لاحتمال سقوط سورة العزيمة عن الجزئية رأسا ملاكا و خطابا فلا يشمل دليل المنع عن القرآن على فرض تماميته، و لكن لا وجه لهذا الاحتمال و إن قال به غير واحد، لما تقدم من وجود المقتضي للجزئية و فقد المانع عنها. نعم، هو احتياط حسن.

(31) لما تقدم من الأخبار الدالة على الإيماء و ذهب إليه جمع، و لكن تقدم عدم تمامية دلالتها، مع أنّه بعد أن لم يتم الدليل على وجوب أصل السجود في أثناء الصلاة في المقام، فكيف يجب بدله مع عدم وجوب المبدل و لا بأس بحسن الاحتياط.

(32) أما جواز الإتيان بها في الأثناء، فبدعوى انصراف ما دل على المنع عن هذه الصورة، فتبقى النصوص الدالة على الجواز بلا معارض، و أما الإتمام و الإعادة، فلاحتمال بطلان هذه الدعوى، فتبطل الصلاة و تجب إعادتها. و فيه:

أنّه لا وجه لدعوى الانصراف. نعم دعوى انصراف فوريّة وجوب السجدة لها وجه، فيؤخرها إلى ما بعد الصلاة كما هو المعروف و تصح صلاته و لا شي ء عليه.

(33) ظهر حكمه مما تقدم و يجري فيه جميع ما مر في سابقة بلا فرق بينهما، فلا وجه للإعادة.

ص: 270

سجد لها نسيانا أيضا، فالظاهر صحة صلاته و لا شي ء عليه (34)، و كذا لو تذكر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضا نسيانا، فإنّه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ (35).

مسألة 4: لو لم يقرأ سورة العزيمة، لكن قرأ آيتها

(مسألة 4): لو لم يقرأ سورة العزيمة، لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمدا بطلت صلاته (36)، و لو قرأها نسيانا أو استمعها من غيره أو سمعها، فالحكم كما مرّ (37) من أنّ الأحوط الإيماء إلى السجدة أو السجدة و هو في الصلاة و إتمامها و إعادتها.

مسألة 5: لا يجب في النوافل قراءة السورة

(مسألة 5): لا يجب في النوافل قراءة السورة (38) و إن وجبت

______________________________

(34) لأصالة الصحة، و حديث «لا تعاد» (1).

(35) لحديث «لا تعاد» (2)، و أصالة الصحة، و عدم المانعية.

(36) لما مر من النص، و الإجماع، و لكن لا بد و أن يؤتى بها بعنوان الجزئية، و يأتي بالسجدة أيضا في أثناء الصلاة، لأنّ ذلك هو المنساق من الأدلة اللفظية و المتيقن من الإجماع. و أما مع عدمهما فقد تقدم التفصيل، فراجع.

(37) تقدم أنّ حكم النسيان تأخير السجود إلى ما بعد الصلاة. و أمّا حكم السماع و الاستماع فهو الإيماء كما مضى في خبر ابن جعفر (3) و ما بعده.

(38) للأصل، و الإجماع و النص، ففي صحيح ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» (4).

بناء على أنّ المراد بالقضاء مطلق الإتيان و إن كان المراد القضاء المعهود، فيتم في الأداء بالقول بعدم الفصل، و في صحيح ابن يقطين قال: «سألت

ص: 271


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.
3- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3 و 4.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

بالنذر (39) أو نحوه فيجوز الاقتصار على الحمد أو مع قراءة بعض السورة (40).

نعم، النوافل التي تستحب بالسور المعينة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة (41) لكن في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب لا التقييد (42).

مسألة 6: يجوز قراءة العزائم في النوافل

(مسألة 6): يجوز قراءة العزائم في النوافل (43) و إن وجبت

______________________________

أبا الحسن عليه السلام عن تبعيض السورة فقال: أكره و لا بأس به في النافلة» (1).

هذا كلّه مع بناء النافلة على التسهيل.

(39) لأنّ المنساق من إطلاق النافلة ما كانت كذلك بالأصل و إن عرض لها الوجوب بالعناوين الثانوية، فهي عناوين خارجية لا تضرّ بالإطلاق المنساق منه أصل الذات.

(40) للأصل، و الإجماع، و ما تقدم من صحيح ابن يقطين.

(41) جمودا على ظاهر دليل تشريعه.

(42) لما هو المشهور فيها من أنّ قيودها الكمالية من باب تعدد المطلوب و قد ثبت ذلك في الأصول. نعم، في بعض المندوبات استقرت السيرة و قامت الشهرة على التقييد و هي خارجة عن الحمل على تعدد المطلوب إن تمَّ الدليل على وحدة المطلوب.

ثمَّ إنّه لا فرق في الحمل على تعدد المطلوب بين وحدة الدليل و تعدده لابتناء النوافل على التسهيل إلّا ما خرج بالدليل.

(43) للأصل، و الإجماع، و النص قال عليه السلام: «و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع» (2).

ص: 272


1- الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

بالعارض فيسجد بعد قراءة آيتها و هو في الصلاة، ثمَّ يتمّها (44).

مسألة 7: سور العزائم أربع

(مسألة 7): سور العزائم أربع (45): «الم السجدة» و «حم السجدة» و «النجم» و «اقرأ باسم».

مسألة 8: البسملة جزء من كلّ سورة

(مسألة 8): البسملة جزء من كلّ سورة (46)، فيجب قراءتها

______________________________

و تقدم ذكر المكتوبة في الأدلة المانعة، و مقتضى الإطلاق ذلك و إن وجبت بالعارض، و قد مر أنّ المنساق من الحكم المعلق على النافلة ما كان كذلك بالذات.

(44) لأصالة عدم المانعية، و إطلاق ما دل على الفورية، و مفهوم قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (1).

(45) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان:

«و العزائم أربع حم السجدة، و تنزيل، و النجم، و اقرأ باسم ربك» (2).

و في صحيح داود بن سرحان عنه عليه السلام أيضا: «إنّ العزائم أربع:

اقرأ باسم ربك الذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» (3).

(46) للإجماع و ما يأتي من النص. ثمَّ إنّ المحتملات في بسملة مطلق السور أربع:

أحدها: كونها ختاما للسورة السابقة، لأصالة بقاء السورة.

و فيه: أنّه خلاف الظاهر، مع أنّ المناسب أن يجعل الختام (الحمد للّه) و نحوه.

ثانيها: كونها بنفسها آية من القرآن مستقلة من دون أن تكون جزءا للسورة السابقة أو اللاحقة. و لا وجه له أيضا لحصر آيات القرآن في السور المخصوصة و ليس شي ء منها بخارج عنها عند المسلمين.

ص: 273


1- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

عدا سورة براءة (47).

______________________________

ثالثها: كونها من غير القرآن أصلا زيدت في أوائل السور تبركا و لا وجه له أيضا مع كمال اهتمام المسلمين على أن لا يزيد في القرآن غير ما نزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله من أول نزوله.

رابعها: كونها جزءا من كلّ سورة إلّا سورة براءة كما في المجمع و المتعين ذلك.

هذا بالنسبة إلى كلّ سورة.

و أما بالنسبة إلى الفاتحة و السورة في الصلاة، فتدل عليه- مضافا إلى الإجماع- جملة من النصوص:

منها: صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من السبع؟ قال: نعم، هي أفضلهنّ» (1).

و في صحيح ابن عمّار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم مع السورة قال: نعم» (2).

و أما ما يعارضهما، فلا بد من طرحه لمخالفة الإجماع، و موافقة العامة- كصحيح الحلبي و ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّهما سألاه عمن يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم، إن شاء سرّا و إن شاء جهرا، فقالا: أ فيقرؤها مع السورة الأخرى؟ فقال: لا» (3).

(47) لإجماع المسلمين، و روي عن عليّ عليه السلام: «لم ينزل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم على رأس سورة براءة، لأنّ بسم اللّه للأمان و الرحمة و نزلت براءة لرفع الأمان و السيف فيه» (4).

ص: 274


1- الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- مجمع البيان ج: 5 صفحة: 2.
مسألة 9: الأقوى اتحاد سورة «الفيل» و «لإيلاف» و كذا «وَ الضُّحى» و «أَ لَمْ نَشْرَحْ»

(مسألة 9): الأقوى اتحاد سورة «الفيل» و «لإيلاف» و كذا «و الضحى» و «أ لم نشرح» (48)، فلا يجزي في الصلاة إلا جمعهما

______________________________

(48) للنص، و الإجماع، فعن المحقق رحمه اللّه في الشرائع: «روى أصحابنا أنّ الضحى و ألم نشرح سورة واحدة، و كذلك الفيل و لإيلاف فلا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كلّ ركعة»(1).

و مثله عن الطبرسي في مجمع البيان (2) و عن أبي العباس عن أحدهما عليه السلام: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ، و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ سورة واحدة» (3).

و عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار عن أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الضحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ سورة واحدة»(4).

و عنه أيضا: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ و لِإِيلافِ سورة واحدة» (5).

و عن أبي جميلة مثله، و عن الصدوق مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«وَ الضُّحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ في ركعة لأنّهما جميعا سورة واحدة، و لإيلاف و ألم تر كيف في ركعة لأنّهما جميعا سورة واحدة» (6).

و هذه جملة من الأخبار القاصرة السند لكنها مجبورة بعمل المشهور، و عن الشحام في الصحيح: «صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ الضحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ في ركعة» (7).

و بطريق آخر: «صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ في الأولى الضحى، و في الثانية أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» (8).

و عن داود الرقي عنه عليه السلام أيضا: «فلما طلع الفجر قام فأذن و أقام

ص: 275


1- الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
4- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
5- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
6- الهداية باب القراءة صفحة: 7.
7- الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
8- الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

مرتبتين مع البسملة بينهما (49).

مسألة 10: الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة

(مسألة 10): الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة (50) في الفريضة،

______________________________

و أقامني عن يمينه و قرأ في أول ركعة الحمد و الضحى و في الثانية بالحمد و قل هو اللّه أحد- الحديث-» (1).

و خلاصة المقال: إنّ الأخبار القولية قاصرة السند، و الفعلية أعم من الوحدة، لإمكان أن يكون الجمع لغرض آخر لا لأجل وحدتهما، مع أنّها معارضة، فليس في البين ما يصح الاعتماد عليه في الوحدة إلّا ما تسالم الأصحاب عليها، و مقتضى الأصل عدم صحة الاكتفاء بإحداهما في ركعة للشك في الإتيان بسورة تامة، مع الاكتفاء و لا تجري في المقام شبهة القرآن للشك في شمول دليله للمقام، فيكون التمسك بدليله من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية.

ثمَّ إنّه قال في الشرائع: «و لا يفتقر في البسملة بينهما على الأظهر» و نسبه في البحار إلى الأكثر، و روي أنّ أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه (2)، و لكنه خلاف السيرة العملية، و خلاف المصاحف المتعارفة بين المسلمين، بل قد يعد مستنكرا لدى من يقرأ القرآن من أهل الإسلام فالأحوط الإتيان بها.

(49) لأصالة عدم الإتيان بسورة كاملة إلّا بذلك. نعم، يصح في النوافل كيفما قرأ لصحة الاكتفاء ببعض السورة فيها كما مر.

(50) نسب إلى المشهور بين القدماء المنع عنه مستدلا بجملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن حازم: «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بالأكثر» (3).

ص: 276


1- الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

و عن أحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم: «عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة قال عليه السلام: لا، لكلّ سورة ركعة» (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق زرارة: «عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة، فقال عليه السلام: إنّ لكلّ سورة حقا، فأعطها حقها من الركوع و السجود قلت: فيقطع السورة؟ فقال: لا بأس» (2).

عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أما النافلة فلا بأس» (3).

و لو كنا نحن و هذه الأخبار لاستظهرنا الكراهة منها بقرينة قوله عليه السلام:

«إنّ لكلّ سورة حقا»، إذ ليس هذا الحق من الحقوق الواجبة قطعا، مع أنّها معارضة بجملة أخرى من الأخبار:

منها: صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: «عن القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة، قال عليه السلام: لا بأس»(4).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تقرننّ بين السورتين في الفريضة في ركعة فإنّه أفضل» (5).

و عنه عليه السلام أيضا: إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أما النافلة فلا بأس» (6).

و مقتضى الصناعة حمل الأخبار المانعة على فرض ظهورها في المنع على الكراهة. إن قيل: نعم، لو لا إعراض المشهور عما دلّ على الكراهة. يقال:

إنّ هذه الإعراض مستند إلى أنظارهم لا إلى أنّهم ظفروا على ما لم نظفر عليه من نص معتبر، لأنّه بعيد بعد استقصاء الأخبار، مع أنّ مقتضى الأصل عدم الحرمة أيضا.

ص: 277


1- الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2 و 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 11.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

و الأحوط تركه (51). و أما في النافلة فلا كراهة (52).

______________________________

(51) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور.

(52) نصّا و إجماعا، و تقدم بعض النصوص فراجع.

فروع- (الأول): لا ريب في تحقق القران بالإتيان بسورتين، و هل يتحقق بالإتيان بسورة، و بعض سورة أخرى أو لا؟ قولان: يظهر عن بعض الأول جمودا على ما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن حازم المتقدم (و فيه): أنّه يمكن حمل إطلاق قوله عليه السلام «و لا بأكثر» على السورة الكاملة بقرينة سائر الأخبار، و الأمر سهل بناء على الكراهة.

(الثاني): الظاهر عدم شمول الأخبار لتكرار سورة واحدة أو آية منها، للاحتياط أو لسائر الأغراض الصحيحة، لأنّ المنساق منها التعدد الذاتي لا الوجودي فقط.

(الثالث): مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين قصد الجزئية في السورة الثانية و عدمه، إلّا أن يدعى الانصراف إلى الأول، كما صرّح به جمع منهم صاحبا المدارك و الحدائق، و استظهروا ذلك من النصوص من اشتمالها على أنّ لكلّ سورة ركعة، و الفرق بين النافلة و الفريضة و نحو ذلك مما يظهر منه اعتبار الإتيان بقصد الجزئية، و تقتضيه أصالة عدم المرجوحية إلّا في المتيقن. و عن جمع منهم المحقق الثاني أنّ البحث إنّما هو فيما إذا لم يقصد الجزئية، و إلّا يكون البطلان مفروغا عنه، و ادعى القطع به، لأنّه حينئذ من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان.

و فيه: أنّ القران شي ء و الزيادة العمدية شي ء آخر لا ربط لأحدهما بالآخر، و لا وجه لتوهم الزيادة العمدية مع القران، فإنّ من يقول بجوازه يرى أنّ المصلّي مخيّر في صلاته بين الإتيان بسورة واحدة أو أكثر و يكون من التخيير بين الأقلّ و الأكثر.

و الوجوه المتصورة في القران أربعة: قصد الجزئية بالسورتين معا فتنطبق

ص: 278

مسألة 11: الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها

(مسألة 11): الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها (53)،

______________________________

الجزئية على المجموع من حيث المجموع، قصدها لكلّ واحد منهما مستقلا كلّ في عرض الآخر، و قصد الجزئية بالأولى و القرآنية بالأخيرة، أو العكس و مقتضى الأصل، و إطلاق ما دل على قراءة القرآن جواز الأخيرين، و المنساق من النصوص هو الثالث.

ثمَّ إنّه قد يقال ببطلان الصلاة بناء على الحرمة خصوصا مع قصد الجزئية، و هو مشكل، لأنّ القرآن ذكر اللّه و هو من الصلاة. نعم، لو كان وجوب السورة في الفريضة مقيدا بقيد الوحدة بطلت الصلاة من جهة النقيصة، و لكنه أول الدعوى، مع أنّه يستفاد من قوله عليه السلام: «لكلّ سورة حقا» عدم بطلان الصلاة و إلّا لكان التعليل به أولى، كما لا يخفى.

(الخامس): لو أتى بسورة أخرى سهوا لا بأس به حتّى على القول بالحرمة، للأصل، و حديث «لا تعاد».

(السادس): كراهة القران مثل كراهة سائر العبادات المكروهة- كالصلاة في الحمام، و صوم يوم عاشوراء- لا تكون راجعة إلى ذات العبادة بل إلى جهة من جهاتها الخارجية عن الذات، و قد فصل ذلك في الأصول.

(53) لأنّ المسألة بحسب الأصل من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ اعتبار أصل قصد القرآنية مسلّم لا ريب فيه، و قصد السورة الخاصة مشكوك و مقتضى الأصل عدم اعتباره. و بعبارة أخرى: يكفي قصد الجنس و لا يعتبر قصد الفرد من حيث هو فرد، لتعلق الأمر بقراءة ذات القرآن من حيث هو، و التحديد بالسورة تحديد للقرآن بالقرآن لا بما هو خارج عنه، و ليس كما في تحديد سائر الأفراد بالنسبة إلى أنواعها حيث إنّ التشخصات الفردية فيها خارجة عن ذات النوع بخلاف القرآن فإنّ ما به الاشتراك فيه عين ما به الامتياز في جهة القرآنية، فليس في البين تعيّن خارجي مأخوذ في المأمور به حتّى يجب تعيينه في القصد، و إنّما تجب قراءة القرآن فقط بحد مخصوص منه و هو السورة، و المفروض أنّ البسملة قرآن و يشملها إطلاق الدليل، و يدل على ما ذكرنا قول الرضا عليه السلام في صحيح

ص: 279

.....

______________________________

ابن شاذان: «إنّما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا» (1).

فيستفاد فيه كفاية قصد القرآن من حيث هو، و أنّ المناط كلّه قراءة القرآن بلا فرق بين أن يقال: اقرأ سورة التوحيد، أو اقرأ هذه الآيات الخمس، فكما يكفي قصد قراءة ذات القرآن في التعبير الثاني يكفي في الأول أيضا، إذ المعنى واحد و إن كان التعبير مختلفا، و في موثق ابن أذينة الوارد في صلاة المعراج:

«فلما بلغ (و لا الضالّين) قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الحمد للّه ربّ العالمين شكرا، فأوحى اللّه إليه: قطعت ذكري فسمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» (2).

و يستفاد منه أنّ قصد ذات البسملة من حيث هي يكفي و لو لم يعين السورة بعدها، هذا مع عدم تعرض القدماء لذلك و عدم إشارة في النصوص إليه أيضا، مع أنّه من الأمور العامة البلوى و غلبة عدم خطور ذلك إلى ذهن نوع المصلّين من سواد الناس، بل و من غيرهم أيضا مع بناء الشريعة على السهولة و الاهتمام بدفع الوسوسة حدّ الإمكان، فليس ذلك إلّا إثارة للوسوسة، فعدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها أوفق بالأدلة.

و استدل لوجوب تعيينها بوجوب قراءة سورة تامة بعد الفاتحة، كما تقدم، و مرّ أيضا أنّ البسملة جزء من السورة، و لا ريب في أنّها من الأجزاء المشتركة و لا إشكال أيضا في أنّ الجزء المشترك لا يكون جزءا للخاص إلّا بالتعيين القصدي أو التعيين الخارجي، و إنّما النزاع في أنّ تعيين السورة خارجا هل يكون موجبا لاختصاص البسملة بها، أو لا بد في ذلك من التعيين؟ ذهب إلى كلّ فريق، نسب إلى الأكثر بل المشهور الثاني، فقالوا بوجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها لتتعين البسملة لها، لأنّ قراءة القرآن عبارة عن التكلم بألفاظ حاكية عن الألفاظ المنزلة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حكاية تصورية فقط، فتكون الألفاظ المنزلة

ص: 280


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوافي ج: 2 ص: 15.

.....

______________________________

كالمعنى للألفاظ المقروءة، فقراءة سورة التوحيد مثلا عبارة عن التكلم بألفاظها النوعية الحاكية عن الألفاظ الشخصية المنزلة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله التي أولها البسملة، و يجب أن يأتي بالسورة من بدئها إلى ختامها، و حينئذ فإذا قرأ البسملة من دون تعيين بسملة التوحيد، فلم يأت بما تكون بسملة التوحيد، لفرض تقوّمها بقصد الحكاية عن البسملة الخاصة إذ لا نزول للبسملة المطلقة و الطبيعي منها إلّا في ضمن الحصص و الأفراد، و قصد المطلق و الطبيعي لا يكفي في قصد الفرد في المحاورة، كما أنّ قصد الحكاية و الإخبار بقول: جاء إنسان، لا يكفي في قصد مجي ء زيد عند متعارف أهل اللسان.

و لباب المقال: أنّ تخصص الجزء المشترك بشي ء تارة لا يكون قصديا، كقطعة من الخشب القابلة لأن تصير جزءا للسرير أو الباب أو المنبر، و إذا جعلت في أحدها تصير جزءا منه قصد الجزئية أم لا، بل و لو مع قصد العدم.

و أخرى: يعتبر فيه القصد فقط و لا يعتبر فيه قصد الحكاية، كالأذكار فإنّها متوقفة على القصد كتوقف كلّ تلفظ و تكلّم عليه، و إلّا تكون لغوا محضا فيكفي فيها مجرد القصد الاستعمالي فقط من دون اعتبار قصد الحكاية عن شي ء، فمن قال (اللهم) مع القصد بلا توجه و التفات إلى ما يريد أن يقول بعده يصح له أن يقول بعده: اغفر لي، أو صلّ على محمد و آل محمد أو غير ذلك مما يصح أن يقع بعد لفظ اللهم، و كذا لفظ: سبحان، و اللّه، و نحوهما من الألفاظ المشتركة المستعملة في الأذكار و الدعوات، و ذلك كلّه لعدم اعتبار شي ء فيها وراء قصد ذلك المعنى من حيث هو.

و ثالثة: يعتبر فيه وراء قصد أصل الاستعمال قصد كونه حاكيا عن سورة خاصة و آية مخصوصة، كما في المقام لكونه جزءا لها و الجزئية متقوّمة بالتشخص قصدا و خارجا، فأصالة عدم التشخص و التخصص في البسملة بالنسبة إلى سورة خاصة إلّا بالقصد لا حاكم عليها. و من أراد التفصيل بأكثر من ذلك فليراجع المطوّلات. و يظهر وجه ضعفه مما مر من كفاية قصد مجرد القرآنية و هو متحقق و لو لم يعين السورة.

ثمَّ إنّه يمكن أن يستدل على عدم اعتبار عدم تعين البسملة قبل الشروع في

ص: 281

و إن كان الأحوط (54). نعم، و لو عيّن البسملة لسورة لم تكف لغيرها (55)،

______________________________

السورة بإطلاق ما يأتي من أخبار العدول، فإنّ المنساق منها بقرينة عدم الاستفصال عدم اعتبار تعيين البسملة.

ثمَّ إنّه يكفي القصد الإجمالي الارتكازي على فرض وجوب التعيين، لعدم دليل على اعتبار أكثر منه، و أقسام قراءة السورة بالنسبة إلى كلّ مصلّ لا تخلو عن خمس:

الأول: أن يكون معتادا لقراءة سورة خاصة و لا إشكال في كفاية قصده الاعتيادي في تعيين البسملة.

الثاني: أن يكون ملتفتا إلى التعيين فعلا و لا إشكال في كفايته أيضا.

الثالث: أن يكون مرددا بين أن يقرأ التوحيد مثلا أو الجحد.

الرابع: أن يكون غافلا حين قراءة البسملة عن السورة رأسا.

الخامس: ما إذا تعمد في عدم تعيين السورة حين الإتيان بالبسملة، و يأتي حكمه في [مسألة 13]. و الثلاثة الأخيرة مورد البحث، فمن يقول بلزوم التعيين لا يكتفي بها بخلاف من يقول بالعدم.

(54) ظهر وجه الاحتياط مما مر، و يظهر الإشكال فيه مما تقدم، فراجع و تأمل.

(55) أما بناء على لزوم قصد التعيين فلأنّها لم تعين للمعدول إليها فلا يصير جزءا لها. و أما بناء على عدم لزومه فلتخصصها بعد التعيين لسورة خاصة فلا يصح الاكتفاء بها للمعدول إليها.

و فيه: أنّ تعقبها بالمعدول إليها يبطل قصد التعيين، فتكون كما إذا لم تعين، و لذا حكي عن البحار الجزم بعدم صيرورتها جزءا مع التعيين إلّا بعد تعقب ما عين له.

إن قيل: إنّ مقتضى أصالة عدم الإتيان بسورة كاملة إعادتها مطلقا فيجب الإتيان بسورة أخرى.

ص: 282

فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة (56).

مسألة 12: إذا عيّن البسملة لسورة ثمَّ نسيها

(مسألة 12): إذا عيّن البسملة لسورة ثمَّ نسيها فلم يدر ما عيّن وجب إعادة البسملة لأيّ سورة أراد (57) و لو علم أنّه عيّنها لإحدى السورتين من الجحد و التوحيد و لم يدر أنّه لأيتهما أعاد البسملة و قرأ إحداهما (58) و لا تجوز قراءة غيرهما (59).

مسألة 13: إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء

(مسألة 13): إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء (60)، و لو شك في أنّه عينها لسورة معينة أو لا فكذلك (61) لكن

______________________________

يقال: نعم، لو لا صدق السورة الكاملة عليها فتشملها الإطلاقات قهرا، و ليس ذلك من التمسك بالدليل في الموضع المشتبه، لفرض صدق السورة الكاملة عليها عرفا.

(56) لما تقدم من أنّ تعيين البسملة لسورة يوجب تخصصها بها فلا تصلح أن تكون جزءا لغيرها. و فيه: ما تقدم عن البحار، و أصالة عدم الإتيان بسورة كاملة محكومة بالإطلاقات، كما مر.

(57) لتخصصها بالمنسيّ فلا تصير جزءا لغيرها. و يرد عليه ما تقدم من ضعف المبنى أولا، و ما مر من مناقشة البحار ثانيا.

(58) أما إعادة البسملة فلما تقدم. و أما عدم جواز قراءة غيرهما فلما يأتي في [مسألة 16]، بل و يأتي فيها عدم جواز العدول من إحداهما إلى الأخرى أيضا، فيكون قوله رحمه اللّه هنا مخالفا، لما يأتي منه.

(59) لما يأتي في [مسألة 16] فراجع.

(60) لما مر من عدم اعتبار تعيين السورة قبل الشروع فيها، فتقع البسملة جزءا من السورة التي تتعقبها لا محالة.

(61) لأنّ أصالة عدم التعيين يلحقها بالقسم الأول.

ص: 283

الأحوط في هذه الصورة إعادتها (62) بل الأحوط إعادتها مطلقا، لما مر من الاحتياط في التعيين.

مسألة 14: لو كان بانيا من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي و قرأ غيرها كفى

(مسألة 14): لو كان بانيا من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي و قرأ غيرها كفى (63)، و لم يجب إعادة السورة، و كذا لو كانت عادته سورة معينة فقرأ غيرها.

مسألة 15: إذا شك في أثناء سورة أنّه هل عيّن البسملة لها أو لغيرها

(مسألة 15): إذا شك في أثناء سورة أنّه هل عيّن البسملة لها أو لغيرها و قرأها نسيانا بنى على أنّه لم يعيّن غيرها (64).

مسألة 16: يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا

(مسألة 16): يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا (65)

______________________________

(62) لإمكان دعوى أنّ ظاهر الحال هو التعيين و لو إجمالا مع عدم الغفلة.

(63) لوجود المقتضي للصحة و هو تعيين السورة عن قصد إجمالي و عدم المانع عنها، لأصالة عدم مانعية تبدل ما بنى عليه من إتيان سورة خاصة، هذا إذا عين السورة المأتيّ بها و لو إجمالا و ارتكازا أو اعتيادا، و أما لو لم يعينها أصلا، فلا يكفي بناء على اعتبار التعيين، و منه يعلم حكم الفرع اللاحق، فلا وجه للإعادة.

(64) لرجوع الشك إلى صحة ما أتى به من البسملة و مقتضى قاعدة التجاوز الصحة.

(65) للأصل، و الإجماع، و جملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح السكوني: «يرجع من كلّ سورة إلّا من: قل هو اللّه أحد، و قل يا أيّها الكافرون» (1).

و مثله صحيح الحلبي و لأصالة عدم وجوب الإتمام، و بقاء التخيير للمكلّف في إتيان أي سورة شاء و أراد. و أشكل عليه: بأنّه من الإبطال المحرّم، و أنّه من

ص: 284


1- الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1 و 2.

ما لم يبلغ النصف (66) إلا من الجحد و التوحيد، فلا يجوز العدول

______________________________

القران الممنوع، مضافا إلى صيرورة المعدول عنه من الزيادة العمدية المبطلة.

و الكلّ مردود، لأنّ الإبطال- على فرض حرمته- ظاهر في التكاليف النفسية دون الغيرية المحضة، و تقدم الإشكال في حرمة القران صغرى و كبرى، و الزيادة العمدية المبطلة متقوّمة بالقصد، و لا قصد هنا للزيادة كما هو واضح.

(66) لأصالة بقاء التخيير المقتضية لجواز العدول، و لو بعد تجاوز النصف، و لإطلاق ما دل على جواز العدول ما لم يدل دليل على المنع، و قد ادعي الإجماع على عدم جواز العدول مع التجاوز عن النصف.

و إنّما الخلاف في جوازه مع بلوغ النصف، فعن جمع، بل نسب إلى المشهور جوازه حتّى مع بلوغ النصف، و عن جميع بل نسب إلى الأكثر عدم الجواز حينئذ، بل يكون غاية الجواز ما لم يبلغ النصف، و عن كشف اللثام جوازه ما لم يبلغ الثلاثين. و البحث فيه تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الإجماع، و ثالثة: بحسب الإطلاقات. و رابعة بحسب الأخبار الخاصة.

أما الأول: فمقتضى الأصل بقاء التخيير. و دعوى أنّه بعد الشروع في السورة لا وجه للتخيير، لأنّه ابتدائيّ لا أن يكون استمراريا لا دليل عليه، لأنّ هذا الترديد منشأ لحصول الشك المحقق لموضوع الاستصحاب لا أن يكون مانعا عنه. نعم، بعد بلوغ النصف لا يجزي الأصل إن تمَّ الدليل على المنع و مع عدم تماميته و حصول الاحتمال المعتد به يكون من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير.

و أما الثاني: فالمتيقن منه إنّما هو ما لم يتجاوز عن النصف، فيجوز مع البلوغ إليه.

و أما الثالث: فمقتضى الإطلاقات جواز العدول مطلقا و إن تجاوز النصف.

و أما الأخبار الخاصة: ففي خبر أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

ص: 285

.....

______________________________

«في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى قال عليه السلام: يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف»(1).

و هو صريح في الجواز مع بلوغ النصف، و يمكن أن يستفاد منه الجواز بعده أيضا بحمل قوله عليه السلام: «و إن بلغ النصف» على الفرد الخفيّ- أي: و إن بلغ النصف و ما زاد، و هذا النحو من الاستعمالات شائع في المحاورات- لا التقييد الحقيقي، فلا ينافي ذلك جوازه مع التجاوز عن النصف أيضا، و في موثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها. قال عليه السلام: له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها» (2).

و لو لا خوف مخالفة الإجماع لصح أن يقال: بجواز العدول ما بينه و بين أن يقرأ الثلاثين لأجل هذه الموثقة إذ لا مخالف لها من النصوص، لما تقدم من عدم ظهور خبر أبي العباس في التقييد الحقيقي، و كذا خبر عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمَّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: نعم، ما لم تكن قل هو اللّه أحد أو قل يا أيها الكافرون» (3).

فإنّه ليس في مقام بيان عدم جواز الرجوع بعد التجاوز عن النصف. نعم، في الفقه الرضوي: «فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة و إن لم تذكرها إلّا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك» (4).

و هو مضافا إلى قصور سنده معارض بما تقدم من موثق عبيد بن زرارة و لو لا مخالفة الإجماع لأمكن حمل هذه الأخبار على الكراهة، لأنّ اختلاف المضمون من أماراتها.

ثمَّ إنّ حرمة العدول هل هي نفسية أو غيرية؟ استدل على الأخير بأنّه من الزيادة العمدية، و أنّه من القران الممنوع، و من الامتثال بعد الامتثال.

ص: 286


1- الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
4- مستدرك الوسائل باب: 53 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

منهما إلى غيرهما (67) بل من إحداهما إلى الأخرى (68) بمجرد الشروع فيها و لو بالبسملة (69). نعم، يجوز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين (70)

______________________________

و الكلّ مخدوش، إذ الأول متقوم بقصد الزيادة من أول الإتيان بالشي ء، فلا يشمل المقام الذي يتصف المأتي به بالزيادة بعد العدول إلى السورة الثانية، و مع الشك، فالمرجع أصالة عدم المانعية، و الثاني ممنوع صغرى و كبرى.

و الأخير كذلك أيضا، فالحرمة في الجملة مسلّمة، و أما البطلان، فمقتضى الأصل عدمه.

(67) إجماعا، و نصوصا:

منها: قول أبي عبد اللّه فيما تقدم في خبر أبي نصر: «يرجع من كلّ سورة إلّا من قل هو اللّه أحد. و قل يا أيّها الكافرون» (1).

(68) لإطلاق نصوص المنع الشامل لهما و لغيرهما، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(69) لإطلاق الاستثناء الشامل لكلّ جزء منهما و البسملة جزء كما تقدم.

(70) لجملة من النصوص: كخبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللّه أحد قال عليه السلام: يرجع إلى سورة الجمعة» (2).

و عن أبي عبد اللّه في خبر الحلبي: «إذا افتتحت صلاتك: ب قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» (3).

و عنه عليه السلام في خبر عبيد بن زرارة: «رجل صلّى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ قال عليه السلام: «يعود إلى الجمعة» (4).

ص: 287


1- الوسائل باب: 35 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة.
3- الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة.
4- الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة.

في خصوص يوم الجمعة (71) حيث إنّه يستحب في الظهر أو الجمعة

______________________________

و عن ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟

قال عليه السلام: سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون و إن أخذت في غيرها و إن كان قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ فاقطعها من أولها و ارجع إليها» (1).

و هذه الأخبار و إن وردت في سورة قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ، و لكن الظاهر عدم الفصل بينه و بين الجحد، مضافا إلى ظهور الإجماع في أصل المسألة.

(71) البحث فيه تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الأخبار، و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فالمسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، فإنّ خصوص صلاة الجمعة معلومة و الشك في صلاة ظهر يوم الجمعة و عصرها و غداتها فيؤخذ بما هو المعلوم و يرجع إلى غيره إلى عموم المنع.

و أما الثاني: فهي مشتملة على الجمعة (2) و في بعضها يوم الجمعة و إطلاق الجمعة على الظهر في يومها شائع في الأخبار و اصطلاح الرواة، فيمكن استفادة الأعم منها و من الظهر من لفظ الجمعة مضافا إلى ما في بعضها من التعبير بيوم الجمعة (3)، مع أنّ عدم شيوع مواظبة أصحاب الأئمة عليهم السلام على صلاة الجمعة، و ظهور مواظبتهم على صلاة الظهر في يوم الجمعة يؤيد أنّ المراد صلاة الظهر من يوم الجمعة لا صلاة الجمعة.

و أما الأخير فعن البحار: «الظاهر أنّه لا خلاف في عدم الفرق بينهما» أي: بين الجمعة و الظهر و يشهد له ما ورد من أنّ الجمعة هي الظهر و إنّما سقط عنها الركعتان لمكان الخطبتين (4) فيستفاد منه أصالة المساواة بين الظهر و الجمعة إلّا ما خرج بالدليل.

ص: 288


1- الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 69 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الجمعة.

منه أن يقرأ في الركعة الأولى الجمعة و في الثانية المنافقين، فإذا نسي و قرأ غيرهما (72) حتّى الجحد و التوحيد يجوز العدول إليهما ما لم يبلغ النصف (73). و أما إذا شرع في الجحد أو التوحيد عمدا فلا

______________________________

(72) لأنّ النسيان هو المتيقن من الأدلة، و لعمومات حرمة العدول إلّا في الفرد الخاص من المخصص و هو النسيان و في غيره يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة و هذا هو مذهب أكثر الأصحاب، و لكن نسب إلى البحار الشمول لصورة العمد أيضا و يقتضيه إطلاق جملة من الفتاوى، و إطلاق أدلة المقام و كثرة الاهتمام بما ورد في قراءة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة (1) فيشك في أصل ثبوت العموم في أدلة المنع و يرجع إلى أصالة الصحة و عدم المانعية.

(73) مقتضى إطلاق أخبار المقام جواز العدول و لو بعد تجاوز النصف كما عليه جمع منهم الشيخ و الفاضل. و أما الأخبار المانعة السابقة (2) فالظاهر انصرافها عن مورد استحباب العدول، بل تختص بصورة الجواز فقط و كذا الإجماع على عدم الجواز بعد بلوغ النصف، فإنّ المتيقن منه مورد الجواز، بل لا وجه للتمسك به في المقام مطلقا، لذهاب جمع إلى عدم التحديد بالنصف.

و على فرض التعارض فالمرجع أصالة بقاء رجحان العدول إلى الجمعة و المنافقين، و أصالتها الصحة و عدم المانعية و لا يصح التمسك بعموم ما دل على عدم جواز الرجوع من الجحد و التوحيد إلى غيرهما، لفرض تخصصه بالنسبة إلى الجمعة و المنافقين، فما عن جمع بل نسب إلى المشهور من التحديد بعدم تجاوز النصف لا دليل عليه.

و أما خبر ابن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ ب قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ قال عليه السلام: يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف» (3).

ص: 289


1- راجع الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- تقدمت في صفحة: 285.
3- الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

يجوز العدول إليهما أيضا على الأحوط (74).

مسألة 17: الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة

(مسألة 17): الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما (75) في يوم الجمعة و إن لم يبلغ النصف.

مسألة 18: يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقا

(مسألة 18): يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقا و إن بلغ النصف (76).

______________________________

فلا ربط له بالمقام، لظهوره في الالتفات بعد الفراغ من قراءة التوحيد، فهذا الخبر مما يدل على كثرة الاهتمام بقراءة سورة الجمعة حيث رخص عليه السلام لأجلها العدول إلى النافلة.

(74) خروجا عن خلاف من خصص الحكم بصورة النسيان و تقدم عدم الدليل عليه.

(75) مقتضى إطلاق جواز العدول من كلّ سورة جوازه منها أيضا. و استدل على عدم الجواز تارة: بالأولوية بأنّه إذا لم يصح الرجوع من التوحيد و الجحد إلى كلّ سورة إلّا إليهما فلا يصح منهما إلى غيرهما بالأولى و أخرى: بخبر الدعائم:

«روينا عن جعفر بن محمد عليه السلام أنّه قال: من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثمَّ رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى إلّا أن يكون بدأ ب قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ فإنّه لا يقطعها و كذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما» (1).

و لكن الأول من مجرد الاستحسان. و الثاني قاصر سندا فلا يصلحان للفتوى و إن صلحا للاحتياط.

(76) لأصالة بقاء التخيير مطلقا و عدم دليل على المنع من إجماع أو غيره لأنّ المنساق من الأدلة المانعة ما وجبت فيها السورة لا ما لا تجب فيها، مع ما ورد من كثرة التسهيل في النافلة في النصوص من تبعيض السورة، و قراءة العزائم،

ص: 290


1- مستدرك الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
مسألة 19: يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف

(مسألة 19): يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتّى في الجحد و التوحيد (77)، كما إذا نسي بعض السورة، أو خاف فوت الوقت بإتمامها، أو كان هناك مانع آخر، و من ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معينة في صلاته فنسي و قرأ غيرها فإنّ الظاهر جواز العدول (78) و إن كان بعد بلوغ النصف أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد.

______________________________

و القران، و يمكن استفادة العدول من إطلاق جواز التبعيض، و إطلاق جواز القران فيها و الظاهر أنّ العدول من الجحد إلى التوحيد و بالعكس كذلك، لأنّ الشك في شمول دليل الحرمة للنافلة يكفي في الرجوع إلى الأصل.

(77) للإجماع، و لأنّه: «ليس شي ء مما حرم اللّه إلّا و قد أحله لمن اضطر إليه» (1) بناء على شمول الحلية و الحرمة للنفسية و الغيرية كما هو الظاهر و قد ارتكز في النفوس: أنّ الضرورات تبيح المحذورات، مع أنّ المنساق من الأدلة المانعة إنّما هو حال الاختيار، فيرجع في غيره إلى الأصل.

(78) بناء على ترجيح دليل وجوب الوفاء بالنذر على دليل حرمة العدول بدعوى أنّ أدلة حرمة العدول لا اقتضائيّة، فتزول الحرمة بعروض وجوب الوفاء بالنذر.

و فيه: أنّ ذلك من مجرد الدعوى و لا شاهد عليها بل تصح دعوى العكس، لأنّه ما لم يكن العمل راجحا قبل النذر، و مع قطع النظر عنه لم ينعقد فضلا عن أن يكون ممنوعا شرعا، و مع الشك فمقتضى الأصل عدم وجوب الوفاء بعد عدم جواز التمسك بعموم وجوب الوفاء، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

إلّا أن يقال: إنّ الموضوع النذر العرفي كما في جميع موارد العقود

ص: 291


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.
مسألة 20: يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح، و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء

(مسألة 20): يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح، و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء (79). و يجب الإخفات في

______________________________

و الإيقاعات حيث إنّ موردها الموضوعات العرفية ما لم تثبت التخطئة، و طريق الاحتياط إتمامها رجاء ثمَّ الإتيان بالمنذورة كذلك و لا محذور في البين إلّا شبهة القران، و قد تقدم عدم الدليل على حرمته، و على فرضه ففي شموله لمثل المقام إشكال، بل منع.

ثمَّ إنّ النذر المذكور يتصوّر على وجوه:

الأول: أن ينذر قراءة السورة المعينة غافلا عن كلّ شي ء و حكمه ما تقدم.

الثاني: أن ينذر قراءة سورة خاصة و ينذر أيضا عدم قراءة سورة خاصة بناء على تحقق مثل هذا النذر لوجود رجحان في ترك القراءة في الجملة، فلو قرأها غفلة وجب عليه العدول إلى ما نذر قراءتها، لوجوب الوفاء بالنذر، و الظاهر عدم شمول دليل حرمة العدول للفرض، لأنّه فيما إذا لم يكن الإتمام حراما و يمكن أن يكون هذا مراد الماتن رحمه اللّه فيكون المراد بجواز الرجوع الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب.

الثالث: أن ينذر قراءة سورة خاصة على فرض اشتغال ذمته بوجوب إتيان السورة و حينئذ فلو قرأ غير المنذورة غفلة و تجاوز النصف لا يصح له العدول، لعدم اشتغال الذمة بسورة أخرى بل هو مشغول الذمة فعلا بوجوب إتمام ما شرع فيها. و أما قبله فالظاهر الوجوب لبقاء الاشتغال.

(79) للإجماع، و السيرة العملية و الفتوائية على نحو التوظيف من أول تشريع الصلاة، و يستفاد من الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة التي يأتي بعضها. و ما ورد في علة تشريع الجهر و الإخفات أنّه من المسلّمات بين المسلمين من أول عصر البعثة، و إنّما الكلام في أنّه على سبيل الوجوب أو الندب مقتضى ظواهر الأخبار هو الأول، فلو عكس بطل إلّا ما خرج بالدليل، ففي خبر ابن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «إنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما

ص: 292

.....

______________________________

هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أنّ هناك جماعة فإن أراد أن يصلّي صلّى» (1).

و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه- إلى أن قال-، فقال عليه السلام:

أيّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي ء عليه» (2).

و يدل عليه ما ورد في خبر محمد بن عمران في بيان علة الجهر و الإخفات في كيفية صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله في المعراج (3)، كما يدل عليه خبر ابن الضحاك عن الرضا عليه السلام الظاهر في مداومته عليه السلام على الجهر في العشاءين و الصبح و الإخفات في الظهرين، قال: «إنّه كان يجهر بالقراءة في المغرب و العشاء الآخرة، و صلاة الليل و الشفع و الوتر، و الغداة، و يخفي القراءة في الظهر و العصر» (4).

و عن الإسكافي القول باستحبابها، و عن السيد أنّها من السنن المؤكدة، و عن جمع متابعتهما- لو لا خوف الإجماع- و استدلوا تارة بالأصل، و أخرى: بقوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (5).

و هو شامل للصلوات كلّها. و ثالثة: بصحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال عليه السلام: إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل» (6).

و الكل مردود: إذ لا مورد للأصل مع الدليل، و لا وجه للاستدلال بالآية الكريمة للقطع بتشريع الجهر و الإخفات في الجملة، فالمراد بها النهي عن الإفراط في الجهر أو الإخفات، كما يدل عليه ما ورد في تفسيرها من

ص: 293


1- الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
5- سورة الإسراء: 21.
6- الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

الظهر و العصر (80) في غير يوم الجمعة. و أما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة (81)،

______________________________

الروايات (1). و أما الصحيحة فهي مجملة، لأنّ السائل فرض أنّ الصلاة مما يجهر فيها بالقراءة ثمَّ سأل عن لزوم الإخفات عليه و يمكن حملها على أنّ بعض الصلوات الإخفاتية كانت مما يجهر فيها عند العامة فيكون المراد بالجهرية عند غيرنا فأجاب عليه السلام إن شاء جهر إن صلّى عندهم تقية، و إن شاء أخفى مع عدم التقية، فالتخيير تخيير في الموضوع لا في أصل الحكم.

(80) للإجماع، و تقتضيه السيرة العملية بين المسلمين و الفتوائية بين الإمامية، و تقدم في خبر ابن الضحاك مواظبة الإمام عليه السلام.

(81) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجمعة قال عليه السلام: «و القراءة فيها بالجهر» (2).

و في صحيح ابن مسلم عن صلاة الجمعة في السفر، فقال عليه السلام:

«تصنعون كما تصنعون في الظهر و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» (3).

و نحوهما غيرهما. و اشتمال مثل هذه الأخبار على جملة من المندوبات يمنع عن استفادة الوجوب منها» مع أنّه قال في المدارك: «و قد قطع الأصحاب بعدم الوجوب» و عن العلامة في المنتهي: «أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم على أنّه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه، و الأصل عدمه»، و ظاهره عدم تحقق الإجماع على عدم الوجوب و لذا تمسك بالأصل. و يشكل استفادة الندب من الأخبار لورودها في مقام نفي وجوب

ص: 294


1- راجع الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

بل في الظهر أيضا على الأقوى (82).

______________________________

الإخفات فلا يستفاد منها أكثر من أصل الجواز، إلّا أن يتمسك بالإجماع المدعى على الندب، مع التسامح في الاستحباب بما لا يتسامح في غيره.

(82) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال عليه السلام: نعم، و القنوت في الثانية» (1).

و في صحيح ابن مسلم عنه عليه السلام أيضا: «قال عليه السلام لنا:

صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة، فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال عليه السلام: اجهروا بها» (2).

و عنه عليه السلام في صحيح الحلبي: «عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال عليه السلام: نعم» (3).

و يعارض هذه الأخبار صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، فقال عليه السلام: يصنعون، كما يصنعون في غير الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة إنّما يجهر إذا كانت خطبة» (4).

و مثله ما تقدم في صحيح ابن مسلم، و لذا ذهب بعض الأصحاب إلى المنع، و عن المحقق رحمه اللّه في المعتبر «إنّه أشبه بالمذهب». و لكن نسب إلى المشهور استحباب الجهر.

أقول: يمكن حمل الصحيحين على التقية بقرينة ما تقدم في خبر ابن مسلم «إنّه ينكر علينا». ثمَّ إنّ الظاهر عدم دلالة ما تقدم من صحيح الحلبي و مثله على

ص: 295


1- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.
مسألة 21: يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة

(مسألة 21): يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة (83).

______________________________

وجوب الجهر لوروده في مقام دفع توهم الحظر، بل استفادة الاستحباب منه مشكل إلّا أن يبنى فيه على التسامح فالأحوط الإخفات و إن جاز الجهر أيضا.

و أما صلاة العصر يوم الجمعة فمقتضى الإطلاق و العموم الدالان على الإخفات شمولهما لعصر يوم الجمعة أيضا و لا دليل على الخلاف كما ورد في ظهر يومها.

فروع- (الأول): محلّ الجهر و الإخفات خصوص القراءة نصا (1) و إجماعا، فلا يجبان في غيرها من الأذكار مطلقا، و يتخير فيها بينهما إجماعا.

(الثاني): لا يجب الجهر و لا الإخفات في القراءة في النوافل و الصلوات المندوبة مطلقا، للأصل، نعم، الأولى الإخفات في قراءة النهارية منها و الجهر في الليلة، لقاعدة الإلحاق المحمولة على مجرد الأولوية، لظهور الإجماع على عدم الوجوب.

(الثالث): قضاء الفرائض تابع لأدائها نصّا (2) و إجماعا فقضاء الظهرين يخفت فيه، و إن كان في الليل، و قضاء العشاءين يجهر فيه و إن كان في اليوم.

(83) نصوصا، و إجماعا ففي خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام «و الإجهار ب «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» في جميع الصلوات سنة» (3).

و في بعض الأخبار عدّ ذلك من علامات المؤمن(4)، و في صحيح صفوان:

«صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام أياما، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها

ص: 296


1- راجع الوسائل باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
4- راجع الوسائل باب: 56 من أبواب المزار، و مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة.

.....

______________________________

جهر ب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) و كان يجهر في السورتين جميعا» (1).

و نسب إلى الصدوق و القاضي (قدس سرهما) وجوبه لظاهر خبر الأعمش عن جعفر عليه السلام: «و الإجهار ب «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» في الصلاة واجب» (2).

و ما عن عليّ عليه السلام: «و ألزمت الناس بالجهر ب «بسم اللّه الرّحمن الرحيم» (3).

و فيه: مضافا إلى قصور سندهما، وهنهما بالإعراض، و إمكان الحمل على تأكد الاستحباب، و أما صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إنّهما سألاه عمن يقرأ «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب، قال عليه السلام: نعم، إن شاء سرّا و إن شاء جهرا، فقالا: أ فيقرؤها مع السورة الأخرى؟ فقال عليه السلام: لا» (4).

فمحمول على التقية بقرينة ذيله. و مقتضى الإطلاقات الآبية عن التقييد عدم الفرق بين الإمام و غيره، فلا وجه لما عن ابن الجنيد من الاختصاص بالإمام، لما ورد فيه من النصوص بالخصوص لأنّها وردت في بعض مصاديق المطلق فلا ينافي الإطلاق، كما أنّ مقتضاها عدم الفرق بين الأولتين و الأخيرتين و ثالثة المغرب. فلا وجه لما عن الحلبي من الاختصاص بالأولتين، لقاعدة الاحتياط، و لأنّ نصوص الاستحباب بالجهر بالبسملة وردت فيما تتعيّن فيها القراءة و لا تتعيّن القراءة في الأخيرتين، لما يأتي في الفصل التالي. و يرد الأخير بأنّه استحسان مخالف للإطلاق، و الأول بأنّه مخالف لما حقق في الأصول من أنّ المرجع في الشك في الشرطية إنّما هو البراءة دون الاحتياط، مع أنّ عمدة الدليل على الإخفات في الأخيرتين الإجماع و المتيقن منه غير البسملة.

ص: 297


1- الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
3- روضة الكافي ج: 8 صفحة: 61 الطبعة الحديثة.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
مسألة 22: إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت الصلاة

(مسألة 22): إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت الصلاة، و إن كان ناسيا أو جاهلا و لو بالحكم صحت (84)، سواء كان الجاهل بالحكم متنبها للسؤال و لم يسأل أم لا، لكن الشرط حصول قصد القربة منه (85)، و إن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة (86).

______________________________

فرع: لو وجب الإخفات لعارض فيمكن دعوى انصراف الأدلة عنه، و يأتي في [مسألة 22] من (فصل أحكام الجماعة) ما ينفع المقام.

(84) للإجماع و النص، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال عليه السلام: أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمت صلاته» (1).

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الجهل بالحكم و الموضوع، و لا بين البسيط و المركب، بل الجمود على قوله عليه السلام: «لا يدري» الشمول للشاك أيضا، لصدق أنّه لا يدري، إلّا أن يقال: بالانصراف عنه خصوصا إن كان متمكنا من الفحص و السؤال، و لكنه مشكل.

(85) لبطلان العمل حينئذ من جهة فقد قصد القربة. ثمَّ إنّ الظاهر إمكان حصول قصد القربة من الجاهل المتنبه للسؤال، و كذا من الشاك كما في إتيان جميع العبادات الاحتياطية حيث يحصل منهم قصد التقرب.

(86) أي في صورة التنبه للسؤال، خروجا عن خلاف من أوجبها حينئذ، و لكن لا دليل عليها، لأنّ احتمال البطلان إن كان مستندا إلى فقد قصد القربة فهو خلاف الغرض، و إن كان لأجل شمول التعمد للجاهل المتنبه للسؤال و للشاك كذلك فهو مشكل، للشك في شمول الدليل لهما من جهة الشبهة الموضوعية، فيرجع حينئذ إلى أصالة البراءة عن المانعية.

ص: 298


1- الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
مسألة 23: إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا تجب عليه إعادة القراءة

(مسألة 23): إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا تجب عليه إعادة القراءة، بل و كذا لو تذكر في أثناء القراءة حتّى لو قرأ آية لا

______________________________

إن قلت: نعم الجاهل المقصّر بالحكم في هذه المسألة تصح صلاته نصّا و إجماعا و لكنه إن كان من باب اختصاص الحكم بالعالمين فهو غير معقول، كما ثبت في محلّه، و إن كان الحكم مطلقا بالنسبة إلى العالم و الجاهل فلازمه بطلان الصلاة بالنسبة إليه كالعامد، و إن كان من باب تقبل الشارع العمل الناقص بعد وجوده بدلا عن التام و إسقاط ما هو واجب عليه أولا للتسهيل و الامتنان فهو مخالف لما يظهر من الأصحاب في المقام من استحقاق العقاب و ثبوت الإثم و عدم المعذورية، إذ لا معنى لاستحقاق العقاب مع فراغ الذمة عن التكليف.

قلت أولا: اختصاص التكليف بالعالمين معقول، كما أثبتناه في الأصول.

و ثانيا: إنّ ظاهر الصحيحة: «تمت صلاته و لا شي ء عليه».

عدم استحقاق العقاب فلو تمَّ إجماع عليه نقول به و إلّا فمجرد النسبة إلى الأصحاب لا يكون دليلا عليه ما لم يكن إجماعا، فيصح اختيار الوجه الأخير بعد عدم ثبوت الإثم.

و ثالثا: إنّ لكلّ واحد من الجهر و الإخفات في محلّه مصلحة تختص به لا تتغير بالجهل بالحكم، و مصلحة أخرى في طول تلك المصلحة الأولية لأجل التسهيل فيصح العمل لأجل درك المصلحة الثانية و يستحق العقاب لتفويت المصلحة الأولى.

إن قيل: أيّ تسهيل و تيسير على الأمة بعد استحقاق العقاب على المخالفة؟

يقال: التسهيل إنّما هو في عدم الإعادة أو القضاء، و في استحقاق العقاب أيضا مصلحة الترغيب إلى تعلم الحكم و عدم إهماله، مع أنّه من اللّمم المكفرة، فلا يبقى أثره إلى الآخرة إن شاء اللّه تعالى.

ص: 299

تجب إعادتها (87)، لكن الأحوط الإعادة خصوصا إذا كان في الأثناء (88).

مسألة 24: لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما، أو جاهلا بمحلّهما

(مسألة 24): لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما، أو جاهلا بمحلّهما بأن علم إجمالا أنّه يجب في بعض الصلوات الجهر و في بعضها الإخفات إلا أنّه اشتبه عليه أنّ الصبح مثلا جهرية و الظهر إخفاتية بل تخيّل العكس- أو كان جاهلا بمعنى الجهر و الإخفات فالأقوى معذوريته في الصورتين (89)، كما أنّ الأقوى معذوريته (90) إذا كان جاهلا بأنّ المأموم

______________________________

(87) كلّ ذلك لإطلاق قوله عليه السلام: «تمت صلاته و لا شي ء عليه» فإنّه لو وجبت في الصلاة إعادة شي ء من تمام القراءة أو بعضها، لما قال عليه السلام: «تمت صلاته و لا شي ء عليه»، مع أنّه لا وجه للإعادة في التسهيل المطلق و الامتنان المحض.

(88) جمودا على احتمال انصراف الدليل عن الصورتين، و لكن الإطلاق ثابت فالاحتمال ساقط. نعم، لا بأس بالإعادة بعنوان الرجاء.

(89) لإطلاق الدليل الشامل لهما فإنّه يصدق عرفا أنّه لم يتعمد الجهر في محلّ الإخفات أو بالعكس. نعم، يصدق أنّه تعمّد الجهر في صورة العلم الإجمالي في الجملة، و لكنه لم يقع في مورد الدليل حتّى يوجب البطلان، و إنّما الواقع فيه تعمّد الجهر في موضع الإخفات و بالعكس فلا بد من تعلق التعمد بالحال و المحلّ معا فلا يكفي تعلقه بأحدهما فقط.

(90) للإطلاق الشامل له أيضا، و لو استشكل فيه بالانصراف أو الشك في الشمول، فالمرجع هو القواعد، و مقتضى حديث «لا تعاد» الصحة مع عدم التعمد. و أما معه فإن اكتفى بما خالف فيه فتبطل الصلاة من جهة الترك العمدي للواجب الصّلاتي، و إن تدارك المأتيّ به بحسب الوظيفة، كما إذا جهر من وظيفته الإخفات في آية من الفاتحة مثلا، أو في تمامها ثمَّ تاب و أتى بها إخفاتا،

ص: 300

يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه و إن كانت الصلاة جهرية فجهر، لكن الأحوط فيه و في الصورتين الأولتين الإعادة (91).

مسألة 25: لا يجب الجهر على النساء في الصلوات الجهرية

(مسألة 25): لا يجب الجهر على النساء في الصلوات الجهرية (92)

______________________________

فالبطلان مبنيّ على انطباق الكلام المحرّم و الزيادة المبطلة على ما أتى به و ظاهرهم ذلك، و يأتي ما يتعلق به إن شاء اللّه تعالى.

(91) ظهر وجه الاحتياط مما مرّ، و الأولى أن يكون بعنوان الرجاء.

فروع- (الأول): يأتي حكم الجهر في الأخيرتين من الرباعية و أخيرة، المغرب في الفصل التالي [مسألة 4] و ما بعدها.

(الثاني): لو جهر في موضع الإخفات أو العكس و شك في أنّه كان بعنوان العمد أو غيره فمقتضى الأصل الصحة.

(الثالث): لو علم إجمالا أنّه إما تعمد في ذلك أو كان ذلك بعنوان النسيان تصح صلاته و لا شي ء عليه، لأصالة البراءة عن الإعادة و حديث «لا تعاد».

(92) للنص و الإجماع، ففي خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال عليه السلام: لا، إلّا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»(1).

و ذيله محمول على الندب، لكونه بالنسبة إلى إمامة الرجل مندوبا، فكيف بالمرأة المطلوب منها التستر مهما أمكن، و يشهد لأصل المسألة اهتمام الشارع بتسترهنّ مهما أمكن حتّى ورد أنّ صلاتها في المخدع أفضل من صلاتها في بيتها» (2).

و أما الاستدلال على سقوط الجهر بالنسبة إليهنّ بأنّ صوتهنّ عورة فيجب

ص: 301


1- الوسائل باب: 31 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

بل يتخيرن بينه و بين الإخفات (93) مع عدم سماع الأجنبي، و أما معه فالأحوط إخفاتهنّ (94)، و أما في الإخفاتية فيجب عليهنّ الإخفات كالرجال و يعذرن في ما يعذرون فيه (95).

مسألة 26: مناط الجهر و الإخفات: ظهور جوهر الصوت

(مسألة 26): مناط الجهر و الإخفات: ظهور جوهر الصوت

______________________________

عليهنّ إخفاء صوتهنّ، كما يجب ستر بدنهنّ. فمردود أولا: بعدم ثبوت كون صوتهنّ عورة، كما يأتي في النكاح إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: بأنّه على فرض الثبوت يدل على وجوب الإخفات و حرمة الجهر، و هو خلاف إجماعهم على عدم حرمته.

و ثالثا: بأنّ عورية الصوت إنّما هي بالنسبة إلى سماع الأجنبيّ فقط. فإذا لم يكن أجنبيّ في البين فأيّ حرمة حينئذ، و ليست هي كعورية العورتين حتّى يجب سترها حتّى في الخفاء، و حتّى عن المحارم، فالدليل أعم من المدعى.

(93) لأنّه بعد أن لم يتم دليل على حرمة الجهر و لا على وجوب الإخفات يتحقق التخيير لا محالة فهو تخيير عقليّ قهريّ.

(94) للخروج عن خلاف من أوجبه، و قال في كشف اللثام: «اتفقت كلمة الأصحاب على أنّ صوتها عورة يجب عليها إخفاؤه عن الأجانب».

و فيه: أنّه كيف يمكن دعوى الاتفاق مع وجود الخلاف في كلّ طبقة، و يأتي في [مسألة 39] من (كتاب النكاح) الاحتياط الاستحبابي في ترك سماع صوتها و عدم العورية إلّا أن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، و يمكن أن يجمع بذلك بين الكلمات و لا بأس به و إن أبى ظاهر بعض الكلمات عنه.

ثمَّ إنّها لو جهرت في مورد الحرمة تشكل صحة صلاتها، لأنّ الجهر من الكيفيات الداخلية للصلاة، فيكون من النهي في العبادة، فتصير نفس العبادة من مظاهر الفساد، و ليس النهي متعلقا بخارج العبادة حتّى لا تفسد.

(95) لقاعدة الاشتراك، و عدم دليل على التخصيص بالرجال.

ص: 302

و عدمه (96)، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهره و إن سمعه من بجانبه قريبا أو بعيدا.

مسألة 27: المناط في صدق القراءة

(مسألة 27): المناط في صدق القراءة قرآنا كان أو ذكرا أو

______________________________

(96) لأنّ هذا هو المتعارف منهما، و عليهما سيرة المسلمين في صلواتهم الجهرية و الإخفاتية، و الأدلة تنزل على المعهود المتعارف من بدء تشريعهما، و الظاهر أنّ ذلك لم يكن بتعليم أحد لهم معنى الجهر و الإخفات، بل لأجل اقتضاء فهمهم العرفي ذلك، و معلوم أنّه ليس فيهما حقيقة شرعية، و ليس للفقهاء اصطلاح خاص فيهما. فكلّ ما ذكروا في تعريفهما إنّما هو إشارة إلى المعنى المتعارف، و إن كانت العبارات مختلفة و حيث إنّ الشبهة مفهومية، فالمرجع في اعتبار شي ء خاص في كلّ واحد منهما أصالة البراءة، و ليس المفهوم مبينا مع كون الشبهة في المصداق حتّى يكون المورد من موارد الاحتياط، و حينئذ فمع صدق الجهر أو الإخفات عرفا فلا ريب في الإجزاء إن كان كلّ ذلك في محلّه، كما لا ريب في البطلان إن كان في غير محله و كان ذلك بالعمد و إن تردد العرف في صدق الجهر أو الإخفاء عليه، كبعض أقسام البحة فمقتضى الأصل عدم المانعية إن كان عمدا و كان في غير المحلّ، و كذا إن كان في المحلّ، لأنّ مقتضى أصالة الصحة، و حديث «لا تعاد» صحة هذه الصلاة بعد عروض الشك في البطلان من هذه الجهة، إلّا أن يقال:

إنّ المستفاد من الأدلة حصر القراءة بين الجهر و الإخفات فلا يجزي ما هو خارج عنهما، فتدل نفس هذه الأدلة على البطلان في صورة التعمّد بما لا يصدق كلّ واحد منهما عليه، و حينئذ فلو أتى بالقراءة ببعض مراتب البحة فيما يجب فيه الجهر مع عدم صدق الجهر عليه و كان ذلك عن عمد لم يأت بالمأمور به عمدا، و كذا في الإخفات مع عدم صدق الإخفات عليه، و لكن استفادة ذلك من الأدلة مع أنّ الجهر و الإخفات مراتب كثيرة مشكلة جدّا بعد فرض كونهما من المبيّنات العرفية. و أما كون ذلك مانعا عن صحة الصلاة فلا يستفاد ذلك عن الأدلة اللفظية فيرجع فيه إلى أصالة البراءة و حديث «لا تعاد»، كما تقدم.

ص: 303

دعاء ما مر في تكبيرة الإحرام من أن يكون بحيث يسمعه نفسه تحقيقا أو تقديرا (97) بأن كان أصمّ أو كان هناك مانع من سماعه، و لا يكفي سماع الغير (98) الذي هو أقرب إليه من سمعه.

مسألة 28: لا يجوز من الجهر ما كان مفرطا

(مسألة 28): لا يجوز من الجهر ما كان مفرطا خارجا عن المعتاد كالصياح فإن فعل، فالظاهر البطلان (99).

مسألة 29: من لا يكون حافظا للحمد

(مسألة 29): من لا يكون حافظا للحمد يجوز أن يقرأ في

______________________________

(97) لأنّ ذلك هو المناط في صدق القراءة عرفا أيضا، و قد تقدم في [مسألة 5] من (فصل تكبيرة الإحرام)، فراجع.

(98) لقول أبي جعفر عليه السلام: «لا يكتب من القراءة و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه» (1).

و لكن الظاهر أنّ فرض سماع الغير من دون سماع النفس غير واقع ظاهرا، و يمكن أن يقال: إنّ ذكر إسماع النفس لا موضوعية فيه و إنّما هو طريق لتحقق السماع في الجملة خارجا، فيكفي حينئذ سماع الغير و لو لم يسمع نفسه إن فرض تحققه.

(99) للإجماع، و للنهي عن الجهر العالي في قوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها(2)، و في خبر سماعة: «المخافتة دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديدا» (3).

فيكون من النهي في العبادة الموجب للبطلان، و في خبر عمار: «الجهر بها رفع الصوت، و التخافت ما لم تسمع نفسك» (4).

و يظهر منهم الإجماع على البطلان أيضا.

ص: 304


1- الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- سورة طه: 22.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

المصحف (100)، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضا على الأقوى (101)،

______________________________

(100) لإطلاق أدلة القراءة، و ظهور الإجماع على الجواز حينئذ، و لأصالة البراءة عن اشتراط القراءة عن ظهر القلب، و أصالة البراءة عن الائتمام مع التمكن منه، و كذا الكلام في تلقين الغير آية فآية.

(101) للأصل، و الإطلاق، و خبر الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«ما تقول في الرجل يصلّي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ قال عليه السلام: لا بأس بذلك» (1).

نعم، في خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه يقرأ و يصلّي؟ قال عليه السلام: لا يعتد بتلك الصلاة» (2).

و طريق الجمع هو الحمل على الكراهة.

و ذهب جمع إلى عدم الجواز بالنسبة إلى القادر، للانصراف عنه، و لأنّ المعهود فيه القراءة عن ظهر القلب، و لأنّ القراءة بالنسبة إلى القادر عن المصحف مكروهة قطعا و لا مكروه في الصلاة، و لأنّ الصلاة معها في معرض البطلان لعروض ما يمنع عن القراءة عن المصحف.

و الكلّ مخدوش، لأنّ الانصراف بدوي و المعهودية من باب الغالب و اشتمال الصلاة على المكروه لا يوجب البطلان إجماعا، بل ضرورة، و المعروضية لا توجبه أيضا مع الاطمئنان العرفي بإمكان الإتمام إلّا إذا كانت بحيث تخلّ بقصد الصلاتية، و أما لو لم يكن كذلك و اتفق في الأثناء ما يوجب البطلان فلا يضرّ ذلك بقصد الصلاة، و قد تقدم في الثالث من (شروط مكان المصلّي) ما ينفع المقام. و أما خبر ابن أوفى: «أنّ رجلا سأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فقال إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله:

ص: 305


1- الوسائل باب: 41 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

كما يجوز له اتباع من يلقنه (102) آية فآية، لكن الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ و الائتمام (103).

مسألة 30: إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه

(مسألة 30): إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه، و لو توهما (104)، و الأحوط تحريك لسانه بما يتوهمه (105).

______________________________

قل سبحان اللّه و الحمد للّه» (1).

و لم يأمره بالقراءة من المصحف فلا بد من رد علمه إلى أهله لجواز القراءة من المصحف لمثله إجماعا.

(102) لإطلاق الأدلة الشامل للتلقين أيضا، و لأصالة البراءة عن وجوب المباشرة.

(103) خروجا عن خلاف من أوجبها.

(104) لقاعدة الميسور، و إمكان استفادته من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر السكوني: «تلبية الأخرس و تشهده، و قراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (2).

و إن كان المقام من مراتب الأخرس أو ملحقا به عرفا فهذا الحديث يدل عليه أيضا. و أما خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل، هل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال عليه السلام: لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهم توهما» (3).

فلا بد من رده إلى أهله، لعدم عامل به، أو يحمل على صورة عدم القدرة لغير ذلك.

(105) إن كان هذا من الأخرس موضوعا أو حكما، فيشمله ما تقدم من

ص: 306


1- السنن الكبرى- البيهقي- ج: 2 صفحة: 381.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
مسألة 31: الأخرس يحرّك لسانه

(مسألة 31): الأخرس يحرّك لسانه، و يشير بيده إلى ألفاظ القراءة بقدرها (106).

مسألة 32: من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم

(مسألة 32): من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم (107) و إن كان متمكنا من الائتمام (108) و كذا يجب تعلم سائر أجزاء

______________________________

خبر السكوني الدال على تحريك اللسان و الإشارة باليد و إن لم يكن منه فوجه الاحتياط احتمال جريان قاعدة الميسور بالنسبة إليه.

(106) حال القراءة بالنسبة إلى الأخرس حال سائر مقاصده العرفية التي يبرزها لغيره عند الحاجة، فبأيّ نحو يبرز مقاصده الشخصية لمخاطبه عند الاحتياج إليها يأتي بالقراءة هكذا، و ما تقدم في خبر السكوني منزل على هذا أيضا و لا ريب في تحقق تحريك اللسان و الإشارة باليد في الجملة أيضا و لكن الأخرس على أقسام:

قسم منه: من يكون متوجها ملتفتا إلى ألفاظ القراءة و معانيها تفصيلا. و قسم منه: من يعلم بالقراءة إجمالا. و قسم منه: من لا يعلم ذلك أصلا.

و لا إشكال في تحقق عقد القلب و تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع بالنسبة إلى الأول و كذا بالنسبة إلى الثاني بنحو الإجمال و أما الثالث فلا موضوع لها بالنسبة إليه. و أما الأخير، فمقتضى الأصل عدم وجوب شي ء عليه إلّا أنّ الظاهر شمول إطلاق ما تقدم من خبر السكوني له أيضا، فيجب عليه ذلك و تقتضيه قاعدة الميسور أيضا.

(107) لقبح تفويت التكليف المعلوم مع التمكن منه.

(108) لا إشكال في إطلاق الوجوب و إن قدر على الائتمام إن كان الوجوب نفسيا، كما يدل عليه إطلاق معقد الإجماع المدعى في المعتبر و المنتهى فإنّ إطلاقه يقتضي أن يكون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا، و قال في الجواهر: «أطلق الأصحاب هنا وجوب التعلم إطلاقا ظاهرا في التعيين»، و تقتضيه مرتكزات المتدينين فإنّهم يهتمون بتعلم الصلاة كاهتمامهم بالواجبات النفسية و يشهد له كثرة

ص: 307

الصلاة (109)، فإن ضاق الوقت مع كونه قادرا على التعلم فالأحوط الائتمام إن تمكن منه (110).

______________________________

اهتمام الشارع بالصلاة أيضا. و بالجملة: الوجوب النفسي مطابق لمذاق الشارع و الفقه و الفقاهة، فيصح قولهم حينئذ: «فإن ترك التعلم و أتم تصح صلاته و إن أثم». و أما إن كان وجوب التعلم إرشاديا محضا، فلا وجه للإثم غير إثم ترك أصل الصلاة، كما لا وجه لوجوبه مع التمكن الفعلي من الائتمام أو تلقين الغير.

(109) يظهر مما تقدم في القراءة تقريب استظهار الوجوب النفسي في تعلم سائر أجزاء الصلاة و أفعالها.

(110) لأنّه حينئذ متمكن من إتيان المأمور به بتمامه و كماله فلا موضوع للإجزاء بغيره، مع أنّه مع التقصير- كما هو المفروض- يشكل شمول دليل صحة الصلاة الاضطرارية له، و كذا قاعدة الميسور، لعدم الإجماع على الاعتماد عليها حينئذ. و لما نسب إلى الموجز و شرحه من وجوب الجمع بين الأداء في الوقت بما تيسير و القضاء في خارجه بعد التعلم، فعلى هذا يجب عليه الائتمام، كما أفتى به الماتن رحمه اللّه في فصل الجماعة.

و فيه أولا: أنّه بعد العلم بعدم سقوط أصل الصلاة عنه، كما هو المرتكز في أذهان المتشرعة، و يشهد له المرسل: «لا تسقط الصلاة بحال» (1).

يشك في وجوب الائتمام عليه، و مقتضى الأصل عدمه، لأنّ قراءة الإمام مسقطة عن قراءة المأموم، و العجز أيضا مسقط لها و تعين أحد المسقطين دون الآخر يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل مقتضى الأصل عدم التعيين، و كذا لو شك في أنّ قراءة الإمام مسقط أو بدل عن أحد فردي التخيير، لعدم الدليل على التعيين حينئذ، بل مقتضى الأصل عدمه. نعم، لو علم أنّ قراءة الإمام في عرض قراءة المأموم و بدل عنها و كانت أحد فردي الواجب التخييري تعيّن الائتمام

ص: 308


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

.....

______________________________

حينئذ، لأنّه إذا تعذر أحد فردي الواجب التخييري تعيّن الفرد الآخر، و لكن من أين يعلم ذلك، و بأيّ وجه يستدل عليه. نعم، أصل السقوط في الجملة مسلّم، و لكنه أعم من الوجوب التخييري، كما هو المعلوم.

و ثانيا: أنّ مقتضى ما دل على أنّ العاجز يأتي بما هو ميسوره حين العجز هو الاكتفاء بما تيسر، بلا فرق بين ما إذا كان العجز لآفة أو للتقصير و إن أثم في الأخير، و لكنه لا ينافي الإجزاء و سقوط القضاء، كما في سائر التكاليف الاضطرارية الحاصلة بسوء الاختيار. و ما ورد في الأخرس، و المحرم من العجم، و أنّ سين بلال شين عند اللّه (1)، و ما يأتي من صحيح ابن سنان عمومها شامل للمقام أيضا، فإنّها و إن وردت في موارد خاصة، و لكن المورد لا يكون مخصصا، مع أنّ كونها امتنانية يقتضي التعميم، مضافا إلى كثرة من لا يحسن القراءة من سواد الناس.

و ثالثا: أنّه لم يعهد منهم (قدس سرهم) إجماع على وجوب الائتمام في موارد هذه الأعذار مع كون المسألة ابتلائية، و عدم تعرض النصوص له و عدم سؤال الرواة عنه مع شدة الحاجة.

فتلخص: أنّ وجوب الائتمام لا دليل عليه بوجه، بل مقتضى الأصل و ظاهر ما تقدم عدمه، نعم، هو الأحوط.

(111) لقاعدة الميسور، و ظهور عدم الخلاف، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر مسعدة: «إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح- الحديث» (2).

و عنه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ

ص: 309


1- مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب قراءة في القرآن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
مسألة 33: من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف

(مسألة 33): من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف و لا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك (111) و لا يجب عليه الائتمام و إن كان أحوط (112)، و كذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام.

مسألة 34: القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما يعلم

(مسألة 34): القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما يعلم (113) و قرأ من سائر القرآن عوض البقية (114)، و الأحوط مع ذلك

______________________________

القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته» (1).

و قد ورد أنّ «سين بلال شين عند اللّه تعالى» (2).

(112) يظهر منهم عدم الخلاف في عدم وجوب الائتمام عليه و على الأخرس.

(113) للإجماع، و لقاعدة الميسور.

(114) لما استدل عليه تارة: بقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّ المقام من موارد الأقلّ و الأكثر و المرجع فيه البراءة كما ثبت في محلّه. و أخرى: بقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (3).

و فيه: أنّه يصدق بالنسبة إلى ما يعلم أيضا فقد حصل الامتثال و الزائد عليه مشكوك في أصل التكليف، فيرجع فيه إلى البراءة العقلية و النقلية. و ثالثة: بخبر الفضل: «و إنّما أمر الناس بالقراءة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا- إلى أن قال- و إنّما بدأ بالحمد» (4).

حيث يدل على أنّ اختيار الحمد لتعدد المطلوب و مع الجهل به أو ببعضه لا يسقط المطلوب الأولى و هو قراءة القرآن. و فيه: مضافا إلى قصور سنده، أنّه في

ص: 310


1- الوسائل باب: 30 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
2- تقدم في صفحة: 309.
3- سورة المزمل: 20.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

.....

______________________________

مقام بيان حكمة التشريع و المناسبة المقتضية له كما هو واضح و ليس في مقام بيان الحكم الفعلي أو العلة المنحصرة للحكم، مع أنّه يصدق بالنسبة إلى قراءة ما يعلم من الفاتحة أيضا. و رابعة: بقوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (1).

خرج منه ما إذا أتى بما يعلم و عوّض عما لا يعلم فتكون صورة عدم التعويض باطلة. و فيه: أنّه في حق القادر على الفاتحة، و أما العاجز عن تمامها أو بعضها، فيرجع إلى سائر الأدلة و الأصول و تقدم أنّ مقتضى الأصل البراءة عن التعويض. و خامسة: بالنبوي: «إذا قمت إلى الصلاة فإذا كان معك قرآن فاقرأه و إلّا فاحمد اللّه و هلّله و كبّره» (2).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده أنّه ظاهر فيما إذا جهل تمام القراءة كما يأتي في الفرع التالي لا البعض كما في المقام فأصالة البراءة عن وجوب التعويض عن البعض لا حاكم عليها، فما نسب إلى المشهور من وجوب التعويض من سائر القرآن لم يتم دليل عليه و لذا ذهب جمع إلى كفاية الاقتصار على ما يعلم و عدم وجوب التعويض عليه- هذا و لكنه يمكن أن يقال: إنّه و إن أمكنت المناقشة في كلّ واحد مما مر من الأدلة إلّا أنّ مجموعها مما يوجب الظنّ بوجوب التعويض و لا يقصر ذلك عن سائر الظنون الاجتهادية.

ثمَّ إنّ المشهور عند القائلين بوجوب التعويض أنّه يعتبر أن يكون بغيرها من القرآن لا بتكرار ما يعلم من الفاتحة، لأنّ الشي ء الواحد لا يكون أصلا و بدلا.

و فيه: أنّه مجرد استبعاد لا يصلح مدركا للحكم كما أنّ ما حكي عن بعض من تعين تكرار ما يعلم من الفاتحة، لأنّه أقرب إليها من غيرها كذلك أيضا. نعم، يمكن دعوى انصراف أدلة التعويض على فرض التمامية إلى غير الفاتحة من سائر آيات القرآن.

ص: 311


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
2- كنز العمال ج: 4 صفحة: 93 الحديث: 1946.

تكرار ما يعلمه بقدر البقية (115)، و إذا لم يعلم منها شيئا قرأ من سائر القرآن (116)، بعدد آيات الفاتحة بمقدار حروفها (117). و إن لم يعلم شيئا من القرآن سبّح و كبّر و ذكر بقدرها (118)، و الأحوط الإتيان

______________________________

(115) ظهر وجه الاحتياط مما مر و لا بأس به رجاء.

(116) لما تقدم من خبر الفضل، و النبوي، و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان: «إنّ اللّه فرض من الصلاة الركوع و السجود ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي» (1).

و هو المشهور أيضا، و ظاهرها تقديم قراءة القرآن على الذكر، فلا وجه للتخيير بينهما كما عن المحقق رحمه اللّه في الشرائع.

(117) لدعوى: أنّ المنساق من الأدلة عرفا ذلك، و لذا ذهب إليه المشهور و لكن مقتضى الأصل و الإطلاق صحة الاجتزاء بالمسمّى كما قال به بعض، و ليس في الأدلة لفظ القدر و المقدار و نحوهما حتّى يبحث عن أنّه من حيث المقدار في الآيات، فلا دليل على المشهور إلّا دعوى الانسباق العرفي و لو نوقش فيه، فالمرجع إنّما هو الأصل و الإطلاق و مقتضاهما الاكتفاء بالمسمّى.

(118) لما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان (2)لأنّ غيره قاصر سندا و لا بد من إرجاع غيره إليه. و الصحيح مشتمل على التكبير و التسبيح و الصلاة، و احتمال كون الاقتصار على الثلاثة لأجل المثال لمطلق الذكر قريب جدا، مع أنّ ذكر التسبيح و إرادة الأعم منه و من التحميد و كذا العكس شائع في الأخبار، و قد ورد عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ ذكرنا من ذكر اللّه تعالى» (3).

ص: 312


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب الذكر حديث: 1.

بالتسبيحات الأربع (119) بقدرها (120) و يجب تعلم السورة أيضا (121)، و لكن الظاهر عدم وجوب البدل لها (122) في ضيق الوقت و إن كان أحوط (123).

______________________________

فتكون الصلاة عليهم، عليهم السلام من ذكر اللّه أيضا، فيصح الاكتفاء بمطلق ذكر اللّه جلّ جلاله، فيشمل التهليل، بل الحوقلة أيضا بعد صحة حمل ما ذكر في صحيح ابن سنان و غيره على الغالب و المثال، و يأتي في النبويّ ذكر الحوقلة أيضا.

(119) لثبوت بدليتها عن الفاتحة في الأخيرتين و اختاره جمع و استوجهه في الذكرى، و جعله في المدارك و غيره الأحوط، و استشهد له بالنبويّ: «قال له صلّى اللّه عليه و آله رجل: إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلّمني ما يجزيني في الصلاة، فقال صلّى اللّه عليه و آله قل سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم. قال: هذا للّه فما لي قال صلّى اللّه عليه و آله: قل: اللهمّ اغفر لي و ارحمني و اهدني و ارزقني و عافني» (1).

و لكن كلّ ذلك لا يصلح للوجوب كما هو واضح، لإطلاق صحيح ابن سنان الذي هو الأصل في المقام. نعم، يصلح ما ذكر للاحتياط.

(120) تقدم الكلام فيه.

(121) لعين ما تقدم في تعلم الفاتحة.

(122) للأصل، و دعوى الإجماع على عدم وجوب البدل لها مع الجهل و ما تقدم من الأدلة موردها صورة الجهل بالقراءة مطلقا، فلا تشمل صورة العلم بالفاتحة و الجهل بالسورة.

(123) لاحتمال شمول الأدلة لها أيضا، و لكن لا وجه لهذا الاحتمال و دعوى الإجماع على العدم. نعم، لا بأس به رجاء.

ص: 313


1- سنن أبي داود ج: 1 رقم 832.
مسألة 35: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة

(مسألة 35): لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة، بل و كذا على تعليم سائر الأجزاء الواجبة من الصلاة (124)،

______________________________

فروع- (الأول): إذا جهل بكلّ من الفاتحة و السورة، فظاهر الأدلة كفاية التبديل عن الفاتحة للسورة أيضا و يقتضيه الأصل، لكون المقام من صغريات الأقلّ و الأكثر، فإنّ الشك في ثبوت البدل للسورة، بل لا شك في عدم وجوب التبديل عن السورة عند الجهل بها، و لكن الأحوط التبديل عنها أيضا رجاء.

(الثاني): إذا لم يعلم من القران إلّا سورة التوحيد- مثلا- فلا إشكال في عدم سقوط السورة عنه، فيجب الإتيان بها و تعوض عن الفاتحة بمقدارها و ليس ذلك من القران الممنوع، لانصرافه عنه.

(الثالث): إذا لم يعلم من القرآن إلّا آية أو آيتين يكررها بقدر الفاتحة.

(124) المشهور عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب بتمام أقسامه و استدل عليه تارة: بالإجماع. و أخرى: بأنّه أكل للمال بالباطل، لعدم وصول عوض منه إلى المستأجر. و ثالثة: بأنّه مناف للإخلاص. و رابعة: بأنّ معنى الوجوب استحقاق العمل للّه تعالى، فلا يمكن استحقاق غيره له.

و خامسة: بأنّ الوجوب يوجب إلقاء مالية العمل و لذا يقهر عليه مع الامتناع.

و الكلّ باطل، إذ يرد على الأول: أنّ الإجماع غير متحقق مع هذا الاختلاف الكثير.

و على الثاني: أنّه ليس من أكل المال بالباطل إذ يكفي في العوض مطلق الغرض الصحيح الذي لم ينه عنه الشارع و لا ريب في تحققه.

و على الثالث: أنّه لا منافاة فيه للإخلاص، لإمكان أن يكون أخذ الأجرة من موجبات حصول القربة في العمل و دواعيه، مع أنّه أعم، لإمكان كون الواجب توصليا، مضافا إلى أنّ الكلام في تعليم الواجب لا في عمله، و لا دليل على أنّ تعليم الواجب تعبدي، بل مقتضى الأصل عدمه.

ص: 314

و الظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبات (125).

______________________________

و على الرابع: بأنّ مالكية اللّه تعالى للعمل، و لذات العامل حقيقية واقعية و استحقاق العامل لعمله اعتباريّ ظاهريّ و لا منافاة بينهما، و هذا الإشكال جار في جميع أموال العباد و أعمالهم و لا اختصاص له بالواجبات فإنّ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (1) و لا محذور فيه، لأنّه تعالى مالك العباد و أموالهم و أعمالهم و جميع شؤونهم و أعطى العامل استحقاق عمله و ملكه على أمواله، فالاستحقاق موهبة منه تعالى لعباده و لا محذور فيه من عقل أو نقل، بل هو المناسب لفضله غير المتناهي، فلا المالكية المطلقة تزيده تعالى فضلا و لا العطيات غير المتناهية تنقصه شيئا.

و على الخامس: بأنّ الوجوب و القهر مع الامتناع لا يوجب سلب المالية كما في موارد الاحتكار و غيرها. و العمدة في الدليل أنّ تعليم الصلاة مجانيّ، بل من أهم الحقوق المجانية للمسلمين بعضهم على بعض تعليم الصلاة و ما يتعلق بها و كذا سائر واجبات فروع الدّين الابتلائية، و الظاهر كون الحكم كذلك في جميع الملل و الأديان بالنسبة إلى أهم واجبات دينهم أصولا كانت، أو فروعا.

(125) لأصالة احترام العمل التي هي أهم الأصول النظامية العقلائية فتشمله الإطلاقات و العمومات الشرعية و لا مانع في البين إلّا دعوى وجوب تعليم المستحبات في الجملة أيضا. و فيه: أنّه على فرض صحتها ليس بمانع كما تقدم، أو دعوى أنّ تعليمها أيضا يكون مجانيا. و فيه: منع لعدم الدليل عليه من عقل أو نقل و قد استظهرت المجانية في الواجبات الابتلائية من بناء العقلاء في الجملة، و تقبيحهم أخذ الأجرة على الواجبات الابتلائية في الدّين، و لو فرض هناك إجماع فالمتيقن منه خصوص الواجبات فقط، فتبقى المندوبات تحت الأصل، و يأتي في كتاب الإجارة في [مسألة 31] من (فصل لا يجوز إجارة الأرض) ما له نفع في المقام إن شاء اللّه تعالى و كذا في كتاب البيع.

ص: 315


1- سورة النور: 42.
مسألة 36: يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة

(مسألة 36): يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة، و بين كلماتها و حروفها (126)، و كذا الموالاة (127)، فلو أخلّ بشي ء من ذلك عمدا بطلت صلاته (128).

______________________________

(126) لإجماع المسلمين، و ظواهر نصوص المعصومين عليهم السلام (1).

(127) لظهور الإجماع، و لالتزام المصلّين عليها من أول تشريع الصلاة خلفا عن سلف نحو التزامهم بواجباتها، مع أنّ الموالاة العرفية معتبرة في التكلمات المحاورية بين الناس بحيث يعد تركها نقصا محاوريا بينهم، و القراءة الواجبة منزلة على ما هو المتعارف بين الناس في محاوراتهم و هم يقبحون السكوت الخلاف المتعارف القصير بين الحروف و الكلمات، فكيف بالطويل منه.

إن قيل: فعلى هذا تعتبر الموالاة في مطلق قراءة القرآن و لو كانت مندوبة و لم تكن شرطا لصلاة أو نحوها. قلت: نعم، و لكن حيث يجوز فيها ترك القراءة رأسا و القطع على الآية و ترك قراءة ما بعدها، بل الاكتفاء ببعض الآية لا أثر للموالاة حينئذ. و لكن لو بنى على قراءة سورة تامة أو آية كذلك، فالظاهر التزام المتعارف بالموالاة فيها أيضا.

(128) لخروج المأتي به حينئذ عن الجزئية، فيكون من الزيادة العمدية لا محالة فتبطل الصلاة بها على ما يأتي في الخلل، و إن نوقش في ذلك يكفي ظهور إجماعهم على البطلان، فلا وجه لما نسب إلى المبسوط و غيره من عدم بطلان الصلاة، بل تبطل نفس الكلمة، فتستأنف و يصح أصل الصلاة. نعم، لو كان ذلك بغير العمد من نسيان أو سهو أو غفلة أو عروض عارض تستأنف الكلمة و تصح الصلاة حينئذ، و لكن يمكن تقوية ما نسب إلى المبسوط و غيره من أنّ عمدة الدليل على البطلان إنّما هو الإجماع و المتيقن منه بطلان ذات الكلمة لا أصل الصلاة، فأصالة الصحة محكمة إلا أن يقال: اشتمال الصلاة على الباطل العمدي الداخلي يسقطها عن صلاحية التقرب بها.

ص: 316


1- الوسائل باب: 4 و غيره من أبواب القراءة في الصلاة.
مسألة 37: لو أخلّ بشي ء من الكلمات أو الحروف
اشارة

(مسألة 37): لو أخلّ بشي ء من الكلمات أو الحروف أو بدّل حرفا بحرف حتّى الضاد بالظاء أو العكس بطلت (129)، و كذا لو أخلّ

______________________________

(129) لأنّ ما أخلّ به إما جزء أو شرط، فإن كان الأول فالكلّ ينتفي بانتفاء الجزء و إن كان الثاني فالمشروط ينعدم بانعدام الشرط، إلّا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في الموردين، و كذا الكلام في بقية المسألة، فلا ريب في بطلان الكلمة التي أخلّ بشي ء منها و حينئذ فإن كان الإخلال عمديّا تبطل الصلاة لما مر، و إن كان سهوا أو نسيانا و تذكر في المحلّ وجب الاستئناف و إن لم يستأنف تبطل الصلاة للنقيصة العمدية، و إن تذكر بعد الدخول في الركن اللاحق تصح صلاته و لا شي ء عليه، لحديث «لا تعاد» (1) و يأتي التفصيل في محله.

ثمَّ إنّ اعتبار حروف الكلمات في قوامها مما لا ريب فيه، لكون وضعها كذلك، فهي مقوّمة لذات الكلمة، و أما الحركة و البناء و السكون اللازم و المد الواجب، فوجوب ذلك كلّه في اللغة العربية يكشف عن وجوب مراعاتها في القراءة القرآنية أيضا، لفرض نزولها باللغة العربية، و ظاهر الفقهاء وجوب مراعاة ما هو واجب الاعتبار في النحو و الصرف، و عن العلامة الطباطبائي (قدّس اللّه سرّه).

و كلّما في النحو و الصرف وجب فواجب و يستحب المستحب

و لكن الشأن في ثبوت الوجوب بما قالوا بوجوبه و ثبوت الإجماع المعتبر على وجوب كلّ ما قالوا بوجوبه لعدم إشارة إلى شي ء من ذلك في الأخبار مع كون الموضوع من الأمور الابتلائية في آناء الليل و أطراف النهار و لو كان شيئا لظهر و بان من أول البعثة. إلّا أن يقال: إنّ إطلاقات قراءة القرآن تكفي في ذلك بعد تنزيلها على المعهود المتعارف و فيه بحث، بل منع لاختلاف لهجات الناس في كلّ بلدة فضلا عن جميع البلاد و في جميع الطبقات و لو شك في وجوب مراعاتها في اللغة العربية و عدمه، فمقتضى الأصل عدم اعتباره بعد عدم توقف أداء الكلمة عليه.

ص: 317


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

بحركة بناء أو إعراب أو مد واجب أو تشديد أو سكون لازم، و كذا لو أخرج حرفا من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب (130).

مسألة 38: يجب حذف همزة الوصل في الدرج

(مسألة 38): يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة اللّه و الرّحمن و الرّحيم و اهدنا و نحو ذلك (131)- فلو أثبتها بطلت، و كذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة أنعمت فلو حذفها حين الوصل بطلت (132).

مسألة 39: الأحوط ترك الوقف بالحركة و الوصل بالسكون

(مسألة 39): الأحوط ترك الوقف بالحركة و الوصل بالسكون (133).

______________________________

(130) لأنّ القرآن نزل على ما هو المعهود في عرف العرب، فلا بد من مراعاة ما تعارف فيه.

(131) لظهور تسالم أهل العربية على حذف همزة الوصل و إثبات همزة القطع و قد مر لزوم مراعاة ما تسالموا عليه. و أرسل أهل العربية إرسال المسلّمات أنّ الهمزة على ضربين ألف وصل، و ألف قطع، فكلّ ما ثبت في الوصل، فهو ألف القطع و ما لم يثبت فهو ألف الوصل، و ألف القطع قد تكون زائدة مثل ألف الاستفهام، و قد تكون أصلية مثل أخذ، و أمر.

(132) لاشتمال الصلاة على الباطل الداخلي، فلا يصلح للتقرب بها.

هذا إذا كان ذلك عن عمد، و إن كان عن غير عمد تصح الصلاة إن تذكر بعد تجاوز المحلّ، و إن تذكر قبله يعيد الكلمة و إلا فتكون الصلاة باطلة من جهة النقيصة العمدية.

(133) مقتضى الأصل عدم وجوب مراعاتها، و الصحة معها و عدم مانعيتها إلا إذا توقف أداء الكلمة عليهما، أو قام إجماع أهل العربية على اعتبارهما، أو ورد دليل تعبدي على لزومهما. و الأول باطل، و الثاني ممنوع و الأخير مفقود، فيبقى مقتضى الأصل بحاله.

ص: 318

مسألة 40: يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها

(مسألة 40): يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها (134) مثلا إذا أراد أن لا يقف على (العالمين)

______________________________

و عن المجلسي رحمه اللّه عليه دعوى الاتفاق من القراءة و أهل العربية على عدم جواز الوقف بالحركة.

و فيه: أنّه لا اعتبار باتفاق القراء و لم يثبت اتفاق أهل العربية كما لا يخفى على من راجع كتبهم.

و عن الشيخ الأنصاري جواز الوقوف بالحركة و عدم جواز الوصل بالسكون، لأنّ الحركة في آخر الكلمة من قبيل الجزء الصوري لها، فيجب الإتيان بها.

و فيه: أنّ الحركة في آخر الكلمة قد تكون مقتضى وضعها كفتح تاء أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مثلا، و أخرى: لا تكون كذلك كضم الدال في جاءني زيد- مثلا- و الإخلال بالأول إخلال بالوضع بخلاف الثانية، لعدم وضع لفظ زيد متحركا بحركة خاصة و إنّما هي لأجل عوامل تعرضه، و حينئذ فإن دل دليل على لزوم مراعاة الحركة حتّى في حال الوصل يتبع و إلا فمقتضى الأصل عدمه مع أنّه يظهر من غير واحد- في بحث الأذان و الإقامة و صرّح به الشهيد في الروضة و الروض و كاشف الغطاء- جواز الوصل بالسكون و أنّه ليس لحنا و لا مخالفا لقانون اللغة، و صرح في المستند بعدم الدليل على وجوب كون القراءة على النهج العربي و إن كان هو على إطلاقه ممنوعا جدا.

ثمَّ إنّ الوقف عبارة عن قطع الكلام و الفصل بينه و بين لاحقه و يقابله الوصل و كلّ منهما على قسمين إما مع التحريك أو مع التسكين، فتكون الأقسام أربعة:

و لا خلاف في الوصل بالحركة و الوقف بالسكون، و إنّما الإشكال في الوقف بالحركة و الوصل بالسكون، و لا ينبغي ترك الاحتياط خروجا عن خلاف من أوجبهما.

(134) هذه المسألة متفرعة على المسألة السابقة و الاحتياط هناك و الجزم بالفتوى هنا لا يخلو عن تناف. و حينئذ فإن قلنا بعدم جواز الوصل بالسكون تجب

ص: 319

و يصلها بقوله: (الرّحمن الرّحيم) يجب أن يعلم أنّ النون مفتوح و هكذا. نعم، إذا كان يقف على كلّ آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.

مسألة 41: لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد

(مسألة 41): لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد (135)، بلى يكفي إخراجها منها، و إن لم يلتفت

______________________________

معرفة آخر الكلمة مقدمة لعدم حصوله و إلا فلا دليل على وجوبه، و تقدم في المسألة السابقة عدم الوجوب، فلا وجه لوجوب المقدمة و إن كان هو الأحوط كما مرّ في سابقتها.

(135) للأصل بعد عدم دليل عليه، و الظاهر أنّ صدور الحروف عن مخارجها طبيعيّ غير التفاتي بالنسبة إلى من لم يكن في لسانه و مخارجة آفة.

نعم، لو لم تكن حرفا في لغة أو كانت في الجملة، كانت استعمالاتها قليلة تحتاج إلى توجه إلى مخرجها و كيفية صدورها في الجملة لا بالدقة العقلية بل بنحو المتعارف في المحاورة. قال في الجواهر: و نعم ما قال: «فوسوسة كثير من الناس في الضاد و ابتلائهم بمعرفة مخرجه في غير محلّها، و إنّما نشأ ذلك من بعض جهال من يدعي المعرفة بعلم التجويد من بني فارس».

و لا بد من بيان أمور:

الأول: قد تفحصت عاجلا بقدر و سعي في الأخبار لأن أظفر على ما ذكروه في التجويد في مخارج الحروف و سائر ما تعرضوا له، فلم أجد عينا و لا أثرا مع أنّ الأمر من الأمور الابتلائية لجميع المسلمين، و لو وجب شي ء منها لشاع و بان.

إن قيل: إنّ الناس كانوا من العرب، فلم يحتاجوا إلى البيان، لكون جملة ما ذكروه فطريا لهم. يقال: لم يكن جميع المسلمين عربا و لا بد و أن يبيّن الحكم الإلهي العام البلوى مع أنّ مولانا الرضا عليه السلام كان مورد ابتلاء العجم مدة، و لم أظفر على شي ء يدل على أنّ شخصا من الأعاجم قرأ قراءته لديه عليه السلام أو سأله أحد عن ذلك، مع أنّ ما ذكر في التجويد ليس من التكوينيات الفطرية، بل غالبها من الجعليات الصناعية.

ص: 320

.....

______________________________

و أما قولهم عليهم السلام: «اقرءوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم» (1).

ففيه أولا: أنّه يمكن أن يراد به كمية آيات القرآن لا كيفية القراءة. و ثانيا:

يمكن أن يراد به ما يرجع إلى مادة الآيات أو كيفياتها الواجبة النحوية دون ما يتعلق بالتجويد. و أما قوله تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (2). فلا ربط له بالتجويد الحادث بعد رحلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بسنين و قد ورد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في تفسيره: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتل في قراءته فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة و ذكر النار سأل اللّه الجنة و تعوّذ من النار، و إذا مرّ ب يا أَيُّهَا النّاسُ و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يقول لبيك ربنا» (3).

و عنه عليه السلام أيضا: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: و لا تهذه هذّ الشعر و لا تنثره نثر الرمل و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية و لا يكن همّ أحدكم آخر السورة» (4).

و لا ربط لهما بالتجويد أيضا، بل مفادهما التخشع و التفكر في القراءة.

نعم، روي عن عليّ عليه السلام في معنى الترتيل: «أنّه حفظ الوقوف و أداء الحروف» (5).

و لكن عن الحدائق: لم أقف عليه في كتب الأخبار و لعله من مفتعلات العامة ترويجا لصناعة التجويد. و يأتي في (فصل مندوبات القراءة) معنى الترتيل المستحب، فلا دليل على لزوم ابتاع ما أوجبوه بل و لا استحباب متابعتهم فيه، فكيف بما ندبوه إلا إذا توقف أداء مادة الكلمة لغة أو هيئتها المعتبرة فيها عليه فيجب حينئذ الإتيان بمادة الكلمة و هيئتها المعتبرة لا من جهة لزوم متابعتهم.

الثاني: عدّ مخارج الحروف ستة عشر- كما عن سيبويه- أو سبعة عشر- كما عن الخليل- أو أربعة عشر- كما عن غيرهما- مبني على التقريب و الغالب لا

ص: 321


1- الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
2- سورة المزمل: 4.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
5- تفسير الصافي المقدمة الحادية عشر.

.....

______________________________

التحقيق و الدقة كما هو معلوم لكلّ من راجع وجدانه، مع أنّه لا دليل على اعتبار أصول هذه الأقوال من عقل أو نقل. و قال في الجواهر: و ما أحسن قوله: «فما له دخل في أصل طبيعة الحروف فلا ريب في وجوبه، و أما الزائد فقد يشكل استحبابه لو لا التسامح فضلا عن وجوبه».

أقول: لا موضوع للتسامح هنا أيضا لأنّه إما في حديث ضعيف نقل عن معصوم أو في قول فقيه بناء على التسامح و المقام خارج عنهما.

الثالث: المعروف بين أهل التجويد في تفصيل مخارج الحروف ما يلي:

(الأول): أنّ أقصى الحلق للهمزة، و الهاء، و الألف.

(الثاني): وسط الحلق: للعين، و الحاء.

(الثالث): أدنى الحلق، للغين و الخاء.

(الرابع): أقصى اللسان و ما فوقه من الحنك: للقاف.

(الخامس): ما يلي أقصى اللسان و ما يلي فوق الحنك للكاف.

(السادس): وسط اللسان و ما فوقه من الحنك: للجيم و الشين و الياء.

(السابع): أول إحدى حافتي اللسان و ما يليها من الأضراس للضاد.

(الثامن): ما دون طرف اللسان إلى منتهاه و ما فوق ذلك للام.

(التاسع): ما يلي ذلك للراء.

(العاشر): ما يلي ذلك: للنون.

(الحادي عشر): طرف اللسان و أصول الثنايا: للطاء، و الدال، و التاء.

(الثاني عشر): طرف اللسان و الثنايا: للصاد، و الزاء، و السين.

(الثالث عشر): طرف اللسان و طرف الثنايا: للظاء، و الذال و الثاء.

(الرابع عشر): باطن الشفة السفلى و طرف الثنايا العليا، للفاء.

(الخامس عشر): ما بين الشفتين، للباء، و الميم، و الواو.

(السادس عشر): الخيشوم: للواو الساكن و يسميان بحروف الغنّة.

و بتقسيم أخصر: أنّ المخارج إما مخرج حلقي أو فمي أو شفوي، و لا يخفى أنّ ذلك كلّه تبعيد للمسافة و جعل اصطلاح خاص لما جعله اللّه تعالى

ص: 322

.....

______________________________

بالتكوين و الفطرة و ليس له ثمرة عملية، بل و لا علمية و كذا ما يأتي في الأمر الخامس.

الرابع: الظاهر إمكان النطق ببعض الحروف عن غير المخارج التي عينوها و حيث إنّهم أرادوا بالتعيين الغالب و التقريب لا الدقة و التحقيق فلا نزاع معهم في البين، و قد مرّ أنّه لا دليل على اعتبار أصل قولهم.

الخامس: قد ذكروا أنّ الأسنان أربعة أقسام: الأول: ثنايا و هي في مقدم الفم ثنتان من فوق و ثنتان من تحت. الثاني: رباعيات و هي تلي الثنايا من كلّ جانب واحد. الثالث: أنياب و هي التي تلي الرباعيات من جانب واحد أيضا.

الرابع: أضراس و هي بقية الأسنان و أربعة منها تسمّى ضواحك، ثمَّ اثنتا عشر طواحن، ثمَّ أربعة نواجذ و تسمّى ضرس العقل أيضا، و قد لا توجد في بعض الأفراد و ذكروا ذلك مقدمة لما فرعوا عليه من تعيين مخارج الحروف و أسماء الأسنان ترجع إلى علم اللغة، و لكن ما فرّعوا عليه يحتاج إثباته إلى دليل و هو مفقود.

السادس: قد ذكروا في صفات الحروف: الجهر، و الهمس، و الشدة و الرخاء، و التوسط بينهما، و الاستعلاء، و الاستقبال، و الإطباق، و الانفتاح و الانزلاق، و الإصمات و قد جعلوا لكلّ واحد منها حروفا خاصة و حيث إنّ أصل قولهم بلا دليل، فلا وجه للتفصيل. و من شاء فليراجع كتبهم.

السابع: مقتضى الأصل جواز الوقف على كلّ كلمة ما لم يمنع عنه مانع يضر بمادة اللفظ أو هيئته أو معناه، و ما افتعلوه من أنّ الوقف في القرآن خمسة آلاف و ثمانية و عشرون، و أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

«إنّ من ضمن لي أن يقف على عشرة مواضع ضمنت له الجنة».

كما في الجواهر، و أنّ الوقف الحرام ثمانية و خمسون، و أنّ من وقف على واحد منها متعمدا، فقد كفر كلّ ذلك يكون زخرفا من القول و زورا، إذ لم يشر إلى شي ء مما قالوه في أحاديث أهل البيت الذين نزل القرآن في بيتهم و علّمهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله علوم القرآن و أحكامه و معارفه. نعم، حيث إنّه قد وردت مستفيضة- عن أهل البيت عليهم السلام جمع بعضها المحدث الكاشاني

ص: 323

إليها (136)، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج، بل المدار

______________________________

في مقدمات تفسيره- دالة على أنّ علوم القرآن عند أهل البيت (1) افتعلت علوم أخرى للقرآن عند غيرهم لصرف وجوه الناس عنهم عليهم السلام.

الثامن: اختلفت أقوالهم في مخرج الضاد بين الإفراط و التفريط: فذهب بعضهم- إلى أنّ مخرج الضاد و الظاء متحدان- كأحمد بن مطرف و أقام على ذلك أدلة و شواهد، و نسب ذلك إلى شيخنا البهائي أيضا، و ذهب جمع إلى أنّهما متقاربا المخرج لا متحداه. و قال راجزهم:

الضاد و الظاء لقرب المخرج قد يؤذنان بالتباس المنهج

و قال آخر منهم:

و يكثر التباسها بالضاد إلا على الجهابذ النقاد

و قد حصل الاختلاف في مخرج الضاد، بين علماء الخاصة و العامة و قد كتبوا في ذلك كتبا و رسائل منها الاعتضاد في معرفة الظاء و الضاد، و الحمد للّه الذي أذهب بذلك كلّه و أظهر أنّ المخارج تكوينية لمن ليست به آفة.

ثمَّ إنّ الظاهر، بل المعلوم أنّ التأمل كثيرا في التجويد سواء كان في الصلاة، أم في قراءة القرآن أو الأذكار و الدعوات يسلب الخشوع، لأنّ توجيه النفس إلى جهة خاصة يوجب انصرافها عن سائر الجهات، و لعلّ هذا أحد الأسرار التي لم يهتم أئمة الدّين بترغيب الناس إلى ذلك، و قال صلّى اللّه عليه و آله:

«من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع» (2).

(136) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة، و السيرة، إذ ليس بناء العقلاء على الالتفات إلى ذلك حين التكلم في محاوراتهم المتعارفة و الخطابات الدائرة بينهم و لم تزل أدلة القراءة في الصلاة و غيرها على ذلك أيضا ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف من عقل أو نقل.

ص: 324


1- راجع المقدمة الثالثة من تفسيره الصافي.
2- سفينة البحار ج: 2 صفحة: 581.

صدق التلفظ بذلك الحرف و إن خرج من غير المخرج الذي عينوه (137)، مثلا إذا نطق بالضاد أو الظاء على القاعدة لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن، أو الأيسر على الأضراس العليا صح، فالمناط الصدق في عرف العرب، و هكذا في سائر الحروف، فما ذكره علماء التجويد مبني على الغالب (138).

مسألة 42: المد الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد

(مسألة 42): المد الواجب (139) هو فيما إذا كان بعد أحد

______________________________

(137) لأنّ ما ذكروه إنّما هو بحسب الغالب لا بحسب الذات و الحقيقة التكوينية غير القابلة للتغير، فيمكن أن يكون المخرج التكويني المختلف بحسب اختلاف اللهجات، بل الحالات أوسع مما ذكروه كما تقتضيه سعة الحكمة الإلهية، و يمكن أن يكون لشخص واحد بحسب تطورات حالاته مخارج متفاوتة و لو كانت المخارج التفاتية اختيارية لكانت سارية في جميع الكلمات المتعارفة، و لما اختص بكلام دون آخر، و لا بأمة دون أخرى، لأنّ الموضوع ابتلائي في أمور الدين و الدنيا لجميع الناس، فالمناط كلّه الصدق العرفي سواء خرج من المخارج المعهودة أم لا، صدّقه أهل التجويد أم لا، و المسألة لا بد و أن يبحث عنها في علم التكوينيات البشرية و أهل التجويد بمعزل عنه.

(138) بل و لا الغالب النوعي، لعدم إمكان إحاطتهم به و المراد الغالب بحسب لهجتهم فقط.

(139) الواجب من المدّ عند عرف أهل العربية ما إذا توقف أداء الكلمة مادة أو هيئة عليه، فيكون الوجوب مقدميا لا نفسيا مثل كلمة الضّالّين فإنّها مع عدم المد و تشديد اللام تصير ضلّين، و مع تخفيف اللام تكون ضالين بالتخفيف و كلاهما متباينان مع كلمة ضالّين بالمد و التشديد، فيعتبر فيها المد في الجملة، لتوقف أداء الكلمة عليه. و أما وجوبه في غير ذلك فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه لا نفسيا و لا غيريا إلا أن يدل دليل عليه و هو مفقود كما لا يخفى على من راجع كلماتهم، مع أنّ المدّ الواجب و غيره لم يذكر في علمي النحو و الصرف و لو كان واجبا نحويا لكان من المسلّمات النحوية.

ص: 325

حروف المد، و هي: الواو المضموم ما قبلها، و الياء المكسور ما قبلها و الألف المفتوح ما قبلها، همزة، مثل: «جاء» و «سوء» و «جي ء» (140)، أو كان بعد أحدها سكون لازم (141) خصوصا إذا كان مدغما في حرف آخر مثل: «الضالّين».

مسألة 43: إذا مد في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل

(مسألة 43): إذا مد في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل، إلا إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة (142).

مسألة 44: يكفي في المد مقدار ألفين

(مسألة 44): يكفي في المد مقدار ألفين (143) و أكمله إلي

______________________________

ثمَّ إنّ القراء قسموا المدّ إلى متصل و منفصل و الأول ما كان حرف المدّ و الهمزة الساكنة في كلمة واحدة بخلاف الثاني. و هو اصطلاح خاص و لا مشاحة فيه.

(140) مقتضى الأصل عدم وجوب المد في كلّ ذلك و لا دليل على خلاف الأصل من نصّ أو إجماع معتبر. نعم، يمكن أن يكون المدّ من المحسنات في الجملة.

(141) يعني لا يختلف حاله باختلاف حالتي الوصل و الوقف.

(142) أما عدم البطلان في الأول، فلأصالة الصحة و البراءة عن القضاء و الإعادة، و أما البطلان في الأخير، فلعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

(143) قيل في تحديد المدّ أنّه بمقدار (ألف) أي: النطق بالألف في الكلمة المشتملة عليه. و قيل بقدر (ألفين). و منتهى ما قيل فيه (أربع ألفات) و لا دليل على ذلك كلّه، و الظاهر أنّ المدّ من الموضوعات العرفية، فيجري مطلق الصدق العرفي و المرجع في غيره إلى البراءة إذ المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر. و قيل: إنّ المراد بالألف ما لو قيل لفظ (ألف مرّة أو مرتين أو أكثر) و حد بقدر كتابة لفظ (ألف) أو عقد الأصابع أيضا و الكلّ تخمين من دون دليل.

ص: 326

أربع ألفات، و لا يضر الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق.

مسألة 45: إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة اختيارا أو اضطرارا

(مسألة 45): إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة اختيارا أو اضطرارا بحيث خرجت عن الصدق بطلت، و مع العمد أبطلت (144).

مسألة 46: إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه

(مسألة 46): إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه، فحصل الوقف بالحركة، فالأحوط إعادتها و إن لم يكن الفصل كثيرا اكتفى بها (145).

مسألة 47: إذا انقطع نفسه في مثل «الصراط المستقيم» بعد الوصل بالألف و اللام، و حذف الألف

(مسألة 47): إذا انقطع نفسه في مثل «الصراط المستقيم» بعد الوصل بالألف و اللام، و حذف الألف، هل يجب إعادة الألف و اللام بأن يقول: «المستقيم». أو يكفي قوله: «مستقيم»؟ الأحوط الأول (146)، و أحوط منه إعادة الصراط أيضا، و كذا إذا صار مدخول

______________________________

(144) أما بطلان نفس الكلمة مع عدم العمد، فلخروجها عن الهيئة المعتبرة فيها، فيجب استئنافها حينئذ و تصح الصلاة. و أما بطلان الصلاة مع العمد، فلما مرّ مرارا من انطباق عنوان الزيادة العمدية عليها، أو كون الصلاة من مظاهر المشتمل على المبغوض الداخلي.

(145) أما الاحتياط بالإعادة في الصورة الأولى، فمبنيّ على ما تقدم في [مسألة 39] من احتياطه رحمه اللّه في ترك الوقف بالحركة و لا يبعد أن يقال إنّه بناء على لزوم الاحتياط في تلك المسألة لا دليل على لزومه هنا لانصراف دليله عنه. و أما الصورة الأخيرة، فلعدم حصول الوقف بالحركة في عرف المحاورة حينئذ، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة.

(146) خلاصة الكلام في هذه المسألة بفروعها المذكورة فيها: أنّه إذا كان انقطاع النّفس في أثناء الكلمة الواحدة عرفا ك (المستقيم) و (الصراط) و (المغضوب) و (الضالّين) و نحوها، فالمسألة من صغريات قاعدة الاشتغال لمعلومية المكلّف به بحدوده و قيوده و هيئته العرفية، فيجب الاحتياط بالإعادة.

ص: 327

الألف و اللام غلطا كأن صار مستقيم غلطا، فإذا أراد أن يعيده فالأحوط أن يعيد الألف و اللام أيضا بأن يقول: «المستقيم». و لا يكتفي بقوله: «مستقيم». و كذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة

______________________________

و أما إن كان ذلك في أثناء كلمتين عرفا، فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، لأنّ إعادة ما انقطع فيها النّفس بالخصوص معلوم و غيره مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة.

إن قيل: إنّ الألف و اللام مع مدخولها أيضا كلمتان متغايرتان، فتكونان من موارد الأقلّ و الأكثر أيضا فيرجع فيه إلى البراءة.

يقال: هذا بحسب الدقة العقلية، و أما بحسب العرف و المحاورة فهما كلمة واحدة، و مسألة الأقلّ و الأكثر مبنية على العرف لا الدقة، كما هو واضح.

و لكن يمكن أن يقال: إنّه كما أنّ للألف و اللام مع مدخولها وحدة عرفية، كذا للمضاف و المضاف إليه و الفعل و الفاعل، بل الفعل و الفاعل و المفعول، و الفعل و ما يتعلق به، و الظرف و متعلقه كلّها من موارد الاشتغال بعد أن كان المدار على وحدة الجملة بحسب المحاورة.

و لباب المقال: أنّ الأقسام ثلاثة: ما أحرز فيه الوحدة العرفية، و ما شك فيه ذلك، و ما أحرز فيه التعدد عرفا، كجملتين مستقلتين لا ربط لأحدهما بالأخرى. و المرجع في الأخير البراءة، و في الأول الاحتياط و في الوسط لا تجري البراءة للشك في أنّه من الأقلّ و الأكثر، كما لا يجري الاحتياط للشك في الوحدة، و يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الإعادة، أو الرجوع إلى حديث «لا تعاد» بناء على شموله لمثل ذلك.

إلا أن يقال: إنّ أصل التكليف بحدوده معلوم و الشك إنّما هو في الفراغ فيجب الاحتياط فيه أيضا، فلا وجه للرجوع إلى البراءة، كما لا وجه للرجوع إلى حديث «لا تعاد» (1) للشك في شموله لمثل المقام.

ص: 328


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

المضاف، فإذا لم يصح لفظ المغضوب فالأحوط أن يعيد لفظ (غير) أيضا.

مسألة 48: الإدغام في مثل مدّ و ردّ مما اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب

(مسألة 48): الإدغام في مثل مدّ و ردّ مما اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب (147)، سواء كانا متحركين كالمذكورين، و ساكنين كمصدرهما.

مسألة 49: الأحوط الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة

(مسألة 49): الأحوط الإدغام (148) إذا كان بعد النون الساكنة

______________________________

(147) دليل الوجوب منحصر بكون ذلك مقتضى النهج العربي المعتبر في أداء الكلمات، و دعوى عدم ظهور الخلاف من الفقهاء في وجوبه- كما عن فوائد الشرائع- و إطلاقهما يشمل المتحركين و الساكنين، مع أنّ المسألة من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور فيهما هو الأول.

و يمكن الخدشة في الجميع: أما الأول: فكونه مقتضى النهج العربي في الفصاحة مسلّم، و قد استعمل في القرآن كذلك أيضا. و أما كون ترك الإدغام من الغلط فهو أول الدعوى، و المتيقن من الإجماع- على فرضه- هو الاعتبار في الفصاحة في الجملة، و منه يظهر الإشكال في مسألة التعيين و التخيير أيضا، و قد استعمل في القرآن مدغما و غير مدغم، فمن الأول (مدّ الأرض) و (مدّ الظل)، و من الثاني فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا (1) و فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ (2)، و في الدعاء «إلهي مددت إليك يدا بالذنوب مملوءة و عينا بالرجاء ممدودة» فلا وجه لكلية ما قالوه.

(148) لتصريح جمع من علماء الأدب بالوجوب، مع أنّ المسألة من دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور بين الفقهاء فيها هو الأول و لكن في كفاية الأول دليلا للوجوب- ما لم يكن إجماعا معتبرا- منع و كذا الثاني في مقابل الإطلاقات و العمومات.

ص: 329


1- سورة مريم: 75.
2- سورة الحج: 15.

أو التنوين أحد حروف «يرملون» مع الغنة في ما عدا اللام و الراء، و لا معها فيهما. لكن الأقوى عدم وجوبه (149).

مسألة 50: الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع

(مسألة 50): الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع (150)

______________________________

(149) للأصل و الإطلاقات و العمومات، و صحة الكلام بدون الإدغام و الغنّة التي ذكروها لا دليل عليها من عقل أو نقل أو عرف.

ثمَّ إنّه لا بد و أن يستفصل منهم أنّ ما ذكروه في التجويد يختص بالقرآن أو يشمل كلّ لغة العرب، أو يشمل كلّ ما اشتمل على حروف الهجاء فيعم جميع اللغات لعدم خروجها عن حروف الهجاء، فإن كان الثاني فلم لم يهتم بذلك عرب الجاهلية؟ مع أنّه لا مفخر لهم إلا لغتهم، و إن كان الأخير فلم لا يعتني بذلك أدباء أهل كلّ لغة من لغات العالم مع إعمال نهاية وسعهم في تحسين لغتهم و تزيينها بكلّ ما أمكنهم ذلك، و ربما يعد مستهجنا عند فصحاء سائر اللغات، فلو أدغم أحد في الفارسية في جملة (من مى آيم) و جملة (من رفتم) و نحو ذلك لعدّ ذلك مستنكرا في لهجتهم، و كذا في سائر اللغات.

(150) البحث في هذه المسألة من جهات:

الأولى: القراء السبعة و هم: نافع المدني، و ابن كثير المكي، و أبو عمرو البصري، و ابن عامر الدمشقي، و عاصم، و حمزة، و بزيادة أبي جعفر و يعقوب و خلف يكونون عشرة، و قد يقال: القراء العشرة.

الثانية: لم يدلّ أحد أنّ أحدا من القراءة السبعة أو العشرة أخذ قراءته عن النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، لأنّهم ولدوا بعد رحلته صلّى اللّه عليه و آله بمدة كما لا يخفى على من راجع تواريخهم. نعم، همّ القراءة نسبة قراءتهم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو إلى أمير المؤمنين عليه السلام، كما هو شأن كلّ مبتدع.

و لكنه من مجرد الدعوى فإنّه لم يثبت بدليل معتبر. و أما ما رواه عيسى بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاني آت من اللّه، فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع

ص: 330

.....

______________________________

على أمتي، فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن (على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع على أمتي، فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن) على سبعة أحرف» (1).

فإنّه مضافا إلى قصور سنده و عدم دلالته، معارض بروايات أخرى أصح سندا و أوضح دلالة على أنّ القرآن نزل على حرف واحد من عند واحد، كما سيأتي.

الثالثة: لاختلاف القراءات أسباب شتّى، كما عن جمع من أهل الخبرة:

منها: اختلاف اللهجات، و كون بعض القراءة من أولاد الأعاجم فلا يستقيم لسانه إلا بما تعوّد عليه من جهة وراثته.

و منها: عدم انضباط الخط في تلك الأعصار مطلقا لا من حيث الذات، و لا من حيث النقطة و الإعراب، فإنّ إعراب القرآن حدث من أبي الأسود الدؤلي في عهد زياد ابن أبيه في البصرة، كما ضبطه التاريخ، و صرّح جمع من النقاد بأنّ الاختلاف بين القراءة حصل من الاجتهاد و الرأي و اختلاف المصاحف العثمانية العارية عن الإعراب و النقط مع التباس بعض الكلمات ببعض.

الرابعة: قد اشتهر عن القراءة أنّ كلا منهم يخطّئ الآخر و لا يجوّز الرجوع إليه، و هذا مما يوهن الاعتماد على كلّ منهم، بل يظهر عن جمع أنّ أصحاب الآراء في القراءة كانوا كثيرين و كان دأب الناس أنّه إذا أتى قارئ جديد أخذوا بقوله و تركوا قراءة من تقدمه، إذ كلّ قارئ لا حق ينكر سابقة و يبطل رأيه، فحصل اختلاف شديد، و اتفقوا على السبعة، كما أنّ أصحاب الآراء في الفقه كانوا كثيرا فحصل الاختلاف الشديد، فاتفقوا على الأربعة.

الخامسة: مقتضى الأصل عدم تعدّد قراءة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلا إذا دلّ عليه دليل يصح الاعتماد عليه، و قد استدل على ذلك بتواتر القراءات السبعة أو العشرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أنّه صلّى اللّه عليه و آله قرأ القرآن متعددا

ص: 331


1- الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

.....

______________________________

بقراءات مختلفة، و قال الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح الألفية في القراءات السبع: «الكلّ من عند اللّه تبارك و تعالى و نزول به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا على الأمة و تسهيلا على الملة».

و فيه: أنّه لا دليل على ذلك من عقل أو نقل، بل الأدلة على خلافه.

منها: صحيح فضيل بن يسار قلت لأبي جعفر عليه السلام: «إنّ الناس يقولون: نزل القرآن على سبعة أحرف فقال عليه السلام: كذبوا أعداء اللّه، و لكنه نزل على حرف واحد من عند واحد» (1).

و نحوه غيره، و عن السيوطي في الإتقان: «تعرض كثير من العوالم أنّ المراد بالأحرف القراءات السبعة، و هو جهل قبيح».

نعم، هذا التعبير: «نزل القرآن على سبعة أحرف» (2) أو «على سبعة أقسام» (3) ورد في أخبار الفريقين و لكنه مفسّر بقوله عليه السلام: «أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و قصص و مثل» (4).

فما تقدم في صحيح الفضيل من كونه واحدا من عند واحد إنّما هو في مقام بيان وحدته النوعية و عدم التعدد في أصل النزول باختلاف القراءات، و ما ورد أنّه على سبعة أحرف و فسّر بما مرّ إنّما هو بلحاظ محتويات القرآن و مضامينه. و حيث إنّ دعوى تواتر القراءات عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله موهون جدا لتصريح خلق كثير من علماء الفريقين بعدم ثبوته، و أنّه مع ثبوت التواتر بالنسبة إلى كلّ سابق لا وجه لاختراع اللاحق قراءة أخرى على خلاف السابق. و قال في الجواهر: «من مارس كلماتهم علم أن ليس قراءتهم إلا باجتهادهم، و ما يستحسنونه بأنظارهم».

مع أنّه قد تعد قراءة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في مقابل قراءتهم.

ص: 332


1- هذه الصحيحة و غيرها مذكورة في الهامش من كتاب الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- راجع الوسائل هامش باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة. و الجزء الأول من الإتقان للسيوطي صفحة: 131.
3- راجع الوسائل هامش باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة. و الجزء الأول من الإتقان للسيوطي صفحة: 142.
4- راجع الإتقان للسيوطي ج: 1 صفحة: 136.

______________________________

السادسة: قد استفاض، بل تواتر نقل الإجماع على جواز القراءة بالقراءات المعروفة سبعة كانت أو عشرة، و تدل عليه جملة من النصوص أيضا.

منها: ما رواه سالم ابن أبي سلمة: «قرأ رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام- و أنا أستمع- حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّه على حدّه و أخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه السلام» (1).

و منها: مرسل محمد بن سليمان عن أبي الحسن قلت له: «جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم، فقال عليه السلام: لا، اقرءوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم» (2).

و في خبر ابن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اقرءوا كما علّمتم» (3).

و لا ريب في ورودها في مقام تقرير قراءة الناس و صحة الاكتفاء بها تسهيلا على الشيعة و توحيدا للكلمة مهما أمكن، و لكن يظهر من بعض الأخبار أنّه بالنسبة إلى الكلمة لا كيفية القراءة (4). و لكن في إطلاق بعضها و الإجماع غنىّ و كفاية، إن لم نقل بأنّ المنصرف من الإطلاق و المتيقن من الإجماع خصوص الكمية بقرينة خبر سلمة بن أبي سلمة.

السابعة: حيث إنّ جميع تلك القراءات اجتهادية أو العوارض أخرى كما تقدم، فالصحة الواقعية أعمّ منها، كما في كلّ اجتهاد و كلّ جهة عارضة و عليه فقد تتصوّر قراءة صحيحة ليست مطابقة لأحدها فتجزي قهرا، لأنّ المناط فيها إحراز المطابقة للواقع، سواء طابقت القراءات المعهودة أم لا. نعم، لو ثبت أنّ للقراءات المعهودة موضوعية خاصة لا تجزي غيرها و لكنه ممنوع جدا، و الأخبار

ص: 333


1- الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
4- راجع الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1 و 4.

.....

______________________________

و الإجماع لا يدلان إلا على صحة الاكتفاء بها، كما لا يدلان على أنّ غيرها لا يجزي، فكلّ قراءة تكون صحيحة بحسب العربية المعتبرة مجزية للإطلاقات و العمومات و إن خالفت القراءات السبعة.

الثامنة: يظهر من بعض الأخبار و السّير أنّ لأهل البيت عليهم السلام كانت قراءة معروفة، ففي خبر معلّى بن خنيس قال الصادق عليه السلام: «إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال .. ثمَّ قال عليه السلام: أما نحن فنقرؤه على قراءة أبي» (1).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» (2).

يعني ابن مسعود. و روي أنّه أخذ سبعين سورة من القرآن من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و البقية من عليّ عليه السلام (3) و في قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«أن يسمع القرآن غضّا ..» إشارة إلى بطلان القراءات، و إلا لقال صلّى اللّه عليه و آله: فليقرأ على قراءة ابن أم عبد.

ثمَّ إنّه يحتمل أن تكون كلمة «أبي» بياء المتكلم، و أن تكون بالتصغير و التشديد و هو أيضا صحيح، لأنّ قراءة أبيّ تشبه قراءة أهل البيت كثيرا، و يشهد لما قلناه إنهاء سند كثير من القراءة، كحمزة و عاصم و الكسائي إلى عليّ عليه السلام: فيصح أن يقال: إنّ الأصل في قراءة القراءات قراءة المعصوم عليه السلام، و يشهد له الاعتبار أيضا، لكونه مؤيدا بمصدر الوحي و التنزيل.

التاسعة: الاختلاف بين القراء السبعة أو العشرة إن كان في غير المادة اللغوية أو الهيئة العربية المعتبرة، كالجهات الراجعة إلى التجويد و التحسين، فمقتضى الأصل و العمومات و الإطلاقات، و ظهور إجماع الفقهاء عدم وجوب مراعاة تلك الجهات، فيجوز للمكلّف تركها رأسا و إن كان في المادة اللغوية أو

ص: 334


1- الوسائل باب: 74 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
2- كنز العمال ج: 16 صفحة: 79.
3- كنز العمال ج: 16 صفحة: 84.

و إن كان الأقوى عدم وجوبها، بل تكفي القراءة على النهج العربيّ (151) و إن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب.

مسألة 51: يجب إدغام اللام مع الألف و اللام في أربعة عشر حرفا

(مسألة 51): يجب إدغام اللام مع الألف و اللام في أربعة عشر حرفا (152)، و هي: التاء، و الثاء، و الدال، و الذال، و الراء، و الزاء، و السين، و الشين، و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء، و اللام و النون، و إظهارها في بقية الحروف، فتقول في: «اللّه»، و «الرّحمن»، و «الرّحيم»، و «الصراط»، و «الضّالّين» مثلا بالإدغام. و في «الحمد»، و «العالمين»، و «المستقيم» و نحوها بالإظهار.

مسألة 52: الأحوط الإدغام في مثل: «اذهب بكتابي» و «يدرككم»

(مسألة 52): الأحوط الإدغام في مثل: «اذهب بكتابي» و «يدرككم» مما اجتمع المثلان في كلمتين مع كون الأول ساكنا،

______________________________

الهيئة العربية المعتبرة عند النحويين و الصرفيين فإما أن تكون من المتباينين أو التعيين و التخيير، أو الأقلّ و الأكثر فمقتضى القاعدة في الأول الاحتياط، و المشهور في الثاني هو التعيين، و مقتضى القاعدة في الأخير هو البراءة عن الأكثر، و لكن مقتضى الإجماع المستفيض بل المتواتر نقله، و النصوص التي تقدم بعضها هو إجزاء القراءات السبعة أو العشرة فيتخيّر المكلّف في الأخذ بأيّ منها شاء و أراد في صورتي الاختلاف و الاتفاق.

(151) إذ لا موضوعية لقراءة القراء السبعة، بل هي طريق لإحراز النهج العربي فيكون المناط عليه بأيّ نحو أحرز و لو خالف قراءة القراء السبعة.

(152) لكون الإدغام فيها من الواجبات النحوية، و قد صرّح ابن الحاجب بوجوب الإدغام فيها. و من إرساله ذلك إرسال المسلّمات يظهر كونه إجماعيا لديهم، و قد قالوا: إنّ ما هو واجب في النحو واجب عند الفقهاء أيضا. و الظاهر جريان متعارف المحاورة في اللغة العربية عليه أيضا.

ص: 335

لكن الأقوى عدم وجوبه (153).

مسألة 53: لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسنات

(مسألة 53): لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسنات (154) كالإمامة، و الإشباع، و التفخيم، و الترقيق و نحو ذلك، بل و الإدغام غير ما ذكرنا و إن كان متابعتهم أحسن.

مسألة 54: ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين و النون الساكنة إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق

(مسألة 54): ينبغي مراعاة ما ذكروه (155) من إظهار التنوين و النون الساكنة إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق و قلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء، و إدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف يرملون، و إخفاؤهما إذا كان بعدهما بقية الحروف، لكن لا يجب شي ء من ذلك حتّى الإدغام في يرملون كما مرّ.

مسألة 55: ينبغي أن يميز بين الكلمات

(مسألة 55): ينبغي أن يميز بين الكلمات، و لا يقرأ بحيث يتولد بين الكلمتين كلمة مهملة كما إذا قرأ الْحَمْدُ لِلّهِ بحيث يتولد لفظ «دلل» (156) أو تولد من لِلّهِ رَبِّ لفظ «هرب» و هكذا في

______________________________

(153) للأصل و الإطلاق، و عدم كون ترك الإدغام غلطا محاوريا، و لكن عن الشافية و شرحها الوجوب، فإن كان ذلك مسلّما عند جميع النحويين يكون واجبا فقهيا بناء على ثبوت الملازمة بينهما، و إلا فلا. و ثبوت الإجماع مشكل.

(154) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة، و عدم مدخلية ذلك كلّه في المادة و لا الهيئة العربية المعتبرة. نعم، لا ريب في كونه من محسنات اللفظ و مما يوجب زينته.

(155) إذ لا ريب في حسن ما ذكروه، و أنّه يوجب تزيين اللفظ و المراد بالقلب هو الاعتماد على الخيشوم بحيث يحصل الميم، و المراد بالتخفيف عدم الاعتماد عليه.

(156) تولد هذه الكلمات على أقسام ثلاثة: الأول: ما إذا كان من قصده التلفّظ بها. الثاني: ما إذا لم يكن كذلك و لكن تولدت بحيث أوجب تغيير الهيئة

ص: 336

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ تولد «كيو» و هكذا في بقية الكلمات. و هذا معنى ما يقولون إنّ في الحمد سبع كلمات مهملات و هي «دلل»، و «هرب» و «كيو» و «كنع» و «كنس» و «تع» و «بع».

مسألة 56: إذا لم يقف على أحد في قل هو اللّه أحد

(مسألة 56): إذا لم يقف على أحد في قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و وصله ب اللّهُ الصَّمَدُ يجوز أن يقول أحدُ اللّه الصمد بحذف التنوين من أَحَدٌ (157)، و أن يقول أحدن اللّه الصمد بأن يكسر نون التنوين، و عليه ينبغي أن يرقق اللام من «اللّه» و أما على الأول فينبغي تفخيمه كما هو القاعدة الكلية (158) من تفخيمه إذا كان قبله مفتوحا أو مضموما و ترقيقه إذا كان مكسورا.

مسألة 57: يجوز قراءة مالك و ملك يوم الدّين

(مسألة 57): يجوز قراءة مالك و ملك (159) يوم الدّين و يجوز

______________________________

المعتبرة في الألفاظ. الثالث: ما إذا لم يكن قصديا و لا موجبا لتغيير الهيئة، بل حصل بالدقة العقلية مع إتيان الكلمة على نحو العربية المعتبرة فيها مادة و هيئة بنظر العرف و الأولان يوجبان البطلان بخلاف الأخير و الوجه في كلّ منها معلوم.

(157) المشهور بين أهل العربية أنّ التنوين لا يحذف من الاسم المتمكن المنصرف إلا في المضاف إلى ابن الواقعة بين علمين- مثل جاء زيد بن عمرو- و لكن نسب إلى أبي عمر و هو أحد القراءة السبعة قراءة حذف التنوين عند وصل لفظ أحد إلى لفظ الجلالة، و بناء على صحة الاكتفاء بقراءة كلّ واحد من القراء السبعة يصح الحذف مع الوصل في المقام أيضا و لكن يمكن أن يقال: إنّ الاكتفاء بقراءة كلّ واحد منهم إنّما هو فيما إذا لم تكن الشهرة العربية على الخلاف.

(158) هذه القاعدة الكلية إنّما تكون بين القراء لا أهل العربية و قد تقدم عدم وجوب مراعاة ما يعتبر عند القراءة إلا إذا طابقت القواعد المعتبرة العربية.

(159) الأول: قراءة عاصم و الكسائي من القراء السبعة و نسب إلى غيرهم أيضا، و الثاني: قراءة بقية القراء السبعة و قد ذكروا وجوها اعتبارية في ترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، فراجع التفاسير، و يمكن الخدشة في الجميع،

ص: 337

في الصراط بالصاد و السين (160) بأن يقول: «الصراط المستقيم» و «سراط الذين».

مسألة 58: يجوز في كفوا أحد أربعة وجوه

(مسألة 58): يجوز في كفوا أحد أربعة وجوه (161):

«كفؤا»- بضم الفاء و بالهمزة-، و «كفؤا»- بسكون الفاء و بالهمزة-، و «كفؤا»- بضم الفاء و بالواو-، و «كفوا»- بسكون الفاء و بالواو-،

______________________________

و أصل البحث ساقط بالنسبة إليه تعالى، لأنّ مالكيته عين ملكه و بالعكس و كلّ منهما عبارة عن قيوميّته المطلقة بالنسبة إلى الأشياء و هي عين ذاته و ليست من الملكية و المالكية الاعتبارية حتّى يصلح الفرق الاعتباري بينهما، و الظاهر أنّ قراءة الأئمة عليهم السلام كانت (مالك) بالألف كما يأتي في [مسألة 4] من (فصل مستحبات القراءة)، فهو الأولى و الأرجح.

(160) نسب قراءة السين إلى ابن كثير و يعقوب، و يظهر من مجمع البحرين أنّ قلب السين صادا مع الطاء، و القاف، و الغين، و الخاء قاعدة عند بني تميم، فيقولون سراط و صراط، و بسطه و بصطه، و سيقل و صيقل و مسبغة و مصبغة، و سخر و صخر، و لكن طريق الاحتياط القراءة بالصاد، لاتفاق المصاحف على ضبطه كذلك، بل و اتفاق المسلمين على قراءته بالصاد و في مثله يشكل الاعتماد على قراءة ابن كثير و ما نسب إلى بني تميم.

(161) قال في مجمع البيان: «قرأ إسماعيل عن نافع و حمزة و خلف و رويس (كفؤا) ساكنة الفاء مهموزة، و قرأ حفص (كفوا) مضمومة الفاء مفتوحة الواو و غير مهموزة، و قرأ الباقون (كفؤا) بالهمزة و ضم الفاء- إلى أن قال:- أما كفوا و كفؤا فأصله الضم فخفف مثل طنب و طنب و عنق و عنق»، و الظاهر أنّ مراده الوجه الأخير، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- في حديث- «كفوا و كفئا و كفاء واحد» (1).

ص: 338


1- البخاري ج: 6 صفحة: 222.

و إن كان الأحوط ترك الأخيرة (162).

مسألة 59: إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها

(مسألة 59): إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أنّه الصاد مثلا أو السين أو نحو ذلك يجب عليه أن يتعلّم و لا يجوز له أن يكرّرها بالوجهين لأنّ الغلط من الوجهين ملحق بكلام الآدميين (163).

مسألة 60: إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي من حيث الأعراب أو البناء

(مسألة 60): إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف فصلّى مدة على تلك الكيفية

______________________________

(162) لكونه خلاف المشهور بين القراء و إن قال به قائل منهم، و لكن عن أبان بن تغلب- الذي قيل فيه ليس أحد أقرأ منه و له قراءة معروفة و هو أقدم من القراء السبعة و أعلم منهم من كلّ جهة أنّه رضوان اللّه تعالى عليه- قال: «إنّ الهمزة رياضة و ذلك لأنّ في أدائها كلفة شديدة لأنّها أدخل حروف الحلق و لها نبرة كريهة». و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «نزل القرآن بلسان قريش و ليسوا بأهل بز، أي همزة و لو لا أنّ جبريل نزل بالهمزة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما همزنا» (1)، و من قول علي عليه السلام و قول أبان بن تغلب يظهر أنّ الأولى بل المتعين هو الوجه الأخير لعدم الهمز فيه على كل حال.

(163) إن كان المرجع في صدق كلام الآدمي العرف، فلا ريب في أنّه يصدق عليه أنّه قرأ القرآن الملحون و لا يصدق عليه أنّه تكلّم بكلام الآدمي و إن كان المرجع فيه قصد المتكلم و إرادته، فلا ريب في أنّه لم يقصد التكلم بالكلام الآدمي، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة هذا بحسب الموضوع و أما الإلحاق الحكمي فيحتاج إلى دليل عليه بالخصوص و هو مفقود. و كذا الكلام في الدعاء و الذكر الملحون، فإن انطبق على الغلط عنوان الزيادة العمدية تبطل الصلاة من هذه الجهة لو لم نقل بالانصراف و يأتي في [مسألة 24] من (فصل الركوع) ما ينفع المقام.

ص: 339


1- راجع مواهب الرحمن ج: 1 صفحة: 264. الطبعة الثالثة- بغداد.

ثمَّ تبيّن له كونه غلطا، فالأحوط الإعادة أو القضاء و إن كان الأقوى عدم الوجوب (164).

______________________________

(164) لأصالة البراءة عنهما، مع أنّ الحكم من الابتلائيات بين الناس جدا في كلّ عصر و زمان و لم يشر إلى القضاء و الإعادة في خبر من الأخبار لا سؤالا من الأنام و لا بيانا ابتدائيا من الإمام عليه السلام هذا، مع جريان حديث لا تعاد عند تحقق الغفلة كما هو الغالب في العوالم.

فروع- (الأول): مع اختلاف اللهجة و عدم القدرة على التصحيح يجزي ما قدر عليه، لما تقدم في [مسألة 33].

(الثاني): لو توقف تعلم القراءة أو الصلاة على صرف مال لا بعنوان الأجرة له وجب ذلك.

(الثالث): إذا لم يقدر على قراءة سورة معينة صحيحة يجب عليه أن يختار غيرها و كذا الكلام في الذكر و الدعاء.

(الرابع): لو عرضت له آفة- أو قلع أسنانه- لا يقدر معها على القراءة الصحيحة، أو اضطربت القراءة يجتزي بما قدر، و لا تجب المعالجة و إن كانت أحوط مع القدرة، و كذا لو تغيّرت المخارج بواسطة الأسنان الصناعية.

(الخامس): لو انجرّ إخراج الحروف عن المخارج إلى الوسوسة فالأحوط الترك، و يأتي بالمقدور.

(السادس): لو علم أنّه غلط عمدا في إحدى صلواته اليومية يجزيه قضاء ثنائية و ثلاثية و رباعية بقصد ما في الذمة، و لو تردد أنّه غلط عمدا أو غفلة لا شي ء عليه.

(السابع): لو قلد من يقول بصحة قراءة كالوصل بالسكون، و الوقف بالحركة، مثلا ثمَّ قلّد من يقول بالبطلان، بها يصح ما أتى من الصلوات على تقليد الأول و ليس عليه قضاء و لا إعادة، لما تقدم في مباحث التقليد.

(الثامن): لو لم يعلم أنّ قراءته صحيحة أو باطلة و صلّى مع ذلك و حصل منه قصد القربة ثمَّ بعد مدة علم بالصحة يصح ما أتى به من الصلوات و لا شي ء عليه.

ص: 340

فصل في الركعات الأخيرة
اشارة

(فصل في الركعات الأخيرة) في الركعة الثالثة من المغرب و الأخيرتين من الظهرين و العشاء، يتخير بين قراءة الحمد أو التسبيحات الأربع (1) و هي: «سبحان اللّه

______________________________

(فصل في الركعات الأخيرة) اعلم أنّ حكم الأخيرتين من الرباعية و ثالثة المغرب من إحدى المسائل التي اضطربت فيها الأقوال و قد أنهاها في الجواهر إلى خمسة عشر قولا و منشأها اختلاف الروايات التي سيمر عليك بعضها، و عدم التدبر في مجموعها و عدم رد بعضها إلى البعض، مع أنّ اللازم جعل مجموعها كدليل واحد يجعل بعضها قرينة على البعض.

(1) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل العملي. و أخرى:

بحسب الإجماع. و ثالثة: بحسب الأخبار.

أما الأولى: فالمرجع البراءة عن التعيين في شي ء خاص، لأنّه إذا علم بوجوب شي ء في الجملة في ثالثة المغرب و أخيرتي الرباعية بالضرورة الدينية و عدم إتمام دليل على التعيين، فيحكم العقل بالتخيير لا محالة و مقتضاه و إن كان التخيير بينهما و بين مطلق الذكر أيضا، و لكن سيأتي بطلان احتماله و كفاية التسبيحات الأربع مرة واحدة و ليس المقام من المتباينين حتّى يجب الاحتياط، لتصريح بعض الأخبار بوجود الجامع القريب بين الأفراد كما يأتي في صحيح عبيد بن زرارة.

أما الثانية: فعن جمع من الفقهاء: منهم الشهيد في الذكرى، و المحقق الثاني رحمه اللّه في جامع المقاصد دعوى الاتفاق عليه في الجملة، و لكنه لا أثر له مع هذا الاختلاف العظيم.

ص: 341

و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر» و الأقوى إجزاء المرة (2) و الأحوط

______________________________

أما الأخيرة و هي العمدة، ففي موثق ابن حنظلة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال عليه السلام:

إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب و إن شئت فاذكر اللّه فهو سواء. قال: قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال عليه السلام: هما و اللّه سواء إن شئت سبحت و إن شئت قرأت» (1).

بناء على أنّ المراد بالذكر التسبيح المعهود بقرينة ذيله و غيره، و في صحيح عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال: تسبح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» (2).

بعد حمله على المتحصّل من مجموع الأخبار، و هما ظاهران في التخيير مطلقا بلا فرق بين الإمام و المأموم و المنفرد و من سها عن القراءة في الأولتين و غيره، و لكن أورد على هذا الإطلاق بوجوه تأتي الإشارة إليها و إلى دفعها في المسائل التالية، و في المستند دعوى الإجماع المحقق و المنقول مستفيضا، بل متواترا على التخيير و قال: «بل عليه استفاضت أخبارنا، بل تواترت».

(2) نسبه في الجواهر إلى ما يقرب من خمسين كتابا لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في مقام البيان فيه: «قلت لأبي جعفر عليه السلام:

ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال عليه السلام: أن تقول: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر و تكبّر و تركع» (3).

و يقتضيه الأصل، و جملة من الإطلاقات أيضا كخبر ابني عمران و حمزة:

«أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: لأيّ علّة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال: إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة في

ص: 342


1- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

.....

______________________________

الأخيرتين لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه عزّ و جلّ فدهش فقال: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة» (1).

و تقييد مثل هذه المطلقات- الواردة في مقام البيان في هذا الحكم العام البلوى في كلّ يوم و ليلة لجميع المسلمين المشتملة على حكمة التشريع- بعيد جدا، فلا بد من حمل ما يخالفها من حيث العدد على مجرد الأولوية و الرجحان و حمل صحيح زرارة على الاكتفاء عن المتعدد بالواحد خلاف الظاهر في هذا الأمر العام البلوى. و أما صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام- المنقول في أول السرائر عن كتاب حريز-: «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال: إذا كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر ثلاث مرات ثمَّ تكبّر و تركع» (2).

فلا بد من حمله على الندب، بقرينة صحيحة الآخر، مع اضطراب متنه فقد ضبطه في الفقيه بحذف التكبيرة فقال: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات» (3).

و في مستطرفات السرائر: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه ثمَّ تكبّر و تركع».

و في أول السرائر بنحو ما مر و ما يكون هذا حاله كيف يعتمد عليه في مقابل صحيحه الأول المعتبر ضبطه و دلالته. و أما خبر ابن أبي الضحاك- الحاكي لفعل الرضا عليه السلام في طريق خراسان (4) الموافق لصحيح زرارة المنقول في أول السرائر- فهو قاصر سندا، مع أنّه حكاية فعل لم يعلم وجهه، فلا وجه لما عن جمع منهم الصدوقان من وجوب تسع تسبيحات مستندا إلى نسخة الفقيه،

ص: 343


1- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.

.....

______________________________

كما لا وجه لما عن جمع آخر منهم الشيخ في مبسوطه من وجوب عشر تسبيحات من إسقاط التكبيرة من الأولتين و إثباتها في الأخيرة مستندا إلى نسخة المستطرفات بجعل قوله عليه السلام: «ثمَّ تكبّر و تركع» تكبيرا للتسبيح لا للركوع، مع أنّه احتمال بعيد في نفسه، فليس في البين ما يصلح لتقييد الصحيح الأول لزرارة الدال على صحة الاجتزاء بالمرة الواحدة. و قد نسب ذلك إلى الأكثر.

و عن المصابيح إمكان استظهار الإجماع عليه في بعض الطبقات، و إنّما الكلام في تعيينه لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل: الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» (1).

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه»(2).

و قد تقدم موثق ابن حنظلة الدال على الاجتزاء بمطلق الذكر و اختاره ابن طاوس و المجلسي رحمه اللّه.

و قال المحقق- في المعتبر بعد نقل جملة من الروايات-: «و الوجه عندي القول بالجواز في الكلّ إذ لا ترجيح و إن كانت الرواية الأولى أولى».

أقول: مراده بها صحيح زرارة الدال على الاجتزاء بالمرة، هذا و لكن موثق ابن حنظلة لا بد من تقييده بذيله و بغيره، و خبر أبي بصير قاصر سندا، و صحيح الحلبي لا بد من تقييده بغيره من صحيحي زرارة و غيرهما مما اشتمل على التهليل، مع أنّ التزام الإمامية خلفا عن سلف على التهليل نحو التزامهم بالأجزاء الواجبة يمنع عن الأخذ به، فيجب الإتيان بالصورة المعهودة المتعارفة و الأقوى كفاية المرة، و الأحوط الثلاث، لورود لفظ الثلاث في روايات ثلاث خبر الضحاك، و صحيحي زرارة.

ص: 344


1- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.

.....

______________________________

و تلخيص المقال في ضمن أمور: الأول: يظهر من مجموع الأخبار أنّ المجعول الأولي في الأخيرتين التسبيح، و سورة الحمد من جهة اشتمالها على التحميد و الدعاء صارت إحدى فردي التخيير، ففي صحيح عبيد بن زرارة: «و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء».

و أنّ أفضلية التسبيح كانت مسلّمة عند الرواة و إنّما يسألون عن حكمته و علته.

الثاني: يظهر منها مداومة أمير المؤمنين عليه السلام على التسبيح، لموثق ابن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا صلّى يقرأ في الركعتين الأولتين من صلاته الظهر سرّا، و يسبّح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاة العشاء، و كان يقرأ في الأولتين من صلاته العصر سرّا، و يسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء» (1).

فإنّ لفظ كان ظاهر في الاستمرار و الدوام كما هو معلوم.

الثالث: مقتضى الأصل العملي و اللفظي كفاية المرة في التسبيح، فلا بد من حمل ما اشتمل على الزائد على الندب. هذا بحسب الكمية و أما الكيفية فيمكن أن تكون من موارد الأقلّ و الأكثر أيضا، يرجع في غير المعلوم إلى البراءة.

الرابع: اختلاف الأخبار في الأخيرتين تارة: في أصل القراءة و التسبيح.

و أخرى: في أنّ أيّهما أفضل. و ثالثة: الاختلاف في كمية التسبيح و كيفيته.

و رابعة: في حال المصلّي.

فمن الأول صحيح عبيد بن زرارة قال عليه السلام: «تسبح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» (2).

و خبر ابن حنظلة (3).

ص: 345


1- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

.....

______________________________

و من الثاني صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام قال: قلت فما أقول فيهما؟ قال إذا كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه ثلاث مرات» (1).

و خبر ابن عمران- في حديث-: «إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين- إلى أن قال- ذكر ما رأى من عظمة اللّه عزّ و جلّ فدهش فقال: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر» (2).

و خبر عبيد اللّه بن عليّ الحلبي(3)، و خبر ابن شاذان (4)و هي معارضة بخبر ابن حكيم قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام أنّه أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: القراءة أفضل» (5).

و مكاتبة الحميري: «قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح- الحديث-» (6).

و تقدم أنّ قصور سندهما و موافقتهما للتقية أسقطهما عن المعارضة.

و من الثالث: جملة من الأخبار:

منها: المطلقات كصحيح عبيد بن زرارة: «تسبح اللّه و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» (7).

و خبر ابن حنظلة: «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللّه فهو سواء، قال قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال: هما و اللّه سواء و إن شئت سبحت و إن شئت قرأت» (8).

و منها: قول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة: «ليس فيهنّ قراءة إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء فالوهم إنّما هو فيهنّ- الحديث-» (9).

ص: 346


1- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7 و 11.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.
6- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 14.
7- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
8- لوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
9- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.

.....

______________________________

و هذه الأخبار المطلقة لا تنافي ما ورد فيها من التحديد الخاص.

و منها: المشتملة على جملة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر».

كما في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1)، و خبر رجاء ابن أبي الضحاك (2)، و خبر محمد بن عمران (3)، فهذه الأخبار المشتملة على الجملة بتمامها، و كذا خبر أبي خديجة (4)مشتملة على تمام الأربعة.

و منها: المشتملة على جملة: «سبحان اللّه، سبحان اللّه، سبحان اللّه» كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول- الحديث-» (5).

و منها: المشتملة على جملة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه» بحذف «اللّه أكبر» كصحيح زرارة(6)، و لكنه منقول في أول السرائر بإثباته (7).

و منها: المشتملة على جملة: «الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» كخبر عبيد اللّه بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للّه- الحديث»(8).

و من الأخير أي الاختلاف بحسب حال المصلّي، فبعض الأخبار ظاهر في تعيين القراءة للإمام و تعيين التسبيح للمأموم كخبر معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» (9).

ص: 347


1- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 13.
5- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.
6- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
7- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
8- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.
9- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

الثلاث، و الأولى إضافة الاستغفار إليها (3) و لو بأن يقول: اللّهمّ اغفر لي، و من لا يستطيع يأتي بالممكن منها، و إلا أتى بالذكر المطلق (4) و إن كان قادرا على قراءة الحمد تعينت حينئذ (5).

مسألة 1: إذا نسي الحمد في الركعتين الأوليين

(مسألة 1): إذا نسي الحمد في الركعتين الأوليين، فالأحوط اختيار قراءته في الأخيرتين (6)، لكن الأقوى بقاء التخيير بينه و بين

______________________________

و خبر ابن دراج (1) و خبر ابن حازم (2)، لكنّها معارضة بصحيح زرارة- المتقدم- عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» (3).

و خبر ابن عمران (4)، و خبر محمد بن قيس(5). و بعض الأخبار ظاهر في العكس كخبر أبي خديجة (6).

ثمَّ إنّ هذه المسألة كانت خلافية بين العامة وردت الروايات المختلفة عن الصادقين عليهما السلام تحفظا على الشيعة و لا يخفى أنّ لفظ ثلاث مرات ورد في روايات ثلاث، خبر ابن ضحاك و خبري زرارة كما تقدم.

(3) أما عدم وجوبه، فللأصل، و ظهور الإجماع، و خلو الأخبار الواردة في مقام البيان خصوصا صحيحي زرارة. و أما الاستحباب، فلما تقدم من صحيح عبيد بن زرارة، و إطلاقه يشمل حتّى لو قال: «اللهم اغفر لي».

(4) لظهور الإجماع، و قاعدة الميسور.

(5) للقاعدة العقلية من أنّه إذا تعذر أحد فردي التخيير تعيّن الآخر.

(6) خروجا عن خلاف المفيد و الشيخ حيث نسب إليهما تعيين القراءة حينئذ، كما يأتي من خبر حسين بن حماد و تأتي المناقشة فيه.

ص: 348


1- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 11.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.
6- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 13.

التسبيحات (7).

مسألة 2: الأقوى كون التسبيحات أفضل من قراءة الحمد في الأخيرتين

(مسألة 2): الأقوى كون التسبيحات أفضل من قراءة الحمد في الأخيرتين سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما (8).

______________________________

(7) لإطلاق دليل التخيير الشامل لصورة النسيان أيضا، صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ قال: أتم الركوع و السجود؟ قلت:

نعم، قال عليه السلام: إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها» (1).

و هو كالنص في أنّ النسيان لا يوجب تغير الحكم و أما خبر حسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: اقرأ في الثانية، قلت: أسهو في الثانية، قال: اقرأ في الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلّها، قال: إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمت صلاتك»(2).

فأسقطه عن الاعتبار قصور سنده، و معارضته بغيره، و إعراض الأصحاب عنه، لأنّ المشهور بقاء التخيير مطلقا.

(8) لما يظهر من الأخبار- كما تقدم- أنّ أفضلية التسبيح كانت مسلّمة عند الرواة و إنّما كانوا يسألون الإمام عن علة ذلك، فقد تقدم خبرا ابني عمران و حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لأيّ علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال: إنّما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه عزّ و جلّ فدهش فقال: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة» (3).

ص: 349


1- الوسائل باب: 30 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

.....

______________________________

و كان الإمام عليه السلام يقررهم على ما هو المسلّم لديهم، فيعلم الحكم تارة: بذلك و أخرى: بأنّ الأخيرتين من فرض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فجعل فيهما التسبيح فرقا بينهما و بين فرض اللّه تعالى، و تقدم أيضا صحيح زرارة: «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين شيئا إماما كنت أو غير إمام» و أدنى درجة النهي المرجوحية المطلقة. و أما ما تقدم من خبر ابن حنظلة الدال على التساوي (1)، فالمراد به التساوي من حيث أصل التشريع و الإجزاء لا من كلّ جهة، فلا ينافي غيره.

و لكن يظهر من جملة من الأخبار أفضلية القراءة إما مطلقا أو في الجملة.

منها: خبر الحميري عن صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه): «أنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل، و بعض يرى أنّ التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيّهما لنستعمله؟ فأجاب عليه السلام: قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم. كلّ صلاة لا قراءة فيها، فهي خداج إلا للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه» (2).

و فيه: أنّه قاصر سندا و مجمل متنا إذ لم يعلم أنّ المنسوخ هو أصل التشريع أو أصل الفضيلة، أو الأفضلية، فلا يصلح لمعارضة غيره خصوصا مثل صحيحي زرارة و غيره كما تقدم.

و منها: خبر محمد بن حكيم قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام أيّما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: القراءة أفضل» (3).

و فيه: أنّه مع قصور سنده معارض بصحيح زرارة، فلا بد من حمله أو طرحه.

و منها: صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يجزيك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: أقرأ فاتحة الكتاب»(4).

ص: 350


1- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 14.
3- تقدم في صفحة: 46.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 12.

.....

______________________________

و فيه: أنّه محمول على أصل الجواز، فإنّهم عليهم السلام ربما يتركون الأفضل لمصلحة، مع أنّه يمكن حمل ما دل على أفضلية القراءة على التقية، لأنّ مذهب أبي حنيفة التخيير بين القراءة و التسبيح و السكوت، و أنّ القراءة أفضل، و نسب إلى الشافعي وجوب القراءة، و إلى مالك وجوبها في ثلاث ركعات من الرباعية، و الظاهر أنّ وجه اختلاف الروايات أيضا ذلك.

ثمَّ إنّه نسب إلى المشهور استحباب القراءة للإمام، لصحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبح»(1).

و صحيح جميل بن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة فقال: بفاتحة الكتاب و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب» (2).

و صحيح منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام قال: «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب- الحديث-» (3).

و فيه: أنّها معارضة بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تقرأنّ في الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام- الحديث-» (4).

و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان الذي فرض اللّه على العباد من الصلاة عشر ركعات و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم- يعني سهوا- فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهنّ قراءة» (5).

و إطلاقه يشمل الإمام أيضا و المراد به الوجوب التعييني قطعا، و خبر ابن

ص: 351


1- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 11.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
مسألة 3: يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد، و في الأخرى التسبيحات

(مسألة 3): يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد، و في الأخرى التسبيحات، فلا يلزم اتحادهما في ذلك (9).

مسألة 4: يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات

(مسألة 4): يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات (10). نعم، إذا قرأ الحمد يستحب الجهر بالبسملة على

______________________________

الضحاك: «أنّه صحب الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو، فكان يسبح في الأخراوين- الحديث-» (1).

الظاهر في ملازمته عليه السلام في الطريق على التسبيحات، مع ما يظهر من بعض الأخبار أنّه كان يقيم الجماعة في الطريق و قوله عليه السلام: «إنّما جعل القراءة في الركعتين الأولتين و التسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه اللّه تعالى من عنده و بين ما فرضه اللّه من عند رسوله صلّى اللّه عليه و آله (2).

و بالجملة: العمومات الدالة على ترجيح التسبيح غير قابلة للتخصيص و إنّ ما دل على تعيين القراءة فهي موافقة للعامة و يمكن صدورها للتقية، مع أنّ الشهرة على تعيين القراءة للإمام غير ثابتة و على فرضه، فلا مدرك له إلا ما تقدم من الأخبار، فلا اعتبار بها، لما مر.

(9) لإطلاق دليل التخيير الشامل لهذه الصورة أيضا.

(10) على المشهور فيهما، و عن الخلاف و الغنية دعوى الإجماع في الأول و عن الحدائق نسبة الثاني إلى ظاهر الأصحاب، و عن الرياض دعوى بعضهم الاتفاق عليه، و للسيرة المستمرة خلفا عن سلف، مضافا إلى إطلاق المساواة فيما تقدم من خبر ابن حنظلة بين الفاتحة و التسبيح المقتضي لذلك أيضا، مع أنّ الشهيد رحمه اللّه قال في الذكرى- رادا لابن إدريس حيث أنكر النص على الإخفات-: «إنّ عموم الإخفات في الفريضة بمنزلة النص»، و يشعر بذلك

ص: 352


1- الوسائل باب: 42 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.

الأقوى (11) و إن كان الإخفات فيها أيضا أحوط (12).

مسألة 5: إذا جهر عمدا بطلت صلاته

(مسألة 5): إذا جهر عمدا بطلت صلاته (13) و أما إذا جهر

______________________________

صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدي به؟ فقال عليه السلام:

إن قرأت فلا بأس، و إن سكت فلا بأس» (1).

و المراد بهما الركعتان الأخيرتان و حينئذ وصفهما بالصمت، و تقرير الإمام عليه السلام له يكشف عن مسلّمية الإخفات فيهما عند الرواة و عند الإمام عليه السلام، مع أنّه لا ريب في رجحان الإخفات فيهما مطلقا عند الكل فيشمله إطلاق ما تقدم من صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال عليه السلام: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمت صلاته» (2).

فيكون التسبيح مما لا ينبغي الجهر فيه و حكم الإمام بوجوب الإعادة مع العمد دليل على وجوب الإخفات فيه. و لكن الكلّ ظاهر الخدشة و ليس في البين إلا الشهرة و لذا توقف فيه جمع، و اختار التخيير بين الإخفات و الجهر آخرون، و عن بعض استحباب الجهر.

(11) لما تقدم في [مسألة 21] من الفصل السابق، فراجع، و لكن التزام المصلّين فيهما يوجب التردد في الجزم بالجواز، فلا يترك الاحتياط.

(12) خروجا عن خلاف الحليّ حيث خص الجهر بها بالأولين و تقدم وجهه مع تضعيفه. نعم، وجه الاحتياط ما مر من التزام المصلين فيهما بالإخفات مطلقا نحو الالتزام بالواجبات.

(13) لما تقدم في [مسألة 22] من الفصل السابق فراجع. هذا إذا قلنا

ص: 353


1- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 13.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

جهلا أو نسيانا صحت و لا يجب الإعادة و إن تذكر قبل الركوع (14).

مسألة 6: إذا كان عازما من أول الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات

(مسألة 6): إذا كان عازما من أول الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات، و كذا العكس، بل يجوز العدول في أثناء أحدهما إلى الآخر (15) و إن كان الأحوط عدمه (16).

مسألة 7: لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط عدم الاجتزاء به

(مسألة 7): لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط عدم الاجتزاء به (17)، و كذا العكس. نعم، لو فعل ذلك غافلا

______________________________

بشمول صحيح زرارة المتقدم للأخيرتين أيضا و أما مع عدمه، فالمرجع هو القواعد فتبطل مع العمد و تصح مع النسيان و الجهل بالموضوع، لأصالتي الصحة و عدم المانعية، و أما مع الجهل بالحكم، فإن قلنا بشمول حديث «لا تعاد» له، فتصح أيضا و إلا فتبطل. ثمَّ إنّ ما تقدم من الاحتياط في [مسألة 22] و ما يتلوها في الفصل السابق يجري هنا أيضا.

(14) لما مر من أصالتي الصحة و عدم المانعية.

(15) كلّ ذلك لإطلاق دليل التخيير، و استصحابه. و أشكل على العدول في الأثناء بأنّه إبطال العمل، فيشمله قوله تعالى لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (1)، و بأنّ المعدول عنه من الزيادة العمدية المبطلة. و يرد الأول: بأنّ مورده الإحباط و التكفير. و الثاني: بالشك في شمول دليل الزيادة المبطلة لمثله، فالمرجع حينئذ أصالة الصحة و عدم المانعية.

(16) خروجا عن خلاف الشهيد في الذكرى حيث استقرب العدم لما تقدم، مع ضعفه.

(17) المناط في الصحة و عدمها على حصول قصد الامتثال و لو إجمالا و ارتكازا، فمع حصوله يصح، و مع عدمه لا يصح، لأنّ التعبد بالأمر التخييري لا يقتضي إلا كونه داعيا للمكلّف على أحد الطرفين في الجملة. و أما التعيين أحدهما

ص: 354


1- سورة محمد: 33.

من غير قصد إلى أحدهما فالأقوى الاجتزاء به و إن كان من عادته خلافه.

مسألة 8: إذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين

(مسألة 8): إذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين، فذكر أنّه في إحدى الأخيرتين فالظاهر الاجتزاء به، و لا يلزم الإعادة و قراءة التسبيحات و إن كان قبل الركوع، كما أنّ الظاهر أنّ العكس كذلك، فإذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأخيرتين، ثمَّ تبيّن أنّه في إحدى الأوليين لا يجب عليه الإعادة (18).

نعم، لو قرأ التسبيحات ثمَّ تذكر قبل الركوع أنّه في إحدى

______________________________

فلا دليل عليه إلا إذا وجب إتيان المأمور به بقصد أمره المخصوص به فلا بد من قصده بالخصوص حينئذ، و المفروض أنّ المقام ليس كذلك فيصح المأتي به و تصح الصلاة أيضا.

و منه يظهر وجه الصحة في العكس، بل في الفرع الآتي و هو: ما إذا كان غافلا، فالمدار في الصحة حصول قصد الامتثال و لو إجمالا و ارتكازا، و في عدمها على عدمه. و يمكن أن يجعل النزاع بذلك لفظيا، و لكن الاحتياط حسن على كلّ حال.

و هل تجب سجدتا السهو في موارد سبق اللسان جمودا على بعض إطلاقاتها أو لا إذ المنساق منها خصوص السهو دون مثل سبق اللسان؟ وجهان.

(18) لحصول قصد التقرب بالمأمور به في الجملة في الصورتين، و هو كاف في الامتثال. نعم، لو كان قصد الركعات بما فيها من الواجبات معتبرا تفصيلا، فلا وجه للصحة، لعدم حصول قصد المأمور به حينئذ، لأنّه يشترط على هذا قصد الحمد من حيث كونها أحد فردي التخيير في الصورة الأولى، و قصدها من حيث التعيين الخاص في الصورة الثانية، فيكون الأمر المقصود امتثاله لا واقع له، و ما له الواقع لم يقصد امتثاله فيبطل لا محالة من هذه الجهة.

و لكن مقتضى الأصل و الإطلاق، بل و ظهور الاتفاق عدم اعتبار ذلك كلّه.

ص: 355

الأولتين يجب عليه قراءة الحمد (19) و سجود السهو بعد الصلاة لزيادة التسبيحات.

مسألة 9: لو نسي القراءة و التسبيحات و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته

(مسألة 9): لو نسي القراءة و التسبيحات و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته (21) و عليه سجدتا السهو للنقيصة، و لو تذكر قبل ذلك وجب الرجوع (22).

______________________________

(19) لقاعدة الاشتغال، و بقاء المحلّ.

(20) بناء على وجوبهما لكلّ زيادة سهوا حتّى مثل المقام، و يأتي في محلّه أنّه لا دليل يصح الاعتماد عليه لهذه الكلية.

(21) لحديث «لا تعاد»، و نصوص خاصة:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، و من نسي فلا شي ء عليه» (1).

و في صحيح منصور بن حازم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال عليه السلام: أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى، قال عليه السلام: قد تمت صلاتك إذا كنت ناسيا» (2).

و أما سجود السهو فيأتي التفصيل فيه.

(22) لقاعدة الاشتغال، و جملة من النصوص:

منها: موثق سماعة قال عليه السلام: «ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع»(3).

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «رجل نسي أم القرآن قال عليه السلام: إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» (4). و غيرهما من الأخبار.

ص: 356


1- الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
مسألة 10: لو شك في قراءتهما بعد الهويّ للركوع لم يعتن

(مسألة 10): لو شك في قراءتهما بعد الهويّ للركوع لم يعتن، و إن كان قبل الوصول إلى حدّه (23)، و كذا لو دخل في الاستغفار (24).

مسألة 11: لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود

(مسألة 11): لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود، بل كان بقصد الذكر المطلق (25).

مسألة 12: إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة

(مسألة 12): إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة و لا يقصد الوجوب و الندب حيث إنّه يحتمل أن يكون الأولى واجبة و الأخيرتين على وجه الاستحباب، و يحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجبا، فيكون من باب التخيير بين الإتيان

______________________________

(23) هذا التعميم مبنيّ على أن يكون المراد بالدخول في الغير في قاعدة التجاوز مطلق الغير أعم من الأجزاء و مقدماتها، و يأتي البحث عنه في [مسألة 10] من فصل الشك إن شاء اللّه تعالى، و تقدم بعض الكلام في أصل القاعدة (1).

(24) لما يأتي في الفصل المزبور أنّ الغير أعم من الواجبات و المندوبات و لا إشكال في استحباب الاستغفار، كما تقدم في صحيح عبيد بن زرارة(2).

و مقتضى ظاهر قوله عليه السلام فيه: و تسبح و تحمد اللّه، و تستغفر لذنبك» تأخر الاستغفار، و يقتضيه بناء المصلين عليه أيضا.

(25) للنص و الإجماع، و يأتي في [مسألة 9] من (فصل مبطلات الصلاة) تفصيل المقال إن شاء اللّه تعالى.

ص: 357


1- تقدم في ج: 3 صفحة: 111.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

بالواحدة و الثلاث، و يحتمل أن يكون الواجب أيّا منها شاء مخيّرا بين الثلاث، فحيث إنّ الوجوه متعددة (26) فالأحوط الاقتصار على قصد القربة.

نعم، لو اقتصر على المرة له أن يقصد الوجوب (27).

______________________________

(26) هذه الوجوه من مجرد الاحتمال العقلي، و المنساق من الأدلة هو الوجه الأول، إذ لا ريب أنّ الواجب في المقام إنّما هو بعنوان صرف الوجود و لا ريب في انطباقه على الفرد الأول.

نعم، لو كان الواجب حقائق مختلفة مرددة بين ما ذكره، لكان لما قاله رحمه اللّه وجه. مع أنّ أصل البحث ساقط لعدم دليل على اعتبار قصد الوجوب من عقل أو نقل، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه.

(27) فيه أيضا إشكال، لاحتمال كفاية الأقل من حيث الكلمات، كما يظهر من بعض الروايات.

ص: 358

فصل في مستحبات القراءة
اشارة

(فصل في مستحبات القراءة)

و هي أمور
اشارة

و هي أمور:

الأول: الاستعاذة قبل الشروع في القراءة

الأول: الاستعاذة قبل الشروع في القراءة (1) في الركعة الأولى (2) بأن يقول: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم»، أو يقول: «أعوذ باللّه (فصل في مستحبات القراءة)

______________________________

(1) إجماعا و نصّا، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام بعد تكبيرة الإحرام: «ثمَّ تعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» (1).

المحمول على الندب بقرينة الإجماع و قول أبي جعفر عليه السلام في خبر فرات: «فإذا قرأت بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ» (2).

و مرسل الفقيه: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتم الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللّه أكبر بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» (3).

(2) للإجماع، و قد أرسل ذلك إرسال المسلّمات.

ص: 359


1- الوسائل باب:57 من أبواب القراءة فی الصلاة حدیث :1.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

السميع العليم من الشيطان الرجيم» (3) و ينبغي أن يكون بالإخفات (4).

الثاني: الجهر بالبسملة في الإخفاتية

الثاني: الجهر بالبسملة في الإخفاتية، و كذا في الركعتين الأخيرتين إن قرأ الحمد، بل و كذا في القراءة خلف الإمام حتّى في الجهرية، و أما في الجهرية فيجب الإجهار بها على الإمام و المنفرد (5).

الثالث: الترتيل

الثالث: الترتيل (6) أي التأنّي في القراءة و تبيين الحروف على

______________________________

(3) لشمول الإطلاق للصيغتين، بل و غيرهما أيضا. و الأولى مشهورة و الثانية وردت في صحيح ابن عمار (1)، و في بعض الأخبار إضافة: «و أعوذ باللّه أن يحضرون» (2) إليها.

و في موثق سماعة: «أستعيذ باللّه من الشيطان الرّجيم إنّ اللّه هو السميع العليم» (3).

و الكلّ مجز لا بأس به، لتحقق الاستعاذة اللفظية بالجميع. و إنّما الأهم الاستعاذة المعنوية بأن يستكمل المصلّي نفسه بصفات الرّحمن، و يبعدها عن رذائل الشيطان.

(4) لإجماع الخلاف و السيرة، و عن التذكرة: أنّ عليه عمل الأئمة عليهم السلام. و لكن في خبر حنان: «صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب فتعوّذ بإجهار ..» (4).

و هو قضية في واقعة لا تنافي الإجماع و السيرة.

(5) قد تقدم الكلام فيه، فلا وجه للإعادة.

(6) كتابا و سنة و إجماعا. قال تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (5).

ص: 360


1- الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 57 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
5- سورة المزمل: 4.

وجه يتمكن السامع من عدها (7).

الرابع: تحسين الصوت بلا غناء

الرابع: تحسين الصوت (8) بلا غناء (9)

______________________________

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير قال: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتل في قراءته، فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة و ذكر النار سأل اللّه الجنة و تعوّذ باللّه من النار» (1).

و عنه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: بيّنة تبيانا، و لا تهذه هذّة الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية» (2).

و الآية الكريمة و هذه الأخبار محمولة على الندب إجماعا.

(7) الترتيل في اللغة بمعنى التأني و تبين الحروف بحيث يمكن السامع من عدها، من قولهم: ثغر مرتل، و رتل- بكسر التاء- و رتل- بالتحريك-: إذا كان مفلجا لا يركب بعضه على بعض. و خلاصة المعنى: التمهل في القراءة من غير عجلة، و إليه يرجع ما نسب إلى عليّ عليه السلام: «بيّنة تبيانا و لا تهذه هذّ الشعر و لا تنثره نثر الرمل»، و نسب إليه عليه السلام أيضا: «ترتيل القرآن حفظ الوقوف و بيان الحروف».

(8) لجملة من النصوص، منها النبويّ: «لكلّ شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن» (3).

و مثله غيره من الأخبار. و في مجمع البيان في معنى الترتيل: هو أن تتمكث فيه و تحسّن به صوتك.

(9) فتحرم حينئذ، و في خبر ابن سنان عن الصادق عليه السلام عن النبيّ

ص: 361


1- الوسائل باب: 18 و غيره من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
الخامس: الوقف على فواصل الآيات

الخامس: الوقف على فواصل الآيات (10).

السادس: ملاحظة معاني ما يقرأ و الاتعاظ بها

السادس: ملاحظة معاني ما يقرأ و الاتعاظ بها (11).

السابع: أن يسأل اللّه عند آية النعمة أو النقمة ما يناسب كلا منها

السابع: أن يسأل اللّه عند آية النعمة أو النقمة ما يناسب كلا منها (12).

______________________________

صلّى اللّه عليه و آله: «سيجي ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم» (1).

و يأتي في كتاب البيع تفصيل الكلام.

(10) على المشهور فقد فسر الترتيل بأنّه «حفظ الوقوف و أداء الحروف» و نسب ذلك إلى عليّ عليه السلام (2)، و تقدم أنّه لم يثبت ذلك في الكتب المعتمدة، و روي: «كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقطع قراءته آية آية» (3).

(11) لقوله عليه السلام: «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر» (4).

و عن عليّ عليه السلام في وصف المتقين: «أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا .. إلى أن قال عليه السلام: و إذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و أبصارهم، فاقشعرت منها جلودهم، و وجلت قلوبهم، فظنوا أن صهيل جهنم و زفيرها و شهيقها في أصول آذانهم، و إذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، و تطلعت أنفسهم إليها شوقا و ظنوا أنّها نصب أعينهم» (5).

(12) لنصوص كثيرة تقدم بعضها.

ص: 362


1- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- تفسير الصافي: مقدمة الحادي عشر.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 5.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 7.
الثامن: السكتة بين الحمد و السورة

الثامن: السكتة بين الحمد و السورة (13) و كذا بعد الفراغ منها بينها و بين القنوت أو تكبير الركوع.

التاسع: أن يقول بعد قراءة سورة التوحيد: «كذلك اللّه ربّي» مرة أو مرتين أو ثلاثا

التاسع: أن يقول بعد قراءة سورة التوحيد: «كذلك اللّه ربّي» مرة أو مرتين أو ثلاثا (14)، أو «كذلك اللّه ربّنا». و أن يقول بعد فراغ الإمام من قراءة الحمد إذا كان مأموما: «الحمد للّه ربّ

______________________________

(13) لخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السلام: «أنّ رجلين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اختلفا في صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكتبا إلى أبيّ بن كعب كم كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سكتة؟

قال: كانت له سكتتان إذا فرغ من أم القرآن، و إذا فرغ من السورة» (1).

(14) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن الحجاج: «إن أبا جعفر عليه السلام كان يقرأ قل هو اللّه أحد، فإذا فرغ منها قال: كذلك اللّه أو كذاك اللّه ربي» (2)، و عن الرضا عليه السلام: «كل من قرأ قل هو اللّه أحد و آمن بها فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرأها؟ قال عليه السلام: كما يقرأها الناس، و زاد فيها: كذلك اللّه ربي، كذلك اللّه ربي» (3)، و عن رجاء بن الضحاك «أنّ الرضا عليه السلام: إذا فرغ من التوحيد قال عليه السلام: كذلك ربنا ثلاثا»(4)، و في خبر السياري زيادة: «و رب آبائنا الأولين بعد الثالثة» (5)، و عن الفضيل: «أمرني أبو جعفر عليه السلام أن أقرأ قل هو اللّه أحد، و أقول إذا فرغت منها: كذلك اللّه ربي ثلاثا» (6)، و الظاهر حصول الاستحباب بأي نحو أتى به من المذكورات في الروايات خصوصا بناء على عدم بنائهم على التقييد في المندوبات و حمل القيود فيها على تعدد المطلوب، كما هو سيرتهم في الفقه.

ص: 363


1- الوسائل باب: 46 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.
5- مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 20 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.

العالمين» (15)، بل و كذا بعد فراغ نفسه إن كان منفردا.

العاشر: قراءة بعض السور المخصوصة في بعض الصلوات

العاشر: قراءة بعض السور المخصوصة في بعض الصلوات، كقراءة عمّ يتساءلون، و هل أتى، و هل أتاك، و لا أقسم، و أشباهها في صلاة الصبح (16)، و قراءة سبّح اسم، و الشمس، و نحوهما في الظهر و العشاء (17)، و قراءة إذا جاء نصر اللّه، و ألهاكم التكاثر في العصر و المغرب (18)، و قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى، و المنافقين في الثانية في الظهر و العصر من يوم الجمعة، و كذا في صبح يوم

______________________________

(15) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح جميل: «إذا كانت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها، فقل أنت: الحمد للّه رب العالمين» (1)، و عنه عليه السلام أيضا: «إذا قرأت الفاتحة و قد فرغت من قراءتها و أنت في الصلاة، فقل: الحمد للّه رب العالمين» (2). و إطلاق الأخير يقتضي عدم الفرق بين الإمام و المأموم و المنفرد، و لا ينافيه قوله عليه السلام الأول، لكونهما شيئين.

(16) لقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «و أما الغداة:

فعمّ يتساءلون، و هل أتاك حديث الغاشية، و لا أقسم بيوم القيامة، و هل أتى على الإنسان حين من الدهر» (3).

(17) لقوله عليه السلام فيه أيضا: «و أما الظهر و العشاء فسبّح اسم ربك الأعلى، و الشمس و ضحاها و نحوها» (4).

(18) لقوله عليه السلام أيضا في الصحيح المزبور: «و أما العصر و المغرب فإذا جاء نصر اللّه، و ألهاكم التكاثر و نحوها».

ص: 364


1- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 48 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

الجمعة (19)، أو يقرأ فيها في الأولى الجمعة و التوحيد في الثانية (20)

______________________________

(19) لجملة من الأخبار منها خبر حريز عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و في صلاة الصبح مثل ذلك، و في صلاة الجمعة مثل ذلك و في صلاة العصر مثل ذلك» (1).

و في صحيح زرارة عنه عليه السلام: «اقرأ سورة الجمعة و المنافقين فإنّ قراءتهما سنة يوم الجمعة في الغداة و الظهر و العصر» (2).

و أما ما يستفاد منه الوجوب كخبر عمر بن يزيد: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من صلّى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر» (3).

فإنّ الجمعة في السفر الظهر، و في صحيح الحلبي عنه عليه السلام:

«اقرأ سورة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة» (4). فإنّه محمول على تأكد الندب بقرينة غيره مما تقدم، و قول أبي الحسن عليه السلام في خبر ابن يقطين و في الجمعة في السفر: «اقرأهما بقل هو اللّه أحد» (5).

(20) لجملة من الأخبار:

منها: قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة، و سبح اسم ربّك الأعلى، و في الفجر سورة الجمعة، و قل هو اللّه أحد» (6).

ص: 365


1- الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 73 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 71 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

و كذا في العشاء في ليلة الجمعة (21) يقرأ في الأولى الجمعة و في الثانية المنافقين، و في مغربها الجمعة في الأولى و التوحيد في الثانية (22) و يستحب في كلّ صلاة قراءة إنا أنزلناه في الأولى و التوحيد في الثانية (23)، بل لو عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من الفضل أعطي

______________________________

و نحوه غيره المحمول على التخيير بقرينة ما تقدم، مع أنّ الاستحباب من موارد المسامحة.

(21) لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر حريز المتقدم. و لكن المشهور أنّه يقرأ في ثانية العشاء سبح اسم ربّك الأعلى، لجملة من الأخبار:

منها: ما تقدم من خبر أبي بصير.

و منها: خبر أبي الصباح: «و إذا كان في العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة، و سبح اسم ربّك الأعلى» (1).

و حيث إنّ الحكم استحبابي لا بأس بالعمل بالكلّ.

(22) لقول الصادق عليه السلام في خبر الكناني: «إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و قل هو اللّه أحد» (2).

و نحوه خبر عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام (3). و في جملة من الأخبار: «أنّه يقرأ في الثانية منها سبح اسم ربك» (4).

و يحمل على التخيير.

(23) لخبر ابن راشد: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك إنّك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلّمه: أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه و قل هو اللّه أحد، و إنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر، فقال عليه السلام:

ص: 366


1- الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 9.
4- راجع الوسائل باب: 70 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10 و 11.

أجر السورة التي عدل عنها مضافا إلى أجرهما (24)، بل ورد أنّه لا تزكو صلاة إلا بهما (25). و يستحب في صلاة الصبح من الاثنين و الخميس سورة هل أتى في الأولى و هل أتاك في الثانية (26).

______________________________

لا يضيقنّ صدرك بهما فإنّ الفضل و اللّه فيهما» (1).

و يدل عليه مواظبة الرضا عليه السلام كما في خبر رجاء (2) و غيره.

و أما خبر المعراج (3) الدال على العكس فمناسبة المقام و الحضور و سائر الجهات تقتضي تقديم نسبة الرب على نسبة الولاية، حيث إنّ التوحيد نسبة الرب، و القدر نسبة الإمامة، كما في الحديث (4). و المراد بالنسبة التعريف و التنبيه.

(24) للتوقيع الرفيع: «الثواب في السورة على ما قد روي، و إذا ترك سورة مما فيها الثواب و قرأ قل هو اللّه أحد و إنّا أنزلناه لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ و ثواب السورة التي ترك، و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامة، و لكنه يكون قد ترك الأفضل» (5).

(25) لخبر الاحتجاج: «إنّ العالم عليه السلام قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنّا أنزلناه كيف تقبل صلاته؟! و روي: ما زكت صلاة لم يقرأ فيها قل هو اللّه أحد» (6).

(26) لما حكي عن مواظبة الرضا عليه السلام عليه في طريق خراسان:

«أنّه كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين و يوم الخميس في الركعة الأولى الحمد و هل أتى على الإنسان، و في الثانية الحمد و هل أتاك حديث الغاشية، و قال

ص: 367


1- الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
6- الوسائل باب: 23 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 6.
مسألة 1: يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمسة

(مسألة 1): يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمسة (27).

مسألة 2: يكره قراءة التوحيد بنفس واحد

(مسألة 2): يكره قراءة التوحيد بنفس واحد، و كذا قراءة الحمد و السورة بنفس واحد (28).

مسألة 3: يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين

(مسألة 3): يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين إلا سورة التوحيد (29).

______________________________

عليه السلام: من قرأهما في صلاة الغداة يوم الاثنين و يوم الخميس وقاه اللّه شرّ اليومين» (1).

(27) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: في خبر منصور بن حازم: «من مضى به يوم واحد فصلّى فيه بخمس صلوات و لم يقرأ فيها بقل هو اللّه أحد قبل له: يا عبد اللّه لست من المصلّين» (2).

(28) لأنّه نحو من العجلة و هي مكروهة مطلقا إلا في موارد خاصة، و في خبر محمد بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يكره أن يقرأ قل هو اللّه أحد في نفس واحد» (3)الظاهر أنّ ذكر التوحيد من باب المثال فيشمل غيره أيضا من الفاتحة و غيرها، و يمكن الشمول بالفحوى، لأنّ عدد آيات الفاتحة أكثر من التوحيد، كما لا يخفى، و أما صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «في الرجل يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب و سورة أخرى في النّفس الواحد قال عليه السلام: إن شاء قرأ في نفس و إن شاء غيره»(4).

فلا ينافي ما ذكرناه.

(29) لخبر ابن جعفر عليه السلام: «عن الرجل يقرأ سورة واحدة في

ص: 368


1- الوسائل باب: 50 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
مسألة 4: يجوز تكرار الآية في الفريضة و غيرها

(مسألة 4): يجوز تكرار الآية في الفريضة و غيرها، و البكاء، ففي الخبر: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا قرأ: مالك يوم الدّين، يكرّرها حتّى يكاد أن يموت، و في آخر: عن موسى بن جعفر عليه السلام: «عن الرجل يصلّي، له أن يقرأ في الفريضة فتمر الآية فيها التخويف فيبكي و يردد الآية؟ قال عليه السلام: يردد القرآن ما شاء و إن جاءه البكاء فلا بأس».

مسألة 5: يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة

(مسألة 5): يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة (30) إذا صلاهما فقرأ غير الجمعة و المنافقين، أو نقل النية إلى

______________________________

الركعتين من الفريضة، و هو يحسن غيرها، فإن فعل فما عليه؟ قال عليه السلام: إذا أحسن غيرها فلا يفعل، و إن لم يحسن غيرها فلا بأس» (1).

و عن الصادق عليه السلام: «صلاة الأوابين الخمسون كلّها بقل هو اللّه أحد» (2).

و عنه عليه السلام في الصحيح: «قل هو اللّه أحد تجزي في خمسين صلاة» (3).

و غيرهما من الأخبار.

(30) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح عمر بن يزيد: «من صلّى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر (4) فإنّ الجمعة في السفر الظهر». و من ذيله يستفاد حكم الظهر أيضا بعد حمل السفر على المثال.

و لا بد من حمله على الندب، لظهور الإجماع على عدم الوجوب، و صحيح ابن يقطين: «عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا، قال

ص: 369


1- الوسائل باب: 6 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

النقل إذا كان في الأثناء (31) و إتمام ركعتين ثمَّ استئناف الفرض بالسورتين.

مسألة 6: يجوز قراءة المعوذتين في الصلاة و هما من القرآن

(مسألة 6): يجوز قراءة المعوذتين في الصلاة و هما من القرآن (32).

مسألة 7: الحمد سبع آيات

(مسألة 7): الحمد سبع آيات و التوحيد أربع آيات (33).

______________________________

عليه السلام: لا بأس بذلك» (1).

(31) لصحيح ابن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقل هو اللّه أحد، قال عليه السلام: يتم ركعتين ثمَّ يستأنف» (2).

(32) للإجماع و النصوص، ففي صحيح صفوان: صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام المغرب فقرأ بالمعوذتين في الركعتين» (3).

و عن مولى بسام: «أمّنا أبو عبد اللّه عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين، ثمَّ قال عليه السلام: هما من القرآن» (4).

و عن الحسين بن بسطام عنه عليه السلام أيضا: «سئل عن المعوذتين أ هما من القرآن؟ فقال الصادق عليه السلام: هما من القرآن، فقال الرجل: إنّهما ليستا من القراءة في قراءة ابن مسعود و لا في مصحفه، فقال عليه السلام: أخطأ ابن مسعود، أو قال: كذب ابن مسعود، و هما من القرآن، فقال الرجل: فأقرأ بهما في المكتوبة؟ فقال عليه السلام: نعم» (5).

(33) أما الأولى فللنص، و الإجماع، فعن ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال

ص: 370


1- الوسائل باب: 71 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 72 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 47 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
مسألة 8: الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب

(مسألة 8): الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب (34) بقوله:

______________________________

عليه السلام: نعم، قلت: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من السبع؟ قال عليه السلام: نعم، هي أفضلهنّ» (1).

و عن العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم آية من فاتحة الكتاب و هي سبع آيات تمامها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» (2).

و عن الصادق عليه السلام في خبر ابن مكفوف: «يا أبا هارون إنّ الحمد سبع آيات، و قل هو اللّه أحد ثلاث آيات فهذه عشر آيات» (3).

و أما الثانية: فمع كون البسملة جزءا تكون خمس آيات بجعل «لم يلد و لم يولد» آية واحدة، و مع جعلهما آيتين تكون سنة، و ما في خبر أبي هارون المكفوف أنّها ثلاثة إنّما هو بجعل «لم يلد و لم يولد- إلى آخر السورة-» آية واحدة و عدم لحاظ كون البسملة آية و لا بأس به بعد إمكان تطبيق قول الإمام عليه.

(34) لأنّ قصد إنشاء الخطاب إما بنحو الداعي لقصد القرآنية و في طوله، أو مقارنا له، لكن لا بنحو استعمال اللفظ في المعنى، بل من قبيل قصد بعض لوازم المعنى المستعمل فيه عند استعمال اللفظ فيه، فلا يلزم استعمال اللفظ في المعنى المتعدد عرضا و مستقلا حتّى يكون ممتنعا على القول به، بل و لو كان عرضا لا محذور في المقام أيضا، لإمكان تصوير تعدد الجهة في الدال باعتبارين مختلفين أحدهما ذات اللفظ من حيث هو الدال على قصد القرآنية. ثانيهما سياق الحال المحفوف بالمقال الدال على قصد الإنشائية، فلا محذور في البين و لو كان القصدان عرضين، و اللفظ مجمع الدالين بالاعتبارين. و يمكن أن يجعل هذا النزاع بينهم لفظيا أيضا كما لا يخفى على المتأملين و لا ينبغي التطويل بأكثر من ذلك.

ص: 371


1- الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2 و 9.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2 و 9.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.

«إياك نعبد و إياك نستعين» إذا قصد القرآنية أيضا بأن يكون قاصدا للخطاب بالقرآن، بل و كذا في سائر الآيات، فيجوز إنشاء الحمد بقوله: «الحمد للّه ربّ العالمين»، و إنشاء المدح في «الرّحمن الرّحيم»، و إنشاء طلب الهداية في «اهدنا الصراط المستقيم»، و لا ينافي قصد القرآنية مع ذلك.

مسألة 9: قد مرّ أنّه يجب كون القراءة و سائر الأذكار حال الاستقرار

(مسألة 9): قد مرّ أنّه يجب كون القراءة و سائر الأذكار حال الاستقرار (35)، فلو أراد حال القراءة التقدم أو التأخر قليلا، أو الحركة إلى أحد الجانبين، أو أن ينحني لأخذ شي ء من الأرض، أو نحو ذلك يجب أن يسكت (36) حال الحركة، و بعد الاستقرار يشرع في قراءته، لكن مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين لا يضرّ (37) و إن كان الأولى بل

______________________________

(35) مر في [مسألة 29] من (فصل القيام). ثمَّ إنّ القراءة حال الحركة أقسام أربعة:

الأول: أن يقصد القربة المطلقة في القراءة في حال الحركة بعد أو قرأها في حال الاستقرار.

الثاني: أن يقصد الجزئية ثمَّ أعادها في حال الاستقرار، و البطلان مبنيّ على كون ما أتى به بعنوان الجزئية من الزيادة المبطلة أو لا، و الجزم بها مشكل.

الثالث: أن يقصد الجزئية و لم يعدها حال الاستقرار، و تبطل الصلاة لفرض ترك الواجب فيها عمدا و هو الاستقرار.

الرابع: أن يقصد القربة المطلقة في القراءة في حال الحركة ثمَّ الإعادة في حال الاستقرار و لا إشكال في الصحة.

(36) هذا الوجوب مقدمي لحصول الاستقرار و ليس بنفسيّ.

(37) لأنّ المنساق من الدليل و المتيقن منه غير ذلك.

ص: 372

الأحوط تركه أيضا (38).

مسألة 10: إذا سمع اسم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في أثناء القراءة

(مسألة 10): إذا سمع اسم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في أثناء القراءة يجوز، بل يستحب أن يصلّي عليه (39)، و لا ينافي الموالاة كما في سائر مواضع الصلاة، كما أنّه إذا سلّم عليه من يجب رد سلامه يجب و لا ينافي.

مسألة 11: إذا تحرك حال القراءة قهرا

(مسألة 11): إذا تحرك حال القراءة قهرا بحيث خرج عن الاستقرار، فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة (40).

______________________________

(38) لأنّه من الخشوع، و من أدب الصلاة، و أدب أئمة الدّين، قال الصادق عليه السلام في خبر ابن حميد: «كان أبي عليه السلام يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرك منه شي ء إلا ما حركت الريح منه» (1).

(39) لعموم قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» (2).

و كذا عموم دليل وجوب رد السلام كما يأتي في [مسألة 16] من (فصل مبطلات الصلاة) و الظاهر عدم فوت الموالاة إذا كان ذلك فيما بين الآيات. و أما إن كان ذلك في أثناء حروف الكلمة الواحدة، أو في أثناء الكلمات، فلا بد من التأخير، لعدم منافاته للفورية العرفية المعتبرة بهذا المقدار، و لو بادر فيها، فلا بد من إعادة الكلمة، بل الكلمتين اللتين وقعت الصلاة و جواب السلام في أثنائهما.

(40) مقتضى الشك في شرطية الاستقرار- حين الغفلة و عدم الاختيار- عدم وجوب الإعادة سواء كان الاستقرار شرطا للصلاة أو للقراءة، و يدل عليه

ص: 373


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الأذان حديث: 1.
مسألة 12: إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز

(مسألة 12): إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز (41)، و يجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز (42) و لا بأس بتكرارها مع تكرار الشك ما لم يكن عن وسوسة، و معه يشكل الصحة إذا أعاد (43).

مسألة 13: في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرة في التسبيحات الأربع

(مسألة 13): في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرة في التسبيحات الأربع (44).

______________________________

أصالة البراءة، و حديث «لا تعاد الصلاة» (1)، و لكن يمكن أن يقال إنّه بعد العلم بوجوبه في الجملة إما للقراءة أو للصلاة مع إمكان تداركه بإعادة القراءة، فمقتضى قاعدة الاشتغال الإعادة إذ لا حاكم عليها إلا حديث «لا تعاد» (2) و لا وجه للتمسك به في المقام، لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لفرض تردد موضوعه و عدم إحرازه و منه تظهر الخدشة في جريان أدلة البراءة أيضا مع أنّ احتمال كونه شرطا للصلاة إنّما هو باعتبار ما فيها من القراءة و الأذكار و الأفعال و إلا فنفس الأكوان الصلاتية- مع قطع النظر عما فيها- التي اختلفوا في أنّها جزء صلاتيّ أو لا يشكل اعتبار الاستقرار فيها، بل مقتضى الأصل عدمه، فما ذكره رحمه اللّه من الاحتياط موجه.

(41) لقاعدة الاشتغال من غير دليل حاكم عليها.

(42) لقاعدة الصحة، و أصالة عدم المانعية و إن جرت في موردها قاعدة التجاوز.

(43) لما دل على أنّ الوسوسة من عمل الشيطان كيف يصح التقرب به إلى حضرة الرّحمن.

(44) لأهمية إدراك الوقت منها على فرض الوجوب فضلا عن الاستحباب.

ص: 374


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
مسألة 14: يجوز في إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ القراءة بإشباع كسر الهمزة

(مسألة 14): يجوز في إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ القراءة بإشباع كسر الهمزة و بلا إشباعه (45).

مسألة 15: إذا شك في حركة كلمة أو مخرج حروفها

(مسألة 15): إذا شك في حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين مع فرض العلم ببطلان أحدهما، بل مع الشك أيضا كما مرّ (46)، لكن لو اختار أحد الوجهين مع البناء على إعادة الصلاة لو كان باطلا، لا بأس به (47).

مسألة 16: الأحوط فيما يجب قراءته جهرا أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات

(مسألة 16): الأحوط فيما يجب قراءته جهرا أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات، حتّى أواخر الآيات، بل جميع حروفها، و إن كان لا يبعد اغتفار الإخفات في الكلمة الأخيرة (48) من الآية فضلا عن حرف آخرها.

______________________________

(45) لأنّ الظاهر من أهل العربية أنّ الإشباع و عدمه في الحركات من الأمور المتعارفة في اللغة العربية، فتشملها الإطلاقات و العمومات و لا وجه لوجوب أحدهما بالخصوص.

(46) تقدم في [مسألة 59] من الفصل السابق فراجع.

(47) بل و مع عدم البناء أيضا إذا حصل منه قصد التقرب، لأنّ المناط كلّه انطباق المأتي به مع الواقع و حصول قصد التقرب بنى على الاحتياط أم لا، فإذا حصل الانطباق يصح قهرا، و مع العدم لا وجه للصحة.

(48) بدعوى: أنّ الجهر في الكلمة الأخيرة، أو الحرف الآخر منها مغفول عنه غالبا، مع أنّها تنتهي النفس إليها غالبا فتصير بصورة الإخفات و أدلة وجوب الجهر منزلة على الغالب المتعارف، و لكن فيه إشكال، لإمكان الالتزام بمراعاة الجهر فيها أيضا مع عدم دليل على اغتفار هذه المسامحات العرفية.

ص: 375

فصل في الركوع

اشارة

(فصل في الركوع) يجب في كلّ ركعة من الفرائض و النوافل ركوع واحد (1)، إلا في صلاة الآيات ففي كلّ ركعة من ركعتيها خمس ركوعات كما سيأتي (2).

و هو ركن تبطل الصلاة بتركه عمدا كان أو سهوا، و كذا بزيادته في الفريضة (3) إلا في صلاة الجماعة، فلا تضر بقصد المتابعة (4)

و واجباته أمور
اشارة

و واجباته أمور:

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف

أحدها: الانحناء على الوجه المتعارف (5) بمقدار تصل (فصل في الركوع)

______________________________

(1) بالكتاب المبين قال تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ(1)، و بضرورة من الدّين، و إجماع المسلمين، و نصوص متواترة من المعصومين بيانية و قولية يأتي التعرض لبعضها.

(2) في فصل صلاة الآيات عند قوله رحمه اللّه و أما كيفيتها.

(3) راجع [مسألة 2 و 11 و 14] من (فصل الخلل).

(4) لما يأتي في [مسألة 9] من (فصل أحكام الجماعة) و أما النوافل فلا تبطل بزيادة الركن فيها سهوا كما يأتي في (فصل جميع الصلوات المندوبة).

(5) نصوصا، و إجماعا، و عرفا لاعتباره في مفهومه في العرف و اللغة أيضا.

ص: 376


1- سورة البقرة: 43.

يداه إلى ركبتيه (6) وصولا لو أراد وضع شي ء منهما عليهما

______________________________

(6) اعلم أنّ الهيئات المعتبرة في الصلاة- من القيام، و الجلوس، و الركوع، و السجود- من الأمور المتعارفة بين الناس قبل الإسلام و بعده عند جميع أرباب الملل، المناط في تحققها الصدق العرفي إلا إذا دل دليل معتبر على اعتبار قيد فيه، فيتبع لا محالة، لأنّ الشارع الأقدس تحديد الموضوعات العرفية بكلّ ما شاء و أراد.

و وجه اعتبار القيد إما قاعدة الاشتغال، أو الإجماع، أو النص. و الأول لا اعتبار بها، لما ثبت في محلّه من أنّ المرجع في الشك في القيدية البراءة مطلقا، و كذا الثاني لأوله إما إلى المتعارف، أو إلى النص، مع أنّ كثرة اختلافهم تكشف عن عدم تحققه، فبعضهم عبر باليد و آخر بالراحة. و ثالث بالكف و على كلّ منها فبعضهم عبر بالوصول و بعضهم بالبلوغ، فهذه تعبيرات ستة و إن أمكن إرجاعها إلى جامع قريب، و لكنه من التطويل بلا طائل إذ لا اعتبار بمثل هذا الإجماع حتّى يبحث عن معقده و مورده، فالعمدة هو الأخير، ففي النبويّ: «إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك» (1).

و في صحيح حماد الحاكي لصلاة الصادق عليه السلام: «ثمَّ ركع و ملأ كفيه من ركبتيه» (2).

و في صحيح زرارة: «و تمكن راحتيك من ركبتيك» (3).

و لا ريب في ظهورها في وجوب الانحناء إلى حد خاص و هو الحد المعهود في الأذهان و المتعارف بين الناس و ليس فيهما تعبد من هذه الجهة. و أما وجوب وضع اليد على الركبة و كونه مقوّما للركوع، فلا يصح فيه الاعتماد على الجميع للإجماع على عدم وجوب الوضع الفعلي و اشتمالها على جملة من المندوبات، مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «فإن وصلت أطراف

ص: 377


1- المعتبر صفحة: 179.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

لوضعه (7)، و يكفي وصول مجموع أطراف الأصابع (8) التي منها الإبهام على الوجه المذكور، و الأحوط الانحناء بمقدار إمكان وصول

______________________________

أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحب إليّ أنّ تمكن كفيك من ركبتيك، فتجعل أصابعك في عين الركبة و تفرج بينها»(1).

و قوله عليه السلام: «و بلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة» (2).

و نحوها غيرها و ظهور سياقه في الندب مما لا يخفى، و المراد بالوصول إمكانه لا فعليته فالمستفاد من المجموع الانحناء إلى حد يمكن أن تصل يده إلى ركبتيه كما يقال: فلان تصل يده إلى محلّ كذا و هو كناية عن طول قامته إلى حد خاص و أول هذا الحد المخصوص إنّما هو وصول أطراف الأصابع عرفا إلى الركبة، و يشهد لما قلناه موثق عمار- الوارد في ناسي الركوع- قال عليه السلام: «و إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما- إلى أن قال:- و إن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته» (3).

فإنّ المقصود منه أنّه يرجع ما لم يدخل في الركوع و إن دخل فيه فلا يرجع.

و خلاصة الكلام: إنّه ليس الركوع الشرعي المعتبر في الصلاة شيئا مغايرا للمعهود العرفي، لأنّ العرف لا يسمّي كلّ انحناء ركوعا، بل يعتبر فيه انحناء مخصوصا.

(7) لأنّ ذلك هو المنساق من الأخبار و العرف و اللغة و الاعتبار، فلا تعبد من هذه الجهة في البين.

(8) لما تقدم من قوله عليه السلام: «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك» (4).

ص: 378


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الركوع حديث: 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب القنوت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

الراحة إليها (9)، فلا يكفي مسمّى الانحناء و لا الانحناء على غير الوجه المتعارف (10)، بأن ينحني على أحد جانبيه أو يخفض كفّيه و يرفع ركبتيه و نحو ذلك و غير المستوي الخلقة كطويل اليدين أو قصيرهما يرجع إلى المستوي (11)، و لا بأس باختلاف أفراد المستوين خلقة، فلكلّ حكم نفسه بالنسبة إلى يديه و ركبتيه (12).

______________________________

و المنساق منه وصول مجموعها، لاقتضاء لفظ الجمع المحلّى باللام ذلك، فيكون الإبهام داخلا فيها، و المراد بأطرافها صدقه في الجملة و حيث إنّها مختلفة في الطول و القصر يكفي وصول الأقصر منها في الجملة الملازم لوصول البقية، كما أنّ المراد بالركبة أول مرتبة وجوده.

(9) خروجا عن خلاف من أوجب ذلك، و لكن تقدم في صحيح زرارة:

«و أحبّ إليّ أن تمكن كفيك من ركبتيك» (1).

الظاهر في الاستحباب ظهورا لا ينكر، و بناء على الوجوب لا دليل على اعتباره في ركنية الركوع، للأصل، و الإطلاق بعد صدقه عرفا بدونه، فلا يضر تركه السهوي كما يأتي في الطمأنينة.

(10) أما عدم كفاية مطلق الانحناء، فللأصل بعد ظهور الأدلة في انحناء خاص، و أما اعتبار كونه على المتعارف، فلأنّه المتفاهم من الأدلة، بل الظاهر كونه معتبرا في الركوع العرفي أيضا و الأدلة منزلة عليه.

(11) للإجماع، و الاعتبار، و لأنّ الأدلة منزلة على المتعارف من الناس فلا وجه للتمسك بالإطلاق بالنسبة إليه لخروجه عن أفراده من جهة عدم تعارفه، و قد مرّ نظير ذلك في غسل الوجه و الوضوء، فراجع.

(12) لشمول إطلاق الأدلة له بعد فرض كونه من المتعارف أيضا، لأنّ المتعارف ليس في حد واحد دقيّ، بل هو مختلف في الجملة.

ص: 379


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
الثاني: الذكر

الثاني: الذكر (13)، و الأحوط اختيار التسبيح (14) من أفراده مخيرا (15) بين الثلاث من الصغرى و هي: «سبحان اللّه»، و بين التسبيحة الكبرى و هي: «سبحان ربّي العظيم و بحمده»، و إن كان الأقوى كفاية مطلق الذكر (16) من التسبيح، أو التحميد، أو التهليل،

______________________________

(13) للنصوص و الإجماع، بل الضرورة الدينية.

(14) لجملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة قال: «سئل أبو جعفر عليه السلام عما يجزي من القول في الركوع و السجود؟ فقال عليه السلام: ثلاث تسبيحات في ترسل، و واحدة تامة تجزي» (1).

و منها: موثق سماعة: «أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول:

سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه ثلاثا» (2).

و منها: خبر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام: «تدري أيّ شي ء حد الركوع و السجود؟ قلت: لا، قال عليه السلام: سبح في الركوع ثلاث مرات سبحان ربّي العظيم و بحمده» (3).

و غير ذلك من الأخبار، و هذا هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع أيضا، و يأتي في [مسألة 11] بعض ما ينفع المقام.

(15) لما تقدم من صحيح زرارة، و غيره.

(16) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت له:

ص: 380


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الركوع حديث: 3.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 7.

أو التكبير، بل و غيرها بشرط أن يكون بقدر الثلاث الصغريات (17).

______________________________

يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود لا إله إلّا اللّه و الحمد للّه و اللّه أكبر؟ قال عليه السلام: نعم، كلّ هذا ذكر اللّه تعالى»(1).

و نحوه صحيح هشام بن سالم (2).

و منها: خبر مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسلا» (3).

و عن السرائر نفي الخلاف فيه، و قد اختاره جمع، و مقتضى الجمع العرفي بين الأخبار القول بكفاية مطلق الذكر و أفضلية التسبيح، و لكن يمنع عن ذلك استقرار السيرة القطعية على ملازمة التسبيح فيهما، فلا يترك الاحتياط.

(17) لما تقدم في خبر مسمع، و في خبره الآخر: «لا يجزي الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ» (4).

ثمَّ إنّ لفظ «و بحمده» قد ورد فيما تقدم من خبر الحضرمي، و عن حاشية البهبهاني للمدارك: إنّه مذكور في تسعة أخبار (5)، عن مفتاح الكرامة إضافة ثلاث روايات أخرى(6)إليها أيضا، فيحمل ما لم يذكر فيه ذلك من الأخبار على ذكر البعض و إرادة الكلّ، كما هو شائع في المحاورات، فلا وجه لما حكي عن جمع من أنّه مندوب لخلوّ بعض الأخبار عنه قال في الجواهر:

«اعتمادا على معروفيتها- أي بكلمة و بحمده- الحاصلة بسبب القطع استعمال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لها في ركوعه و سجوده و تابعه المسلمون حتّى شاع و ذاع إلى أن ادعي الإجماع عليه و كذلك الأئمّة عليهم السلام يأمرون به

ص: 381


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الركوع حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الركوع حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الركوع حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الركوع حديث: 4.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة، و باب: 1 و 4 و 6 و 21 من أبواب الركوع.
6- راجع مستدرك الوسائل باب: 16 حديث. 1، و باب 20 حديث 6 و 2 من أبواب الركوع.

فيجزئ أن يقول: «الحمد للّه» ثلاثا، أو «اللّه أكبر» كذلك، أو نحو ذلك.

الثالث: الطمأنينة فيه

الثالث: الطمأنينة فيه (18)

______________________________

و يداومون عليه، و لذا جرت سيرة أتباعهم و سواد شيعتهم فضلا عن العلماء منهم بل شدة الأمر بقول: «سمع اللّه لمن حمده» عند رفع الرأس يشهد على ذكره في الركوع على سبيل التعاقب، بل روته العامة في أخبارهم فضلا عن الخاصة، فعن ابن مسعود: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربّي العظيم و بحمده» (1)، و مثله عن حذيفة».

أقول: الحق إنّه لا ينبغي إطالة الكلام في هذا الأمر الذي استقر عليه عمل المسلمين بجميع مذاهبهم، و تشهد له العمومات و الإطلاقات الظاهرة في حسن الحمد و الثناء للّه تعالى مطلقا خصوصا في حال الصلاة بأيّ نحو كان سيّما مع ملازمة ذكر التسبيح للتحميد في الدعوات غالبا.

(18) لإجماع المسلمين و نصوص المعصومين عليهم السلام، ففي خبر قرب الإسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا ركع أحدكم فليتمكن» (2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله لمن علمه الصلاة: «ثمَّ اركع حتّى تطمئنّ» (3).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر: «بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس في المسجد إذ دخل رجل، فقام يصلّي فلم يتم ركوعه و لا سجوده، فقال صلّى اللّه عليه و آله: نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (4).

و نحوه خبر عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أبصر

ص: 382


1- صحيح البخاري صفحة: 184 ج: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 14.
3- كنز العمال ج: 4 صفحة: 93.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الركوع حديث: 1.

بمقدار الذكر الواجب (19)، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضا إذا جاء به بقصد الخصوصية (20)، فلو تركها عمدا بطلت صلاته (21) بخلاف السهو على الأصح (22)، و إن كان الأحوط

______________________________

عليّ بن أبي طالب عليه السلام رجلا ينقر صلاته، فقال عليه السلام: منذ كم صلّيت بهذه الصلاة؟ قال له الرجل: منذ كذا و كذا، فقال عليه السلام: مثلك عند اللّه كمثل الغراب إذا ما نقر، لو متّ متّ على غير ملة أبي القاسم محمد صلى اللّه عليه و آله ثمَّ قال: أسرق الناس من سرق من صلاته» (1).

و لكن يمكن المناقشة في الأخبار إما بقصور السند أو ظهور السياق في الآداب، فالعمدة الاتفاق عليه، و كونه من مرتكزات المصلّين بحيث يقبحون من تركه، و سيأتي التفصيل.

(19) لتسالم الفقهاء عليه من دون خلاف منهم فيه.

(20) لدعوى الإجماع على أنّه شرط في صحة الأذكار المندوبة، و تقدمت المناقشة فيه، و ما ينفع المقام في [مسألة 29] من (فصل القيام)، و مرّ من الماتن (قدس سره) الفتوى بالوجوب هناك.

(21) للإجماع عليه بالنسبة إلى طمأنينة الذكر الواجب، و أما في الذكر المندوب فمبنيّ على وجوبها فيه أيضا كالذكر الواجب، فإن تمَّ الدليل فهو مثله، و إلا فمقتضى الأصل الصحة، و الدليل منحصر بدعوى الإجماع و نوقش فيه بعدم التمامية فالأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

(22) لا ريب في وجوب أصل الطمأنينة في الركوع بإجماع المسلمين.

إنّما الكلام في أنّها هل تكون واجبا صلاتيا من دون أن تكون شرطا مقوّما للركوع، أو تكون مقوّما له؟ و على الأخير، هل تكون مقوّمة له بمقدار الذكر الواجب أو بقدر المسمّى؟ و البحث فيه تارة بحسب الأخبار، و أخرى بحسب

ص: 383


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أعداد الفرائض حديث: 2.

.....

______________________________

الإجماع المدعى، و ثالثة بحسب الأصل العملي، و رابعة بحسب العرف و الاعتبار.

أما الأول: فلا يستفاد منها- على فرض تماميتها- أزيد من أصل الوجوب في الجملة، و لا دلالة فيها على اعتبار كونها الذكر الواجب، أو كونها شرطا في الركوع، مع أنّ خلو الأخبار الكثيرة الواردة في الركوع و بيان واجباتها و مندوباتها، و كونها في مقام البيان يكشف عن عدم كونها شرطا فيه.

إن قيل: ما مرّ من خبر قرب الإسناد و النبويّ ظاهر في الشرطية.

يقال: الظهور ممنوع، و الاستئناس له وجه لو لا قصور السند، و خلو سائر الأخبار الواردة في مقام البيان عنه، فيكون إطلاق أدلة الركوع محكما.

و أما الثاني: فعن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع على ركنيتها في الركوع، و لكنه موهون بمصير الأكثر إلى صحة الركوع بفوات الطمأنينة سهوا فكيف يصح الاعتماد عليه.

و أما الثالث: فالمرجع في الشك في ركنية الطمأنينة- سواء كانت بقدر الذكر الواجب، أم مأخوذة في مفهوم الركوع- هو البراءة بعد عدم جواز التمسك بحديث «لا تعاد» (1) لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، لاحتمال دخولها في مفهوم الركوع. و أما إن قلنا بأنّ هذا الاحتمال لا يضر بإطلاقات أدلة الركوع الواردة في مقام البيان فيصح التمسك به، إذ المناط حينئذ صدق الركوع عرفا بأيّ وجه كان.

إن قلت: إنّ الأصل فيما ثبتت شرطيته هو الركنية بالنسبة إلى النقيصة السهوية ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل عليه في المقام إلا حديث «لا تعاد» و المفروض عدم جريانه، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

قلت: نعم، أصالة الركنية في ما ثبتت شرطيته ما لم يدل دليل على الخلاف مسلّم، و لكن في المقام لم تثبت الشرطية، لاحتمال كون الطمأنينة في

ص: 384


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

الاستئناف (23) إذا تركها فيه أصلا، و لو سهوا، بل و كذلك إذا تركها في الذكر الواجب.

الرابع: رفع الرأس منه

الرابع: رفع الرأس منه (24) حتّى ينتصب قائما، فلو سجد قبل ذلك عامدا بطلت الصلاة (25).

______________________________

المقام واجبا تكليفيا محضا و احتمال كونها شرطا، فالمقام من موارد إجمال الخطاب المتعيّن فيه الرجوع إلى البراءة.

و أما العرف فلا يجزم بكونها مقوّما لركوعية الركوع، بل يرى مسمّى الانحناء ركوعا، و كونها شرطا للذكر مشكوك لديه أيضا. نعم، أصل الوجوب مقطوع به بعد التوجه إلى الأدلة.

(23) ظهر وجه الاحتياط مما مرّ، و يأتي في [مسألة 14] ما ينفع المقام.

(24) نصّا و إجماعا، ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (1).

و في صحيح حماد: «ثمَّ استوى قائما فلما استمكن من القيام قال: سمع اللّه لمن حمده» (2).

(25) لما مرّ من قوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» و ظاهره و إن اقتضى البطلان مع السهو أيضا، لكن مقتضى حديث «لا تعاد» فيه الصحة، كما في قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (3). فإنّ تركها السهوي لا يوجب البطلان، لحديث «لا تعاد».

ص: 385


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الركوع حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.
الخامس: الطمأنينة حال القيام

الخامس: الطمأنينة حال القيام (26) بعد الرفع فتركها عمدا مبطل للصلاة.

مسألة 1: لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع

(مسألة 1): لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع (27) بل يكفي الانحناء بمقدار إمكان الوضع، كما مر.

مسألة 2: إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور و لو بالاعتماد على شي ء أتى بالقدر الممكن

(مسألة 2): إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور و لو بالاعتماد على شي ء أتى بالقدر الممكن (28) و لا ينتقل إلى

______________________________

(26) للإجماع المحقق و المستفيض نقله و لكن المتيقن منه حال الالتفات.

و أما السهو فالمرجع فيه الأصل و حديث «لا تعاد»، و حكي عن الشيخ (قدس سره) القول بالركنية، و الكلام عين الكلام في الطمأنينة في الركوع، بل أهون منه، و الكلام في أنّ تركها العمدي يوجب البطلان و تركها السهوي لا يوجبه عين ما تقدم في رفع الرأس.

(27) للأصل و الإجماع، و إمكان استفادته من الأخبار أيضا، فإنّ الوصول في قوله عليه السلام في الصحيح: «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك»(1).

أعم من الوضع الفعلي، كما هو واضح لا يخفى.

(28) للإجماع، و قاعدة الميسور المؤيدة بمرتكزات المتشرعة، و احتمال أن تكون مراتب الهويّ من المتباينات فلا موضوع حينئذ للقاعدة، ممنوع، لأنّ العرف يراها من الأقلّ و الأكثر المتفقان في جانب الانحناء المختلفان بالأقلية و الأكثرية، فإذا تعذر بعض المراتب وجب الميسور منها. ثمَّ إنّه مع القدرة على الركوع الحقيقي و لو بالاعتماد لا يجوز له الاكتفاء بسائر المراتب الميسورة، لفرض أنّه يتمكن من الركوع الحقيقي.

ص: 386


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

الجلوس (29) و إن تمكن من الركوع منه (30) و إن لم يتمكن من الانحناء أصلا، و تمكن منه جالسا أتى به جالسا (31). و الأحوط صلاة أخرى بالإيماء قائما. و إن لم يتمكن منه جالسا أيضا أومأ له- و هو قائم- (32) برأسه إن أمكن، و إلا فبالعينين تغميضا له و فتحا للرفع منه. و إن لم يتمكن من ذلك أيضا نواه بقلبه، و أتى بالذكر الواجب (33).

______________________________

(29) لأنّ الانتقال إلى الجلوس مشروط بعدم التمكن من القيام رأسا و عدم التمكن من الركوع عن قيام و لو ببعض مراتبه، و المفروض أنّه متمكن من كلّ منهما.

(30) أي من الانحناء التام الجلوسي، و مع ذلك لا ينتقل إلى الجلوس لاستلزامه فوت القيام الركنيّ المتصل بالركوع، و به يرجح الانحناء الميسور عن قيام على الانحناء التام الجلوسي، إذ الأول موجب لدرك القيام الركني بخلاف الأخير.

(31) مقتضى العلم الإجمالي إما بوجوب الركوع جالسا عليه أو قائما مع الإيماء هو الجمع بينهما إلا إذا ثبت وجوب أحدهما بالخصوص. و قد استدل على وجوب الثاني بالخصوص بدعوى الاتفاق عليه، و بإطلاق ما دل على الصلاة قائما موميا عند العجز عن الركوع. و فيه: أنّ دعوى الاتفاق موهونة، و قد تعجب منها العلامة الطباطبائي رحمه اللّه، و شمول الإطلاق لما إذا تمكن من الركوع جالسا أول الدعوى، بل قد يقال بتعيين الركوع جالسا، لكونه أقرب إلى الركوع الحقيقي، فاحتمال التعيين يكون في كلّ واحد منهما فيجب الاحتياط حينئذ.

نعم، لو لم يكن إلا في أحدهما فقط يتعيّن الإتيان به، كما أنّه لو لم يكن احتماله في البين يتخيّر، إذ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير لا التزاحم إذ لا ملاك في أحدهما فقط كما هو معلوم.

(32) تقدم ما يتعلق به في [مسألة 15] من (فصل القيام)، فراجع.

(33) بناء على أنّ ذلك هو الميسور، فتشمله القاعدة. و فيه: أنّ النية

ص: 387

مسألة 3: إذا دار الأمر بين الركوع جالسا مع الانحناء في الجملة

(مسألة 3): إذا دار الأمر بين الركوع جالسا مع الانحناء في الجملة، و قائما موميا، لا يبعد تقديم الثاني (34) و الأحوط تكرار الصلاة (35).

مسألة 4: لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ثمَّ حصل له التمكن من القيام لا يجب

(مسألة 4): لو أتى بالركوع جالسا و رفع رأسه منه ثمَّ حصل له التمكن من القيام لا يجب، بل لا يجوز له إعادته قائما (36)، بل لا يجب عليه القيام للسجود خصوصا إذا كان بعد السمعلة (37) و إن كان

______________________________

مخالفة للركوع الخارجي و لا يكون من ميسوره، و الذكر ميسور له بناء على كون وجوبه في الركوع من تعدد المطلوب و هو أول الكلام و إن كان طريق الاحتياط ما ذكره قدّس سرّه.

(34) لإطلاق ما دل على بدلية الإيماء عن الركوع عند تعذره و لا مقيد لهذا الإطلاق في المقام من إجماع أو غيره، لأنّ الإجماع الدال على العمل بقاعدة الميسور في لزوم الإتيان بالانحناء الميسور عند تعذر التام منه إنّما هو فيما إذا لم يكن مستلزما لفقد القيام الواجب كما هو المفروض في المقام، مع أنّ الصلاة قائما موميا أقرب إلى الصلاة الاختيارية من الصلاة جالسا.

(35) لاحتمال شمول إجماعهم على العمل بقاعدة الميسور لهذه الصورة أيضا.

(36) لإتيانه ببدل الركوع الاختياري، و إطلاق دليله يقتضي الإجزاء فتكون الإعادة حينئذ من زيادة الركن الموجب للبطلان و لا يجوز ذلك عمدا.

(37) لإطلاق دليل البدل الدال على الإجزاء عن المبدل.

ثمَّ إنّه لا فرق بين قبل السمعلة و بعدها بعد حصول مسمّى الجلوس الذي يكون بدلا عن مسمّى القيام. نعم، لو كان قبلها يجوز له القيام للسمعلة، لأنّ تشريعها في القيام بعد الركوع. هذا كله بناء على جواز البدار لذوي الأعذار و إلا وجب الاستئناف كما ثبت في محلّه.

ص: 388

أحوط (38)، و كذا لا يجب إعادته بعد إتمامه بالانحناء غير التام (39).

و أما لو حصل له التمكن في أثناء الركوع جالسا، فإن كان بعد تمام الذكر الواجب يجتزي به، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع (40). و إن حصل قبل الشروع فيه أو قبل تمام الذكر يجب عليه أن يقوم منحنيا (41)، إلى حدّ الركوع القيامي ثمَّ إتمام الذكر و القيام بعده.

و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (42) و إن حصل في أثناء الركوع بالانحناء غير التام، أو في أثناء الركوع الإيمائي، فالأحوط الانحناء إلى حد الركوع و إعادة الصلاة (43).

______________________________

(38) لاحتمال أن تكون البدلية ما دامية لا دائمية و طريق الاحتياط الإتيان بالقيام رجاء لئلا ينطبق عليه الزيادة العمدية على فرض عدم الوجوب.

(39) يعني لو أتى بالركوع غير التام للعجز عن القيام ثمَّ حصلت له القدرة على التام لا تجب عليه إعادة التام، لإطلاق دليل البدلية. هذا في ضيق الوقت.

و أما في السعة و جواز البدار، فالأحوط إعادة الصلاة مع الركوع التام.

(40) أما الاجتزاء به، فلإطلاق دليل بدليته، و أما وجوب الانتصاب بعده، فلإطلاق دليل وجوبه بعد حصول القدرة عليه و التمكن منه.

(41) لأنّه لو قام ثمَّ ركع يلزم زيادة الركوع فتبطل الصلاة من هذه الجهة.

(42) لاحتمال أن يكون القيام منحنيا إلى حد الركوع القيامي من زيادة الركوع أيضا، و لكنه ضعيف. و خلاف مرتكزات المتشرعة، و إن كان الاحتياط حسن على كلّ حال. نعم، لو كان في سعة الوقت وجوب الاحتياط بالإعادة من جهة الإشكال في البدار لذوي الأعذار.

(43) لاحتمال زيادة الركوع، لأنّ الإيماء بدل عن الركوع الحقيقي فيكون الركوع زيادة، و كذا الانحناء غير التام إذا لوحظ بحده و بدلا عن الركوع الحقيقي يكون ركوعا فيكون غيره من الزيادة. نعم، لو لم يلحظ كذلك يكون بالنسبة إلى الركوع الحقيقي من الأقلّ و الأكثر، و لكن المقام ليس كذلك.

ص: 389

مسألة 5: زيادة الركوع الجلوسي و الإيمائي مبطلة

(مسألة 5): زيادة الركوع الجلوسي و الإيمائي مبطلة و لو سهوا كنقيصته (44).

مسألة 6: إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض

(مسألة 6): إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض، فإن تمكن من الانتصاب و لو بالاعتماد على شي ء، وجب عليه ذلك، لتحصيل القيام الواجب حال القراءة، و للركوع، و إلا فللركوع فقط (45)، فيقوم و ينحني، و إن لم يتمكن من ذلك لكن تمكن من الانتصاب في الجملة، فكذلك (46). و إن لم يتمكن أصلا، فإن تمكن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج عن حد الركوع وجب (47).

و إن لم يتمكن من الزيادة، أو كان على أقصى مراتب الركوع بحيث لو انحنى أزيد خرج عن حدّه، فالأحوط له الإيماء (48) بالرأس، و إن لم

______________________________

(44) لإطلاق أدلة البدلية، و ظهور تسالم الأصحاب، مع كونه بالنسبة إلى النقيصة موافق لقاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه.

(45) أما الأول، فلإطلاق دليل وجوبه مع التمكن منه. و أما الثاني فلقاعدة الميسور، و ظهور الإجماع.

(46) لإمكان إدراك الميسور من القيام المتصل بالركوع و من الركوع عن قيام بالنسبة إليه، فتشمله قاعدة الميسور.

(47) لأنّه يجب عليه إحداث الركوع و هو متمكن منه في الجملة و تلك الهيئة أعم من الإحداث و الإبقاء.

(48) في المسألة وجوه:

منها: الانحناء يسيرا بحيث يحصل الفرق بين قيامه و ركوعه، لأنّ الركوع بالنسبة إلى مثله هو ذلك حيث إنّ قيام هذا الشخص ركوع بالنسبة إلى غيره، فلا بد في ركوعه من انحناء يسير فرقا بينهما و إن خرج عن حد الركوع بالنسبة إلى غيره.

ص: 390

يتمكن فبالعينين تغميضا و للرفع منه فتحا، و إلا فينوي به قلبا، و يأتي بالذكر.

مسألة 7: يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع

(مسألة 7): يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع و لو إجمالا (49) بالبقاء على نيته في أول الصلاة، بأن لا ينوي الخلاف فلو انحنى بقصد وضع شي ء على الأرض، أو رفعه، أو قتل عقرب، أو حية، أو نحو ذلك لا يكفي في جعله ركوعا، بل لا بد من القيام ثمَّ الانحناء للركوع (50) و لا يلزم منه زيادة الركن (51).

______________________________

و منها: وجوب الإيماء عليه، لكونه عاجزا عن الركوع.

و منها: إبقاء تلك الهيئة عليه بقصد الركوع و المسألة بحسب الأصول من الدوران بين المتباينين، فالأحوط الجمع بين الانحناء اليسير و الذكر فيه ثمَّ الرجوع إلى حالته الأولى و الإيماء و الذكر كلّ ذلك رجاء، لئلا يلزم زيادة الركن.

(49) أما اعتبار القصد، فلتقوّم أجزاء الصلاة بقصد الجزئية. و أما كفاية القصد الإجمالي، فلأصالة البراءة عن اعتبار الزائد عليه، فيكفي بقاء قصد أصل الصلاة بما فيها من الأجزاء في نفسه و لو لم يكن ملتفتا إليه فعلا.

(50) لأنّ الواجب في الركوع إحداثه و أنّه لا بد في القيام المتصل بالركوع من اتصاله به و عدم تخلل شي ء بينهما. و هذا هو المنساق من الأدلة عند المتشرعة و لم يستبعد في الجواهر الاكتفاء بإبقاء تلك الحالة للركوع الصلاتي، جمودا على الإطلاق، و لكنه مع كونه خلاف الاحتياط، خلاف المنساق من الأدلة أيضا.

(51) لأنّ ما أتى به أولا ليس بركوع صلاتي حتّى يكون من زيادة الركوع الركني.

فرع: تقدم أنّه لا بد في الركوع الصلاتي من قصد الجزئية، و كذا سائر أجزاء الصلاة من أفعالها و أقوالها، فمع عدم قصدها لا تكون جزءا فلا يستشكل أنّه على هذا لا بد و أن لا تكون زيادة الركن نسيانا موجبا للبطلان ركوعا كان أم غيره،

ص: 391

مسألة 8: إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمَّ ركع

(مسألة 8): إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمَّ ركع و لا يكفي أن يقوم منحنيا إلى حدّ الركوع من دون أن ينتصب (52)، و كذا لو تذكر بعد الدخول في السجود أو بعد رفع الرأس من السجدة الأولى قبل الدخول في الثانية على الأقوى (53) و إن كان الأحوط في هذه الصورة إعادة

______________________________

لعدم قصد الجزئية مع النسيان و ذلك لما مر من كفاية القصد الإجمالي الارتكازي و لا ريب في تحققه مع النسيان أيضا، مع أنّ الزيادة السهوية لا تنافي قصد الجزئية فعلا و التفاتا في ظرف السهو لأنّ الساهي لا يلتفت إلى سهوه كما هو معلوم.

(52) أما وجوب الإتيان بالركوع، فلبقاء محلّه، فيجب الإتيان به. و أما عدم كفاية القيام منحنيا، فلتحصيل القيام المتصل بالركوع و هو واجب يجب تحصيله أيضا مع تمكنه منه، فيجب أن يستوي قائما لذلك و ظاهرهم الاتفاق على صحة صلاته حينئذ و يقتضيه الأصل أيضا. هذا لو قلنا بأنّ تخلل مطلق فعل شي ء بين القيام و الركوع يضر بالقيام المتصل بالركوع كما هو الظاهر من الكلمات، و أما لو قلنا بأنّه لا يضر مثل الهويّ في المقام، فيصح أن يركع منحنيا و لا يجب عليه القيام لتحققه سابقا و مقتضى الأصل عدم المانعية، و لكنه خلاف ظواهر كلمات الإمامية.

(53) البحث في المقام تارة: بحسب الأصل و أخرى بحسب القاعدة.

و ثالثة: بحسب الأخبار الخاصة.

أما الأول: فالمسألة من صغريات الشك في مانعية السجدة المأتيّ بها، و مقتضى أصالتي الصحة و عدم المانعية عدمها كما ثبت في محلّه.

و أما الثاني: فالمنساق من أدلة الترتيب بين الأجزاء أنّ ترتب الجزء اللاحق على السابق مقوّم لجزئية الجزء، فمع عدم الإتيان بالسابق لا يكون اللاحق جزءا و يكون وجوده كالعدم لا أثر له في البطلان إلا أن يدل دليل خاص عليه، فالمقتضي لإتيان الركوع المنسيّ موجود و المانع عنه مفقود، فيجب الإتيان به.

ص: 392

.....

______________________________

و أما الأخير: ففي صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم قال عليه السلام: يستقبل» (1).

و في موثق ابن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسى أن يركع قال عليه السلام: يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه» (2).

و في خبر أبي بصير: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة»(3).

و في خبره الآخر: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي أن يركع؟

قال عليه السلام: عليه الإعادة» (4).

و ليس شي ء من هذه الأخبار دالا على بطلان الصلاة بمجرد الدخول في السجدة الأولى، بل خبر أبي بصير ظاهر في إناطة البطلان بالفراغ من السجدتين و لو فرض إطلاق في بعض الأخبار لا بد من تقييده به، و لكن المشهور بطلان الصلاة، بل قال في الجواهر: «لم أقف على من فصّل بين السجدة الواحدة و السجدتين سوى ما يظهر من صاحب المدارك و تبعه صاحب الحدائق من المناقشة في البطلان، بل قال الثاني: إنّ الحكم بالبطلان لا يوافق ما ذكروه في المقام من غير خلاف بينهم إن سها عن واجب يمكن تداركه ثمَّ تداركه صحت صلاته».

أقول: و هو إشكال في محلّه. هذا، و لكن يعارضها خبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع قال عليه السلام: فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام، و إن كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ و انصرف فليقم فليصلّ ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه» (5).

و مثله رواية الصدوق بطريق صحيح عن أحدهما عليهما السلام باختلاف يسير و مقتضاه صحة الصلاة في نسيان الركوع و لو تذكر بعد السجدتين ثمَّ أتى به، و لكن إعراض المشهور أوهنه.

ص: 393


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 3.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 4.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب الركوع حديث: 2.

الصلاة أيضا (54) بعد إتمامها، و إتيان سجدتي السهو لزيادة السجدة (55).

مسألة 9: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء

(مسألة 9): لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء (56)

______________________________

(54) لذهاب المشهور إلى البطلان كما مر، و يأتي في [مسألة 14] من (فصل الخلل) ما ينفع المقام.

(55) لما يأتي في (فصل موجبات سجود السهو) عند قوله رحمه اللّه:

«بل لكل زيادة و نقيصة» فراجع التفصيل هناك.

(56) الأقسام خمسة:

الأول: عروض النسيان قبل الوصول إلى حد الركوع و حصول التذكر بعد التجاوز عن أقصى الحد.

الثاني: عروض النسيان قبل الوصول إلى حد الركوع و حصول التذكر قبل التجاوز عن أقصى الحد و الحكم فيهما إنّما هو الانتصاب قائما ثمَّ الركوع عن قيام لعدم اتصال إحداث الهيئة الركوعية بالقيام إلا بذلك، فلو ارتفع متقوّسا بتخلل الهويّ بقصد السجود بين القيام و بين إحداث الركوع، فيوجب البطلان على ما يظهر التسالم عليه.

الثالث: عروض النسيان بعد الوصول إلى حد الركوع و التذكر بعد التجاوز إلى أقصى الحد، و لا ريب في أنّ الاحتياط الذي ذكره (قدّس سرّه) حسن و إنّما الكلام في وجوبه، لأنّ المفروض أنّه وصل إلى حد الركوع فتحقق مسماه و المنسيّ إنّما هو الطمأنينة و الذكر، فتكون مما يأتي في [مسألة 16] التي قوي فيها الصحة و إن كان بينهما فرق من جهة و هي إمكان تحصيل رفع الرأس من الركوع في المقام بخلاف المسألة الآتية لأنّ الظاهر منها التذكر بعد رفع الرأس.

الرابع: عروض النسيان بعد الوصول و التذكر قبل التجاوز عن أقصى الحد و حكمه حكم ما يأتي في القسم الخامس من غير فرق.

الخامس: عروض النسيان حين الوصول إلى الحد و حصول التذكر فيه

ص: 394

و هوى إلى السجود، فإن كان النسيان قبل الوصول إلى حد الركوع انتصب قائما ثمَّ ركع (57)، و لا يكفي الانتصاب إلى الحد الذي عرض له النسيان (58) ثمَّ الركوع، و إن كان بعد الوصول إلى حده فإن لم يخرج عن حده وجب عليه البقاء مطمئنا و الإتيان بالذكر (59).

و إن خرج عن حده (60) فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها بأحد الوجهين: من العود إلى القيام ثمَّ الهويّ للركوع، أو القيام بقصد الرفع منه ثمَّ الهويّ للسجود، و ذلك لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع فيتعيّن الأول، و يحتمل كونه من باب نسيان الذكر و الطمأنينة في الركوع بعد تحققه و عليه فيتعيّن الثاني، فالأحوط أن يتمها بأحد الوجهين ثمَّ يعيدها (61).

______________________________

أيضا، و يجب فيه البقاء مطمئنا و الإتيان بالذكر حينئذ لوجود المقتضي و فقد المانع و لا شي ء عليه.

(57) لتحصيل الركوع عن قيام مع تمكنه منه، فيجب ذلك، لوجود المقتضي و فقد المانع.

(58) لعدم تحقق الركوع عن قيام حينئذ و تقدم في القسمين الأولين مما تعرضنا له من الأقسام الخمسة.

(59) هذا هو القسم الخامس الذي تعرضنا له و يصح ركوعه، لوجود المقتضي و فقد المانع عنه.

(60) هذا هو القسم الثالث الذي تعرضنا له.

(61) و يحتمل وجه ثالث و هو الرجوع منحنيا إلى حد الركوع و إتمامه بالذكر و الطمأنينة بقصد إتمام الركوع الأول و ليس ذلك من زيادة الركوع لأنّها إن كانت قصدية، فالمفروض عدم قصدها و إن كانت انطباقية قهرية فالظاهر عدمها، لأنّ العرف يرونه متمما للركوع الأول لا شيئا مستقلا.

ص: 395

مسألة 10: ذكر بعض العلماء: أنّه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها فوق ركبتيها

(مسألة 10): ذكر بعض العلماء: أنّه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها فوق ركبتيها (62) بل قيل باستحباب ذلك، و الأحوط كونها كالرجل في المقدار الواجب من الانحناء. نعم، الأولى لها عدم الزيادة في الانحناء لئلا ترتفع عجيزتها.

مسألة 11: يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة

(مسألة 11): يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرة واحدة كما مر- و أما الصغرى إذا اختارها فالأقوى وجوب تكرارها ثلاثا (63)، بل الأحوط و الأفضل في الكبرى أيضا التكرار ثلاثا، كما أنّ

______________________________

(62) الأصل في هذا الحكم قول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة:

«المرأة إذا قامت في الصلاة جمعت بين قدميها- إلى أن قال- فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها»(1).

و لكن مقتضى العمومات و الإطلاقات و قاعدة الاشتراك عدم الفرق في مقدار الانحناء بين ركوعها و ركوع الرجل. و هذه الرواية لا تدل على الخلاف لأنّ وضع اليد فوق الركبة أعم من التقليل في الانحناء، و يشهد له التعليل أيضا حيث نهى عليه السلام عن التطأطؤ الكثير حتّى ترتفع عجيزتها و انحناء الركوع للرجل ليس من التطأطؤ الكثير كما لا يخفى، فلا وجه لما نسب إلى جمع من المتقدمين و المتأخرين من مخالفة ركوعها مع ركوع الرجل. نعم، الأولى لها عدم الزيادة في الانحناء، لئلا ترتفع عجيزتها عملا بالخبر.

(63) لخبر الحضرمي قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام أيّ شي ء حد الركوع و السجود؟ قال: تقول سبحان ربّي العظيم و بحمده ثلاثا في الركوع و سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاثا في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث

ص: 396


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 2.

الأحوط في مطلق الذكر غير التسبيحة أيضا الثلاث (64) و إن كان كلّ واحد منه بقدر الثلاث من الصغرى (65) و يجوز الزيادة على الثلاث و لو بقصد الخصوصية و الجزئية (66)، و الأولى أن يختم على وتر (67)-

______________________________

صلاته و من نقص اثنين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبح فلا صلاة له»(1).

(64) لإطلاق قوله عليه السلام في ذيل خبر ابن سالم: «و السنة ثلاث و الفضل في سبع» (2).

الشامل للتسبيح و ما هو بدل منه.

(65) تقدم ما يتعلق به في الواجب الثاني من واجبات الركوع، فراجع.

(66) أما أصل جواز الزيادة على الثلاث، فللنصوص القولية و الفعلية الدالة على رجحان إطالة الركوع و السجود و إكثار الذكر فيهما، و لأنّه من الخير المحض المطلوب على كلّ حال، و في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و من كان يقوى على أن يطوّل الركوع و السجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح اللّه و تحميده و الدعاء و التضرع، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربه و هو ساجد» (3).

و أما صحة قصد الجزئية، فلما تقدم في المباحث السابقة من صحة قصد الجزئية بالمندوبات جزئية عرفية مسامحية.

(67) لما في الخبر من: «أنّ اللّه تعالى وتر و يحب الوتر» (4).

و في خبر ابن سالم: «الفريضة من ذلك تسبيحة و السنة ثلاث و الفضل في سبع» (5).

ص: 397


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الركوع حديث: 4.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الوضوء حديث: 2.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 1.

كالثلاث، و الخمس و السبع و هكذا- و قد سمع من الصادق صلوات اللّه عليه ستون تسبيحة في ركوعه و سجوده.

مسألة 12: إذا أتى بالذكر أزيد من مرّة لا يجب تعيين الواجب منه

(مسألة 12): إذا أتى بالذكر أزيد من مرّة لا يجب تعيين الواجب منه، بل الأحوط عدمه (68)، خصوصا إذا عينه في غير الأول، لاحتمال كون الواجب هو الأول مطلقا، بل احتمال كون الواجب هو المجموع، فيكون من باب التخيير بين المرة و الثلاث و الخمس مثلا (69).

______________________________

و أما صحيح ابن تغلب قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و هو يصلّي فعددت له في الركوع و السجود ستين تسبيحة» (1).

فهو قضية في واقعة لا تنافي رجحان الوتر، مع أنّه ليس بظاهر في أنّ جميع الستين في الركوع أو السجود من الممكن أن يكون تسعة و عشرين في الركوع و واحد و ثلاثين في السجود. ثمَّ إنّ إطلاقه يشمل التسبيحة الصغرى أيضا.

(68) أما عدم الوجوب، فلأصالة البراءة عنه، مع عدم اعتبار قصد الوجه كما ثبت في محلّه، و أما كون الأحوط العدم، فللاحتمالات الآتية المانعة عن الجزم بالتعيين.

(69) الاحتمالات أربعة:

الأول: انطباق الواجب هو الأول و كون البقية مندوبة.

الثاني: كونه من الواجب التخييري بين الأقل و الأكثر.

الثالث: كونه هو المجموع من حيث المجموع عند اختياره.

الرابع: التخيير في جعله أيا منها شاء و أراد. و يصح الجميع ثبوتا و لكن المتفاهم من الأدلة بحسب المرتكزات هو الأول.

ص: 398


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الركوع حديث: 1.
مسألة 13: يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرة واحدة

(مسألة 13): يجوز في حال الضرورة و ضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرة واحدة (70) فيجزئ «سبحان اللّه» مرة.

مسألة 14: لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع

(مسألة 14): لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حد الركوع، و كذا بعد الوصول و قبل الاطمئنان و الاستقرار (71)، و لا النهوض قبل تمامه و الإتمام حال الحركة للنهوض، فلو أتى به كذلك بطل و إن كان بحرف واحد منه (72)، و يجب إعادته إن كان سهوا و لم

______________________________

(70) لأهمية درك الوقت عن الزائد على المرة، مع ظهور الإجماع عليه.

و أما صحيح ابن عمار: «قلت له: أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع و السجود قال عليه السلام: تسبيحة واحدة» (1).

و مرسل الهداية: «فإن قلت سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه أجزأك و تسبيحة واحدة تجزي للمعتل و المريض و المستعجل» (2).

فعدم القائل بهما و قصور سند الثاني- و إمكان حملهما على التسبيحة الواحدة الكبرى- أسقطهما عن صلاحية الاستدلال بهما للمقام. نعم، لو كانت الضرورة و الاستعجال أهم بالنسبة إلى ذكر الركوع، فيصلح دليلا للمقام، و الظاهر أنّه كذلك و لا وجه للأخذ بإطلاقهما و لو من كلّ جهة و لكلّ أمر.

(71) لما تقدم من اعتبار الطمأنينة و الاستقرار في حال الركوع و يشمل الدليل ذلك كلّه.

(72) لأنّه حينئذ من الزيادة العمدية في الأول و الأخير، و من فقد شرط الذكر في الوسط هذا مع العلم بالحكم و الموضوع. و أما مع الجهل بهما أو بأحدهما فإن شمله حديث «لا تعاد الصلاة» (3) يصح و لا شي ء عليه و إلا يكون كالعمد و يأتي في الخلل ما ينفع المقام.

ص: 399


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 8.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 4.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الركوع حديث: 5.

يخرج عن حد الركوع (73)، و بطلت الصلاة مع العمد (74) و إن أتى به ثانيا مع الاستقرار (75)، إلا إذا لم يكن ما أتى به حال عدم الاستقرار بقصد الجزئية، بل بقصد الذكر المطلق (76).

مسألة 15: لو لم يتمكن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت

(مسألة 15): لو لم يتمكن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت (77) لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع (78)، و إذا لم يتمكن من البقاء في حد الركوع إلى تمام الذكر يجوز له الشروع قبل الوصول أو الإتمام حال النهوض (79).

______________________________

(73) أما صحة الصلاة، فلحديث «لا تعاد الصلاة». و أما وجوب الإعادة، فلإطلاق دليل وجوبه قاعدة الاشتغال. و أما اعتبار عدم الخروج عن حد الركوع، فلأنّ محلّ الذكر إنّما هو الركوع كما تقدم و بعد الخروج عن حده لا محلّ له، فلا وجه لوجوبه.

(74) لأنّه حينئذ من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان كما يأتي في [مسألة 4] من (فصل الخلل في الصلاة) فراجع.

(75) لأنّه بعد بطلان الصلاة بالزيادة العمدية لا أثر للمأتي به ثانيا و إن أتى به صحيحا جامعا للشرائط.

(76) لأنّ الزيادة العمدية المبطلة متقوّمة بقصد الجزئية و مع عدم قصدها لا وجه للبطلان، و لا يعتبر الاستقرار و الطمأنينة في مطلق الذكر.

(77) للإجماع، و يقتضيه أنّ المنساق من دليل اعتبارها إنّما هو حال التمكن، و مقتضى قاعدة الميسور، و ظهور الإجماع عدم سقوط أصل الذكر حينئذ.

(78) لإطلاق دليل وجوبه في الركوع الشامل لصورة عدم التمكن من الطمأنينة أيضا مع التمكن من حفظ صورة الركوع.

(79) أما عدم سقوط أصل الذكر، فلما مر من قاعدة الميسور. و أما عدم

ص: 400

مسألة 16: لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلا

(مسألة 16): لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلا بأن لم يبق في حده، بل رفع رأسه بمجرد الوصول سهوا، فالأحوط إعادة الصلاة، لاحتمال توقف صدق الركوع على الطمأنينة في الجملة، لكن الأقوى الصحة (80).

مسألة 17: يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الصغرى

(مسألة 17): يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى و الصغرى و كذا بينهما و بين غيرهما من الأذكار (81).

مسألة 18: إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى

(مسألة 18): إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى (82) مثلا إذا قال: «سبحان» بقصد أن

______________________________

الفرق بين الحالتين، فلعدم الترجيح بينهما إلا أن يقال: إنّ في الثاني يقع الشروع في الذكر في حال الركوع و مراعاته أحوط من وقوع ختامه فيه، لتمكنه فعلا من الشروع في الذكر في حال الركوع، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها، فإذا تحقق الاضطرار يتبدل تكليفه إلى ما اضطر إليه.

(80) لأصالة البراءة عن الوجوب في حال السهو، و عن الشرطية للركوع، و لعدم تقوم الركوع به لغة و عرفا. و على هذا يصح التمسك بإطلاق حديث: «لا تعاد الصلاة»(1) أيضا، لأنّ احتمال دخل الطمأنينة فيه ضعيف لا يضر بالإطلاق.

نعم، لو كان من الاحتمال المعتنى به لا يصح التمسك به حينئذ، لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية و الوجه في الاحتياط ظاهر، لحسنه مطلقا.

(81) لإطلاق ما دل على أنّ «ذكر اللّه حسن على كلّ حال» (2) خصوصا في مثل الركوع و السجود المطلوب فيهما التطويل.

(82) لأنّ المطلوب إنّما هو قصد طبيعي اللفظ الدال على المعنى و هو متحقق في الإتيان بلفظ- سبحان مثلا- قصد به الكبرى أو الصغرى عدل عن

ص: 401


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الخلوة في الصلاة حديث: 2.

يقول: «سبحان اللّه» فعدل و ذكر بعده «ربّي العظيم» جاز، و كذا العكس، و كذا إذا قال: «سبحان اللّه» بقصد الصغرى ثمَّ ضم إليه «و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر»، و بالعكس.

مسألة 19: يشترط في ذكر الركوع العربية

(مسألة 19): يشترط في ذكر الركوع العربية، و الموالاة و أداء الحروف من مخارجها الطبيعية، و عدم المخالفة في الحركات الإعرابية و البنائية (83).

مسألة 20: يجوز في لفظة «ربّي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر الباء من «ربّي»

(مسألة 20): يجوز في لفظة «ربّي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر الباء من «ربّي» و عدم إشباعه (84).

مسألة 21: إذا تحرك في حال الذكر الواجب بسبب قهريّ

(مسألة 21): إذا تحرك في حال الذكر الواجب بسبب قهريّ بحيث خرج عن الاستقرار وجب إعادته بخلاف الذكر المندوب (85).

______________________________

إحداهما إلى الأخرى أم لا. نعم، لو كان متقوّما بقصد الحكاية عن لفظ مخصوص كما قيل في جزئية البسملة، فلا يجوز العدول حينئذ لعدم صيرورته جزءا لشي ء إلا بذلك، و لكن مقتضى الأصل و الإطلاق خلافه.

(83) لأنّ كلّ ذلك هو المنساق من الأدلة و استقرت عليه السيرة الفتوائية و العملية، بل سيرة المهتمين بصلاتهم من أول البعثة.

(84) المراد بالإشباع إظهار (ياء المتكلم) و المراد بعدم إشباعه حذفه و كلّ منهما يصح في العلوم الأدبية المتكفلة لنظم اللغة العربية، و الأصل و الإطلاق ينفي تعيين كلّ منهما بالخصوص.

(85) أما وجوب إعادة الذكر الواجب، فلبقاء المحلّ و إمكان تدارك ما فات هذا إذا كان صدور الذكر في حال الحركة من مجرد سبق اللسان، و أما إذا كان ذلك بالعمد و الاختيار و بقصد الجزئية تبطل من جهة الزيادة العمدية. و أما إن كان الإتيان بالذكر سهوا فيجزي فيه ما تقدم في [مسألة 14]، فيأتي بالذكر في حال الاستقرار أيضا و تصح صلاته. و أما عدم الإعادة في الذكر المندوب، فلعدم

ص: 402

مسألة 22: لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار

(مسألة 22): لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار، و كذا بحركة أصابع اليد أو الرجل بعد كون البدن مستقرّا (86).

مسألة 23: إذا وصل في الانحناء إلى أول حد الركوع فاستقر و أتى بالذكر

(مسألة 23): إذا وصل في الانحناء إلى أول حد الركوع فاستقر و أتى بالذكر أو لم يأت به ثمَّ انحنى أزيد بحيث وصل إلى آخر الحد لا بأس به، و كذا العكس و لا يعد من زيادة الركوع (87) بخلاف ما إذا وصل إلى أقصى الحد، ثمَّ نزل أزيد، ثمَّ رجع، فإنّه يوجب زيادته، فما دام في حده يعد ركوعا واحدا و إن تبدلت الدرجات منه.

مسألة 24: إذا شك في لفظ «العظيم» مثلا أنّه بالضاد أو بالظاء يجب عليه ترك الكبرى و الإتيان بالصغرى ثلاثا

(مسألة 24): إذا شك في لفظ «العظيم» مثلا أنّه بالضاد أو بالظاء يجب عليه ترك الكبرى و الإتيان بالصغرى ثلاثا أو غيرها من

______________________________

اعتبار الاستقرار فيه إن لم يأت به بقصد الجزئية، بل بقصد مطلق الذكر. نعم، لو أتى به بقصد الجزئية فالأحوط اعتباره كما تقدم.

ثمَّ إنّه يصح الإتيان بمطلق الذكر في حال الحركة- اختيارية كانت أو قهرية- للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و كذا الذكر المندوب لا بعنوان الجزئية و لا يصح في الذكر الواجب، و كذا المندوب بقصد الجزئية على الأحوط و تقدم تفصيل ذلك كلّه فراجع.

(86) لأنّ الاستقرار و الطمأنينة من الموضوعات العرفية، و يحكم العرف بصدقها مع استقرار البدن و إن تحركت أصابع اليد أو الرجل و الأدلة منزلة على المتعارف، مضافا إلى أصالة عدم المانعية و يأتي في (فصل مكروهات الصلاة) كراهة بعض الأمور و جواز بعضها الآخر الظاهرة في عدم قادحية مطلق الحركة كالعبث باليد و التمطي و نحو ذلك، فراجع.

(87) لأنّ زيادة الركوع عبارة عن إحداث ركوع آخر بعد ما أتى به أولا و المقام من التنزل في درجات ركوع واحد و لم يحصل خروج عن الركوع الأول حتّى يكون المأتيّ به ركوعا ثانيا و تقدم في المسائل السابقة ما ينفع المقام.

ص: 403

الأذكار، و لا يجوز له أن يقرأ بالوجهين (88)، و إذا شك في أنّ «العظيم» بالكسر أو بالفتح يتعيّن عليه أن يقف عليه، و لا يبعد عليه جواز قراءته وصلا بالوجهين، لإمكان أن يجعل «العظيم» مفعولا لأعني مقدرا (89).

مسألة 25: يشترط في تحقق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه

(مسألة 25): يشترط في تحقق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه (90) و الأفضل الزيادة على ذلك بحيث يساوي

______________________________

(88) لأنّ الغلط منهما يكون من الزيادة العمدية إن أتى به بقصد الجزئية، فيكون مبطلا من هذه الجهة و تقدم منه رحمة اللّه عليه أنّ الغلط ملحق بكلام الآدميّ راجع [مسألة 59] من (فصل القراءة) و أشكلنا عليه هناك و قلنا: إنّ المناط في البطلان و عدمه انطباق عنوان الزيادة العمدية عليه و عدمه و لا يصح الاقتصار على الواحد، لأنّه مخالف لقاعدة الاشتغال.

نعم، لو أتى به رجاء، فبان إصابته للواقع تصح صلاته و لا شي ء عليه، و كذا لو أتى بهما بعنوان الرجاء فلا تبطل للزيادة العمدية، لعدم قصد الجزئية و الشك في كونه من الكلام الآدمي يكفي في عدم شمول دليله له، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع أصالة البراءة و عدم المانعية.

(89) لا إشكال في صحة الفتح بتقدير (أعني) كما لا إشكال في صحة الرفع بتقدير (هو) إنّما الكلام في أنّه هل يجب أن يعلم به المكلّف الذي يأتي بالذكر كذلك أو لا؟ مقتضى الأصل هو الثاني، فالمناط في الصحة على الصحة الواقعية علم بها المكلّف أم لا، لعدم اعتبار قصد الوجه.

(90) مقتضى إطلاقات أدلة الركوع الجلوسي أنّه يعتبر فيه جميع ما يعتبر في الركوع عن قيام، فيجب أن ينحني فيه بقدر انحنائه في الركوع القيامي، فكما أنّ مقدار الانحناء يختلف في الركوع عن قيام قلة و كثرة، فقد يكون بحيث يصل الوجه إلى موضع السجود إن انحنى كثيرا و مدّ عنقه و قد يكون أقلّ منه و كلّ منهما مجز، فكذا في الركوع الجلوسي أيضا، فاللازم أن يكون بحيث لو ارتفع منحنيا

ص: 404

مسجده (91) و لا يجب فيه على الأصح الانتصاب على الركبتين (92) شبه القائم، ثمَّ الانحناء، و إن كان هو الأحوط (93).

مسألة 26: مستحبات الركوع أمور

(مسألة 26): مستحبات الركوع أمور:

أحدها: التكبير له و هو قائم منتصب (94)، و الأحوط عدم تركه (95)، كما أنّ الأحوط عدم قصد الخصوصية إذا كبّر في حال

______________________________

لكان ركوعه مثل الركوع عن قيام و الظاهر أنّ هذا هو مراد جميع الفقهاء، فلا نزاع عندهم في ذلك.

(91) كما أنّ الأفضل في الركوع عن قيام ذلك أيضا، لأنّه أعلى مرتبة الانحناء، و الظاهر أنّ المراد بالمسجد، العرفي منه فيصدق التساوي على ما يقارب المسجد عرفا و لا تعتبر الدقة فيه حتّى يقال بتعذره، فلا وجه لما عن بعض الشراح من تضعيف هذا الوجه.

(92) للأصل، و إطلاق أدلة ركوع الجالس الشامل لصورة عدم انتصاب الركبتين أيضا، و عن جمع منهم الشهيدان وجوبه، لأنّه بعد أن كان واجبا في الركوع القيامي فيجب في الجلوسي أيضا. و فيه: أنّه مجرد استحسان مخالف للأصل و اعتباره في الركوع القيامي من اللوازم التكوينية له، فلا يصلح وجها للوجوب و إن صلح للرجحان.

(93) خروجا عن خلاف مثل الشهيدين.

(94) ففي صحيح زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب اللّه أكبر ثمَّ تركع» (1)، و مثله غيره.

(95) نسب إلى المعاني و الديلمي، و ظاهر المرتضى الوجوب، لما مر من ظاهر صحيح زرارة، و لكن لا بد من حمله على الندب، لمثل خبر أبي بصير:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أدنى ما يجزي في الصلاة من التكبير قال

ص: 405


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 1.

الهويّ، أو مع عدم الاستقرار (96).

الثاني: رفع اليدين حال التكبير، على نحو ما مر في تكبيرة الإحرام (97).

الثالث: وضع الكفين على الركبتين، مفرجات الأصابع ممكّنا لهما من عينيهما، واضعا اليمنى على اليمنى و اليسرى على اليسرى (98).

______________________________

عليه السلام: تكبيرة واحدة» (1).

و خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما ترفع اليدان بالتكبير، لأنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرّع، فأحبّ اللّه عزّ و جلّ أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا، و لأنّ في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال- إلى أن قال: و كلّ سنة فإنّما تؤدّى على جهة الفرض- الحديث-» (2).

(96) لأنّ مراعاة الاحتياط في إتيانها حال القيام و الانتصاب فلو أتى بها في حال الهويّ و عدم الاستقرار لا يقصد الخصوصية، و لكن ظاهر الإطلاقات الدالة على استحباب التكبير صحة الإتيان به مطلقا. و عن الشيخ رحمه اللّه يجوز أن يهوي إلى التكبير و تبعه غيره، و لكنه لا بد و أن يقيد بما مر من صحيح زرارة. إلا أن يقال: إنّ القيود في المندوبات من باب تعدد المطلوب كما شاع ذلك بينهم فيستحب الإتيان به و أنّ الأفضل الانتصاب و الاستقرار.

(97) راجع [مسألة 14] من (فصل تكبيرة الإحرام) فإنّ الإطلاقات تشمل جميع التكبيرات.

(98) لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «ثمَّ اركع و قل اللهم لك ركعت و لك أسلمت و عليك توكلت و أنت ربّي، خشع لك قلبي و سمعي

ص: 406


1- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.

الرابع: رد الركبتين إلى الخلف.

الخامس: تسوية الظهر بحيث لو صب عليه قطرة من الماء استقر في مكانه لم يزل.

السادس: مدّ العنق موازيا للظهر.

السابع: أن يكون نظره بين قدميه (99).

______________________________

و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر، سبحان ربّي العظيم و بحمده ثلاث مرات في ترسل، و تصفّ في ركوعك بين قدميك و تجعل بينهما قدر شبر، و تمكن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، و أقم صلبك، و مدّ عنقك، و ليكن نظرك بين قدميك، ثمَّ قل: سمع اللّه لمن حمده و أنت منتصب قائم الحمد للّه ربّ العالمين أهل الجبروت، و الكبرياء و العظمة للّه ربّ العالمين، تجهر بها صوتك ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخر ساجدا» (1).

و في صحيح حماد الحاكي لصلاة الصادق عليه السلام: «ثمَّ قال: اللّه أكبر و هو قائم ثمَّ ركع و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات و رد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتّى لو صبت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره و تردد ركبتيه إلى خلفه و نصب عنقه و غمض عينيه ثمَّ سبح ثلاثا بترتيل- الحديث-» (2).

و يظهر منها حكم الرابع و الخامس و السادس.

(99) لما تقدم في صحيح زرارة، و مر في صحيح حماد أنّه «غمض عينيه»، و يمكن الحمل على التخيير، أو استحباب التغميض، و لكن لو فتحهما استحب له النظر إلى ما بين قدميه، و عن النهاية: «استحباب التغميض فإن لم

ص: 407


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

الثامن: التجنيح بالمرفقين (100).

التاسع: وضع اليد اليمنى على الركبة قبل اليسرى (101).

العاشر: أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين (102).

الحادي عشر: تكرار التسبيح ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا، بل أزيد (103).

الثاني عشر: أن يختم الذكر على وتر.

الثالث عشر: أن يقول قبل قوله (104): «سبحان ربّي العظيم

______________________________

يفعل نظر إلى ما بين رجليه». و أما قول الصادق عليه السلام: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يغمّض الرجل عينيه في الصلاة» (1).

فيمكن حمله على غير حال الركوع، لقاعدة الإطلاق و التقييد.

(100) للإجماع، و النص، فعن ابن بزيع قال: «رأيت أبا الحسن عليه السلام يركع ركوعا أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع، و كان إذا ركع جنح بيديه» (2).

و في صحيح حماد الحاكي لصلاة الصادق عليه السلام: «أنّه عليه السلام لم يضع من يديه على شي ء منه في ركوع و لا سجود و كان متجنحا» (3).

(101) لما تقدم في صحيح زرارة.

(102) لما مر في المسألة العاشرة، فراجع.

(103) لما سبق في [مسألة 11]، و كذا وجه استحباب الختم على وتر، فراجع.

(104) لما تقدم في صحيح زرارة فانظر إليه.

ص: 408


1- الوسائل باب: 6 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

و بحمده»:

«اللّهمّ لك ركعت، و لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكّلت، و أنت ربّي، خشع لك سمعي، و بصري، و شعري، و بشري، و لحمي، و دمي، و مخّي، و عصبي، و عظامي، و ما أقلّت قدماي، غير مستنكف، و لا مستكبر، و لا مستحسر».

الرابع عشر: أن يقول بعد الانتصاب (105): «سمع اللّه لمن حمده»، بل يستحب أن يضم إليه قوله:

«الحمد للّه ربّ العالمين، أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة، الحمد للّه ربّ العالمين». إماما كان أو مأموما أو منفردا (106).

الخامس عشر: رفع اليدين للانتصاب منه (107)، و هذا غير رفع

______________________________

(105) لما مر في صحيح زرارة، و يستحب الجهر كما ذكر في الصحيح.

(106) للإطلاق الشامل للجميع.

(107) لصحيح ابن عمار قال: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يرفع يديه إذا ركع، و إذا رفع رأسه من الركوع، و إذا سجد، و إذا رفع رأسه من السجود، و إذا أراد أن يسجد الثانية» (1).

و في صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع و السجود و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود قال:

هي العبودية» (2).

و عن جميع من الفقهاء الفتوى باستحباب ذلك، و لكن نسب إلى المشهور عدم الاستحباب، و لعلّه لخلوّ ما تقدم من صحيحي زرارة و حماد عن ذلك و فيه:

أنّ الصحيحين ظاهران، بل نص في الرجحان و احتمال سقوطهما بالإعراض لا

ص: 409


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 3.

اليدين حال التكبير للسجود (108).

السادس عشر: أن يصلّي على النبيّ و آله (109) بعد الذكر أو قبله.

______________________________

وجه له خصوصا في المندوبات المبتنية على المسامحة و خصوصا بعد قوله عليه السلام: «هي العبودية»، و هل يستحب التكبير في حال هذا الرفع كما عن بعض؟ من عموم ما دل على أنّه: «إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير» (1).

و ظهور خبر الأصبغ عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: «لما نزلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربّي؟ قال: يا محمد إنّها ليست نحيرة و لكنّها رفع الأيدي في الصلاة» (2).

فيستحب من حصر التكبيرة في الثنائية بإحدى و عشرين، و في المغرب بستة عشر، و في الفجر بأحد عشر و قصور سندهما فلا يستحب. و لكن القصور لا يصلح للمنع لتسامحهم في المندوبات بما لا يتسامحون في غيرها و الحصر يمكن أن يحمل على المؤكد لا أصل المشروعية، مع أنّ في استفادة أصل الحصر من العدد بحث، لما ثبت في محلّه عدم المفهوم له.

(108) للإجماع، و لما مرّ من أنّ زينة الصلاة رفع اليدين عند كلّ تكبيرة.

(109) لصحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصلاة المكتوبة إما راكعا و إما ساجدا، فيصلّي عليه و هو على تلك الحال؟ فقال عليه السلام: نعم، إنّ الصلاة على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله كهيئة التكبير و التسبيح و هي عشر حسنات يبتدرها ثمانية

ص: 410


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 7.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 13.
مسألة 27: يكره في الركوع أمور

(مسألة 27): يكره في الركوع أمور:

أحدها: أن يطأطئ رأسه (110) بحيث لا يساوي ظهره أو يرفعه إلى فوق كذلك (111).

______________________________

عشر ملكا أيّهم يبلغها إياه» (1).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «من قال في ركوعه و سجوده و قيامه صلّى اللّه عليه محمد و آل محمد كتب اللّه له بمثل الركوع و السجود و القيام» (2).

و نحوهما غيرهما.

(110) لخبر معاني الأخبار: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يذبح الرجل في الصلاة كما يذبح الحمار» (3).

قال الصدوق رحمه اللّه: و معناه أن يطأطئ الرجل رأسه في الركوع حتّى يكون أخفض من ظهره، و عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ عليا كان يعتدل في الركوع- إلى أن قال-: و كان يكره أن يحدر رأسه و منكبيه في الركوع و لكن يعتدل»(4).

و عن عليّ بن عقبة قال: «رآني أبو الحسن بالمدينة و أنا أصلّي و أنكس برأسي و أتمدد في ركوعي فأرسل إليّ لا تفعل» (5).

(111) لخبر المعاني قال: «و كان إذا ركع لم يضرب رأسه و لم يقنعه» (6).

قال رحمه اللّه: و معناه أنّه لم يكن يرفعه حتّى يكون أعلى من جسده و لكن بين ذلك، و الإقناع رفع الرأس و إشخاصه، قال اللّه تعالى مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ (7)، و يشهد له ما تقدم من استحباب مدّ العنق و التسوية.

ص: 411


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الركوع حديث: 3.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 3.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الركوع حديث: 3.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب الركوع حديث: 1.
6- الوسائل باب: 18 من أبواب الركوع حديث: 4.
7- سورة إبراهيم: 5.

الثاني: أن يضم يديه إلى جنبيه (112).

الثالث: أن يضع إحدى الكفين على الأخرى، و يدخلهما بين ركبتيه (113)، بل الأحوط اجتنابه (114).

الرابع: قراءة القرآن فيه (115).

الخامس: أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقا لجسده (116).

______________________________

(112) على المشهور، و يشهد له ما تقدم من استحباب التجنح و لم أظفر على خبر يدل عليه بالخصوص. نعم، لو كان ترك كلّ مندوب مكروها يكون ما تقدم دليلا عليها.

(113) نسب إلى أبي الصلاح و الشهيد و غيرهما القول بالكراهة و لم نظفر على دليلها. نعم، لو كان ترك المندوب مكروها يكون دليل وضع اليدين على الركبتين دليلا على كراهة ذلك، و لكنه مشكل، بل ممنوع.

(114) خروجا عن خلاف ابن الجنيد و الفاضلين حيث نسب إليهم الحرمة و لم نجد دليلا على الكراهة فضلا عن الحرمة.

(115) لقول عليّ عليه السلام: «لا قراءة في ركوع و لا سجود إنّما فيهما المدحة للّه عزّ و جلّ ثمَّ المسألة، فابتدءوا قبل المسألة بالمدحة للّه عزّ و جلّ ثمَّ اسألوه بعده» (1).

و عنه عليه السلام: «سبعة لا يقرأون القرآن: الراكع و الساجد و في الكنيف و في الحمام و الجنب و النفساء و الحائض» (2).

و نحوهما غيرهما المحمول على الكراهة إجماعا و المراد بها في المقام الكراهة في العبادة كما في غير المقام.

(116) للإجماع، و لخبر عمار عن الصادق عليه السلام: «سألته عن

ص: 412


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 4.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
مسألة 28: لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحباته

(مسألة 28): لا فرق بين الفريضة و النافلة في واجبات الركوع و مستحباته و مكروهاته و كون نقصانه موجبا للبطلان (117). نعم، الأقوى عدم بطلان النافلة بزيادته سهوا (118).

______________________________

الرجل يصلّي، فيدخل يده في ثوبه قال عليه السلام: إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل، فلا بأس و إن لم يكن فلا يجوز له ذلك، فإن أدخل يدا واحدة و لم يدخل الأخرى فلا بأس» (1).

المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا، فعن ابن فضال عن رجل قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ الناس يقولون: إنّ الرجل إذا صلّى و أزراره محلولة و يده داخلة في القميص إنّما يصلّي عريانا، قال عليه السلام: لا بأس» (2).

و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يصلّي و لا يخرج يديه من ثوبه قال: إن أخرج يديه فحسن، و إن لم يخرج فلا بأس» (3).

(117) كلّ ذلك لإطلاق الأدلة، و إجماع فقهاء الملة، و قاعدة الإلحاق.

(118) هذه المسألة مكررة في الكتاب في مواضع ثلاثة: أحدها هنا و الثاني في السابع من (فصل الشكوك التي لا اعتبار بها) و الثالث في (فصل جميع الصلوات المندوبة).

و عمدة الدليل كثرة مسامحة الشارع في التسهيل و التيسير في الصلوات المندوبة بحيث يطمأنّ منها عدم قادحية الزيادة السهوية مطلقا فيها و هو مقتضى الأصل أيضا، و ليس في البين إلا قاعدة الإلحاق، و عمدة دليلها الإجماع و ثبوته في المقام مشكل، بل ممنوع، و يدل عليه أيضا خبر الصيقل عن الصادق عليه السلام قال: «قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر ثمَّ يقوم فينسى

ص: 413


1- الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

.....

______________________________

التشهد حتّى يركع و يذكر و هو راكع. قال عليه السلام: يجلس من ركوعه يتشهد ثمَّ يقوم فيتم، قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال:

ليست النافلة مثل الفريضة» (1).

و توهم لزوم حمله على كون الثالثة مقصودا بها صلاة أخرى خلاف ظاهر إطلاق صدره و خلاف إطلاق ذيله أيضا «ليست النافلة مثل الفريضة»، مع أنّه على هذا فحق السؤال أن يقال: فنسي التشهد حتّى يدخل في صلاة أخرى و يركع، و كذا خبر الحلبي قال: «سألته عن الرجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتّى قام فركع في الثالثة، فقال عليه السلام: يدع ركعة و يجلس و يتشهد و يسلّم ثمَّ يستأنف الصلاة بعد» (2).

و أشكل عليه أيضا: بظهوره في أنّ الثالثة كانت مقصودة. و فيه: أنّه من مجرد الاحتمال الذي لا ينافي ظهور الإطلاق خصوصا بملاحظة ما سبق من أنّ النافلة ليست كالفريضة و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:

«سألته عن السهو في النافلة فقال عليه السلام: ليس عليك شي ء» (3).

فإنّ إطلاقه يشمل الزيادة و النقيصة مطلقا إلا ما دل الدليل على الخلاف.

و توهم ظهوره في الشك مما لا دليل عليه و إن استعمل في الشك أيضا و يأتي ما ينفع المقام في (فصل الشكوك التي لا اعتبار بها) عند قوله: «و نقصان الركن مبطل كالفريضة بخلاف زيادته فإنّها لا توجب البطلان على الأقوى» و لنشر إلى بعض ما قلناه في الركوع:

و اركع ركوع خائف مسكين لدى مليك راحم معين

و طوّل الرّكوع في الصّلاة فإنّها من سبيل النّجاة

ص: 414


1- الوسائل باب: 8 من أبواب التشهد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل حديث: 1.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الخلل حديث: 1.

.....______________________________

و أخلص لمن قد فرض العبادة قد رفع اللّه بها عباده

استكانة العبّاد في ركوعهم تنزّل الرّحمة في ربوعهم

إنّ الرّكوع و السّجود و الثّنا أعظم طاعة لخالق السّما

و اخضع بها للقاهر العظيم مكوّن الأكوان بالتّنظيم

إنّ الرّكوع و السّجود حقّه بذاته لذاك يستحقّه

ص: 415

فصل في السجود

اشارة

(فصل في السجود) و حقيقته وضع الجبهة (1) على الأرض بقصد التعظيم و هو أقسام: (فصل في السجود)

______________________________

(1) السجود: من المفاهيم المبينة العرفية عند كلّ مذهب و ملة و هو:

الانكباب على الأرض في الجملة بقصد التعظيم و الظاهر أنّ ترتب التعظيم و التخضع انطباقي قهري و ليس مقوّما بالقصد، فيكفي قصد نفس السجود و إن لم يقصد التعظيم، فيترتب عليه التعظيم قهرا. نعم، لا إشكال في أنّ قصد الخلاف مانع عن تحققه، و الظاهر عدم اعتبار الوضع على الأرض أو ما أنبتته في مفهومه العرفي، بل قد يشكل في اعتبار خصوص وضع الجبهة فيه أيضا، فيكفي وضع الخد أيضا، لصدق المعنى اللغوي بالنسبة إليه، لأنّ السجود في اللغة الميل و الخضوع، و التطامن، و التذلل و كلّ شي ء ذل فقد سجد، و منه سجد البعير إذا خفض رأسه عند الركوب عليه، فيكون وضع الجبهة إذا سجد من إحدى مصاديق ذلك.

و تظهر الثمرة فيما لم يرد فيه تحديد شرعي كسجدة التلاوة- مثلا- فمقتضى الأصل حينئذ عدم اعتبار كلّ قيد مشكوك في الشبهة الوجوبية المفهومية و اعتبار كلّ قيد مشكوك في الشبهة المفهومية التحريمية، و كذا في الشبهة المصداقية فيهما مع إجمال المفهوم، و أما مع كونه مبينا في الشبهة الوجوبية، فالمرجع هو الاحتياط هذا.

و لكن قد استشكل على الرجوع إلى البراءة في الشبهة المفهومية بأنّه موجب للمخالفة القطعية فيما إذا كانا مورد الابتلاء، كما إذا أراد أن يسجد للتلاوة، و لإحدى المشاهد المقدسة- بناء على حرمة الثانية- فوضع خده على الأرض

ص: 416

السجود للصلاة (2)، و منه قضاء السجدة المنسية، و للسهو (3)، و للتلاوة، و للشكر (4)، و للتذلل و التعظيم (5). أما سجود الصلاة، فيجب في كلّ ركعة من الفريضة و النافلة سجدتان (6) و هما معا من الأركان (7)، فتبطل بالإخلال بهما معا، و كذا بزيادتهما معا في الفريضة

______________________________

للتلاوة و على عتبة بعض المشاهد للتعظيم، فيعلم إجمالا بأنّه إن كان وضع الخد مجزيا في السجود فقد فعل حراما في الثاني و إن لم يجز فقد خالف التكليف في الأول و كذا في باقي القيود المشكوكة.

إلا أن يقال: إنّه ليس بناء المتعارف في العلم الإجمالي المنجز لديهم ملاحظة مثل هاتين الواقعتين معا، بل يلحظ كلّ منهما مستقلا مع قطع النظر عن الآخر، و لكن يمكن أن يقال: إنّ المنساق العرفي من سجود الإنسان خصوصا في الصلاة إنّما هو وضع الجبهة فقط، فلا يحتمل من هذا الاستعمال الخاص غيره إلا بقرينة.

(2) بالضرورة الدينية.

(3) يأتي التعرض لها في مباحث الخلل إن شاء اللّه تعالى.

(4) يأتي في (فصل سائر أقسام السجود).

(5) يدل على رجحان السجود للتذلل و العظمة للّه تعالى الأدلة الأربعة و لكنه حرام بالنسبة إلى غيره تعالى، كما يأتي في [مسألة 14] من (فصل سائر أقسام السجود).

(6) بضرورة الدّين، و المتواتر من نصوص المعصومين عليهم السلام كما سيجي ء.

(7) للإجماع المتسالم عليه بينهم، و لكن أشكل عليه بأنّه إن كان الركن المجموع يلزم البطلان بنقيصة السجدة الواحدة، لأنّ المجموع ينتفي بانتفاء بعض أجزائه، و إن كان ذات طبيعة السجدة من حيث هي يلزم البطلان بزيادة سجدة واحدة كذلك و المشهور لا يقولون به في كلّ واحد منهما.

ص: 417

عمدا كان، أو سهوا أو جهلا (8). كما أنّها تبطل بالإخلال بإحداهما عمدا، و كذا بزيادتها (9). و لا تبطل على الأقوى بنقصان واحدة، و لا بزيادتها سهوا (10).

و واجباته أمور
اشارة

و واجباته أمور:

أحدها: وضع المساجد السبعة على الأرض

أحدها: وضع المساجد السبعة على الأرض (11) و هي:

______________________________

و أجيب عن الإشكال بوجوه ظاهرها الخدشة و لعلّ أحسنها أنّ الركن متقوّم بالاثنينية لا أن يكون ذات السجدة و لا أن يكون المجموع، بل هو ذات السجدتين بقيد الاثنينية، فزيادة السجدة الواحدة سهوا أو نقيصتها كذلك ليست من سنخ الركن، لأنّه كان مقيدا بالاثنينية.

و فيه: أنّه يصح بالنسبة إلى زيادة سجدة واحدة و لا يتم بالنسبة إلى نقيصتها كما لا يخفى.

و منها غير ذلك مما ذكر في المطوّلات و حيث لا ثمرة عملية لهذا البحث، بل و لا علمية، للاتفاق على البطلان بنقيصتهما معا أو زيادتهما كذلك، و الاتفاق على عدمه بزيادة واحدة أو نقيصتها سهوا، فيكون التطويل بلا طائل.

(8) لقاعدة: ألّا أن الركن ما كانت زيادته مطلقا و نقيصته كذلك موجبة للبطلان» و عمدة مدرك هذه القاعدة ظهور التسالم عليها. هذا في الفريضة و أما النافلة، فلا تبطل بزيادة الركن سهوا كما يأتي في [مسألة 7] من (فصل جميع الصلوات المندوبة).

(9) أما الأول، فلقاعدة: إنّ الواجب ما كان تركه العمدي موجبا للبطلان إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود في المقام. و أما الثاني، فللإجماع عليه و يأتي التفصيل في مباحث الخلل.

(10) يأتي تفصيل ذلك كلّه في (فصل الخلل في الصلاة) راجع [مسألة

ص: 418

الجبهة، و الكفان، و الركبتان، و الإبهامان من الرجلين، و الركنية تدور مدار وضع الجبهة (12)، فتحصل الزيادة و النقيصة به دون سائر المساجد، فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصيل الزيادة، كما أنّه لو وضع سائرها و لم يضعها يصدق تركه.

الثاني: الذكر

الثاني: الذكر و الأقوى كفاية مطلقه (13). و إن كان الأحوط اختيار

______________________________

(11) منها: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما، أما الفرض فهذه السبعة و أما الإرغام بالأنف فسنة من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (1).

ثمَّ إنّ المشهور التعبير بالكف، و قد وقع هذا التعبير في صحيح حماد (2) أيضا، و عن جمع من الفقهاء تبعا لجملة من النصوص التعبير باليد، و مقتضى الصناعة حمل المطلق على المقيد، فيكون المراد من اليد في النص و الفتوى الكف و هو المعهود عرفا في السجود المتعارف بين الناس، فتحمل الأدلة على ما هو المعهود المتعارف و يأتي التفصيل في [مسألة 3 و 4].

(12) لتقوّم السجود به عرفا، و الأدلة الشرعية منزلة عليه أيضا إلا إذا كان دليل على الخلاف و لا دليل كذلك، و ما دل على أنّ السجود على سبعة أعظم- كما تقدم- لا يدل على أزيد من أصل الوجوب و هو أعم من الركنية كما هو معلوم، بل المنساق منه أنّ الستة الباقية واجبات خاصة اعتبرها الشارع في تحديد السجدة كما هو شأنه عند بيان الموضوعات.

(13) الكلام فيه عين الكلام و في ذكر الركوع دليلا، و قائلا، و كمية و كيفية.

ص: 419


1- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 2.

التسبيح على نحو ما مر في الركوع، إلا أنّ في التسبيحة الكبرى يبدل العظيم بالأعلى (14).

الثالث: الطمأنينة

الثالث: الطمأنينة (15) فيه بمقدار الذكر الواجب، بل المستحب

______________________________

(14) للإجماع، و النصوص:

منها: خبر هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى عليه السلام- في حديث-: «قلت له: لأيّ علة يقال في الركوع: سبحان ربّي العظيم و بحمده؟

و يقال في السجود: سبحان ربّي الأعلى و بحمده؟ فقال: يا هشام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما أسري به و صلّى و ذكر ما رأى من عظمة اللّه ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه و أخذ يقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده، فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خرّ على وجهه و هو يقول:

سبحان ربّي الأعلى و بحمده فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة» (1).

(15) إجماعا من الإمامية، بل من المسلمين، و لأصالة اعتبار الطمأنينة في أفعال الصلاة إلا ما خرج بالدليل، و مدرك هذا الأصل ظهور الاتفاق و إن كان مخالفا لأصالة البراءة، و لكنه مقدم عليها. و أما صحيح ابن يقطين: «عن الركوع و السجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال عليه السلام: ثلاث و تجزؤك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (2).

و صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يسجد على الحصى، فلا يمكن جبهته من الأرض قال عليه السلام: يحرك جبهته حتّى يتمكن، فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه» (3).

و صحيح الهذلي عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: «فإذا سجدت

ص: 420


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الركوع حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 3.

أيضا (16) إذا أتى بقصد الخصوصية، فلو شرع في الذكر قبل الوضع (17) أو الاستقرار عمدا بطل أو أبطل. و إن كان سهوا وجب التدارك إن تذكر قبل رفع الرأس، و كذا لو أتى به حال الرفع أو بعده و لو كان بحرف واحد منه فإنّه مبطل إن كان عمدا و لا يمكن التدارك إن كان سهوا إلا إذا ترك الاستقرار و تذكر قبل رفع الرأس.

الرابع: رفع الرأس منه

الرابع: رفع الرأس منه (18).

______________________________

فمكن جبهتك من الأرض، و لا تنقره كنقرة الديك» (1) فلا يدل على الطمأنينة المفسرة بسكون جميع الأعضاء غايتها الدلالة على اعتماد الجبهة في السجود.

ثمَّ إنّ جميع ما تقدم في الطمأنينة المعتبرة في الركوع يجري هنا من غير فرق من حيث الدليل و الأقسام و النقض و الإبرام، فلا وجه للإعادة.

(16) على الأحوط إذا أتى به بقصد الخصوصية كما تقدم منه رحمه اللّه في الركوع و يبقى عليه سؤال الفرق بين المسألتين مع اتحاد الدليل و عدم الفارق في البين.

(17) تقدم ما يصلح أن يكون مدركا لجميع الفروع المذكورة هنا في [مسألة 14] من (فصل الركوع) فراجع إذ الدليل واحد و انطباق الفروع عليه قهريّ سواء كانت في الركوع أو في السجود، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

(18) لا ريب في وجوبه مقدمة لإتيان السجدة الثانية. و أما وجوبه النفسي فلا دليل عليه من عقل و لا نقل، بل يشكل وجوبه الشرعي بناء على عدم الوجوب الشرعي لمقدمة الواجب، فهو من المقدمات التكوينية للسجدة الثانية.

ص: 421


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث 18.
الخامس: الجلوس بعده مطمئنا

الخامس: الجلوس بعده (19) مطمئنا (20) ثمَّ الانحناء للسجدة الثانية.

السادس: كون المساجد السبعة في محالّها إلى تمام الذكر

السادس: كون المساجد السبعة في محالّها إلى تمام الذكر (21)، فلو رفع بعضها بطل (22) و أبطل إن كان عمدا و يجب تداركه إن كان سهوا (23). نعم، لا مانع من رفع ما عدا الجبهة في غير حال الذكر ثمَّ وضعه عمدا كان أو سهوا من غير فرق بين كونه لغرض حك الجسد

______________________________

(19) للنص و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي بصير:

«و إذا رفعت رأسك من الركوع، فأقم صلبك حتّى ترجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك، و إذا كان في الركعة الأولى و الثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتّى ترجع مفاصلك» (1).

(20) للإجماع الذي حكاه جمع، و لما مر من أصالة اعتبار الطمأنينة في جميع أفعال الصلاة إلا ما خرج بالدليل، و مدرك هذا الأصل الإجماعات و الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة (2)، بل و بناء العقلاء في أفعالهم لدى العظماء- فكيف بعظيم العظماء و ملك الملوك- الذين نسبتهم إليه تعالى نسبة التراب إلى ربّ الأرباب.

(21) لأنّ المنساق من قولهم عليهم السلام: «السجود على سبعة أعظم» (3) إتيان هذا العمل الخاص كذلك حدوثا و بقاء، مع ظهور الإجماع عليه.

(22) أي الذكر، لأنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه. و أما إبطاله للصلاة، فللزيادة العمدية، لأنّ المفروض أنّه أتى بالذكر بعنوان الجزئية.

(23) لإطلاق دليل وجوبه، و إمكان تداركه لبقاء محلّه هذا إذا التفت قبل رفع الرأس و إلا فلا موضوع للتدارك، بل يوجب البطلان من حيث الزيادة.

ص: 422


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الركوع حديث: 8.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

و نحوه أو بدونه (24).

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف

السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف (25) بمعنى عدم علوّه أو

______________________________

(24) كلّ ذلك لأصالة عدم المانعية، و سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى، و في خبر ابن جعفر: «عن الرجل يكون راكعا أو ساجدا فيحكه بعض جسده هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحك ما حكه؟ قال عليه السلام: لا بأس إذا شق عليه أن يحكه و الصبر إلى أن يفرغ أفضل» (1).

و الظاهر أنّ الحك من باب المثال لكلّ ما فيه غرض و لنعم ما قال السيد الطباطبائي.

و ترك هذا كلّه من الأدب و ليس مفروضا و لكن يستحب

(25) للنص و الإجماع، ففي خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن السجود على الأرض المرتفعة قال عليه السلام: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (2).

و أشكل عليه تارة: بقصور السند، لأجل النهدي. و فيه: أنّه الهيثم بن مسروق بقرينة رواية ابن محبوب عنه، مضافا إلى اعتماد الأعاظم عليه.

و أخرى: بقصور الدلالة إذ الموجود في بعض النسخ «موضع يديك».

و فيه أولا: أنّ الفقهاء على اختلاف طبقاتهم اعتمدوا عليه مبنيا منهم على قراءة البدن بالموحدة، فيكون وضع اليدين غلطا من الناسخ.

و ثانيا: أنّ محلّ وضع اليدين قريب من محلّ وضع الجبهة، فيكون ذكر محلّ وضع الجبهة مغنيا عن ذكر محلهما.

ص: 423


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الركوع حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 1.

انخفاضه أزيد من مقدار لبنة (26) موضوعة على أكبر سطوحها (27) أو أربع أصابع (28) مضمومات و لا بأس بالمقدار المذكور (29)، و لا فرق

______________________________

و ثالثا: البدن كلّ بالنسبة إلى اليدين. فلا وجه لترك الكلّ و التعرض للبعض.

و رابعا: أنّه مما لم يقل به أحد من الأصحاب، فإنّهم بين من اعتبر ذلك بين مسجد الجبهة و الموقف و بين من اعتبره بالنسبة إلى بقية المساجد.

و خامسا: أنّ هذا الراوي روى عنه عليه السلام أيضا عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال: «لا و ليكن مستويا» (1)، و في الكافي: «و في حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة قال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» (2).

فلا وجه لهذا الإشكال أصلا. و أما الإشكال بأنّ مفهوم الحديث ثبوت البأس و هم أعم من المانعية، فممنوع بظهور الإجماع، و قوله عليه السلام في خبره الآخر: «لا» الظاهر في المانعية، و حمل قوله عليه السلام: «و لكن مستويا» على الندب لا يضر بظهور كلمة «لا» في المانعية، لكونهما كجملتين مستقلتين.

(26) قد ذكر لفظة «لبنة» في خبرين كما تقدم.

(27) لأنّه المنساق من التقدير باللبنة- في أمثال المقام- من تقدير الارتفاع و الانخفاض.

(28) ليس هذا التقدير موجودا في الأخبار و إنّما هو تقدير من أصحابنا الأخيار، و يشهد له اللبن المتعارف الموجودة في الأبنية القديمة و قد شاع في هذه الأعصار أيضا صنع نصف آجر بهذه الغلظة.

(29) إجماعا و نصّا كما تقدم في خبر ابن سنان.

ص: 424


1- الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 3.

في ذلك بين الانحدار و التسنيم (30). نعم، الانحدار اليسير لا اعتبار به، فلا يضر معه الزيادة على المقدار المذكور (31) و الأقوى عدم اعتبار ذلك (32) في باقي المساجد لا بعضها مع بعض، و لا بالنسبة إلى

______________________________

(30) للإطلاق الشامل لهما.

(31) لصدق عدم علو موضع الجبهة عن الموقف أزيد من اللبنة عرفا بعد التسامح العرفي كما في سائر التحديدات غير المبنية على الدقة العقلية.

(32) للأصل بعد عدم دليل عليه، و عدم استفادة ذلك مما تقدم من خبر ابن سنان، لأنّه في مقام بيان تحديد مقدار الانحناء السجودي بحسب أول مرتبته و هو يختص بموضع الجبهة دون سائر المساجد، مع أنّه عليه السلام لا حظ موضع الجبهة مع موضع البدن، و لم يلاحظ موضع سائر المساجد بعضها مع بعض، و لذا ذهب المشهور إلى عدم الاعتبار في غير مسجد الجبهة و الموقف.

ثمَّ إنّ المذكور في خبر ابن سنان «موضع البدن» (1)، و في خبره الآخر لفظ «المقام» (2)، و في المرسل لفظ «الرجلين» (3) و الظاهر رجوع الأخيرين إلى الأول كما أنّ تعبير الفقهاء بالموقف يرجع إليه أيضا و إلا فلا دليل لهم عليه.

و في موضع البدن احتمالات:

الأول: موضعه حال القيام في الصلاة.

الثاني: موضعه حال الجلوس الصلاتي.

الثالث: موضعه حال السجدة. و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع تعين الأخير، لأنّ موقف القيام الصلاتي و جلوسها لا ربط له بالسجود، بل أجنبي عنه و إلا لأشير إلى اعتبار مساواتها مع موضع الجبهة في واجبات القيام و الجلوس أيضا و لم يتعرض له أحد و لم يشر إليه في حديث، فموضع البدن حال السجود هو الركبتان، لكون ثقله عليهما و على الجبهة كما هو واضح، و مع عدم الاستظهار

ص: 425


1- الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 1.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب السجود حديث: 3.

الجبهة، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسماه.

الثامن: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه

الثامن: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض و ما نبت منها غير المأكول و الملبوس على ما مر في بحث المكان (33).

التاسع: طهارة محلّ

التاسع: طهارة محلّ وضع الجبهة (34).

______________________________

من الحديث و احتمال كون تمام المساجد موضع البدن، فالمسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر و اعتبار مساواة موضع الجبهة مع الركبتين معلوم و الباقي مشكوك و المرجع حينئذ البراءة كما ثبت في محلّه.

(33) راجع فصل مسجد الجبهة من بحث المكان.

(34) للإجماع عليه، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة، و يظهر من صحيح ابن محبوب عن الرضا عليه السلام أنّ عدم جواز السجود على النجس كان مفروغا عنه قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى يجصص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب عليه السلام: إنّ الماء و النار قد طهراه» (1).

فإنّ ظهور السؤال و الجواب في عدم جواز السجود على النجس مما لا ينكر، و كذا صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح، أو في المكان الذي يصلّى فيه، فقال عليه السلام: إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (2).

و ما يظهر منه جواز الصلاة على النجس- كصحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن البيت و الدار لا يصيبهما الشمس، و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة، أ يصلّى فيهما إذا جفا؟ قال عليه السلام: نعم» (3).

ص: 426


1- الوسائل باب: 81 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 1.
العاشر: المحافظة على العربية

العاشر: المحافظة على العربية و الترتيب و الموالاة في الذكر (35).

مسألة 1: الجبهة: ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولا

(مسألة 1): الجبهة: ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولا، و ما بين الجبينين عرضا (36) و لا يجب فيها الاستيعاب، بل يكفي صدق السجود على مسماها (37) و يتحقق

______________________________

أعم من نجاسة موضع السجود كما هو واضح، مع أنّه معارض بغيره- كما تقدم- فلا وجه للاستدلال به على الجواز و قد تقدم في (الثامن من شروط المكان) ما ينفع المقام فراجع.

(35) لعين ما تقدم في [مسألة 19] من الفصل السابق إذ الدليل واحد و إن اختلف الموضوع، فراجع.

(36) الجبهة: العضو المسطح الواقع بين الجبينين عرضا و طرف الأنف الأعلى و قصاص الشعر طولا و الظاهر تطابق العرف و اللغة و كلمات الفقهاء عليه، بل و كذا النصوص قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيّما سقط ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة» (1).

و نحوه خبر بريد عن أبي جعفر عليه السلام: «الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك» (2).

و ذكر أحد الحدين و الاستغناء عنه بذكر الحدّ الآخر شائع في المحاورات، فلا وجه للإشكال عليه بأنّه غير متعرض للعرض.

(37) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة، و ظهور الاتفاق، و موثق عمار: «ما

ص: 427


1- الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 3.

المسمّى بمقدار الدرهم قطعا و الأحوط عدم الأنقص (38) و لا يعتبر كون المقدار المذكور مجتمعا (39)، بل يكفي و إن كان متفرّقا مع الصدق

______________________________

بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» (1).

و في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «إذا مس جبهته الأرض فيما بين حاجبه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» (2).

فهو نص في كفاية المسمّى، و عنه عن أبي جعفر عليه السلام أيضا:

«فاسجدوا على المروحة، و على السواك و على عود» (3).

و أما صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطيها الشعر هل يجوز ذلك؟ قال: لا حتّى تضع جبهتها على الأرض» (4).

فمحمول على الفضل بقرينة غيره- كما تقدم.

(38) خروجا عن خلاف الشهيد في الذكرى، و نسب إلى كثير من الأصحاب التحديد بالدرهم، لذكره فيما مر من صحيح زرارة، و خبر الدعائم:

«أقلّ ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر الدرهم» (5).

و لكن في صحيح زرارة: «قدر الأنملة» أيضا و الظاهر كونه أقلّ من قدر الدرهم، و خبر الدعائم قاصر سندا و معارض لصحيح زرارة فتحمل على أقلّ المجزي في الفضل دون أصل الوجوب، مع أنّه لو كان تحديد صحيح في البين لشاع و ذاع في هذا الأمر العام البلوى كيف و قد شاع الخلاف.

(39) للأصل و الإطلاق، و ما دل على صحة السجود على الحصى (6)،

ص: 428


1- الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 4.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 5.
5- مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
6- راجع الوسائل باب: 2، و باب: 13، و باب: 14 من أبواب ما يسجد عليه.

فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة إذا كان مجموع ما وقعت عليه الجبهة بقدر الدرهم (40).

مسألة 2: يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه

(مسألة 2): يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه (41)، فلو كان هناك مانع أو حائل عليه أو عليها وجب رفعه حتّى مثل الوسخ (42) الذي على التربة إذا كان مستوعبا لها بحيث لم يبق

______________________________

و احتمال الانصراف إلى السطح المتصل بعيد، مع أنّ الصلاة على حصيات المسجدين كانت معهودة منذ عصر المعصومين عليهم السلام.

(40) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(41) لظواهر الأدلة، و إجماع فقهاء الملة، و في خبر البصري: «سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض، قال عليه السلام: لا يجزيه ذلك حتّى تصل جبهته إلى الأرض» (1).

و في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال عليه السلام: إذا مس شي ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» (2).

و كذا غيرهما من الأخبار.

(42) الوسخ على أقسام:

الأول: ما يكون من مجرد اللون.

الثاني: ما شك في أنّه من مجرد اللون أو أنّ له جسمية مع عدم سبق الجسمية.

الثالث: ما كان له جسمية و لكن كان مقدار السجود مجتمعا أو متفرقا فارغا عنه.

الرابع: ما كان له جسمية و كان مستوعبا لجميع موضع السجود و لم يكن

ص: 429


1- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.

مقدار الدرهم منها و لو متفرقا خاليا عنه، و كذا بالنسبة إلى شعر المرأة الواقع على جبهتها (43) فيجب رفعه بالمقدار الواجب، بل الأحوط إزالة الطين اللاصق بالجبهة (44) في السجدة الأولى. و كذا إذا لصقت التربة

______________________________

شي ء منه فارغا.

الخامس: ما يشك في أنّه لو أو جسم مع سبق الجسمية. و في الكلّ يصح السجود، للأصل و الإطلاق و الاتفاق إلا الأخيرين، كما هو واضح.

(43) للإجماع، و ظواهر الأدلة، و لما تقدم من صحيح ابن جعفر عليه السلام.

(44) ما يكون على الجبهة بعد السجود أقسام: فإما أن يكون لونا محضا، و إما يشك في أنّه لون محض أو أنّ له جسمية مع سبق عدم الجسمية، و إما أن يكون له جسمية لكن مع فراغ مقدار مسمّى السجود مجتمعا أو متفرقا، و الحكم في هذه الصور صحة السجود و عدم وجوب الإزالة. و إما أن يكون له جسمية.

و إما أن يشك في جسميته مع سبقها، و هل تجب الإزالة في هذين القسمين؟

وجهان: صرح في كشف الغطاء بعدم صحة السجود حينئذ مع الاختيار.

و استدل له تارة: بقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّها محكومة بالإطلاقات.

و أخرى: بأنّه مع لصوق الطين بالجبهة و وضعها ثانيا للسجدة الثانية لا يصدق تعدد السجود. و فيه: أنّه خلاف الوجدان و العرف الحاكمين بالتعدد حتّى مع اللصوق. و ثالثة: بأنّه ليس من وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، بل يكون من وضع الطين عليه. و فيه: أنّ الطين الملصق غير ملحوظ مستقلا بنظر العرف و المناط كلّه إحداث هيئة السجود، و قد حصل عرفا، و الأدلة منزلة على العرفيات.

نعم، لو شك في شمول الإطلاقات لمثل هذا السجود، فالمرجع قاعدة الاشتغال، لأنّ التمسك بها حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

و لا وجه لصدق السجود بالانحناء الخاص، و إحداث هيئة السجود مع ما يصح السجود عليه فلا وجه للتشكيك في ذلك.

ص: 430

بالجبهة فإنّ الأحوط رفعها بل الأقوى وجوب رفعها إذا توقف صدق السجود على الأرض أو نحوها عليه (45)، و أما إذا لصق بها تراب يسير لا ينافي الصدق فلا بأس به (46)، و أما سائر المساجد فلا يشترط فيها المباشرة للأرض (47).

مسألة 3: يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار

(مسألة 3): يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار (48) و مع الضرورة يجزئ الظاهر (49)، كما أنّه مع عدم إمكانه لكونه مقطوع الكف أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكف فالأقرب من الذراع و العضد (50).

______________________________

(45) تبيّن مما سبق عدم التوقف، و أنّ المناط إحداث الهيئة، و هو حاصل، و لو مع لصوق التربة على الجبهة.

(46) للإطلاق و الاتفاق، و السيرة في الجملة.

(47) بضرورة من المذهب، بل الدّين، و نصوص كثيرة:

منها: خبر أبي حمزة عن أبي جعفر: «قال عليه السلام: لا بأس أن تسجد و بين كفيك و بين الأرض ثوبك» (1).

و منها: صحيح زرارة عنه عليه السلام أيضا: «و إن كان تحتهما- أي اليدين- ثوب فلا يضرك، و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» (2).

(48) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و لسيرة المسلمين عليه خلفا عن سلف، و التأسي بصاحب الشريعة، و لأنّه المنساق من الإطلاقات عرفا.

(49) لقاعدة الميسور، و الإجماع مع احتمال التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير.

(50) كلّ ذلك لقاعدة الميسور المعمول بها بين الفقهاء في المقام.

ص: 431


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
مسألة 4: لا يجب استيعاب باطن الكفّين أو ظاهرهما بل يكفي المسمّى

(مسألة 4): لا يجب استيعاب باطن الكفّين أو ظاهرهما بل يكفي المسمّى (51) و لو بالأصابع فقط أو بعضها.

نعم، لا يجزئ وضع رؤوس الأصابع مع الاختيار (52)، كما لا يجزئ لو ضم أصابعه و سجد عليها (53) مع الاختيار.

مسألة 5: في الركبتين أيضا يجزئ وضع المسمّى منهما

(مسألة 5): في الركبتين أيضا يجزئ وضع المسمّى منهما و لا يجب الاستيعاب (54).

و يعتبر ظاهرهما دون الباطن (55). و الركبة: مجمع عظمي الساق

______________________________

(51) للأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و أولوية كفاية المسمّى في باقي المساجد عن كفاية مسجد الجبهة. و أما قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي بصير: «إذا سجدت فابسط كفيك على الأرض» (1).

فمحمول على الندب، للإجماع، كما أنّ قول الجواد عليه السلام فيما رواه العياشي: «إنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف»(2).

مع ضعفه سندا لا يدل على تعين تمام الكف للسجود في حال الاختيار.

(52) لكونها حدّ اليد، و الحد خارج عن المحدود و لا تشمله الإطلاقات ما لم تكن قرينة في البين على التعميم.

(53) لأنّه حينئذ من السجود على ظاهر اليد، و تقدم عدم جوازه مع التمكن من السجود على الباطن.

(54) للأصل و الإطلاق، و الإجماع، مضافا إلى تعذره غالبا.

(55) لكونه خلاف المعهود، بل هو متعذر نوعا.

ص: 432


1- الوسائل باب: 19 من أبواب السجود حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب حد السرقة حديث: 5.

و الفخذ، فهي بمنزلة المرفق من اليد (56).

مسألة 6: الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كلّ منهما

(مسألة 6): الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كلّ منهما (57) دون الظاهر أو الباطن منهما، و من قطع إبهامه يضع ما بقي منه، و إن لم

______________________________

(56) الركبة من المبينات العرفية يعبّر عنها في الفارسية ب (زانو)، و الأخبار الواردة في المقام تشتمل على الركبتين، كما تقدم، و على عيني الركبة، كما في صحيح حماد (1)، و الظاهر ملازمتهما عند وضع الركبة على الأرض في حال السجود، و يجزي وضع كلّ ما يسمّى ركبة عرفا، و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف امتداد الساجد و عدمه.

(57) الأخبار الواردة في المقام مشتملة على الرجل، كخبر القداح عن الصادق عليه السلام: «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه و رجليه و ركبتيه، و جبهته» (2).

و على الإبهامين أيضا، كما تقدم في صحيح زرارة (3)، و على أنامل الإبهامين، كما في صحيح حماد عن الصادق عليه السلام: «و سجد على ثمانية أعظم: الجبهة، و الكفين، و عيني الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الأنف، فهذه السبعة فرض، و وضع الأنف على الأرض سنة» (4).

و مقتضى الصناعة تقييد الأولين بالأخير، و مقتضى إطلاقه كفاية وضع الأنملة من الإبهام كيفما تحقق، سواء كان برأسه أم ظهره أم بطنه. و دعوى الانصراف الى خصوص الأول غير ظاهرة، بل ممنوعة بحسب الاستعمالات، إذ الأنملة بحسبها هو العقد الأعلى من الإصبع، لا خصوص رأسه و طرفه.

فما ذهب إليه جمع من الفقهاء من تعيين طرف الإبهامين، إن كان دليلهم الانصراف إليه فلا وجه له، و إن كان دليلهم أصالة التعين عند الدوران بينه و بين

ص: 433


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 8.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 2.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

يبق منه شي ء أو كان قصيرا يضع سائر أصابعه، و لو قطعت جميعها يسجد على ما بقي من قدميه، و الأولى و الأحوط ملاحظة محلّ الإبهام (58).

مسألة 7: الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها

(مسألة 7): الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها (59). و إن كان الأقوى عدم وجوب أزيد من المقدار الذي يتحقق معه صدق السجود و لا يجب مساواتها في إلقاء الثقل و لا عدم مشاركة غيرها معها من سائر الأعضاء كالذراع و باقي أصابع الرجلين.

مسألة 8: الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة

(مسألة 8): الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة (60)

______________________________

التخيير، فهو على فرض تسليمه إنّما يكون فيما إذا لم يكن إطلاق في البين لا في مثل المقام الذي ورد فيه الإطلاق.

و لذا ذهب جمع من الفقهاء (قدس سرهم) إلى كفاية وضع كلّ من الطرف و الظهر و البطن، و هو المناسب للسهولة في هذا الأمر العام البلوى خصوصا بالنسبة إلى سواد الناس غير المتوجهين إلى هذه الجهات.

(58) كلّ ذلك لقاعدة الميسور، و إطلاق الرجل بعد تعذر القيد.

(59) إلقاء الثقل على الأعضاء حين السجود تارة قهريّ طبيعيّ، و أخرى عمديّ اختياريّ، و الأول حاصل بالطبع قصد أم لا، و الثاني و إن أمكن توجه التكليف به، لكنه لا دليل عليه إلا دعوى انصراف الأدلة إليه، و هو ممنوع لصدق السجود، سواء ألقى الثقل على الجميع بالتساوي أم بالتفاضل. و بالجملة مقتضى الأصل و الإطلاق و الصدق العرفي عدم وجوب إلقاء الثقل على جميع الأعضاء، و عدم وجوب التساوي فيه على فرض الإلقاء.

(60) لأنّ دعوى انصراف الأدلة إليها قريبة جدا، و التمسك بالإطلاق مع الشك في الصدق تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية. نعم، لو صدق السجود عند العرف على مطلق وضع المساجد السبعة بأيّ نحو اتفق، فمقتضى الأصل

ص: 434

و إن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأيّ هيئة كان ما دام يصدق السجود كما إذا ألصق صدره و بطنه بالأرض، بل و مد رجله أيضا، بل و لو انكب على وجهه لاصقا بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور. لكن قد يقال بعدم الصدق و أنّه من النوم على وجهه.

مسألة 9: لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر

(مسألة 9): لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات- فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا جاز رفعها و وضعها ثانيا كما يجوز جرها (61).

______________________________

و الإطلاق عدم اعتبار هيئة خاصة ما دام يصدق عليها السجود عرفا و الظاهر الصدق و الانصراف إلى المعهود إنّما هو من أنس الذهن.

(61) البحث فيه تارة: بحسب الأصل و الإطلاق، و أخرى: بحسب الأخبار الخاصة:

أما الأول: فمقتضى الأصل جواز كلّ من الرفع و الجر و أشكل عليه بوجهين: أحدهما يعم كلا من الرفع و الجر، و ثانيهما: يختص بالأخير.

أما ما يعم كلا منهما، فهو أنّ الوضع على المرتفع إن كان مع العمد فهو من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان سواء جر بعد ذلك رأسه أم رفع و وضع، و يأتي في [مسألة 4] من (فصل الخلل الواقع في الصلاة) عدم الفرق فيها بين ما إذا كانت من الأجزاء أو من غيرها.

و دعوى: أنّه مع الجر يكون الوضع الأول من مراتب الهوي إلى السجود، فلا اثنينيّة في البين حتّى يكون أحدهما زائدا.

(مردودة): بأنّ العرف يراهما شيئين متباينين، و إن كان مع عدم العمد سواء كان عن غفلة أم خطإ، فلا إشكال من هذه الجهة و تصح الصلاة، لحديث «لا تعاد الصلاة»(1)، و الظاهر أنّ مفروض المتن هذه الصورة.

ص: 435


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

و إن كان بمقدار تصدق معه السجدة عرفا فالأحوط الجر (62)،

______________________________

و أما المختص بالأخير، فهو أنّ السجود المأمور به إنّما هو خصوص الوضع المتصل بالهويّ و عدم تخلل شي ء في أثناء الهويّ و مع الجر تخلل الوضع الأول بين الهويّ و السجود و المأمور به فلا يجزي الجر.

(و فيه): أنّ مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار ذلك، و على فرض اعتباره يختص بحال العمد دون غيره، فصح قوله: «جاز رفعها و وضعها ثانيا كما يجوز جرها» هذا ما يقتضيه الأصل و الإطلاق.

أما الأخبار الخاصة ففي خبر حسين بن حماد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال عليه السلام: ارفع رأسك ثمَّ ضعه» (1).

و ظهوره في غير العمد مما لا ينكر كما أنّ ظهوره في الرخصة أيضا كذلك، لعدم إفادة الأمر في مقام توهم الحذر أزيد من ذلك، و عنه عليه السلام في صحيح ابن عمار: «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرها على الأرض» (2).

و النبكة هي الأكمة المحدودة الرأس، و في خبر حسين بن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع أحوّل وجهي إلى مكان مستو؟ فقال عليه السلام:

نعم، جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» (3).

و طريق الجمع حمل الأخيرين على مجرد الرجحان مع قوة احتمال عدم كونهما مرتبطين بالمقام، بل ورد فيها إذا لم يكن اعتماد الجبهة على المحل، فيجب الجر حينئذ إلى محلّ يمكن الاعتماد عليه.

(62) ما يعتبر في السجود يمكن أن يكون مقوّما له بحيث ينتفي بانتفائه

ص: 436


1- الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 4.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 2.

لصدق زيادة السجدة مع الرفع (63) و لو لم يكن الجر فالأحوط الإتمام و الإعادة (64).

______________________________

و يمكن أن يكون واجبا صلاتيا في حال السجود، فعلى الأول لا إشكال في جواز الرفع لو تحقق فاقد الشرط بخلاف الثاني فلا يجوز رفع الرأس للزوم الزيادة، بل يجب الجر إن أمكن، و مع عدم الإمكان يأتي حكمه، و الظاهر من إطلاق أدلة السجود هو الثاني، و لا يعارض بإطلاق أدلة الصلاة، إذ لا إطلاق لها يصح التمسك به سواء قلنا بالصحيح أم بالأعم كما ثبت في محلّه، و لكن استظهر في الجواهر أنّ تحديد مقدار الانحناء من قيود أصل السجود الشرعي لا الصلاة، إذ لا ريب في تقوّمه بانحناء خاص و مع اختلاف تحديده عرفا و شرعا، فالمرجع فيه هو الشرع.

و فيه: أنّ صدق السجود عرفا على الموضع المرتفع بأزيد من مقدار لبنة في الجملة مما لا ينكر، فيكون التحديد الشرعي واجبا صلاتيا لا مقوّما سجوديا، و على أيّ تقدير يكون الجر في المقام مبرئا قطعيا بعد ما تقدم من عدم اعتبار اتصال السجود المأمور به مع الهوي الأول الصادر عن المصلّي.

(63) الجزم بذلك متوقف على أن تكون واجبات السجود مقوّمة له لا أن تكون واجبا صلاتيا.

(64) منشأ الاحتياط احتمال صحة الصلاة بناء على كون المساواة واجبا صلاتيا و فات محلّه، فتصح الصلاة لا محالة، لحديث: «لا تعاد الصلاة» (1) و احتمال بطلانها من جهة زيادة السجدة. و فيه: أنّ زيادة السجدة المبطلة مبنية على كفاية السجود العرفي و عدم كون المساواة شرطها لها و إلا فلم تتحقق زيادة سجدة مبطلة، فيجب عليه الإتيان بالسجدة لبقاء محلّها و يتم صلاته و لا شي ء عليه، و قد مر أنّه لا وجه للجزم بقوله رحمة اللّه عليه «لصدق زيادة السجدة مع الرفع» إلا بناء على كفاية السجود العرفي في ثبوت الزيادة و هو مشكل، و على

ص: 437


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
مسألة 10: لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه

(مسألة 10): لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر و لا يجوز رفعها لاستلزامه زيادة السجدة (65) و لا يلزم من الجر ذلك و من هنا يجوز له ذلك مع الوضع على ما يصح أيضا لطلب الأفضل أو الأسهل و نحو ذلك (66). و إذا لم يكن إلا الرفع فإن كان الالتفات إليه قبل تمام الذكر فالأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة (67)، و إن كان

______________________________

فرض صحة الجزم به لا وجه للاحتياط في قوله (فالأحوط الجر)، و قوله:

«فالأحوط الإتمام»، بل لا بد من الفتوى بوجوب الجر في الأول، و وجوب الإعادة في الثاني، فكلامه مختل النظام كما لا يخفى.

(65) علّل الحكم به في لسان جمع منهم: صاحب الجواهر، و هو مبنيّ على أن تكون الواجبات السجودية واجبات صلاتية لا مقوّمة سجودية حتّى يكون الثاني بعد الرفع من زيادة السجدة و قد اختار صاحب الجواهر كون المساواة من المقوّمات السجودية و أشكلنا عليه فيما تقدم و لا فرق بين المساواة و ما يصح السجود عليه، بل الثاني أولى بأن يكون مقوّما سجوديا و مقتضى ذلك جواز الرفع أيضا و حيث استظهرنا من إطلاقات أدلة السجود أنّ واجباته صلاتية لا يجوز الرفع هنا، لاستلزامه الزيادة، و لكنه مع ذلك مشكل. نعم، يكون الجر مبرئا على أيّ تقدير إن لم نقل باعتبار إحداث الهوي إلى ما يصح السجود عليه في أصل السجدة و لكنه من مجرد الاحتمال.

(66) و لكن لا ربط له بالمقام، لأنّه يمكن في المقام التشكيك في السجود بالنسبة إلى الوضع الأول باحتمال كون ما يصح السجود عليه من المقوّمات السجودية، فلا يتحقق سجود بالنسبة إليه بخلاف المثال، لأنّ الوضع الأول سجود قطعا و الفرق بينهما واضح و القياس باطل.

(67) لقاعدة الاشتغال بناء على عدم الاستظهار من الأدلة أنّ الواجبات في حال السجود مقوّمات سجودية أو واجبات صلاتية. و أما بناء على استظهار الأول فيرفع رأسه و يسجد و لا شي ء عليه، و كذا بناء على الثاني لأنّه بناء عليه و إن تحققت زيادة السجدة، لكن مقتضى حديث (لا تعاد الصلاة من سجدة و تعاد من

ص: 438

بعد تمامه فالاكتفاء به قويّ (68) كما لو التفت بعد رفع الرأس و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.

مسألة 11: من كان بجبهته دمل أو غيره

(مسألة 11): من كان بجبهته دمل أو غيره فإن لم يستوعبها و أمكن سجوده على الموضع السليم سجد عليه و إلا حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض (69)، و إن استوعبها أو لم يمكن بحفر الحفيرة

______________________________

ركعة)(1) الصحة، لفرض أنّ الأولى وقعت سهوا، فيشمله الحديث، و لكن يمكن أن يقال: إنّه بإتيان الثانية ينطبق عنوان الزيادة العمدية على المأتي بها أولا قهرا بدعوى: أنّ ظاهر الكلمات أنّ الزيادة العمدية المبطلة أعم عما إذا كانت قصدية أو انطباقية و الإنصاف أنّ هذه الفروع غير منقحة، لعدم إجماع صحيح و لا مستند صريح، فلا بد من الاحتياط فإنّه سبيل النجاة.

(68) يجري جميع ما تقدم في سابقة هنا أيضا و لا وجه للقوة إلا إذا ثبت بدليل معتبر تنزيل الفراغ من الذكر منزلة رفع الرأس من السجود و لا دليل عليه من إجماع أو نص.

و أما ما عن الحميري عن الناحية المقدسة: «أنّه كتب إليه يسأله عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فكتب إليه في الجواب: ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» (2).

فمع أنّه في النافلة المبنية على المسامحة إجماله و عدم عامل بإطلاقه أسقطه عن الاعتبار.

(69) للإطلاق، و الإجماع، و خبر مصادف قال: «خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب فرأى أبو عبد اللّه عليه السلام أثره فقال: ما هذا؟ فقلت: لا

ص: 439


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الركوع حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 6.

أيضا سجد على أحد الجبينين (70) من غير ترتيب (71) و إن كان الأولى و الأحوط تقديم الأيمن على الأيسر (72)، و إن تعذر سجد على

______________________________

أستطيع أن أسجد من أجل الدمل، فإنّما أسجد منحرفا فقال لي: لا تفعل ذلك و لكن احفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض» (1).

(70) الإجماع، و لم نجد في الأخبار ذكرا عن الجبينين، ففي مرسل عليّ بن محمد قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها، قال: يضع ذقنه على الأرض إنّ اللّه تعالى يقول: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً» (2).

و عن إسحاق بن عمار- في حديث- قال: «قلت له بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد قال: يسجد ما بين طرف شعره، فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن، قال فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، فإن لم يقدر فعلى ذقنه قلت: على ذقنه؟! قال: نعم، أما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ يخرون للأذقان سجدا» (3).

فهذه الأخبار ساكتة عن ذكر الجبينين، و لكن بضميمة الإجماع المسلّم يتم الحكم و يقيد إطلاق الأخبار.

(71) للأصل بعد عدم دليل على الترتيب يصح الاعتماد عليه.

(72) نسب وجوب تقديم الأيمن على الأيسر إلى الصدوقين رحمهما اللّه و استدل لهما تارة: بالفقه الرضوي: «و إن كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذر عليه فعلى قرنك الأيسر» (4).

و أخرى: بما في خبر ابن عمار من تقديم الأيمن على الأيسر. و ثالثة:

بأصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير في ذلك. و الكلّ مردود:

ص: 440


1- الوسائل باب: 12 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب السجود حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب السجود حديث: 1 و 2.
4- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 1.

ذقنه (73)، فإن تعذر اقتصر على الانحناء الممكن (74).

مسألة 12: إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن

(مسألة 12): إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن مع رفع المسجد إلى جبهته (75) و وضع سائر المساجد في محالّها (76). و إن لم يتمكن من الانحناء أصلا أومأ برأسه (77) و إن لم

______________________________

أما الأول: فبقصور السند. و أما الثاني: فبعدم العمل به في مورده. و أما الأخير فلأنّه لا يصلح إلا للاحتياط و الأولوية و منه يظهر وجه الاحتياط عند جمع من الأعلام.

(73) نصّا، و إجماعا، و تقدم في خبر عليّ بن محمد، و إسحاق بن عمار (1) المعوّل عليهما في المقام.

(74) لقاعدة الميسور، مضافا إلى الإجماع، و لكن الأحوط تقديم السجود على الأنف، مع إمكانه، لأنّه أيضا ميسور المعسور على الوجه، و مع إمكانه لا تصل النوبة إلى غيره، و قد تقدم في مسائل القيام بعض ما ينفع المقام، فراجع.

(75) للإجماع، و النص، ففي خبر الكرخي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال: ليؤم برأسه إيماء و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء- الحديث-» (2).

و يقتضي ذلك كلّه قاعدة الميسور أيضا.

(76) لإطلاق أدلة وجوبه مع إمكان الامتثال، و تقتضيه قاعدة الميسور إلا أن يستشكل في الأول بأنّ وجوب وضع سائر الأعضاء مقدمي محض لوضع الجبهة، و في الأخير بأنّه مباين مع السجدة لا أن يكون من ميسورة فيصلح الوجهان للاحتياط و إن لم يصلحا للفتوى.

(77) لما تقدم من خبر الكرخي، مضافا إلى الإجماع.

ص: 441


1- الوسائل باب: 12 من أبواب السجود حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب السجود حديث: 1.

يتمكن فبالعينين (78) و الأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكن من وضع الجبهة عليه (79)، و كذا الأحوط وضع ما يتمكن من سائر المساجد في محالّها (80) و إن لم يتمكن من الجلوس أومأ برأسه و إلّا فبالعينين (81) و إن لم يتمكن من جميع ذلك ينوي بقلبه (82) جالسا أو قائما إن لم يتمكن من الجلوس و الأحوط الإشارة باليد (83) و نحوها مع ذلك.

مسألة 13: إذا حرك إبهامه في حال الذكر عمدا أعاد الصلاة احتياطا

(مسألة 13): إذا حرك إبهامه في حال الذكر عمدا أعاد الصلاة احتياطا (84) و إن كان سهوا أعاد الذكر إن لم يرفع

______________________________

(78) للنص، و الإجماع و قد تقدم في [مسألة 15] من (فصل القيام) فراجع.

(79) لما مر من خبر الكرخي: «و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد».

و تدل عليه قاعدة الميسور.

(80) إن كان الإيماء بدلا عن خصوص وضع الجبهة كان لهذا الاحتياط وجه، بل يمكن القول بالوجوب، لقاعدة الميسور. و أما إن كان بدلا عن أصل السجود بما له من الخصوصيات، فلا وجه لهذا الاحتياط و المنساق من الأدلة هو الأخير كما لا يخفى على الخبير.

(81) لإطلاق بدلية الإيماء لجميع حالات التعذر و أما كونها من ميسور السجود، ففيه إشكال لكونهما متباينين عرفا.

(82) لوجوب النية مقدمة لتعيين الذكر للسجود و إلا يكون تعيينه له من الترجيح بلا مرجح.

(83) بناء على أنّها ميسور الإيماء بالرأس و العين، فلا تسقط بما تعسر و قد مر في بحث القيام ما ينفع المقام.

(84) لوقوع الذكر بقصد الجزئية و فاقدا للشرط، فيكون من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان، و لكن الحركة تارة: تكون بحيث توجب فقد أصل الطمأنينة

ص: 442

رأسه (85) و كذا لو حرك سائر المساجد (86). و أما لو حرك أصابع يده مع وضع الكف بتمامها فالظاهر عدم البأس به لكفاية اطمئنان بقية الكف (87). نعم، لو سجد على خصوص الأصابع كان تحريكها كتحريك إبهام الرجل (88).

مسألة 14: إذا ارتفعت الجبهة قهرا من الأرض قبل الإتيان بالذكر

(مسألة 14): إذا ارتفعت الجبهة قهرا من الأرض قبل الإتيان بالذكر فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانيا حسبت سجدة (89) فيجلس

______________________________

عرفا، فتجب الإعادة حينئذ. و أخرى: تكون بحيث لا ينافي ثبوت أصلها في الجملة، و الاحتياط بالإعادة في هذه الصورة كما لا يخفى.

(85) لقاعدة الاشتغال مع بقاء المحل.

(86) لاتحاد الدليل في الجميع، فينطبق الحكم على الكلّ قهرا.

(87) لما تقدم في [مسألة 4] من كفاية المسمّى و المفروض ثبوت الطمأنينة فيه فيجزي قهرا.

(88) لكن تقدم في [مسألة 4] عدم كفاية السجود عليها مع الاختيار و لو كان في حال الاضطرار، فيجزي إصبع واحدة، لتحقق المسمّى بها و لا بأس بحركة البقية كما لو وضع الكف.

(89) لتحقق المسمّى بها، فيشملها الإطلاق. و أما فوات الذكر، فإن كان واجبا صلاتيا يسقط وجوبه، لفوات محلّه، و مقتضى حديث «لا تعاد» (1) صحة الصلاة إن قلنا بشموله للخلل الاضطرارية أيضا. و لو قلنا باختصاصه بخصوص السهو، فمقتضى حديث رفع الاضطرار الوارد مورد التسهيل و الامتنان ذلك أيضا. نعم، لو كان الذكر مقوّما سجوديا لا يحسب المأتيّ به سجدة واحدة، لفوات مقوّمها و ما له دخل في تحققها، و لكنه مشكل إن لم يكن ممنوعا.

ص: 443


1- الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 6.

و يأتي بالأخرى إن كانت الأولى، و يكتفي بها إن كانت الثانية، و إن عادت إلى الأرض قهرا، فالمجموع سجدة واحدة فيأتي بالذكر، و إن كان بعد الإتيان به اكتفى به (90).

مسألة 15: لا بأس بالسجود على غير الأرض و نحوها مثل الفراش في حالة التقية

(مسألة 15): لا بأس بالسجود على غير الأرض و نحوها مثل الفراش في حالة التقية (91) و لا يجب التفصّى عنها بالذهاب إلى مكان

______________________________

(90) لأنّ تحلل العدم بين وضعي الجبهة إن كان لأمير غير اختياري لا يعتني به و لا يضر بالوحدة العرفية و ان أضرّ بها بحسب الدقة العقلية، و لكن الأدلة الشرعية منزلة على الإنظار العرفية لا الدقيات العقلية، و لو ابتنت على الدقة العقلية تكون ما بعد العود سجدة أخرى لتخلل العدم بينهما، و لكنه خلاف بناء الفقه مطلقا لأنّه مبني على العرفيات، دون الدقيات، و يمكن أن يستأنس من التوقيع الرفيع ان رفع الرأس لمطلق الحاجة في أثناء السجدة ثمَّ وضعه لا يضرّ بالوحدة، فقد كتب الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل: «عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فكتب إليه في الجواب ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» (1).

فإنّ المنساق منه أنّ رفع الرأس للحاجة كطلب الخمرة ثمَّ الوضع لا ينافي الوحدة، فيكون التعدد قصديا لا أن يكون قهريا.

و لباب المقال: أنّ الأقسام ثلاثة: الأول: قصد كون الثانية سجدة أخرى. الثاني: قصد كونهما من متممات الأولى و لو كان الرفع من الأولى اختياريا لضرورة و حاجة. الثالث: كون الرفع و العود كلاهما غير اختياري و مقتضى إطلاق التوقيع صحة الوسط أيضا، فكيف بالأخيرة و هو الذي تقتضيه السهولة الدينية مهما مكن للشارع في الأمور الابتلائية.

(91) لعمومات التقية و هي كثيرة جدا يرغب إليها بالسنة شتّى و قد أشرنا إلى

ص: 444


1- الوسائل باب: 8 من أبواب السجود حديث: 6.

آخر (92). نعم، لو كان في ذلك المكان مندوحة بأن يصلّي على البارية أو نحوها مما يصح السجود عليه وجب اختيارها (93).

مسألة 16: إذا نسي السجدتين أو إحداهما، تذكر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليها

(مسألة 16): إذا نسي السجدتين (94) أو إحداهما، تذكر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليها، و إن كان بعد الركوع مضى إن كان المنسي واحدة و قضاها بعد السلام و تبطل الصلاة إن كان اثنتين، و إن كان في الركعة الأخيرة يرجع ما لم يسلّم. و إن تذكر بعد السلام بطلت الصلاة إن كان المنسي اثنتين و إن كان واحدة قضاها.

مسألة 17: لا تجوز الصلاة على ما لا تستقر المساجد عليه

(مسألة 17): لا تجوز الصلاة على ما لا تستقر المساجد عليه كالقطن المندوف و المخدة من الريش و الكومة من التراب الناعم أو

______________________________

جملة منها في مباحث الوضوء (1)، و لأنّ الأمر يدور بين ترك الصلاة رأسا و بين ترك مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه، و الأخير متعين عقلا و شرعا و عرفا، و المنساق من مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض الصحة و الإجزاء، لورودها مورد التسهيل و التيسير على الشيعة، و إيجاد الألفة بينهم و بين العامة، و القضاء أو الإعادة تشديد على الشيعة و إلقاء للبغضاء بينهم و بين العامة لو اطلعوا عليه.

(92) لإطلاق جملة من أخبار التقية (2) الواردة مورد البيان الذي لا وجه للتقييد فيها، فيستفاد من مجموعها أنّها من أهم جهات المجاملة بين فرق المسلمين، و حفظ الوحدة بينهم حتّى يظهر شمس الحقيقة و يزول الاختلاف من بين الأمة.

(93) لانصراف أدلة التقية عن مثله، و تقدم في [مسألة 32] من (فصل أفعال الوضوء) ما ينفع المقام فراجع.

(94) هذه المسألة مكررة و يأتي تفصيلها في [مسألة 15] من (فصل الخلل) فراجع و لا وجه للتكرار.

ص: 445


1- راجع ج: 2 صفحة: 381.
2- راجع ج: 2 صفحة: 381.

كدائس الحنطة و نحوها (95).

مسألة 18: إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التام للسجدة بين وضع اليدين على الأرض و بين رفع ما يصح السجود عليه و وضعه على الجبهة

(مسألة 18): إذا دار أمر العاجز عن الانحناء التام للسجدة بين وضع اليدين على الأرض و بين رفع ما يصح السجود عليه و وضعه على الجبهة فالظاهر تقديم الثاني (96) فيرفع يديه أو إحداهما عن الأرض ليضع ما يصح السجود عليه على جبهته و يحتمل التخيير (97).

______________________________

(95) لما دل على اعتبار الاستقرار و الطمأنينة في السجود و الصلاة، و قد تقدم في الثالث من شرائط السجود، و في [مسألة 25] من (فصل مكان المصلّي) هذا إذا عدم الاستقرار حدوثا و بقاء. و أما لو كان ذلك حدوثا فقط و بعد الاستقرار شرع في الذكر صح و لا شي ء عليه، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ.

(96) لقاعدة الميسور، و لكنه فيما إذا أمكن الانحناء في الجملة و وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، و أما إذا لم يمكن ذلك و كان التكليف مجرد الإيماء، فلا وجه، لأنّ الإيماء بدل عن السجود الواجب بتمام حدوده و قيوده، و مع تحقق البدل بتمامه لا وجه لمراعاة بعض شرائط المبدل و طريق الاحتياط هو التكرار رجاء.

(97) ظهر مما مرّ من التفصيل أنّه لا وجه له.

«و الحمد للّه ربّ العالمين»

محمد الموسوي السبزواري- النجف الأشرف

ص: 446

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.